اللغة ليست بمذكر او مؤنث، لأنها لغة الإنسان، والإنسان هو الرجل والمرأة معا، وليس الرجل وحده. (سيمون دي بوفوار)
مقدمة
تتميز تجربة القصة المغربية القصيرة، الحديثة بتعقد موضوعاتها وتشعب أشكالها، وتراكم توظيفاتها للتقنيات المختلفة. في إطار تجريب، حرق المراحل، في سرعة مربكة للدارس لهذه القصة، والذي كثيرا ما يجد نفسه بين أشكال ومضامين هذه القصة، فيما يشبه تداخل الأزمنة المدرسية. لأن القصة القصيرة الحديثة في المغرب، رغم حداثة اكتمال ميلادها في الستينيات من القرن الماضي، إلا أنها مرت بالعديد من التحولات على مستوى الشكل والمضمون، والنشر والانتشار أيضا ..إلى حد يمكننا معه الزعم أن المغرب منذ تسعينيات القرن الماضي، يشهد حالة أشبه بالانفجار السردي .. لذا ستكون مغامرتنا ومخاطرتنا، هي محاولة إفراد هذه المقالة لقراءة تجربة المرأة المغربية القاصة : كذات كاتبة.. فتجربة هذه القاصة في مضمار القصة أكثر حداثة، من تجربة القاص المغربي . والنص القصصي المغربي سواء كان كاتبه رجل أو امرأة، بتراكمه الكبير الآن، يجعل من الأمر مغامرة يصعب معها الإحاطة بهذا النص ودراسته؛ ما لم يتعرض لعملية جرد وتصنيف دقيقين يسهلان من مهمة الباحثين- غير اللصيقين أمثالنا- بالمشهد السردي المغربي الغني بتنوعاته و جرأته.
ولهذا السبب بالذات تحمل هذه الورقة عنوانا ثانيا (مقدمة في قراءة القصة المغربية النسائية القصيرة) فقد اعتمدت هذه الورقة في مصادرها بصورة أساسية، على المواقع الإليكترونية للكتاب المغاربة(*)، إلى جانب موقع اتحاد كتاب المغرب، فضلا عن بعض المواقع الإسفيرية الأدبية(**)، المغربية المتخصصة. وقليل من المجموعات والكتب القيمة، التي بعث لي بها بعض أصدقائي من الكتاب المغاربة، فضلا عن رفدهم لبريدي الإليكتروني بالكثير من المعلومات المفيدة، فلهم مني قبل الشكر، الود والمحبة .. المنهج الذي حاولت هذه الورقة إعتماده، هو تجنب التصنيف العمري أو المدرسي أو العقدي أو المرحلي، والتعامل مع القصة المغربية بمختلف أجيالها ككل متصل، لتفادي الخوض في تفصيلات غير مفيدة لموضوع الورقة .. ولذلك كل العينات التطبيقية التي اعتمدت عليها، هي عينات عشوائية لحوالي عشرين قاصة ينتمين لأجيال مختلفة، وسواء كانت بعض هذه العينات، تنتمي لجيل رائدات القصة في المغرب مثل خناثة بنونة، أو الجيل الراهن كعائشة بورجيلة، فإنني أؤمن إيمانا قاطعا أن الإبداع حلقات متصلة. الحدود الفاصلة بين مرحلة، ومرحلة أو جيل وآخر، هي حدود دقيقة تكاد لا ترى، لتداخل الأجيال، أو بتعبير أدق أن تداخل الأجيال وتعاصرها،يجعلها تتحرك في أفق متقارب. سواء كان على مستوى الشكل أو تنوعات المضمون أو التوظيف الجمالي لأدوات التعبير الفني، فضلا عن التقنيات المتقاربة، بسبب الحوار المتصل ..الذي ينهض في التعاصر...
في الواقع، أجد نفسي غير ميال لتصنيف الأدب عموما وفقا لمفهوم ذكوري/ أنثوي، وذلك لأن الأدب منتج إنساني، لا يكترث للنوع بقدر ما يأبه للجودة، لذلك سأستخدم تعبير: "الكتابة النسائية" هنا للتمييز الإجرائي فقط. ومن المعلوم وفقا لورقة الباحث المغربي (محمد يحى القاسمي- قاصات المغرب )(1)أن العام 1967 شهد نشر أول مجموعة قصصية نسائية: "يسقط الصمت" لخناثة بنونة، وهو العقد ذاته الذي لم تتمكن فيه المرأة القاصة، سوى من نشر مجموعتين لكل من: خناثة بنونة- إلى جانب مجموعتها الأولى: الصوت والصورة" ورفيقة الطبيعة أو زينب فهمي :"ريح السموم وتحت القنطرة ".. وإذا كانت مجموعة خناثة "يسقط الصمت" قد أعلنت ميلاد الصوت النسائي، كذات كاتبة. فإن هذا الميلاد، يعد متاخرا عن ميلاد الرجل القاص بنحو ثلاثين عاما، لكن شهد المغرب في العام 2006 وحده نشر أكثر من خمسة عشرة مجموعة قصصية، لقاصات مغربيات. كما يلاحظ 'القاسمي' أن عدد القاصات بالمغرب، أكبر منه في كل من تونس والجزائر وليبيا، وبالطبع لا يزال الوقت مبكرا على الإشارة لموريتانيا، ومن المؤكد أن هذا التراكم الكبير يفضي إلى نوع .
خلال ما اطلعنا عليه من عشرات القصص، لقاصات مغربيات يمكننا القول دون تردد، أن القاصة المغربية تسجل حضورا متميزا، لا في المغرب وامتداداته المغاربية فحسب، بل في المشرق وأوروبا أيضا، كقاصة تمكنت في فترة وجيزة من امتلاك أدوات القصة القصيرة، والانفتاح على التجريب المستمر. وهنا بالتحديد تجدر بنا الإشارة لملاحظة الباحث المغربي (التيجاني بولعوالي) في مقاله الحاءات الثلاث مشروع نقدي طموح حول أن مضامين السرد المغربي القصير "تتميز بتنوع فقد تكون واقعية أو اسطورية أو تجريدية أو غير ذلك .. إلى جانب توظيف اللغة اليومية أو اللغة الرفيعة المستوى .. باعتماد آلية السرد المتواصل وتوظيف تقنية الحوار وتبادل الأدوار(2). ونجد أن التجريب ليس حالة ملازمة لهذا الجيل أو الجيل الذي يسبقه، فهو أشبه بالحوار المتصل منذ ولدت هذه القصة، في شكلها الحديث في الستينيات من القرن المنصرم، وعلى ذلك نجد أن القاصة المغربية تقاطعت مع مختلف الموضوعات، بدءً بالنفاذ إلى قضايا المجتمع، واختراق طبقات الوعي واللاوعي، وصولا إلى تلك المناطق المحظورة والمظلمة، مرورا بأسئلة التاريخ واستلهام الأسطورة بإسقاطها على الواقع. ولم يكن السياسي بعيدا عن هذه المضامين التي انداحت في إتجاهات عديدة، لتعالج مختلف القضايا الإنسانية، خلال تجربة النضال اليومي، والتطلع للحرية في وطن أكثر جمالا.
