تعلن الشاعرة الإيرانية من الأهواز، مريم كعبي، عن قوة انتمائها للأرض وللمكان والذي تصبغ عليه الكثير من أحاسيسها ومشاعرها وتستعيد بعضا من ألقه ووضعه اليوم في ظل اكتساحه من طرف الغرباء، المكان هنا يتحول لكتلة من قيم الانتماء والصمود في أفق التحرر النهائي.

يا شعيبية الصمود!... اِنتشلينا من هذا الوحل!

مريـم كعـبي

يا شعيبية الخير!

يا وطناً يجرى في الوريد!

يا نجمةً تضيء الأفق من خلف الأديم!

سواسية العدم اِكتَسحت ناظري وتهتُ عن الطريق

أين أطلالك ؟

وجَبيني مُلتهب

لا فَيءَ يأويني!

ولا ظِلَّ نَجا مِن الغَرَق

أين أَفْياء السدر وأكاليل الزهر

 والفراشاتُ تنحبُ في الخيم

أين بَيادِر الحنطة وأهَازيج الحَصاد

والأطفال عدّت أحلامها بسنابل الذهب

وأفاقت من نومها على ويلات الالم.

*

الحزن يمطر في مآقيك

وتبكي أحلامي مُرضِعتها

وأرتجفُ في المنام

من غزا اصطفاف الغَرَب في شواطئك؟

ماذا فعل بذكرياتنا هذا الغريب؟

هل أغرقَها معك في الوحل؟.

*

يا ارضَ! مغزولة من سنابلِ القمح ورائحة الأرز

مَن إِسْتَلَبَ ضفائرَك في نيساننا المنسي؟

ولم ينشفْ دم عشاقك على الأرض بعد.

*

من أشقانا بين ليلة وضحاها

وطعنَ أقْفاءنا الهشة بالسكّين

من أراق دماءنا ليخضّبَ كفَّ الصحراء

ويقتاتَ عِظامَنا لطواحين الطغاة

لم يكن هو نهرنا الشَجِي، نهرنا المجروح

وكم غَمامة عابرة داعبته ولم ينكث الوعود

لم يكن هو حبيبك السجين بين الأنابيب

من سَطا على الشرائع وليلة عرس الحقول

فنحن فرشنا موائدنا الفارغة على شفاهه

حافظنا على عيونه بأبصارنا

لم يكن هو مَن غَصَب الحَبّ مِن أفواه العصافير

ولم ننسَ ذراعَه النحيل

كيف يحضن أطفالنا العراة في لهيب الصيف

وعيونَه الباكية

التي سعفت ظمأنا رغم ظمأه

وأقدام الحفاة التي اِحتذت بشطآنه

لم يكن هو مَن غزانا

***

بل ثعبان الجبال الذي إِمْتَصَّ دم سهلنا

الثعبان الكبير الذي التفَّ على أعناق قرانا

لم يرض برضانا

لم يصبر على موتنا البطيء

وانقضَّ على عنق حياتنا

خنق النهر النحيل في ظل عاصفة هوجاء

ليتربّع في فراغه

وعَدا إلينا فاتحا ثغره المريع

ينفث السموم في القُروح

يغزو البيوتَ والحقول

يلاحق المواشي والطيور على التُلُول

ويغرق الأطفالَ بين الدموع والسيول

قُبالة خيمنا  الورقية

مُتَّكِئا على ضغائنه الإسمنتية

 يشرب شايه المَمْلُوء بالسكر

ويتباكى علينا: آه من سَوط القَدَر!

***

فأسحبي غدك الأخضر من يده الطويلة!

وتطيبي بالرائحة القمح المدفون

لملمي جراحك! يا بلسم الأحزان!

فأين نلتقي بطفولتنا بعدك؟

وأين نزرع أحلامنا بعدك؟

أين نلتقي بحتة[1] بعدك؟

والأرض كلها بياض في بياض!

يا عمارية[2] من الزمن الغابر!

يا شوكة في عين الغزاة!

لا حصنَ يحمينا بعدك!

والثعابين تقترب إلى القلب

الأهواز تئن بين الخوف والوجع

ونحن أطفالك الأمس!

أصبحنا عبُ على الغد!

مختبئين في هامش النص

نبلل شفاهنا بهفوات النحو

لم تعد تعرفنا الشوارع

ولا الأغاني في المقاهي

تضرب على الوتر

أصبحنا المنفيين في الوطن

في استراحة الغِربان

نتحسَّس الرصيفَ بعكازين مشدودين إلى الأمس

نتحاشى الشمس ونرجع بقشرة سُكَّر إلى الأسفل!

فيا شعيبية الصمود!...اِنقذي حلمك!

وانتشلينا من هذا الوحل!

تسلقي نخلة من الماضي البعيد!

أو جبلا من الماضي القريب!

أو شعاع ضوء من الغد!

وتاريخك يشهد بالمجد

كم من امرأة سكبت عمرها زيتا في مصابيح جنانك

وكم من رجل عانق الأرض واقفا

ونام بين أطيافك.

 

[1] حتة: حاتم الكعبي من ثوار الاهواز القدامى

[2] العمارية: المراة  التي كانت ترافق الفرسان و المقاتلين في ميدان الحرب و الكفاح و تحثهم علي القتال