تنعي الكاتبة السودانية المرموقة هنا المناضل والمفكر الأردني ناهض حتر، وتنعي معه مرحلة كاملة من القيم الفكرية والإنسانية والوطنية السليمة، كان فيها العقل العربي قادرا على تحديد مواقفه، ومعرفة أولوياته الوطنية وتحديد أعدائه، وحماية مثقفيه الذين يدافعون عن هذه القيم ويشكلون ضمير أمتهم.

ناهض حتر المناضل المفكر المؤرخ الاعلامي الاردني

وصمت خذلان الجبناء عن التضامن معه حتى الموت

خديجة صفوت

كان آخر ما قيض لناهض حتر القيام به نشر كاريكاتير الرب التكفيري وكان قد افرج عنه في أوائل الشهر الماضي بكفالة مالية بعد اسبوعين من اعتقاله المتكرر جراء ما اعتبر تجاوزا من قبل السلطات الاردنية. ومن المذهل حقا، إن ناهض حتر، لم يكن حتى الاحد 25 سبتمبر 2016 فيما يبدو مشهورا بالقدر الذى بات عليه جراء اغتياله أمام دار العدالة بعمان. فقد قامت الدنيا فجأة منذ عصر الاحد 25 سبتمبر 2016 ولا تكاد تقعد بعد. فلماذا لا نعرف عن أهم مناضلينا ووطنيينا ومثقفينا وسياسيينا بالقدر الكافي الا بعد اغتيالهم او موتهم؟

من هو ناهض حتر؟
تقول الدكتورة بثينة شعبان المستشار الاعلامي والسياسي للقصر الجمهوري السوري الساعة 23.40 الاحد 25 سبتمبر 2016 في لقاء مع كمال خلف في برنامج المسائية على قناة (الميادين) «إن ناهض حتر عروبي ومقاوم وشريف ووطني ومثقف وإن اغتياله جزءا مما يجري في المنطقة من تكميم الافواه. ولم تنجح سياسة شراء الضمائر والقتل». فقد كان ناهض حتر مفكرا ومؤرخا وناشطا سياسيا ومناضلا يساريا مدافعا عن القضية الفلسطينية ومع المقاومة. كما "كان لناهض حتر حضورا اعلاميا وثقافيا" وقد عرف بقدرته الابداعية على إدانة التصور الداعشي للذات الالهية؛ وقياسا لم يكن قوله أو كاركاتيره تجديفا في الذات الالهية، وإنما العكس كان دفاعا عن الذات الالهية.

وقياسا فقد تعين ناهض حتر على مواجهة الصهيونية والفكر التكفيري والظلامي بلا هوادة. لقد كان ناهض حتر "يناضل ضد عملية اغتيال الفكر الثوري والثقافي واغتيال الذاكرة الموروثة، والموقف النضالي من أجل الحق والحقيقة، وضد الغاء المناضل لحساب المستهلك. وضد التفاهة وقد حلت مكان الثورة. وضد السطحي كونه بات يخصم على الحقيقي والاصيل، وعلى قيم حضارات بعينها وضد العولمة التي تخلق افرادا متشابهين لا يفكرون" او-وممنوعين من التفكير بصوت عال. وقياسا فقد كان ناهض حتر يناضل بفكره في مواجهة ما يدبر للدول العربية. ولعله كان مدركا بعمق كيف أن المشروع الصهيوني والتكفيري يخططان للدول العربية مصير الامم البائدة.

وتقول الدكتورة حياة الحايك، استاذ الاعلام بجامعة الاردن، إن ناهض حتر لم يحظ بتضامن شعبي او ثقافي ولا إعلامي الا بعد اغتياله. فلم يلق ناهض حتر في حياته لا من الشعب، ولا من قبل المثقفين والمفكرين، ولا من قبل الاعلام الأردني، شيئا من ذلك التضامن المدوي الا بعد اغتياله. ولعل ذلك كان السبب في ان اغتيال ناهض حتر كان مفاجأة لدى كثيرين، كما تقول الدكتورة حياة الحايك. فإن لم تثر قضية ناهض حتر "فقد كان هناك رعب من اثارة قضية حتر لأننا جميعا خشينا ان نتهم معه بالعيب في الذات الالهية". وكانت الصديقة الكبيرة الدكتورة لطيفة الزيات قالت يوم قتل شهدي عطية انه "لو كان المثقفون والمفكرون المصريون قد تضامنوا مع شهدي عطية لما قتل شهدي عطية."

