يستخدم الشاعر التونسي تقنية الإيميل في مرثيته للشاعر العراقي الكبير سركون بولص الذي فقدته الحياة الشعرية العراقية والعربية في الشهر الماضي.

إيميل متأخّر إلى سركون بولص

Sargonboulus@aol.com

يوسف رزوقة

مع ذلك، أرسله
في الواقع، ليس مهمّا، إطلاقا، هذا الإيميل

مجرّد هلوسة لا أكثر

كي تنسى  سركون "الأوّل والتّالي"

من أجل "حياة قرب الأكروبول"
على خلفيّة أنّ "العقرب في البستان"
وأنّ "مدينة أين" "أساطير وتراب"

من يحمله "فانوسك في ليل ذئاب" يبدو أطول من أرق امرأة حبلى بوحوش لا تحصى
"إن كنت تنام"، بلا حرّاس محتملين لذاكرة المنفى، "في مركب نوح"؟

سل جبران

أو انس الواقع والموضوع برمّته

لتترجم للهلعين من الشّعراء ، وأنت هناك، "رقائم روح الكون"

في الموصل،

ذات خريف مشحون،

من عام كذا

هل تذكر ذلك يا سركون وقد مرّت سنوات؟
ضاق الفندق بالشّعراء

فلذنا بالتّاريخ

وبالطّرف الثّاني من دجلة

حيث العطر الآشوريّ يبعثر ما فينا من أسئلة واطمئنان
"هو ذا أثر الإنسان وما أخفى"
وأشرت عليّ بأن أنسى بغداد إلى حين
لأراها أجمل في الإنسان

وفي ما لم يكتبه الفاعل والمفعول به
مازحتك يومئذ:
انزع نظّارتك السّوداء إلى حين
لترى الأشياء كما هي يا سركون
وأذكر أنّك مازحت امرأة كانت تبكي رجلا
هل كان ككلّ رجال الشّرق؟

دعيه

ولا تدعي ماكياجك

يفسده دمع الخنساء

تمرّ الآن بذاكرة الأنهار
فينهض في شعراء العالم شيء منك

وأنت العابر من كركوك، إلى بغداد، إلى بيروت، إلى  برلين

ومن برلين، إلى سان فرانسيسكو
المهد الرمزيّ الأوّل والمثوى
لك أن تتسلّى الآن بفتح ملفّات أخرى

وتترجم، من تحت الأرض، الكتب الممنوعة للدّيدان

ولي أن أودع صندوق استقبالك هذا الإيميل المتأخر
من يدري
قد تفتحه، يوما ما، ريح ما

أو قد لا يفتحه أحد
بتعلّة أنّ الشّاعر قد لا يرحل مثل عموم النّاس
وقد يبقى، من ثمّة، حارس "غرفته المهجورة"
ينهض  كلّ مساء ...
كي يتصفّح كلّ رسائله المتروكة في الكومبيوتر

من يدري.