لهذا العدد من الكلمة يحضر، من عام 1928 صاحب الفضيلة الذي يمهر مقالته بتوقيع "أزهري حر الفكر" ليسلط الضوء على سكونية شرائع الجامعة الأزهرية والصراع بين التيار السلفي والليبرالي في المؤسسة اللاهوتية.
في نصه تبدو مؤثرات علم الاجتماع الديني التي خصص لها دوركهايم (1858–1917) دراساته، وكان لها دور في بلورة فكر العديد من المثقفين العرب كطه حسين وعلي عبد الرازق من بين آخرين.
يؤكد كاتب المقالة الأزهري على الأصول الاجتماعية للقيم الأخلاقية والدينية وعلى دور السلطة الدينية في التفسير النفعي للشريعة وتحويلها إلى نصوص منزلة مجردة ومتعالية على البحث العقلاني، متعارضة بذلك مع روح عصرها ومساهمة في شرعنة النظام القائم وتسويغ ممارساته. كما يميز بوضوح بين الفكر اللاهوتي اليقيني والفكر العقلاني ويطالب بفصل قران الديني مع الدنيوي.
رغم استشهاد صاحب الفضيلة بما جرى مع الشيخ محمد عبده وتكفيره واتهامه بالتجديف من قبل أصحاب العمائم، تبدو تفاصيل القمع الفكري الذي مورس ضد "الاسلام وأصول الحكم" لعلي عبد الرازق عام 1925 و"في الشعر الجاهلي" لطه حسين عام 1926 وكأنها حاضرة في عمق نص المقالة دون أن تعلن عن نفسها مباشرة.
من جهة أخرى ألا يوعز ما أطلق عليه فضيلة الأزهري حر الفكر بعقلية القرون الوسطى براهن المجلس الأعلى للأزهر الذي يرأسه شيخ الأزهر؟
ألا يمكن القول بأن هذه العقلية لازالت حية تراكم تراث الفتاوي بدعوى ضرورة مواكبة الدين الحنيف لمتغيرات اليوم وحماية المسلم من فساد الأزمنة وفضاء الأمكنة العيانية والمفترضة.
من هنا انشغل علماء الإفتاء في أحكام من مثل حكم رضاع الكبير، حكم التصوير الفوتوغرافي، حكم مصافحة الرجل للمرأة الأجنبية، حكم رتق غشاء البكارة، حكم نقل وزراعة الأعضاء البشرية، وأخيراً فتوى معاقبة الصحفيين الذين ينشرون الإشاعات بـ 80 جلدة.
الجامعة الأزهرية
لصاحب الفضيلة الأستاذ صاحب التوقيع
1 – عقلية القرون الوسطى
لا نظن أن تعريفاً نضعه لتحديد "عقلية القرون الوسطى" يمكن بأي وجه من الوجوه، أن يكون مرضياً للكثيرين ممن يعتقدون أن هذه "العقلية" إذا تطورت أو انتابها التغيير بصورة من الصور؛ يتهدم ركن الدين، وينهار قائم اليقين، ويصبح الناس فوضى لا نظام لهم ولا أخلاق تردعهم عن فعل الشرور والآثام وارتكاب المعصيات، كأنما هم يعتقدون أن هذا النظام الاجتماعي هو من صنع يدهم ونتيجة من نتائج قوانينهم وشرائعهم التي يتذرعون بأن ينيلوها قسطاً من التأثير النفساني بأن يردوها إلى قوى الغيب، غير عالمين أن نظاماتهم وقوانينهم وشرائعهم إنما هي مظهر من مظاهر الاجتماعية، وتعبير بسيط عما يقوم في جسم الكل الاجتماعي من الحاجات التي يتطلبها وجوده؛ وأنها في ذاتها عرض لا جوهر، وأن الاجتماع أصل، إدراكه على صورة قريبة من الواقع، مرهون على أن نفهم من تلك الشرائع والقوانين والمعتقدات أنها أهم مظاهره؛ لا أنها في ذاتها جوهر، الاجتماع عرضه، وأنها علة، نظام الأشياء الإنسانية معلولها.