وكتبت القاصة المغربية عن الحب، بل كتبت الحب نفسه .. هذا الذي تتسع أمداؤه أحيانا، لتتخطى العاشقين وتشمل الكون كله، هذه المسيرة العامرة بالوقائع والأحداث، في رحلة النص النسوي القصصي القصير منذ "زينب فهمي" و"فاطمة الراوي" اللتان توقفتا بينما استمرت "خناثة بنونة". أخلصت خلالها للكتابة في جنس القصة القصيرة وحدها قاصات قليلات: منهن على سبيل المثال (مليكة نجيب، لطيفة لبصير، لطيفة باقا، ربيعة ريحان، زينب فهمي، نجاة السرار، سعاد رغاي، نزهة بنسليمان، فاطمة بوزيان، رجاء الطالبي)(3). بينما مارست قاصات عديدات الكتابة في أجناس أخرى إلى جانب كتابة القصة القصيرة.
القصة القصيرة توغل في الذات .. أقصى حدود مناطقها المظلمة، كذلك هي غوص في طبقات المجتمع، لفضح ما يعتلج في تلافيف الوعي واللاوعي من مسكوتات .. القصة القصيرة تتخلل البنى الاجتماعية، بأساطيرها وخرافاتها ومعتقداتها وعاداتها وتقاليدها وأعرافها، لتفضح في تعرية القوانين التعسفية، فداحة السلطة في صراع الذات والآخر، فالقصة القصيرة كون مكثف، ومعقد. ينهض كجسر بين طرفين، ربما نقيضين .. ولحظة القراءة للنص القصصي القصير، هي لحظة الحوار بين هذين الطرفين .. لحظة تبادل المعرفة باكتشاف النص لذاته في تأويل الآخر .. انه النص القصصي القصير بعامة، فكيف عندما تكتبه امرأ..
في الحكاية والقول وأدوات التعبير:
فاطمة بوزيان
مواليد سبعينيات القرن الماضي/ مدينة الناظور صدرت لها مجموعة "همس النوايا" 2001 و"هذه ليلتي" عن مجموعة البحث في القصة القصيرة بالمغرب مؤخرا .. العالم القصصي لفاطمة بوزيان، عالم غني بعناوينه الدالة على تنوع الموضوعات التي تعالجها، والتي ينم بعضها عن الاتصال بتجربة من سبقنها من قاصات مغربيات، في تناول القضايا الاجتماعية بعامة وقضايا المرأة على نحو خاص. وفي الآن نفسه تنفصل تجربة بوزيان عما سبقها من تجارب المرأة المغربية الكاتبة، بتوظيفها لتكنلوجيا الاتصال المباشر المتطورة "كالماسنجر والبريد الإليكتروني" في عالمها السردي ليكون انفصالها (عن) واتصالها بما سبق لمقاربة العلاقة الجدلية المستمرة، الساعية إلى إيجاد معنى للذات في عالم محاصر بالتشيئ والانشطار، بحثا عن إيمان في هذا العالم المعاصر، الذي تتداعى فيه الأشياء وتغيب الرؤية.. وهكذا في هذه التوظيفات المتنوعة حد الإرباك، تزاوج بوزيان بين التجريب ومشاريع التحديث التي تهشمت داخلها كلاسيكيات القرن الماضي، هذا المزج ينعكس على علاقة الزمن بالمكان، إذ أن تداخل الأزمنة مع الوقائع والأحداث، عبر لغة بوزيان التي لا تخلو من الرومانسية التي تتغاضى عن تحديدات الواقعية، في كونها اللغوي الذي يستهدف الزمان والمكان بالتفتيت، فالمكان غالبا ما يتحدد عند بوزيان بما للزمن من قدرة على اختراقه وتكسيره، فالزمن هنا ليس لحظات منتظمة تتراص بتتابع فهو أشبه "بإفلاتات" غير مسماة فالمسمى الوحيد هو الراوي الذي لا يسمى غالبا "كعلم" بل "كضمير" للأنا الغارقة في ذاتيتها .. المتلمسة حدود عالم طفولي شقي، تحاول أن تعبر منه بأرخبيل الكتابة، إلى الضفة الأخرى لمحيط السرد الذي يمثل جسراً للذات وآخرها.
وعن هذه الذات المشبعة "بأناها" تقول فاطمة بوزيان في مقالها (شهرزاد القصةالتسعينية/ نحو تذويت الكتابة)(4) عن ضمير المتكلم أنه يخلق لدى القارئ "وهم قراءة السيرة الذاتية إذ يتخيل أن هذا الضمير صوت الكاتب ورغم ما يمكن أن يخلقه هذا الوهم من تمثلات للحياة الخاصة للمبدعة في ذهن القارئ بل والخوف الضمني الذي يمكن أن تعانيه المبدعة من الأسرة والمجتمع والذي كان يدفعها في الماضي إلى توقيع كتاباتها باسم مستعار. وإذا كان هذا الضمير قد أستعمل منذ القدم فشهرزاد مثلا كثيرا ما كانت تفتح حكاياتها في ألف ليلة وليلة بعبارة "بلغني" فكانت تعزو السرد إلى نفسها وتحاول إذابته في زمنها واستدراجه إلى اللحظة التي كانت تسرد فيها حكاياتها" ومن الواضح أن إشارات بو زيان تنطوي على مسكوت توحي به أكثر مما تفصح عنه، ما يجعلنا نستحضر في السياق ذاته، أن عبقري الرواية العربية الطيب صالح كان قد حذف أجزاء مهمة من "موسم الهجرة إلى الشمال" قبل الدفع بها إلى النشر كما أن محاكمة أدبية - في الحقيقة أخلاقية - أجريت له من قبل مافيا الثقافة في السودان وقتها- بعيد انتفاضة رجب/ أبريل 1985- وقد تناقلت الأوساط الثقافية وقتها أنباء هذه المحاكمة، بل أن كثيرون ظلوا يصرون أن مصطفى سعيد هو الطيب نفسه، رغم أن الرجل صرح أنه تمنى لو كان مستر سعيد فعلا، وهذه الحادثة تتصل بالعقل الأسطوري أو الخيال الاجتماعي الذي يحاصر المبدع لا في السودان أو المغرب فحسب، بل في عديد الأماكن وعبر التاريخ العجيب للبشرية، أو تاريخنا القريب.