وليس ذلك ذما في عهد عبد الناصر ابدا، ولكنها الظروف والملابسات التي احاطت بذلك العهد مما لا حاجة للاستطراد فيه الان. الا انه من المفيد تذكر ان ذلك الصمت يبقى حريا اليوم اكثر من اي وقت اخر، بان يخلق مناخا مواتيا للانتهازيات والانتهازيين أمثال تلك التي تحصد الجوائز في "ذل" جميع الانظمة، وذلك الذي ينتحل أبحاث من يأتمنه على توصيلها الى ناشر، واللص الاخر الذى يحترف سرقة اعمال غيره، خصما على الشرفاء والمناضلين مما يتساوى معه في هذا الزمان كلاب حراسة الموساد وازلام العولمة، وكل ما هو شاذ وناب ومعاد للقيم والثقافة والفكر الجسور الجريء النبيل.

ذلك ان مناخ التواطؤ غير المعلن او طلب السلامة ذاك حريا بأن يوفر لهاتيك الانتهازيات وأولئك الانتهازيين ان يسرحوا ويمرحوا بلا رقيب؛ وقد خلي لهن ولهم الجو والمجال ليفعلن ما يشأن ويفعلون ما يشاؤون، فيما يطرح معظم المفكرين والمثقفين انفسهم بوعي او بغير وعي بمثابة حاضنة رحبة لكل ما من شأنه الإشانة الى الفكر والثقافة والابداع بلا رقيب؛ وصولا الى افساد وتشويه الثقافة والفكر، الى نفي وانتفاء شرط الابداع مرة واحدة والى الابد. فان راح معظم المفكرين والمبدعين والمثقفين في سبات النوم في العسل، وقد ارتاح بعضهم على افتراض انهم يناضلون بمحض تبادل الإيميلات صباح مساء، مما قد يجعل ذلك النشاط في الواقع هو المطلوب.

وقياسا يبقى المجال من ثم واسعا مفتوحا لتبادل الإيميلات اليومية التي لا يزيد كتابها سوى ان يتحدث بعضنا الى انفسهم صباح مساء كساقية بلا ماء. الا ان المطلوب هو اخطر من ذلك بكثير، فهو الا يُعتد بما يقول امثال ناهض حترـ وان يُتفه كلام حتر الخطير بشان مصير الشعوب العربية والدول العربية. والسبب كما الحال دائما هو ان حتر لم يشهره الاعلام الغربي، بل العكس اطلق وراءه كلاب حراسته تنال من كل ما هو شديد الاهمية. فمعظم العرب لا يأبهون ناهيك عن ان يحتفلوا الا بمن يمجده الغرب-الرأسمالية الصهيونية العالمية والقبلية من المفكرين والمثقفين والكتاب العرب رغم علم الاذكياء منا على الاقل مثلا بان الرأسمالية –الصهيونية العالمية والقبلية- لا تتعين على إهالة الشهرة على غير من لا يتماهى معها بصورة كاملة واكثر.

المناضل يشارف الانسان الكامل:
ماكان أيسر على ناهض حتر ان يشتهر شهرة تسع الدنيا فقط لو انه تعين على التشهير ببلده وثقافته وحضارته وكل ما يدل عليهما، وكذا الاستعرار من مسيحيته الشرقية نفسها. ما كان ايسر على ناهص حتر ان يشتهر من ان يستدعي مسيحية الغرب ذات اليسوع الاشقر ازرق العينين او-و مسيحية طائفة الاوباس دي Opus Dei حتى يعلو التنكر لشرقيه مسيحية تاجا فوق راسه، ليغدو مفكرا يشار اليه بالبنان ما ان يهبط ارض هذه الجزر وغيرها فيطل عليك من فوق الشاشات الفضائية صباح مساء. فقد كانت واحدة من اخطر خطايا ناهض حتر انه لم يتنكر لمسيحيته الشرقية فيتمسح بالمسيحية الغربية تلك. فقد غدت تلك تهمة بدورها بمثابة تهمة العيب في الذات الإلهية، بل الاشد خطرا عليه من العيب في الذات الإلهية.