يعتقدون خطأ بأن الشرائع علة في وجود الحالة الاجتماعية، في حين أن عكس هذه النظرية صحيح من كل الوجوه. هم لا يقولون مثلاً بأن الشرائع حرمت السرقة لأنها مضرة بالاجتماعية، بل يقولون، بأن حظر السرقة علة في وجود الاجتماع. كأنما هم بذلك يحاولون أن يثبتوا أن الحالة الاجتماعية الطبيعية مرهونة على بقاء شرائعهم كما هي، وأن هذه الشرائع إذا تغيرت أو تطورت، تهدم ركن الاجتماع، على معتقدهم.
لهذا وحده يعزى السبب في جمود عقلية القرون الوسطى وعجزها عن مسايرة الاجتماع الإنساني في ترقيه التدريجي نحو الغايات العليا. ولا جرم أن هذا هو السبب في الصدام الذي وقع في القرون الوسطى بين الكنائس وأهل العلم؛ ويعزوه بعض الناس خطاً إلى نزعة الدين نفسه، وما ذلك من نزعة الدين في كثير ولا قليل.
هذه العقلية، إذا أردنا أن نعرفها تعريفاً دقيقاً، لم تصبح في نظرنا أكثر من أنها الصورة الذهنية التي تتركز حول مجموعة من المزاعم المنقولة أو الشرائع التي يدعى بأنها منزلة، وحول تفسيراتها التي يفسرها بها أئمة الدين ورؤساؤه، فتؤخذ على أنها ثابتة لا مبدل لها، فتقضي على الطريقة العقلية التي تحاول أن تصفي هذه المنقولات الإخبارية من أثر الوهم والأساطير.
هذه العقلية بذاتها هي العقلية التي قامت عليها الجامعة الأزهرية، وعليها تقوم إلى الآن. ولقد كان لهذه العقلية آثارها البعيدة في مشاعر الناس وتصوراتهم على مدى العصور والأجيال. فهي التي صدت تيار التقدم الإنساني وهي التي عاقبت "العقل" على نزعاته الحرة، وهي التي ادعت خلال العصور أنها السنة التي سنها الله لخلقه في الأرض، وأنها الكفيلة بالخلاص الآخروي، وأنها تملك الدينوية الصغرى، وأن الله يملك الدينونة الكبرى.
ولقد تربع على عرش هذه العقلية ملوك وأمراء، حفت بهم هيئات مختلفة من رجال الدين. استمدوا سلطتهم من نبع واحد وناءوا بعقليتهم هذه على الجماهير يقتلون فيها حب البحث والحرية تخليصاً لهم في أخراهم بأن يهدوهم في دنياهم، في حين أن تاريخ هذه الفئات؛ التي أعتقد خطأ بأنها ظلال الله فوق الأرض؛ لم يدل يوماً إلا على أنهم أشد الناس إسفافاً في النزعات وأنهم أكثر خلق الله طماعيه وتهالكاً على الحطام. فكأنهم بذلك لم يبتغوا نفع الإنسان ولا نفع الإنسانية، بل رموا إلى ترهيب الناس وترغيبهم ليستكينوا لأحكامهم خاضعين لترهاتهم، ليفوزا هم من طريق هذا الخضوع بالتمتع بالسلطة وحيازة الدنيويات.
ألم تر كيف سورت قصور العظماء والأمراء ورؤساء الدين بأسوار من الأحجار الصلدة والحديد، وقد ملئت جوانبها بالسراري وما ملكت الإيمان من الإماء والعبيد، وهنالك قامت المفاسق العامة تحت ستار الدين، وتحت عنوان أن هؤلاء هم ظلال الله فوق الأرض، تعالى الله عما يفترون علواً كبيراً؟
ألم تر كيف أن رؤساء الدين والأمراء الذين رضوا من الدنيا بالوهم الذي كان يبثه في روعهم هؤلاء، قد عمدوا إلى الدين يستغلون به القربانات. وبيع الغفرانات في القرون الوسطى؛ حتى فرغ ما في جيوب الناس وملئت خزائن معاهد الدين بالمال تقام به المذابح دماً وخديعة، وتبنى به المحارق لتلتهم به المحارق نيرانها أبر من أنجبت الإنسانية من أبنائها بالإنسانية؟
ولئن كانت معاهد الدين قد فقدت اليوم السلطة الدنيوية فإن العقلية التي كانت مفاتن السلطة الدنيوية عنواناً عليها، لا تزال باقية حتى اليوم بفؤوسها ومعاولها. ولو أفسح لها اليوم المجال لرجعت سيرتها الأولى تحت ستار آخر يناسب متقضى الزمان والمكان. هذه العقلية هي التي يجب أن نعمل على إلغائها وقتلها إذا أردنا للجامعة الأزهرية إصلاحاً صحيحاً قائماً على ما تتطلب المصالح الإنسانية من حاجات في العصر الحديث.