ومثل هذه الملاحظات وأشباهها هو ما دفع بالمفكر الفرنسي ميشيل فوكو لاجتراح مصطلح "تهييج الثقافة". لقد كان دور الفن عظيما على امتداد القرن التاسع عشر والعشرين في نضال قوى التنوير والنهضة والحداثة ضد قوى الظلام والتخلف "فليو تولستوي وغوستاف فلوبير، وهما ليسا كاتبين شبقيين البتة. وقفا بكل قوة موهبتهما إلى جانب المرأة المجرمة، من وجهة نظر الأخلاق .. ورسم أ. ي. كوبرين غير عابيء بالفضيحة الاجتماعية، صورة للحياة اليومية القاسية والمشوهة لقاطنات بيت الدعارة، وعالمهن الإنساني في الوقت نفسه، أما غي دي موباسان، فقد قام ببحث فني في شخصية الزاني -أنظر قصة شقة محترمة لبوزيان - معتبرا الزنا ظاهرة عادية. وحطم الفنانون والنحاتون المحظورات والأباطيل"(5)
ومع ذلك ثمة تنازلات كان يتم تقديمها من حين لآخر فالنخلة تنحني بوجه الريح العاتية حتى لا تنكسر. فعندما "أتهم كلاسيكيي المدرسة العاطفية الإنجليزية: كهنري فيلدينغ ولورنس ستيرن- اللذين كانا قد أُتهما بقلة الأدب -لاستخلاصهم نوعا خاصا من الشبق الرقيق يميز الشعراء الجوالين، في الوقت ذاته للمفارقة لم يكن هناك كتاب أكثر خلاعة من كتاب توم جونسون في القرن الثامن عشر، أما د .سموليت وفي ذات العصر وتحت ضغط القراء حذف ثمانون صفحة من مؤلفه مغامرات بيريغرين بيكل(6). وإذا تتبعنا هذه القضية الثقافية سنجد أنفسنا نقف على أعتاب وليمة "لأعشاب البحر-لحيدر حيدر" وغيرها مما هو مغضوب عليه باعتباره جزءا من خيال الضالين.
استطرادي في هذا التمهيد، يرجع للارتباط العضوي بين الاهتمامات النصية "لمليكة مستظرف" و"نجاة السرار" و"فاطمة بوزيان" فيما يخص علاقة الجنس بالثقافة الاجتماعية، كقضية غادرت في نصوصهن أنفاق المسكوت الاجتماعي، إلى مسكوت النص السردي عند النقاد الذين يكتفون بالإشارة إليها، عند التعرض لنصوص كل منهن بلغة الشفرات، دون التورط في خضم النص ومواجهة موجاته. وآمل أن أجد -لاحقا- من الوقت ما يكفي لتناول هذه التيمة في كتاباتهن. وبالعودة مرة أخرى لعالم فاطمة بوزيان نجد ثمة إفصاح نوستالجي إزاء حصار الرباط المدينة الكبيرة التي تضاهي بلدة الناظور كما في قصتها "الصعود." والقارئ للنماذج التي أخترتها عموما يجد صعوبة في الإفلات من قبضة كل منها، فنص بوزيان يجعلك كقارئ جزءا من نسيجه وفضاءه السردي الغني بتنويعاته التقنية: كتوظيف العبارات والجمل المتقطعة والقصيرة، في متن المنولوج السردي المحفوف بلغة الشعر، التي تجنب البناء السردي بمجمله وعورة النثر.
فالسرد عند بوزيان يلامس تخوم الخواطر الدافئة، كأحد وسائل البوح الذي يحاول الخروج من بين ركام الكثير من اللحظات الحميمة المنسية والذكريات المهملة والوقائع الآنية الهاربة. إنها تجربة الذات في مقاومة الانشطار، فضمير الذات الأنثوية- بالإحالة لمقال بوزيان الذي أشرنا إليه سابقا - يعلن عن حضور المرأة كسارد وشخصية رئيسية في جوهر الحكاية ..ضميرا راغبا في الحكي. وليس مرغوبا في الحكي عنه. أنا الحاضرة عوض هي الغائبة كما يجعل الساردة تنتج الرؤية وترسل الخطاب وفق ما تحسه وتعتقده لا وفق ما يعتقد الآخر، إضافة إلى كون إرتباط الحكاية بضمير سارد حاضر يولد الإخصاب السردي أكثر ويفجر لغة الأزمة ويمنح السارد الحرية لتعرية النفس وكشف النوايا أمام القارئ دون مواربة. في قصتها "ككل المرات مع اختلاف" كبير تشتق بوزيان آخرا لذاتها أو هي ذاتها الأخرى. تراقبها وتضبطها وتأنس للحوار معها، بل إنها تقيم أيضا حبيبا وهميا، تسرد مغامراتها معه "ضبطتني أصرح له بذلك أنا القادمة من تلك المدينة الصغيرة"(7)
فالراوية القادمة من بلدة صغيرة تجد في المدينة الكبيرة متنفسا لكل ما لا تجرؤ على القيام به في بلدتها الصغيرة حيث تتخذ المدينة الكبيرة هنا، رمزية التحرر والتواصل والإتصال " كانت نظراته تتبعني بوقاحة. دعاني .. ترددت. بدأنا بأحوال الطقس وختمنا بأحوال القلب، في الزيارات اللاحقة كنت أعلمه بحضوري."(8) لكن الرجل في المدينة الكبيرة ليس هو الرجل ذاته في بلدتها الصغيرة، فالعلاقة العاطفية للأخير، تمثل خطوة نحو الزواج والحياة الأسرية المستقرة" في اللقاء سألته: لماذا لا نتزوج - لأن الزواج يقتل الحب. ولكن .. لا يمكننا الإستمرار هكذا.. - هذا ما علمتك مدينتك الصغيرة."(9)
وهكذا تفاجئنا الراوية في خاتمة القصة أن حبيبها وهمي، فهي لم تعرفه قط إلا في خيالها الظامئ لحبيب يدفئ وحدتها بحضوره الطاغي، لكنها تخشاه في ذات الوقت، أن ينتهي إلى ما أنتهى إليه حبيبها المتوهم، وبين ترقب الحب وخشيته، ترى الراوية فضاء انتظار الحبيب، كصحراء قاحلة تحرق أنفاسها، بمخاوف، وهواجس الحب وظنونه الأخرى .. وفي قصتها "شقة محترمة" تستعرض تيمة نجدها تكررت كثيرا في السرد العربي هي: موضوعة" الخيانة الزوجية" أو" الزنا" توظف بوزيان هذه التيمة هنا بانتقاء شخصية هامشية هي: "حارس العمارة" وشخصية غير هامشية هي: "زوجة الضابط"، فمن خلال سلم القيم الهرمي الذي يضع الحارس أدنى درجات التراتبية الاجتماعية، والعسكري – السلطة أعلاها، تقيم بوزيان صراعا اجتماعيا خفيا، أداته الجنس. فالحارس الذي هو موضوع نميمة سكان الحي الشعبي الذين إن لم يجدوا ما ينمون فيه، يصابون بجملة وعكات صحية، فالنميمة بالنسبة لهم بلسم ضد أمراض حساسية الجلد والحكة بخاصة.
