المواطن البلجيكى الذى تناثرت أشلائه فى المطار ومحطة المترو الاسبوع الماضى يعمل عشر ساعات يوميا (عملا منتجا)، ويدفع 50 % من دخله ضرائب لسداد اعانة البطالة الشهرية التى تدفع لقاتله، وكذا راتب امام المسجد الذى حرض على قتله، بالإضافة لسداد راتب المعلم الذى يعلم الدين فى مدارس الحكومة، أو بالأحرى يحقن الاطفال الابرياء بجرعات مقننة من الكراهية للمجتمع الذى آواهم وأطعمهم وأسكنهم، والا بماذا نفسر ظاهرة أن من قاموا باعتداءات ارهابية في فرنسا وبلجيكا ولندن ومدريد أغلبهم ولدوا ونشأوا وتعلموا في حضن ورعاية وعلى نفقة البلاد التي رفعوا لواء كراهبتها وتدميرها.
وبلجيكا التي يتمتع كل من يقيم على أرضها بواحد من افضل النظم الصحية في العالم، هي من أوائل دول أوربا التي تعترف بالدين الإسلامي كديانة لقسم من مواطنيها، ظنا من هؤلاء السذج الذين يطبقون قوالب بلاستيكية عن حقوق الانسان أن ذلك هو السبيل للاندماج في هذه المجتمعات، وهى قوالب تكلست عفا عليها الزمن، لان الانسان الذى أنشأوا هذه القوانين من أجله هو الذى خرج منهكا من حروب وصراعات وظلم واستبداد وتمييز وابادة، وهو الذى صنع نهضة جديدة للإنسانية، هذا الانسان فقط هو من يجب تقديس حقوقه في الحرية التي صنعها بجهد وعرق ودموع ودماء قرنين من الزمان، نعم عرق ودموع ودماء بذلها مئات الملايين من البشر سويت بلادهم بالأرض في حروب طاحنة، لكنهم عادوا الى الحياه أقاموا أوطان على أسس جديدة وعهد جديد يحترم الانسان وحقوقه وحريته، ونهضوا ولم يغلقوا حدودهم أمام مستجير راغب في أمان، أو معوز راغب في أجر نظير عمل، لكن نصف القرن الماضي أفرز نمطا جديدا من البشر، بشر كفروا بالإنسان نفسه، فكيف يعترفون بحقوقه. بشر استبدلوا العقائد التي أنزلها الله لتشيع السلم والطمأنينة في النفوس وتصبح القلوب مستودعا للحب، استبدلوها بتأويلات تشيع البغض والكراهية بين الناس وتصبح القلوب مستودعا للديناميت، فهل يستحق مثل هؤلاء حقوق، هؤلاء الذين تحولوا لوحوش كاسرة تعيث في الكوكب قتلا وعنفا ودماء، هل يستحقون أصلا اللقب السامي لقب انسان هؤلاء الذين أصبح هدفهم الاول والوجيد هو تدمير الحضارة الانسانية كلها.
نعود للقارة الساذجة التي تتعامل بأنماط يوتوبيا أهل الكهف، ولم تدرك موجات الارتداد البشري عن الانسانية التي حدثت في نصف القرن الماضي في مناطق من العالم فموجة الهجرات الاولى الى أوربا وهم الأتراك الذين ساهموا بقوة في بناء أوربا بعد الحرب، هؤلاء لم يكن لهم اتجاه أيديولوجي متطرف، فهم خرجوا من تركيا (أتاتورك ) الى ألمانيا المهزومة في الحرب، وهؤلاء ورغم أنهم أكبر جالية في ألمانيا وربما في كل أوربا لم يشكلوا في مجموعهم خطرا على موطنهم الجديد، فهؤلاء ذهبوا بحثا عن عمل وغير محملين بأيديولوجيا غير اسلامهم المعتدل، وهو أقرب الى الاسلام الصوفي الذى ينبذ العنف، كما كان اختلاف اللغة وعداؤهم للعرب عاملين مساعدين في عدم انتشار الافكار السلفية في مجتمعاتهم .