فقد بقي ناهص حتر على ايمانه الشرقي بالمسيح "ابن الا نسان". فان كانت المسيحية الغربية تدّعي أن المسيح هو ابن الرب وهو الرب والروح القدس، ف"تثلّث" المسيحية الغربية في تفرّعات جعلت الرب نفسه غربيا مما يسر احلال السوق مكان الرب، فلم ينفك السوق ان بات تلك الاوليجاركيات المالية لتغدو الاخيرة رب الارباب. الا ان المسيحية الشرقية لم تقل بمثل ذلك الرب يوما. فالمسيح عيسى ابن مريم المسيحي الشرقي، الطفل المقدس الذي عرف بوصفه كمثل الانسان الكامل ولم يكن له أب.

المسيح الشرقي هو "إبن الانسان" فالسيحية الشرقية تصف المسيح بابن الانسان وبالإنسان الكامل (انظر(ي) كما يقول ابونا ابراهيم رسيب الحلبى من سوريا في برنامج (ألف لام ميم) الاسبوعي الجمعة 25 ديسمبر 2015 على قناة (الميادين) الساعة السادسة والنصف مساء بتوقيت القدس الشريف). كان ناهض حتر يكاد يشارف الانسان الكامل. ولما لا؟ أليست الوطنية الحقة والاستشهاد في النضال ايمان بالنضال غاية التقوى؟

بهذا المعنى كان ناهض حتر وامثاله من العروبيين والماركسيين المفكرين والمثقفين والمناضلين والناشطين السياسيين العرب وهم يحللون الواقع بعمق كبير، يفضحون الغرب والرأسمالية المالية الصيهونية العالمية والقبلية فقد كان وما يبرح ذلك اقسى ما يطمح اليه المناضل من أجل شعبه. ذلك ان المناضلين ينذرون بذلك الشعوب العربية بما يوشك ان يحيق بها فعلا، مما يخصم خاصة على الرأسمالية والصهيونية العالمية والقبلية. ويأتي هنا دور هاتيك الانتهازيات وأولئك الانتهازيين في تتفيه كل ما هو شديد الاهمية، والنيل من كل فكر ينذر بما هو آت، فلا يعتد بما يقول أولئك المفكرون والمثقفون والمناضلون العروبيون والماركسيون والقوميون مرة.

ومرة اخرى يقيض ذلك للمتمولين والانتهازيين والموساديين لاغتيال شخصية الشرفاء والوطنيين الذين يدافعون عن القيم الانسانية والحضارية والمقاومة، فيشكلون بذلك ضمير أمتهم مما يستهدفهم لتهمة العداء للسامية، ويصم بعضهم بالنازية جراء تهمة كراهيه اليهود، بل جراء عدائهم للصهيونية العالمية والقبلية. وليس ذلك وحسب وانما يتماهى الموساديون والتكفيريون مع الصهاينة القبليين حتى النخاع، فيهددون بالقتل كل من يختلف معهم. فقد تلقى ناهض حتر 200 تهديدا له ولأسرته.

ولعله من المفيد تذكر ما يقوله الدكتور طلال عتريس، أستاذ علم الاجتماع بجامعة لبنان، من "ان مصالح متعددة تلاقت من اجل ازاحة ناهض حتر" من فضاء النشاط العربي المعادي لكل من التكفيريين والصهاينة معا. إن تقطيع ومناهضة التطبيع مما كان طبيعيا على ايام السادات، باتت بعده مناهضة التطبيع جريمة يعاقب عليها بالقتل. ذلك انه ان كانت الثمانينيات قد عبرت عن سخط المناوئين للتطبيع في شكل اغتيال انور السادات والاستاذ المفكر الكبير حسين مروة، فان القرن الحادي والعشرين يشهد مناصبة "المتضامنين مع القضية الفلسطينية والمقاومة" والمنادين بالتحرر الوطني عداءً الصهيونية المرير. ويقول الدكتور طلال عتريس ان تهمة المناضلين ليست اليوم دينية، وان اغتيال ناهض حتر ليس بالنتيجة دينيا بل سياسي وصولا الى تصفية المناضلين من اجل القضية الفلسطينية والمقاومة والتحرر الوطني. واجادل ان ذلك يتم لحساب المشروع الاسلامي -تاكتيكيا- ولحساب المشروع الصهيوني استراتيجيا.