أمثال هؤلاء الناس يلوكون سيرة هذا الحارس، المسكين ويأكلون لحمه، فهم يستغربون لسعادته بأداء أعمال وضيعة، خدمة لهذا الضابط دون أن يعطيه الضابط أي مقابل مادي لهذه الأعمال، التي يكلفه بها. زوجة الضابط والحارس وحدهما يعرفان ما المقابل، "حين يتأكد من انشغالهم يتسلل إلى الشقة، تغلق هي شبابيك النوافذ، وعندما تصبح بين أحضانه، يصرخ في ابتهاج، فتهمس له محذرة. يطمئنها لا تخافي، لا أحد يجرؤ على الاقتراب من الشقة والأطفال يصخبون."(10) السؤال الاجتماعي الجوهري الذي ينطوي عليه النص هو: ما هي العوامل التي تؤدي إلى أن تخون الزوجة زوجها. الإجابة تقع في قلب قضايا المرأة، وما يتصل بها من تمزق اجتماعي.
وفي قصتها "بريد إليكتروني" مرة أخرى توظف فاطمة بوزيان العالم الإسفيري في السرد، لمناقشة موضوعة نسائية ونسوية مهمة، فكما هو معروف ومنذ سقراط وأفلاطون ارتبط الحب والصداقة عند أفراد الجنس الواحد بصورة وثيقة مع فكرة التربية، ومع نقل التجربة الحياتية "الجنوسية" مغزى أخلاقيا، سمح هذا المغزى بوضع هذا النوع من العلاقات كالإعجاب بكاتب أو رسام ما، إلخ .. في مرتبة أعلى من الحب الجنسي الغيري الطبيعي، لكن ما أن يضعف الدافع لهذا الإعجاب أو الحب، ويتكشف وهمه تفتقد العلاقات الجنوسية جاذبيتها، وتتحول إلى شكل من أشكال الشبق الذي تقف خلفه بالتأكيد، الثقافة الاجتماعية.
وهذه القصة "بريد إليكتروني" بمزحتها المكلفة تستعيد إلى ذاكرتنا "مزحة ميلان كونديرا" التي كلفته الغربة عن وطنه، ما يزيد عن ربع القرن .. مزحة الزوج هنا بانتحاله اسما مستعارا يراسل به زوجته عبر البريد الإليكتروني. تكلف هذا الزوج سلامه وأمنه النفسي" ماذا يتعين على أن أفعل .. أكسر زجاجا .. أشعل نارا .. ألعن أصرخ أشدها من شعرها وأجرجرها في الشارع أرجمها بالحجر .. الليل يطول الصمت جرح والظلمة جرح آخر وأنا قاتل ومقتول"(11) فهذا الزوج بدافع إحساس خفي معقد، يسعى لاختبار زوجته التشكيلية، فيرسل لها بريدا إليكترونيا كمعجب بلوحاتها، في موقعها الإسفيري "سيدتي .. لا أعرف حتى الآن كيف حدث ولا متى ولكني أحبك!"(12) فيجيء ردها على غير ما توقع "أنت الذي أشعلت في القلب المصابيح المطفأة وزرعت الدفء في أوصالي"(13)
فقد كان يتوقع أن يكون ردها تقريعا أو تنبيها للتفاعل مع لوحاتها، لا معها هي كإمرأة، فيغلي الدم في عروق الزوج، ويعيش نزاع مصارحتها أو تركها على عماها، حاسبا الاحتمالات العديدة للوضعين: مصارحتها أو عدم مصارحتها. ففي الحالتين ستترتب نتائج لا يرغب فيها، وهكذا يعيش حالة أشبه بالوسواس القهري، في تفسيره لحركاتها وسكناتها، فكل شيء تقوله أو تفعله، مهما كان عفويا، يجد لديه تفسيرا مختلفا ذا صلة بحالته النفسية، التي أشاعها داخله ردها على البريد الإليكتروني "تتكلم في كل شيء النهار الشاق، مدرسة الأولاد، حماقات الخادمة، إلا ذلك الإيميل .. تتمدد جواري في السرير مواجهة لي لكنها شاردة .. هل تستعيد كلماتي، أقصد كلمات ذلك الذي تقمصته"(14) تضعنا بوزيان في هذه القصة، التي فيرسها بريد الزوج أمام قنبلة موقوتة، قد تنفجر بوجوهنا في أي لحظة من لحظات هذا المأزق الرهيب..
مليكة مستظرف
من مواليد الدار البيضاء خواتيم ستينيات القرن الماضي صدر لها عن مجموعة البحث في القصة القصيرة بالمغرب مجموعة قصصية موسومة بـ"ترانت سيس" في 2004. في هذه القصة "البريوات" تعيد مليكة مستظرف طرح تيمة الحب، في سرد دافئ .. حميم.. يتبدى خلاله الحب، كقضية مطلوبة لذاتها. فالحب هنا ذكرى منفلتة، من حصار اليومي ..الشعبي، البريء.. والعابر المقيم. تتوظف مفردات عالم "البريوات" كنص ينتسج في إحساسات الطبقات الفقيرة، في حبها غير المسمى، فمدرس المرحلة الابتدائية يشوشه الاستغراب، حتى أنه يتحدث الفرنسية- لكن للأسف بلغة ركيكة - هذا المدرس يقيم علاقة غير مسماة "بمفتاحة" قرينته منذ الطفولة، وعندما يكبران، تنمو هذه العلاقة، فمفتاحة تنتظره كل يوم بكيسها البلاستيكي. في يدها بداخله .. البريوات بالدجاج او الكفتة أو الكروفيت .. حتى لتتحول هذه العادة، بفعل الحب الغامض، الذي تنطوي عليه دواخلهما إلى واجب يومي .. هذاالواجب الذي لا يراه مدرس الابتدائية، يتعدى طور العشرة او الاعتياد، رغم اكتشافه أنه يحبها.
"لا أعرف كيف ولا متى .. قلت لها ونحن في جردة مردوخ، وأنا أتناول بريوات الدجاج، أن موسطاشها لا يزعجني، بل أن المرأة المزغبة تكون ساخنة، هي لم تعرف معنى أن تكون ساخنة، لكنها بدت سعيدة بهذا، وأخذت تعتني كثيرا بموسطاشها"(15) لأنها تحبه تعتني بما يحبه كما أن إحساساتها دفعتها دائما للإهتمام ببطنه، إرتكانا لعلم النفس الشعبي بمقولاته الخطرة حول الرجل: "بأن البطن هي المدخل للسيطرة على قلبه" ترصد "البريوات" إذن التحول في علاقة هذا المدرس بمفتاحة، خلال رمزية الانتقال من "البريوات" إلى "الصندل" كبديل يرمز للحميمية العائلية في البيت، فارتداء الصندل الذي هو حذاء غير رسمي يشيع الإحساس بالدفء، فذات الشخص في بيته حيث يرتدي الصندل، غيره حين يكون في المكتب بحذاءه المفترض رسميا.
