جائزة التكوين للديوان الأوَّل

أعلنت دار التكوين/ دمشق عن نتائج جائزتها الشعرية للديوان الأوَّل في دورتها الثانية 2016، واختيار المجموعتين الفائزتين لهذه الدورة. وكانت الدار قد حددت في إعلان سابق بدء تلقيها للمخطوطات المشاركة بتاريخ 29/3/2016 وانتهى موعد استلام المخطوطات بتاريخ 15/5/2016. وبلغ عدد المجموعات التي وصلت الدار حتى نهاية الموعد المقرر: 117 مجموعة شعرية موزعة على النحو التالي: سوريا: 37، العراق: 22، مصر: 11، المغرب: 14، الجزائر: 13، تونس: 7: فلسطين: 7، ولبنان: 6 مجموعات.

وفي المرحلة الأولى قامت الدار بقراءة لجميع المجموعات الـ 117، ورشحت 15 منها، كقائمة نهائية أحالتها إلى اللجنة المكوَّنة من الشعراء: نزيه أبو عفش، ومحمد مظلوم، وعادل محمود، وسامي أحمد. التي قامت بقراءة المجموعات المرشحة وتقييمها، وإبداء رأيها النقدي، وقد لاحظت اللجنة، في لمحة عامة للمجموعات المرشحة، هيمنة واضحة لشكل قصيدة النثر، وندرة أقرب للانحسار للقصيدة الموزونة، وكذلك شحَّةً في التنوُّع في التجارب التي تنوس بين مجاراة السائد، والتذكير بأصوات معروفة في الشعر العربي، كما لاحظت توجهاً يشبه التواطؤ، يعبر عن انبهار زائد بقصيدة المقطع والصور الشعرية المبعثرة، إزاء ندرة في الاشتغال على البناء والنموّ المتقنين للقصيدة.
واختارت اللجنة مجموعتين شعريتين من بين المجموعات الـ 15 المرشَّحة وهما: «الأسود الذي لا ترينه» لمحمد يويو، مواليد المغرب 1987. وجاء في مسوِّغات منحه الجائزة: ما يميز هذا الشاعر اعتناؤه بالقصيدة، فهي تتحرك بترسَّل، وتنمو على مهل، بين تلك البدايات الغامضة، حتى النهايات القابلة للتأويل المتعدد، وبذلك تتفادى قصيدتُهُ اللهاثَ والتداعي، في اختزال داخلي وأناقة مبسطة في البناء، وتتناغم فيها الفكرة مع الصورة بانسياب أليفٍ، وإذا تبدو عبارته مسترخية، وصُورُهُ ملتقطة بتأنٍ، فإنها متوترة من الداخل بذلك «الأسى الشفيف» بفعل صورة غير مبهجة عن العالم، يعتكف إزاءها صوت الشاعر نحو الداخل ويستغرق في التأمل، واستلال حيرة الأعماق، ليقدم لنا تجربة أليفة لقصيدة المونولوج، لكنه ليس المونولوج أحادي النبرة تماماً، حيث الفرد والآخرون بلا صخب ظاهر يتسللون في ذلك الظلام الداخلي. وحيث البحث في «الأسود» الذي يبدو فضاء الرؤيا الخاصة غير المتاحة للجميع. وهكذا تلتبس، أو بالأحرى تنقلب، الأنا بالأنت في تشيؤ للذات بمواجهة مأزق الخارج:


«أنت حيث أنت
تمثالٌ مقلوب
لو أنّنا قلبنا التماثيل ستراها تلوّح لك
لك أنتَ..حيث أنتَ
.....
صدرُكَ الطافح بمناقير الغربان
يزدحمُ بمفكّرات الغرقى المبكّرين
أنت حيث أنت»


وهو بهذا المعنى شعر التأمل والبصيرة الداخلية ونموذج واعد من الشعر الشخصي. ذلك الشعر الذي يزهد بالقضايا «الكبرى» دون أن يخسر انحيازه لقضية الإنسان الوجودية في حيرته ومتاهته. في فنائه ومصيره.
ومن أجواء المجموعة:


«قصيدة «موتى من زُجاج»:
رأينا من عادَوا منهمْ إلى النبعِ عُراةً
من غيرِ دوائرِ الرمل
تقولُ دائرةٌ:
«
أشكالها تدعو للريبة..
كلُّ القبور مستطيلة»
سنستحدثُ أشكالاً جديدة
المربَّعُ أخو المستطيل
والمثلث..
بهذا سينعمُ الفانون بتسليةٍ أكبر»
«
حرب/ ورقة/ مقصَّ» لرامة عرفات، مواليد سوريا: 1987.


وجاء في مسوغات منحها الجائزة: نموذج طيب، وإن كان قاسياً، لراهن المشهد الشعري في اللحظة السورية الحرجة، فهو شعر من باطن المأساة، لكنه لا يفتقر إلى الرؤية الواضحة وسط الدخان، قصائد يتجلى فيها الصوت الأنثوي في الحرب [برهافة الالتقاط والحنو على ما هو مؤلم، دون أن تجعل تلك الأنوثة مأزقاً شخصياً أمام الذكورة] وبهذا، فقد نجت قصيدتها، إلى حد معقول، من الندب الأنثوي والتفجُّع النفعي الذي اعتدناه مؤخراً في النصوص التي تقارب الحالة السورية. وهي [تخبرنا عما نعرفه، لكن بطريقة تجعلنا نتعرَّف على ما نشعر به] بيدَ أنَّ هذا الصوت الأنثوي ليس مهيمناً بشكل تام على المناخ العام للمجموعة، إذ تستعير أحياناً صوت المذكر، ليس في الضمير المجرد، بل وأحياناً بالهوية الفنية لخلق تماهٍ فني مع الموضوع.

تتموَّج في شعرها الصور الحادة، الخاطفة، وإن كانت تتبعثر أحياناً، وتهرب من نول النسيج، بعثرة تبدو أحياناً، ترجيعاً للقوة الاهتزاز وفداحته في المشهد من حولها:

«الأشجارُ كمنجاتٌ

لا يُمكنُها أنْ تضحكَ في أيدي النّجّارين»


......
«
ترابٌ يجيءُ ويذهب
كما لو أنَّ وردةً تَلِدُ على خاصرتي»
ومن أجواء المجموعة:
«
ونحنُ البلاد
تَوجّعَتْ
قالت: تَعِبْنَا
اختصرتِ اسمَها الطويلَ بحرفين
ونَسَتْ،
ثَنَتْ أكمامَ قمصانِها
نَزَعَتْ مفاتيحَ البيوتِ من جيوبها
ومَضَتْ،
ضَيَّعَتْ في المطاراتِ حقائِبَها
وبلغةٍ أجنبيّة ركيكةٍ كَذَبَت:
نجونا»


وكانت جائزة دار التكوين قد منحت في دورتها الأولى في العام 2009، للشاعرين: عمر الجفال من العراق، عن مجموعته: «خيانات السيدة حياة» ولينا شدود عن مجموعتها: «لا تشِ بي لسكَّان النوافذ»