* * *
2 – حرية الفكر والتعليم الديني
قرأت منذ قريب محاضرة ألقاها أحد أصحاب الفضيلة عنوانها "القرآن وحرية الفكر" وكنت أود من صميم قلبي أن يكون ما قال صاحب الفضيلة صحيح، وأن لا ينصرف هذا الفرض على القرآن وحده، بل ينصرف على كل الكتب السماوية. يقول صاحب الفضيلة هذا القول في حين أن كلمة "الدين" وحدها؛ وهي التي تعتبر على المعنى المستمد من الكتب السماوية؛ لا تتفق وحرية الفكر بحال من الأحوال. ذلك لأن الدين في مظهره الخارجي "تسليم" وفي مظهره الباطني تأثير مما "فوق العقلية" تخضع له المشاعر.
هذا هو التحديد الصحيح لما نعني بالدين، ولما نعني بالكتب المقدسة. إذن لا يجب علينا أن نخلط هذا الخلط الفاحش في تحديد المدركات. فقد كان هذا الخلط سبباً في أن يقوم بين فئات كثيرة مسائل خلافية ما أنتجت إلا أسوأ النتائج للدين وغير الدين.
إن أول أثر يترتب على الأخذ بالطريقة العقلية في التفكير هو الصراع بين العقائد وبين المعقولات. لهذا يجب أن نفصل فصلاً تاماً بين حرية الفكر والتعليم الديني. فالتعليم الديني يجب أن يقوم على القواعد الأساسية التي وضعت في فلسفة الأديان مع تصفية البرامج من الأشياء التي ثبت علمياً بأنها غير صحيحة. فالدين والتعليم الديني يجب أن يلجآ إلى التأمل، وأن يخضعا إلى حاجات اليقين، قبل أن يخضعا إلى حاجات العقل، على أن يكونا في خضوعهما هذان مسايران لمقتضى الحالات الأولية التي تتطلبها سعادة المجتمع.
لهذا لا نقول مطلقاً بأن الدين يجب أن يخضع لحرية الفكر. كما نقول بأن حرية الفكر لا يجب أن تخضع مطلقاً للدين. وما نقصد إلى شيء إلا أن نخلق حالة عقلية تبرر وجود الحرية الفكرية؛ باعتبارهما من الأشياء التي يحتاح إليها المجتمع ذهنياً، حاجته إلى الغذاء والكساء طبيعياً.
نريد أن يقوم بين الطرفين "تفاهم" يبرر به وجود كليهما على قاعدة أن تحرير الفكر لا يترتب عليه إلغاء الدين، ولا أن التعليم الديني يترتب عليه إلغاء العقول. فإنا إذا استطعنا أن نغرس هذه الفكرة في الجامعة الأزهرية؛ نكون قد بلغنا في جيل واحد ما بلغته أوربا في قرون.
* * *
3 – العنصر الجديد في الأزهـر
في الأزهر عنصر جديد هو نجم يلمع في دياجير هذه الجامعة الكبرى. وكما يعبر الأوربيون لدى قيام ما يدل على وقوع حوادث جديدة بقولهم "إن في الشرق نجماً جديداً" نقول بأن في سماء الأزهر ضوء يلمع. وشعاعاً يرسل بخيوطه المضيئة إلى أغوار العقلية التي قام عليها الأزهر منذ أبعد أزمانه.