هذه هي فلسفة مفتاحة بإحضارها "صندلا" وليس "بريوات" كما أعتادت لوقت طويل، كدال على التخفف .. لتتبدى الذات عن حقيقتها وبساطتها خارج إكراهات السلطة الوظيفية المضللة، والمزعومة. لكن خطوة مفتاحة بحكمتها الشعبية البسيطة، تصدمه -هو المتعلم ركيك الفرنسية- فيجابه خطوتها بالمقاومة، فعندما تبلغه أن هناك من تقدم لزواجها، لا يكترث إرضاء لغروره الذكوري، وإشباعا لوعيه الغامض بعلاقتهما، التي تمكنت هي من تسميتها، في الوقت الذي عجز فيه هو عن هذه التسمية، بسبب تصوره الغامض: أن ما بينهما ليس حبا بقدر ما هو اعتياد على وجود مفتاحة، رغم أنه لا يملك تصورا واضحا أو تعريفا محددا للحب.
تستخدم مليكة في هذا النص ضمير الراوي المتواري داخل بطل القصة مدرس الابتدائية للتأشير على الغياب في حد ذاته كمفهوم .. غياب هذا المدرس .. أناه الأخرى في الحوار الذاتي في الاستهلال .."هو يقول أنني لا أحبها .. ينفخ سيجارته كازا، ويكمل: أنت فقط تعودت على وجودها."(16) كما تستخدم ضمير الأنا المتكلم للتعبير عن الذات "ألتقيها كل يوم بعد خروجي من المدرسة، فأنا مدرس ابتدائي. أجدها بانتظاري. أول شيء أبحث عنه، هو الكيس البلاستيكي الاسود .. لعابي يسيل وأصاب بالصدمة إن لم تكن تحمله."(17) كما أنها توظف في هذا النص الكثير من أدوات التعبير عن الحياة الشعبية بدء: بلهجة الحكي اليومي "وا على فرشة العربي شاوشة" مرورا باسم بطلة القصة "مفتاحة" وانتهاء بالبريوات إلخ ... كقاعدة نهضت عليها العلاقة بين بطلي القصة فيعطي، هذا التوظيف لمفردات الحياة الشعبية معنىً عميقا لنص البريوات، بحيث يتجذر النص في الذاكرة والوعي الشعبي.
وفي قصتها "هذيان" التي يتحرك فيها السرد خلال ضمير المتكلم: "أنا" للتعبير عن إحدى أكثر المناطق حساسية، في المجتمع والثقافة: الجنس الذي هو البطل الفعلي لهذه القصة. فهذه الزوجة المتمردة على حياتها الزوجية، لغياب الرؤية المشتركة بينها وبين زوجها، بعقله البدوي المستبد، تحاول تعويض علاقتها الزوجية - التي تشعر فيها بانها مأخوذة أو مستحوذ عليها بمحاولتها - الخروج من شرنقة هذا الشعور بالاستحواذ باللجوء إلى ذاكرة "الشَّم" فالحب -صنو الجنس- يتحول لديها إلى رائحة "كعطر باتريكس زوسكيد" .. رائحة العرق .. رائحة تلك القبلة الأولى، التي انطبعت على شفتيها، فعلقت بذاكرة الشفاه "قبلني فوق شفتي وقال قبلة أبوية .. أنت مثل إبنتي .. لكن أبي لا يقبلني في فمي."(18) فالجنس يتوارى خلف آيدلوجيا السترة والعيب. "ينحني والدي بقامته الفارعة يضع يديه حول خصر امي وتختفي الصورة"(19)
مليكة تستعيد في بطلة القصة -بلحظة الأخذ المتكررة، في العلاقة بين أبيها وأمها- طفولة بطلة القصة. تلك اللحظة الاستحواذين، التي منحت شفتيها ذاكرة لرائحتها .. الرائحة الأولى رائحة الخمر والسجائر" مذاق صلاح عندما يقبلني أتمنى أن يفعل ذلك إلى ما لا نهاية، كنت أحب طعم قبلاته. السجائر والخمر الرديئة .. عندما أقلع عن التدخين والشرب، لم أعد استسغ قبلاته .. أشمه .. أبحث عن تلك الرائحة التي أدمنتها، ولا أجدها."(20) فبطلة القصة المحبطة في زوجها الاستحواذي، يتحول الحب لديها إلى حواس، كالأسئلة الحارقة تدفعها لخيانته مع حبيبها. يطرح هنا موضوع النسوية، بما هي محاولة لانتزاع حقوق المرأة المعنوية، في زواج متكافئ بدء "عندما قلت لزوجي: أشتهيك .. قال: أنت عديمة التربية ألا تخجلين .. في الغد قال زوجي: أشتهيك قلت: أنت عديم التربية، ألا تخجل."(21)
نجاة السرار
نجاة السرار من مواليد مراكش صدر لها عن دار تينمل المراكشية مجموعة "حتى إشعار آخر" في العام 2000 كما صدرت لها مجموعة "الزغاريد المؤجلة" عن دار وليلي في 2007. تركز نجاة السرار في قصصها القصيرة، على قضية المرأة كنقطة التقاء للقضايا الاجتماعية الأخرى، فالسرار خلال لغتها المباشرة التي لا تخلو من بعض التقريرية أحيانا، تحاول إزاحة الطبقات المتراكمة على الأبنية الاجتماعية، لتعري هذا الواقع البغيض الذي تتشظى فيه ذات المرأة، وتنشطر ففي قصتها "الزغاريد المؤجلة" نجد أن بطلة القصة التي أنفقت وقتا طويلا في الدرس والتحصيل، حتى حصلت على إجازة التاريخ، مواجهة بغول البطالة والضغوطات الاجتماعية في سؤال العنوسة والزواج، في مجتمع لا يعترف بالمرأة إلا كزوجة وأم بالدرجة الأولى.
هكذا إذن تعود بطلة "الزغاريد المؤجلة" لتواجه في قريتها، كل ما ظلت ترفضه من مفاهيم، طيلة حياتها "كنت أضيق ذرعا بثرثرتهن فأترك الصوف وأذهب لرعي البقرات الثلاث، واداوم على إطعام الدجاج ومعاكسة الديك الرومي، الذي يسخر مني هو الآخر وهو يراني عائدة بخفي حنين، بعد أن سلخت من عمري زمنا بين الكتب، إلا أنه كان أقل خبثا من نساء الدوار"(22). السرار توظف مفردة الديك/ الرومي كرمزية للغرور الذكوري الذي لا يتصور أن المرأة يمكن أن تتحقق كذات، بمعزل عن ارتباطها بالرجل.