وقياسا فقد لاحق بعض التكفيريين ناهض حتر مطالبين على مواقع الاتصال الاجتماعي بإعدام ناهض حتر في ميدان عام. ذلك ان الصراع عبر عن نفسه اليوم كما تقول الدكتورة حايك في "منهجين منهج النضال من اجل القضايا الوطنية والمقاومة، وكل ما هو صادق اصلا ووطني يتجاوز حدود الطائفية وحدود التناول اليساري كما نعرفه" ومنهج يعاقب عقابا رهيبا على كل من وما يختلف معه. فالدين يستخدم ويساء استخدامه used and abused بغاية أبلسة الغريم وتسويغ ابادته بكل اساليب الإبادة الفردية والجماعية الرهيبة. واجادل ان احد المنهجين يستدعي قانونا وجوديا من اجل بقاء جماعات بعينها خصما على شعوب العالم ممن اعرفهم بالتراكمات العددية قاطبة في المقياس المدرج تلك الزائدة عن حاجة المشروع الصهيوني بأنواعه المعلن والمتستر عليه على مر الاف السنين.

الذين يقتلون القتيل ويمشون فى جنازته والذين يأسفون على موت حتر :
تقول قناة البي بي سي إن ناهض حتر واجه، وهو مسيحي الديانة، هجوما عنيفا على مواقع التواصل الاجتماعي لما وُصف بموقف معاد للإسلام. وتتساءل الشرق الاوسط عن علاقة حتر بإيران مرجحة أن ناهض حتر ازعج الاخيرة لحساب روسيا، فقد ظهر ناهض حتر "على الفضائية السورية بتاريخ في 6 أيلول 2015، وأطلق تصريحات صادمة حول إيران ما بعد التدخل الروسي، أظهر فيها ولاءه للروس وتخليه عن الإيرانيين. وتقول جريدة النهار: "فاجأ اغتيال ناهض حتر (1960-2016) الجميع اليوم، من مؤيّدي رأيه السياسي والمختلفين معه، فانتشر خبر الاغتيال عبر مواقع التواصل وأحدث، كما العادة، حالاً من الانقسام بين رافض مبدأ الاغتيال السياسي، والمُعتبر أنّه يستحق مصيره."

فمَن هو ناهض حتر؟
تقول مواقع الاتصال والشبكة والويكي (تهوى المعالم التي تدعو القراء بان يقوموا بتصوير معلم تاريخي، وبمساعدة ويكيبيديا) ان "حتر هو كاتب وصحافي يساري أردني يكتب في جريدة "الأخبار"، معروف بمناصرته النظام السوري، خريج الجامعة الأردنية، قسم علم الاجتماع والفلسفة، حائز على ماجستير فلسفة في الفكر السلفي المعاصر. يعتبر عراب الحركة الوطنية الأردنية في العقد الأول من القرن الحالي. هو الذي سجن كما تقول جريدة النهار مرات عدة أطولها في الأعوام 1977 و1979 و1996، وتعرض لمحاولة اغتيال سنة 1998، أدت به إلى اجراء سلسلة جراحات، كما اضطر إلى مغادرة البلاد لأسباب أمنية، فتوجّه إلى لبنان سنة 1998، إلى أن انتهى مقيماً في عمان" حيث قدر له ان يغتال.