أما مسلمي شمال أفريقيا فقد ذهبت موجاتهم الاولى في الثمانينات محملين بأفكار السلفية الوهابية ومبدأ العودة الى الاندلس، ذهبوا محملين بأفكار العدل والاحسان والنهضة ومدارس القرآن وعلى بلحاج والغنوشى وسيد قطب، وكل التيارات التي مولها أتباع ابن عبد الوهاب في تونس والمغرب والجزائر وليبيا ومصر ودول شرق افريقيا، ومولوا نظام تعليم ديني مواز للتعليم الرسمي في هذه الدول خارج عن أي اشراف تربوي للدولة، ممول من ثروة النفط التي انفجرت بلا مقدمات، وما حدث في الجزائر وما يحدث اليوم في ليبيا وتونس ومصر والصومال ونيجريا ومالي وغيرها الا ناتج هذا التعليم، هؤلاء هم مسلمي شمال افريقيا المسامير التي تدق كل يوم في نعش القارة الساذجة، نعم كل يوم وهى لاتفعل شيئا سوى ايقاد الشموع على بقايا دماء مواطنيها المتجلطة على حوائط وأرضيات المطارات ومحطات المترو، وهى تعلم أنه مع توافر هذا الكم الهائل من الكراهية التي تدعمها نصوص كتب ابن تيمية وابن القيم وابن عبد الوهاب والمتوافرة بالألاف على رفوف مكتبات المركز الإسلامي في بروكسل وعيرها من مدن كل أوربا، ومع سخاء التمويل الهادر والبيئة الحاضنة فهناك أحياء عدة في باريس وبروكسل ومدن كثيرة أصبحت جيتوهات مغاربة يعرفون جيدا بعضهم ويعرفون جيداعن بعضهم ويشكلون تربة مثالية لتربية وتقريخ هؤلاء. مع كل هذه العوامل لا يمكن لأي تدابير أمنية مهما كانت كفاءتها أن توقف شابا عن أداء خدمه لألهه طمعا فى المكافأة المضمونة، المكافأة المنصوص عليها فى كل الكتب وهى مالم تره عين ومالم تسمع به أذن من الحور العين الكواعب ومعهم الغلمان الذين لا يكبرون.
ولقد ساهم في هذه المأساة صعود النفط وانفجار الثروة فى جزيرة العرب، وبدء تحويل الفوائض المالية على بنوك أوربا بل وانشاء بنوك ومؤسسات لإدارة هذه الفوائض، مما جعل دول الخليج التي تملك هذه المليارات تستطيع التأثير في سياسات دول كثيرة في أوربا تحت ضغط مشاريع كبرى هنا وهناك، والترهيب بسحب الاستثمارات أو تقليلها أو الترغيب بضخ استثمارات جديدة وزيادة القديمة، من هنا عاشت هذه الاقليات تحت الحماية النفطية فتمددت وتناسلت بحرية، وساهم ساسة من القارة الساذجة ممن حكموا فى نصف القرن الماضي تحت الحاح الحاجة للنفط والاستثمارات، ساهموا فى تغيير التركيبة السكانية والنمط الثقافي والسلوكي لبلجيكا بالذات، والعلامة الوحيدة التى ستدل على أن أوربا قد أفاقت من هذا السبات المدمر هو أن يتم محاكمة كل من تولى مسئولية سياسية فى نصف القرن الماضى، وكل من قدم هذه التسهيلات لهذه الاعداد لتصل الى مايقرب من عشر عدد السكان، وهل يمكن أن يكون الحد الآمن لنسبة المهاجرين فى أى بلد هو عشر عدد السكان؟ وخصوصا في بلد تعداده 11 مليون، ويعانى من مشاكل اندماج عرقي وسيأسى بين مكوناته الأصيلة، والآن وقد بدا القلق والخوف من المستقبل يتصاعد فماذا عن القادم، ان سيناريوهات عدة تعرض نفسها وكلها منطقية، فهل تتعاظم التيارات النازية فى كل أوربا وتتعاطف مع بعضها ويبدا الصدام مع (الغرباء) والدعوة لطردهم، وهل تصعد أحزاب يمينية متطرفة وتتولى مقاليد الحكم وقد بدأت مقدمات هذا السيناريو تظهر بوضوح في فرنسا وألمانيا، أم يهبط سيناريو من السماء وتنهار أسعار النفط ويكف هؤلاء السفهاء عن تبذير ثروات بلادهم وهدرها في كل أرجاء الكوكب، والالتفات لشعوبهم التي تعانى الامرين وشبابهم المغيب واطفاء الحرائق التى أشعلوها فى المنطقة وحولوها غابة من المخيمات بسبب الصراع الديني المقيت .
ان السكوت المدلس عن تسمية الأشياء بأسمائها سيقود القارة الساذجة الى الانتحار، فاذا أردتم انقاذ شعوبكم من هذا المصير المدمر فعليكم ايقاف هذه المهزلة بكل الطرق، مهزلة استقبال غزاه باسم الانسانية وحقوق الانسان، اكشفوا لشعوبكم عن الداعمين والممولين الحقيقيين لهذه العمليات، ضحوا باستثمارات ستفقدكم حقوقكم وحضارتكم وثقافتكم وتقودكم الى الانتحار، توقفوا عن دعم هذه الكيانات والدفاع عنها اغلقوا مقراتها وامنعوا أنشطتها في بلادكم لتنقذوا العالم وبلادكم، توقفوا عن دعم المتطرفين في ليبيا وتونس ومصر، ارفعوا ايديكم عن سوريا وادعموا مصر فان قضى على الارهاب في مصر سيقضى عليه في كل الكوكب، توقفوا عن دعم هذه المجزرة في اليمن، قفوا في وجه السعودية وايران واسرائيل، تعاونوا مع روسيا فهي الاقرب لكم ثقافة وجغرافيا، وتوقفوا عن التبعية الذليلة لأمريكا، فأمريكا بعيدة أما أنتم ففي قلب المعمعة، ان فعلتم تنجو قارتكم من مصير محتوم.