وفي قصتها "توقيع صغير" نجدها تعالج من خلال أسرة قصة الاستجابة للاستهلاك الذي تطرحه الحياة المعاصرة، كقيمة ضرورية. وفي الواقع يحاول السوق تصميمنا على هذا النحو، لنرى كل المستهلكات كحاجات ضرورية لنا، من خلال سلطة الإعلان المهيمنة، والمشكِّلَة لرغباتنا. بحيث ُتسوِّق لنا وتقنعنا بشراء واستهلاك، حتى ما هو غير ضروري لحياتنا، فنبدو من خلال غول السوق في الحياة المعاصرة، أشبه بذبابة صغيرة سقطت في شبكة عنكبوت عملاق، تحاول الإفلات دون جدوى. في هذه القصة تقع الأسرة في شبكة العنكبوت، ما يشكل ضغطا نفسيا كبيرا عليها، يدفع بعائلها في خاتمة المطاف إلى الهرب، تاركا زوجته وحدها تواجه قدر التعامل مع تركة مثقلة بالديون. "مضى كل شيء رائعا وجميلا حسب ما خططنا له .. "إلا أن سقوط الزوج مريضا واضطرارهما لإجراء تحاليل متعددة، لتشخيص المرض واللجوء بعدها لعملية غير منتظرة، كشف لهما العبء الذي تشكله تلك الكمية المقطوعة من الراتب وزاد الأمر تعقيدا تلك القروض الصغيرة التي كانا يلجآن إليها لكبح خصاص آخر الشهر وهكذا صارت ديونهما كثيرة ومتنوعة"(23)
عائشة بورجيلة
عائشة بورجيلة من مواليد الجنوب المغربي سبعينيات القرن الماضي صدرت لها مجموعة "عود الحملة" مؤخرا عن مجموعة البحث في القصة القصيرة بالمغرب.
ما يلفت الإنتباه في سرد عائشة هو اهتمامها بوصف الطبيعة حولها .. كأنها ترغب في رد الإنسان إلى أمه الأولى، إزاء كلس الحياة المعاصرة التي يبدو فيها كل شيء زائفا أو متكلفا. هدوء المفردة ورصانة اللغة عند عائشة يعيدان للسرد بهاءه الشاعري .. فمن بين كل اللحظات الإنسانية الذاوية يبرز دفء المشاعر والصدق والإحساس الرومانسي المرهف بالمكان والناس والأشياء، متكشفا عن رؤى يانعة هاربة من ضغوطات الحياة المعاصرة. في حوار اجراه معها القاص المغربي المبدع عبد الله متقي، تلخص عائشة بورجيلة رؤيتها للسرد في "نصا يكون مرآة لعصرنا المضطرب والمتحول .. نصا يحاور تجارب الآخرين ويحتفظ في الآن نفسه بأشيائه الخاصة اللذيذة" .. سنحاول قراءة سرديات عائشة التي اخترناها كنماذج أساسية - الجزء الثاني من هذه الورقة :البنية والسياق التعبيري الذي نمذجنا فيه لها بقصصها: "لنرسو على شاطئ الحلم"، "ألوان" و"وجهان".
وسنكتفي هنا بمعالجة قصتها "كاريكاتور" كنص مختلف في توجهاته عن النصوص الثلاثة المشار إليها، ففي هذا النص: "كاريكاتور" يتفاعل طفل الثامنة الفنان، مع قضية العرب في فلسطين إذ يقترح في أحد كاريكاتيراته، رمي إسرائيل في البحر لتقف الراوية من هذا الكاريكاتور، موقفا نقديا: "البحر ليس للجيف"(24) كرد على العبارة :"ارحل الآن يا إبن الجيفة" وهنا قبل أن نستطرد نود الإشارة إلى مسألة مهمة في السياق نفسه، تتمثل في العلاقة النفسية بالشتيمة التي تربط الأم، في غالب الثقافات بكل ما هو قبيح ونتن، خاصة لدى اليهود الذين تحتل الأم لديهم مكانة عظيمة، لدرجة ربط انتماء المولود كيهودي إلى الأم أكثر من ارتباطه بالأب، كما هو معروف. وحيث تكون تبعية الابن للأم كبيرة. فمن أقسى أنواع الشتائم وصف أمه "بالجيفة" بمعناها الأخلاقي الذي يتصل بالمحرمات والقذارة. هذا النص القصير شديد التكثيف والترميز، منذ الوهلة الأولى تضعنا به عائشة في قلب الوقائع. "كانوا ثلاثة رجال .. شيخ وشابان يحملون جميعهم صواريخ أشكالها عجيبة متطورة ولا أحد يشبه أحد."(25)
يستدعى هذا النص نصا آخر هو بندر شاه - للطيب صالح : "أحدوثة" عن كون الأب ضحية للجد والحفيد/ الحاضر ضحية للماضي والمستقبل- لكن هنا الأحدوثة تتحرك (من) وفي موقع مختلف، فالشيخ بما يمثله من ماضي والطفل كرمز للمستقبل لا يتآمران على الشابين اللذين يمثلان الحاضر، فأبعاد الزمن الثلاثة، تتحالف لتشكل زمنا واحدا لإطلاق المستقبل. هذه اللحظة المتعاصرة بتزمينها للماضي الحاضر والمستقبل في زمن واحد. تستعيد مقولات عصر المد القومي، في الموقف من إسرائيل، إبان الأربعينيات وحتى ستينيات القرن الماضي، حيث يبرز الوعيد الناصري/ الماضي لدى هذا الطفل/ المستقبل برمي اليهود في البحر، بمثابة الإحالة الأساسية التي أعتمدها الكاريكاتور، كتعبير عن عصر ثورات التحرر الوطني، الذي أشرنا إليه سلفا، فينطوي النص بصورة من الصور على تعبير عن كاريكاتورية عصر بأكمله، خلال الراهن التسويفي بمواقفه الضعيفة ورؤيته الضبابية ورؤاه القاصرة.
زهرة زيراوي
زهرة زيراوي مواليد الدار البيضاء 1940 صدر لها "الذي كان" في العام 1994 عن مطبعة النجاح الجديدة/ الدار البيضاء و"نصف يوم يكفي" عن نفس المطبعة في العام 1996 و"مجرد حكاية" عن ذات الدار في العام 2002 كذلك مجموعتها الأخيرة "حنين" التي صدرت في 2007. في قصتها "ليتسع قرص الشمس أشهد أن الموت قادم" توطيء زيراوي بإحالة هذا النص إلى نص آخر هو نصها "المعتقل" الضاج بالهتاف كأداة تعبير وتثوير فعالة، في سبيل الفعل الجمعي للجماهير، في مسيرتها التاريخية تجاه الحرية. زهرة زيراوي في هذا النص المكرَّس لطفل الحجارة، تستنهض عوالمها في الحلم، وتكرار توظيف الحلم كأداة تعبيرية، أو مقترح نقدي في العديد من النصوص المغاربية، يعضد من اقتراح المبدع المغربي المميز واللافت للأنظار "محمد سعيد الريحاني"(26) لمفردة الحلم كمقترح نقدي في مشروعه النقدي الكبير (الحاءات الثلاث -القصة الغدوية) ويؤكد تكرار بروز الحلم في القصة القصيرة والتوظيف الإبداعي العربي بصورة عامة لهذا المقترح، رؤية الريحاني الثاقبة .. فالحلم تعبير قوي الدلالة نجده حتى في "أغنية الحلم العربي" الشيء الوحيد الذي التف حوله العرب في تسعينيات القرن الماضي (***) وربما أن تكرار هذه المفردة في الكتابة خاصة المغربية وبروزها بشكل لافت، يمثل إشارة ملحاحة لأزمة حقيقية لإنسان صودر منه كل شيء، ولم يعد يملك سوى الحلم، إزاء قصور الفعل.