وتقول قناة الجزيرة ان حتر "سجن مرات عديدة .. وتعرض لمحاولة اغتيال سنة 1998 وقد اضطر لمغادرة البلاد لأسباب أمنية إلى لبنان سنة 1998. وكان مقيماً في عمان قبل اغتياله. له عدة إسهامات فكرية في نقد الإسلام السياسي، والفكر القومي والتجربة الماركسية العربية. إسهامه الأساسي في دراسة التكوين الاجتماعي الأردني. كان حتر كاتباً في صحيفة الأخبار اللبنانية، وكان قبل وفاته موقوفا عن الكتابة في الصحافة الأردنية منذ أيلول 2008."

وفيما يقول البعض ان ناهض حتر كان على خلاف مع العاهل الأردني وتشير احدى مواقع نعيه انه وصف الملك بانه فاقد للشرعية، الا ان سامي كليب يقول في جريدة السفير "إن ناهض حتر مناهض طبعا للسياسة الأردنية حيال سوريا والمقاومة، لكنه لم يكن على خصومة مع الملك الأردني أو العرش. وحين جاء في إحدى المرات الى بيروت، كان يحدثنا بحماسة كبيرة عن احتمال عقد صفقة بين الحركة الوطنية والعرش لمواجهة الإسلاميين. نقل إلينا كثيرا من الحديث الذي جرى بينه وبين العاهل الاردني خلال أحد الاجتماعات الوطنية في القصر الملكي".

أما عن العلاقة الروسية السورية فيقول ناهض حتر بحماس شديد حسب سامي كليب: "أنا أرحب بالجيش الأحمر في سوريا" (علما بان الجيش الروسي لم يعد احمرا وانما جيشا يحافظ على القيم المهنية في الحرب ويضع اعتبارا كبيرا للمفاهيم الانسانية في الاختلاف، ويبعد عن طاقم الاكاذيب وانصاف الحقائق التي تستدعيها حروب الرأسمالية المالية الصهيونية العالمية وخاصة القبلية، مما كتبت فيه كثيرا وطويلا) ويضيف سامي كليب ان وجود ناهض حتر "في سوريا بشكل “نصف علني” هو رسالة إلى الأتراك بأنه لم يعد لكم مكان في سوريا، وبأن روسيا هي الحليف الأول لسوريا ولا يمكن أن تقبل شريكا في “حبّ” سوريا، التي هي جزء من تقليد روسي قديم يعود إلى الإمبراطورة كاترينا التي كانت تقول “إن مفتاح غرفة نومي موجود في دمشق!"

وهنا يذكرنا ناهض حتر بانه ليس صحفيا وكاتبا واعلاميا فحسب وانما كان مؤرخا عتيدا يحيط بتاريخ العرب والمسلمين، وبتاريخ شعوب المنطقة وغيرهم على نحو عظيم. فقد كان اخر ما نشر له على برنامج اجراس المشرق في قناة الميادين تحليله العميق وغير المسبوق للخوارج وتنويعاتهم الأموية المتبدونة (من البدو) ومن العرب الابالة وممن أعرفه بأعراب الشتات وكان عميق التحليل لما حاق بشعوب المنطقة بمغبة غلواء أعراب الشتات وحلفائهم مما بقي على مر التاريخ المكتوب غير مسجل بصورة كافية او في التاريخ الرسمي، وربما في التاريخ الشعبي للمنطقة بصورة اقل تعميشا. ورغم انني -لخجلتى- لم اقرأ لناهض حتر الا إنني اكاد اجزم انه كان حريا بان يدرك جيدا من اين جاء مفهوم الدولة بوصفها آلية لمراكمة الثروة والسلطة؛ بل كيف بات بيت المال وكأنه تنويع على احلال الصدقة مكان اعادة التوزيع، على طريقة راس المال المالي الأمريكي مما كتبت فيه طويلا.