يتكون هذا العنصر الجديد من بضعة أفراد لا يزالون يعدون على أصابع اليدين، عرفوا ما تقوم عليه الجامعة الأزهرية من المناقص فحاولوا أن يصلحوا، لا باليد، ولا بالقوة، ولكن باللسان فقط، فأبعدتهم العقلية القديمة عن الإدارة، ونفتهم إلى مقاعد للتدريس لا يمكن أن ينتفعوا بها ولا أن ينتفع بهم الطلبة فيها الذين يحضرون عليهم، وبذلك مثل رجال الإدارة في الأزهر الرواية القديمة التي كانت تمثل في القرون الوسطى على صورة تلائم مقتضى الزمان والمكان.
ولنا في الماضي القريب عظة. فإن الأستاذ محمد عبده لو لم يتربع على عرش الأزهر، وعلماء الأزهر راغمين، لما قامت من حوله تلك الضجة الكبرى؛ ولنفي كما ينفي اليوم أترابه من علماء الأزهر، إلى معهد من المعاهد التي لا يمكن أن يسمع له فيها صوت، أو يكون للأحجار التي تبنى بها جدرانه صوت يتردد. ولماذا نذهب بعيداً، ألم يكفر محمد عبده في نظر الأزهر؟ ألم يقم له علماء الأزهر دينونة صغرى، فحكموا عليه بالتجديف؛ وعينوا له المنزلة التي ينزلها من منازل جهنم، فقال بعضهم أنها سقر؛ وقال البعض أنها الباب السابع في الجحيم؟
هذا العنصر الجديد؛ الذي بدأ محمد عبده بوضع العقلية التي قام عليها، هو العنصر الوحيد الذي يجب أن يكون له اليد الطولى في نظام الأزهر. ومن التحكم في إدارته ووضع برامجه. وما هذا العنصر على وجه التحديد إلا أولئك الأفراد الذين يجلون الدين باعتباره شيئاً محصوراً في النفس، ويجلون العقل باعتباره مبدأ تحتاج إليه الحياة الإنسانية. هم لا يلغون العقل، ولا ينزلون الدين عن منزلته الحقيقية، فبذلك جمعوا بين حاجات الدنيا والآخرة. هم النجم الجديد اللامع في سماء الأزهر، وهم لدى الواقع نواة الإصلاح. هم أشبه الناس من حيث حرية الفكر والاستمساك بقواعد الدين، بذلك الرجل الانجليزي الكبير والفيلسوف المعروف الأسقف "انج" الذي يقول على الرغم من تدينه الشديد:
"يوجد ثلاث صور تتشكل فيها الأفكار، كما تتشكل المواد الكيماوية، وهي الجمادية والسائلية والغازية. أما الصورة الأخيرة فمظهرها الخطابيات والمناقشات الخلافية. والثانية مظهرها الكتب. والثالثة مظهرها أساتذة "العلم" الذين يعرفون كيف يقدسون العقل قبل كل شيء في هذا الوجود".
* * *
4 – الأزهـر والسياسة
ولست أدري كيف أن معهداً كبيراً كالجامعة الأزهرية، يجب في أول ما يجب عليه أنه ينصرف عن كل ما يخرج عن أفق الدين والعلم، يكون نواة للحركات الرجعية في السياسة، ويكون عاملاً من العوامل التي تمتد إلى صاحب كل نفوذ مصرياً أو أجنبياً، ثم يمكن أن ينكر منكر أن آثار العقلية القديمة لاتزال قائمة في رؤوس أهله.
لقد حررت النزعات الحديثة معاهد العلم عن السياسة. فلست تجد اليوم معهداً من المعاهد العليا له بالسياسة أقل احتكاك، أو يكون احتكاكه بها دليلاً ساطعاً عند أهل العلم بأنه خرج عن وظيفته الطبيعية التي أسس من أجلها. وعلى الضد من هذا نجد الأزهر، فإذا قويت يد السلطة الشرعية في البلاد كان الأزهر أول من يمد لها يداً. وإن انتعش حزب من الأحزاب كان الأزهر سنادته وعماده، وإذا تحركت السلطة الفعلية لتفتأت على حقوق البلاد، كان الأزهر أول من يدعي بأن مصر أقل البلاد حقاً في حكم نفسها. ولا نعني بالأزهر لدى الواقع إلا رؤوسه وذوو النفوذ فيه. ولا جرم أن لهؤلاء من السلطة في الأزهر ما يجعل كل سلطة بعدهم هباء أو فناء. فهم الأزهر والأزهر هم.