وقول زهرة زيراوي "ليتسع قرص الشمس: أشهد أن الموت قادم" هو البديل المتاح للحياة البائسة، والواقع الرث "هب من قبضة حلمه عند الفجر"(27) إلى جانب أن الحلم كتقنية سردية تمثل التعويض والإشباع النفسي، لما هو غير متحقق في الواقع الفعلي .. تجترح زيراوي في هذا النص أداة أخرى، هي :النخلة كرمز كلاسيكي للشموخ "بدت النخلة سامقة .. امتد سعفها إلى كل جهات الأرض"(28) نص زيراوي المعنون هتافا "ليتسع قرص الشمس :أشهد أن الموت قادم" يتكون من خمس فقرات تنطوي في قولها على حكاية الأب، الذي يفقد ابنه إثر قصف الطائرات العدوة .. تستدعى هذه الحكاية "محمد الدرة" كرمزية تشير لكل أطفال الحجارة، الذين هم جميعهم أبناء لهذا الأب المكلوم، فهم جميعهم "محمد الدرة" دماءهم زاد لوطن متنازع، بين اسئلة الذات الصعبة والآخر/ قرين الذات الأشد صعوبة. إنه وضع معقد يعجز الساسة عن إيجاد إجابات حقيقية له، فلا يبقى لغير الساسة، سوى الهروب إلى الحلم، علهم يعثرون على مخدرات موضعية، تهديء صبوتهم للحلول الحقيقية، ومع ذلك في "شروق شمس كل يوم جديد كان قلب هذا الاب مفعما .. بالطمأنينة. طفله هناك .. رآه نخلة مرة، ورآه قرص شمس يتسع مرة أخرى"(29) هذا الإيمان العميق بالحرية، تزرعه زيراوي داخل قارئها، فنصها يقول باختصار إن الحرية هي أن تؤمن بانك حر.
مالكة عسال
مالكة عسال مواليد مدينة إبن أحمد 1954 صدر لها" فراديس منفلتة" في 2005 قيد الطبع "مدن تحت المجهر". في نصها الموسوم "بخطوط العصر" تضع مقاطع نصها الشعري "مثقالك ذهب أيتها الحرية" لا كنص تمهيدي لهذا النص القصصي فحسب، بل كقراءة موازية يقرأ فيها السردي شعريا، كما يقرأ فيها الشعري سرديا، فقراءة أيّ منهما تحيل إلى الآخر .. "خطوط العصر" نص مسكون بالتوق للحرية خلال إحساس المناضل الذي فرغ من تنفيذ أحد المهام. هذا المناضل يختزن في وعيه تجارب نضال إنساني عديدة تتخطى حدود المغرب، فهو كـ"السحابة الحمراء" زعيم الهنود الحمر في مقاومته للتعب .. قويا كالتسونامي .."بعد انتهاء المهمة كومت جسدي، المثقل بالعياء على مقعد متأخر، من عربة القطار"(30) توظف العسال هنا ثلاث مقترحات نقدية: رمزية القطار والحلم بالحرية، الذي تقطعه صافرة القطار، لدى بلوغه المحطة، والمحطة نفسها. فحركة القطار على القضبان بمثابة سريان التاريخ أو الزمن، والحلم هو الإشباع للرغبة القوية، في الحرية هذا التوق والهدف في الآن نفسه.
زهور كرام
دكتورة زهور كرام مواليد بسطات 1961 صدرت لها مجموعة "مولد الروح "عن مجموعة البحث في القصة القصيرة بالمغرب في العام 2008. تقول زهور كرام في توصيف نفسها كذات كاتبة "أجدني بين النقد والإبداع أعيش حالة التحرر من الثوابت والسُلَّط فعندما نكتب الإبداع فإننا ننتج العالم الرمزي أي ننتج تمثلات لمفاهيم وتصورات ما تعيشه مجتمعاتنا وذواتنا على مستوى التخييل"(31) وتوطئ كرام لهذه القصة "ومضة" بعبارة استراتيجية في قراءة النص "أن يدق قلبها أن يزعزع انوثتها ويربك رتابتها .. يشتتها يبعثرها، جنون .. ربما .. شمس، لما لا، استرخاء وجودي .. هكذا، أرادت للقلب موطنا، أجل .. وللبصر امتدادا بحجم أزرق السماء، والبحر، أجل .. أن يهتز العالم من حولها، وترى الفوضى تجتاحها في نومها وسريرها ..في إختيار ملابسها.. في الألم حين يصبح غصة تنفجر فجرا،تبني نهارا"(32) هذا النص المزيج من لغة التصورات الفلسفية والإثواءات الوجدانية، يلفت النظر بصوتي شخصيتيه المتعادلتين دون هيمنة أحدهما على الآخر، فالسارد يروي عن شخصيتين كليهما، مركزيتين في إحداثيات السرد "في ثوان ومضة انبثقت على الحافة .. مد يده يطلب الومضة .. ثم يغيب "(33) ينتقل السرد بعدها إلى مستوى ثان بصوت الراوية "تململت .. شعرت بحرارة تصعد وتصعد تلوِّن وجهها."(34)
فبطلة القصة تستدعي في خيالها حبيبها/ بطل القصة الذي يُشكِل حضوره، في النص حضورا مستقلا، لا حضور استدعاء يهيمن عليه صوت المستدعي، تماما مثلما يمثل حضور بطلة القصة حضورا مستقلا، لا يهيمن عليه حضور الحبيب المستدعى، رغم محاولات الراوية في الكشف عن كونها أنها، هي التي تمسك بزمام المبادرة. فهي التي تبادر "بتهدئة روعه" لا هو يحاول مبادرة الاقتراب من شفتيه إنها لا تفتأ تحاول من موقعها المركزي، ضعضعة وجوده المركزي بانطلاق المبادرة منها لا منه، وهو ما يؤشر على الازدواجية في هذا النص الذي يفصح عن المرأة كذات مستقلة، قادرة على الفعل لكن في الآن نفسه يحاول طرحها كذات مهيمنة، واستحواذيه ما يتعارض مع فكرته المركزية التي تفترض مقدماتها، أن المرأة والرجل في هذا النص مركزيان معا، ومبادران معا.. نص دكتورة زهور كرام ينطوي على الكثير من الكر والفر والترقب: هذه الادوات التعبيرية الحادة في مآلاتها المفتوحة. فهل سيدير الحبيب بطل هذه القصة خده الايمن، بعد أن صفعته بطلة القصة، على خده الأيسر. إنها مقدمة لتأويل مفتوح حول ديموقراطية السرد، وانفلاتاها في هذا النص الغني بتساؤلاته المربكة .