فقد كان الخوارج علي عهد الخلافة الاموية من عثمان فمعاوية-688-661-التى باتت بايعاز من حكم بن العاص وزير عثمان وكأن الخلفاء ملاك ضيعة خاصة او أبعدية تخصهم. ذلك ان خلافة معاوية ابن ابى سفيان وقد ولاه عثمان ابن عفان على الشام قبل ان يخلف عمه (او خاله) عثمان على خلافة المسلمين على دمشق – قد جعل من الدولة- منذ ولايه معاوية وخلفه مروان أداة لإنتاج الثروة والسلطة واعادة انتاجهما. وقياسا باتت الخلافة بهذا الوصف تتصرف في اموال المسلمين وكأنها ملكا خاصا للأمويين؛ ولعل خصخصة مال المسلمين قيض بدوره خصخصة الرب، مثلما كان خزر بيزنطة يفعلون وما يبرحون في كل مكان يحلون به منذ الخلافة الاموية والعباسية والعثمانية، وما يبرح احفادهم يفعلون تباعا عبورا بأفغانستان والعراق وصولا الى ليبيا. فقد خصصت قوات حلف الناتو وحلفائها البنك المركزي الليبي ساعة هبطت طرابلس.

المهم فورا كان الخليفة الاموي يتصرف في مال المسلمين، يأخذ منه ما يشاء، وينفق منه لشراء النصراء والمحاسيب وقمع المعارضين، ويتفضل بما يشاء على الرعية. وقد قال الصحابة والمؤرخون في الحكم ابن العاص وآله ما قالوا. وقد واجه ابو ذر الخليفة- لما باتت السلطة والثروة حكرا على الخليفة الأموي واهله واقرابه- وكان أبو ذر مدافعا عن حق العامة في مالهم وهو يسأل عن اسراف الخليفة خشية ان يكون الخليفة قد اعتقد انه ممثل الله تعالى ووريثه فى مال المسلمين، ذلك المال العام. فكان جواب الخليفة هو ان المال مال الله وان الخليفة خليفة الله، فما يأخذه الخليفة هو له وما يتركه للناس ففضل منه" وكانه كان سفر تكوين تنويع على ما يفعله اليوم اهل النفط والغاز بثروات الشعب.

وفى رواية أخرى كلم ابو ذر الخليفة فقال له الاخير "رحمك الله يا ابا ذر ألسنا عباد الله والمال ماله والخلق خلقه والأمر أمره ؟!" فان بقى ابو ذر على خلاف مع معاوية فلم ينفك ابو ذر ان ترك المدينة جراء خلافاته مع الخليفة. وكان النبي صلعم قد قال في ابي ذر ما معناه "سيعيش ابو ذر وحده ويموت وحده وسوف يحشر يوم القيامة وحده، الا انه إن كان لابي ذر ان يترك المدينة ويموت وحده فان ناهض حتر ما كان له ان يترك المدينة، فقد باتت المدن مدن الحكام والاوليجاركيات المالية والعولمية، وحرسهم وحراسهم وكلاب حراستهم وجواسيسهم واعلامهم وصحفهم وقنواتهم الفضائية وهواتفهم النقالة المتلصصة.

كيف سيطرت حالة الاستقطاب العنيف تلك؟:
يتساءل الدكتور عتريس والدكتورة حايك في كيف سيطرت حالة الاستقطاب العنيف على المجتمعات العربية حتى بات "الاحتكام الى السلطات اي الشرطة والقضاء امرا مرفوضا ومعيبا في حق الفرد". فالتكفريون والصهاينة "لا يناقشون ولا يجادلون وانما يسيئون ويشتمون ويهددون بالقتل او-و يقتلون. كذا يوفرون تاييد القاتل والتخطيط للقاتل وتمويل وتشجيع ودعم القاتل. فالتكفير بات يتجاوز شخصية المتهم الى ثقافة المقاومة، وثقافة الغاء الآخر جسديا" الى تهمة مناهضة المشروع الصهيوني ومشروع التكفيريين. وليس ذلك سوى عجز عن مقابلة الحجة بالحجة مما يدفع الصهاينة والذين لا يملكون الدفاع عن مشروعهم الذي هو في صميمه لا يزيد عن الاكاذيب وانصاف الحقائق - يندفع الصهاينة والمتطرفين الى عنف الاتهام بالعداء للسامية والنظرية التآمريه، مثلما يدفع بعض المتطرفين إلى الاحتكام إلى العنف التكفيري.