هم الذين مدوا يدهم لنابليون بونابارت بعد أن اتخذ من الأزهر مربطاً لخيله فكانوا عونه على مصر، وهم الذين تربعوا في مجالس الحكم ينفذون إرادة الغاصب، بينما كان سوقة المصريين يمعنون في الفرنسويين تقتيلاً، ويمعن فيهم بونابرت ذبحاً وتقطيعاً.
هم الذين نصروا سعد باشا رحمه الله، فإذا جرى عليهم الأصفر الرنان من خزائن حكومة غير حكومة سعد، نسي سعد ونسي الوفد ونسيت مصر، ونسيت الوطنية وطفئت حرارة الحماس للاستقلال، ولا آله إلا وزارة المالية، وما شاء الوزير كان.
وكم تنقل الأزهر من مصاف الوطنين إلى مصاف العقلاء، وكم أخذ بيد السلطة الشرعية ينصرها. فإذا مدت له السلطة الفعلية يداً، أنكر شرعية أهل الحكم وراح يناوئها لينال "غفران" أهل القوة. ولم نسى أن الدين يأمر بالبر والتقوى، ولم ينس أبداً "أطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم"، على أنهم نسوا الله والرسول وأطاعوا أولي الأمر، مع تفسير، أولي الأمر بحسب الأهواء والأغراض.
لا جرم أن هذه حالات لا تخلقها إلا عقلية عكفت على الأساليب التي ألفها العقل في القرون الوسطى. عقلية لا تعرف الدنيا إلا بقدر ما فيها من متعة، ولا تعرف الدين إلا بقدر ما يكون وسيلة لخدمة الدنيا. ولا شبهة عندي أن في إلغاء هذه العقلية ينحصر كل الإصلاح المنشود، فلنلغ عقلية الأزهر، ولنلغ الأساليب التي تجري عليها طرق التعليم لنفوز بجامعة أزهرية جديرة بالتقاليد التي يجب أن تكون لمصر في عصرها الجديد.
* * *
5 – تحليل السبب في الرجعية السياسية
إذا أردنا أن نحلل السبب في هذه الرجعية السياسية التي يمثلها الأزهر الشريف، فإنا لا نحتاج إلى شرح أو بيان في إثبات أنها موجودة بالفعل وأن أثرها ملموس. وإليك دليل واحد:
يتهم الناس حزب الأحرار الدستوريين بأنه حزب اللادينية، ويعرفون فوق هذا أن اسماعيل صدقي باشا من أساطين هذا الحزب. فلما مد إليهم يده بتحسين أحوالهم المعاشية من مرتبات ومكافات وغيرها، أصبح صدقي باشا، ممثل الأحرار الدستوريين، ناصر الدينية على اللادينية، وما شاء الله كان. وبهذا قال الأزهر والأزهريون، وبهذا أثبتوا نزعاتهم الرجعية في سياسة البلاد، على أنهم عنصر لا يستهان بقوته، ولا ينكر في السياسة أثره.
أما تحليل السبب في هذه الرجعية فمحصله أن عقلية القرون الوسطى بما فيها من ضعف التأليف بين المثل العليا في الحياة، لا تمكن الآخذين بها من الحكم على حقائق الأشياء حكماً بعيداً عن الأغراض الذاتية.
* * *
6 – الإصلاح المنشود – النتيجة
ينحصر الكلام في الإصلاح المنشود على شيء واحد هو:
"العمل على تحرير العقول من أثر العقلية القديمة. وليس معنى هذا أن نغير البرامج فقط، بل يجب أن تتغير أساليب الدرس والتفكير أيضاً".
أما النتيجة فتنحصر في:
"إن الأزهر سيظل عاملاً رجعياً في الدين والسياسة والعلم مادام بعقليته الحاضرة. فإذا أمكن القضاء على هذه العقلية، نكون قد أصلحنا الأزهر وخلقنا منه جامعة جديدة جديرة بما نتطلع إليه من مثل عليا في الحياة
أزهـري حـر الفكـر
العصور، مج2، ع11، يوليه 1928.