فـ"المشروع التكفيري والصهيوني ضد الحرية والانسانية". وقياسا تغدو طبيعة المواجهة "متسمة بالعجز عن احتمال الحوار ناهيك عن الفكر الحر". ذلك ان كل مناهض للصهيونية وللتكفير مكرس للتصفية، مما يسوغ، فيقيض للصهاينة والمتطرفين التعيين على "القصاص الفوري" الذى لا يتصل بالقضاء ولا بالعدالة الوضعية وانما بـ"العدالة التكفيرية والصهيونية". فالقضاء والعدالة الانسانية قاصرة عن ان تلحق بالمتهم عدالة التكفريين والصهاينة الاستثنائية الفورية summary justice.

بيت القصيد:
فيما يلي استطراد فيما هو مأخوذ عن مواقع اعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي والشبكة مثله مثل بقية هذه العجالة من محاولة تغطية اغتيال ناهض حتر-ولكل من اخذت عنهم خالص التقدير والاحترام- يدرج بعض المتابعين لأوضاع المنطقة، العديد من التداعيات فيقول نسرين مرعب 26 سبتمبر، 2016 "ولا سيما الوضع السنّي من العراق إلى سوريا والذي يتجلّى في أكثر صوره دموية في حلب، واغتيال الكاتب والصحافي الأردني ناهض حتّر على أنّه بداية الانفجار في الشارع السنّي المحتقن بسبب المجازر، والجرائم، وكل ما أصبح عنيفاً ضدّ كل مشارك وضد كل داعم للقتلة. ويقول بعض المعلقين "ان هذه الصورة، للواقع السنّي، تشكل مؤشراً لخطر قادم، لا بعداً مذهبياً له، وإنّما بعد وجودي، فإشكالية السنّة عربياً ليست ضد الشيعة ولا العلويين ولا المسيحيين ولا أي طائفة من الأقليات، وإنّما ضد انظمة الحكم ومن يقوم بحمايتها."

ويؤكد مدير جمعية “هيا بنا” لقمان سليم في سياق تعليقه على هذا التوظيف (الوجودي) للتحليل ان هذه الصورة التي اتخذها اغتيال ناهض حتّر تقول بـ”جنوبية” أنّ “الصورة واقعية للأسف، البعض حاول أن يظهر ناهض حتّر بصفته مثقف وأدان الجريمة تحت عنوان حرية الرأي وغيره، وجرّب أن يضخم من حجم الكاريكاتير الذي نشره، إلا أنّ بيت القصيد سواء في لبنان أو في الأردن أو في سوريا .. هو الشعور بالمهانة الذي تعيشه شريحة واسعة من السنّة في العالم، وبهذا المعنى يجب أن نتوقع الأكثر“. مضيفاً "للأسف أنّ الأمور تحدث بهذا الشكل، ولكن بالتأكيد لا يمكن أن نشهد ما نشهده في حلب وأن نستغرب وقوع مثل هذه الجرائم، مع إدانتنا للقتل عموماً“.

وقفة احتجاجية للمرة الاولى والأخيرة:
نشر محمود شيبة كلمة بصفحته على فيسبوك بعنوان "وقفة احتجاجية بعمان للتنديد باغتيال ناهض حتر يقول فيها "نظم ... أقارب وأصدقاء الكاتب الصحفي الأردني الراحل ناهض حتر، اليوم الاثنين (26 سبتمبر 2016)، اعتصاما أمام رئاسة الوزراء في العاصمة الأردنية عمان. وطالب المحتجون باستقالة حكومة الدكتور هاني الملقى ووزير الداخلية سلامة حماد، إثر اغتيال الكاتب حتر أمام قصر العدل أمس. وحملوا صورا للكاتب حتر ولافتات كتب عليها "الشهيد البطل ناهض حتر" و"ناهض حتر شهيد الكلمة والفكر والموقف" إضافة إلى "أردن موحد في إدانة جريمة اغتيال الكاتب ناهض حتر .. لا للاغتيال لا للعنف"، مطالبين بأن تكون الدولة علمانية هاتفين: "لا إخوان ولا سلفية، علمانية اشتراكية".