وفاء الحمري
مواليد 1964مدينة طنجة.. توطئ الحمري أيضا لقصتها "ولادة" بنص قصير يتمدد فيه الحب، من مجرد علاقة بين اثنين، للاندياح في الكون كله، فترسم في هذه القصة "ولادة" آلام بطلة قصتها، التي تعاني المخاض في المستشفى، حيث تمر كشريط سينمائي آلام الحياة، خلال آلام المخاض لتكشف عن تمزقات عميقة، تتخطى حدود لحظات الطلق إلى التعبير عن الوجود الإنساني في ألمه المحبب والمعذب، الذي يصعب التحكم فيه، فهو كقوى الطبيعة، كثيرا ما تخذلنا النبوءات بشأنها، كالولادات، التي ربما لا تتم أو تجهض .. إنها قصة التمزق الإنساني إزاء ما هو خارج عن سيطرة الإنسان، فكما يتمزق جنين في رحم أمه قبل أن يولد، يتمزق الإنسان بالحروب وعوامل التعرية الإنسانية، في لحظات الاختيار الصعبة، كلحظة الاختيار بين الأم أو جنينها "قد تمزق رحمك ومات جنينك فأضطر الأطباء لبتره بالكامل"(35) إنها قصة ألمنا الكوني وتلك الأمطار .. أمطار الحزن التي هطلت علينا، لحظة المخاض الأولى حينا من الدهر
سعاد الناصر أم سلمى
سعاد الناصر أم سلمى صدر لها في العام 1995 مجموعة "إيقاعات في قلب الزمن" عن مجموعة البحث في القصة المغربية بالمغرب. في قصتها "حب" نجد أن بطلة القصة، التي خرجت من تجربة زواج فاشلة، تقع في غرام السجين السياسي إثر إحدى زيارات عملها، كصحفية للسجن. لتجد في غرام هذا السجين تعويضا عن كل عذابات زواجها الفاشل، الذي انتهى إلى الطلاق. فحبهما هي والسجين يحررهما معا، بما يوحي أن المشكل السياسي الذي يؤدي إلى حالة سجناء الرأي، والمشكل الاجتماعي الذي يِؤدي إلى الطلاق كلاهما مرتبطان عضويا .. وهكذا يتحرران معا.. تتحرر هي من آلام تجربتها الزوجية الفاشلة، ويتحرر هو من الإحساس بالسجن بكل ما فيه من إكراهات. الناصر توظف هنا في هذه القصة تيمة الحب، كقيمة للتحرر من كل التركات المثقلة .. من السجن كسلطة فوقية بمثابة الانعكاس لثقافة المجتمع .. الزوج وذكرياتها العائلية/ كسلطة تحتية "لاحظ إرتجافي من عنف ذكريات لم تشأ أن تطفو، إلا في أشد الأوقات سعادة"(36) تغلب الرومانسية على لغة هذه القصة، التي تحاول أن تفتت كلس الزمن بعذوبتها.
الزهرة رميج
الزهرة رميج مواليد الرباط صدرت لها مجموعة "أنين الماء" في 2003 عن مجموعة البحث في القصة القصيرة، بالمغرب.. كما صدرت لها مجموعة "هل تغرب الشمس حقا" في 2006 ولها قيد الطبع مجموعة "ومضات" وهي من القصص القصيرة جدا.. زهرة رميج في قصتها "حلم إبنتي التي لم تولد بعد" تشبع الشخصية المحورية الأم، بالرغبة في الإنجاب، للحد الذي تشعر فيه هذه الشخصية بأنها أنجبت بالفعل .. وتحاول الطفلة التي أنجبتها هذه الأم في الحلم، أن تجيب على أسئلة الأم المعذبة حول عدم إنجابها حتى الآن، فتتداعى الطفلة في هذا الحلم .. إذ ترى فيما يرى النائم نفسها جنينا بعد في رحم هذه الأم المعذبة .. تقاوم الخروج من هذا الرحم وتصحو الطفلة من حلمها" أفقت على صوتك الدافئ كالعادة : صباح الخير يا عوينات الطير(37) إنها قصة معقدة في تركيب مستوياتها الحلمية: حلم الأم بالطفلة/ وحلم الطفلة الجنين.. وهو تعقيد يتصل بتعقيدات الواقع الاجتماعي، فالرمزية المعقدة للحلم تنم عن تعقد ولادتنا وتركيب شخصيتنا الإنسانية، في مواجهة سؤال الخصب كإكتمال لدورة الحياة، أو هو في الحقيقة بداية لها، إذ يصعب الفصل بين الإكتمال والبداية، ومقاومة الطفلة الجنين للولادة هنا هي مقاومة للخروج لمواجهة هذا الواقع الرث والبائس غير الجدير بالحياة فيه، فهو أقل من التطلعات الإنسانية في حدها الأدنى، لذا يمثل الرحم ملاذا آمنا، فهو ليس موطنا للرؤى السماوية فحسب، بل هو خاتمة المطاف وبدايته ..إذن توظف رميج في هذا النص الرحم نفسه كأداة تعبيرية عميقة الدلالة، في تشريح المشكلة الإنسانية الواقعية في سياق الحلم كاستشراف، أشبه بالنبوءة لما سيقع من أحداث، او لما سيواجهنا لدى مغادرتنا، الماتريكس بحثا عن صانع المفاتيح.
ومن العلاقات الإنسانية المعقدة، تنتقل بنا الزهرة رميج في قصة قصيرة أخرى موسومة ب " الخادمة" للغوص داخل عالم فئة اجتماعية أو شريحة مسحوقة، ترمز لها بهذه الخادمة التي تحلم بمغادرة هذا الموقع، الذي موضعها فيه المجتمع، بكل ما يرتبط به من بؤس، بالهجرة إلى أسبانيا" هأنذا يا أسبانيا قطعت البحر.. بلا ملايين الدراهم بلا انتظار أزلي للحصول على الفيزا .. إلى أن أيقظني ضحكي."(38) والمغزى هنا ليس في إعادة طرح مسألة الهجرة، بقدر ما هو توظيف لهذه المسألة، خلال الحلم كتيمة تعويضية عن رغباتنا، فالعوامل العديدة التي تؤدي إلى الهجرة، سواء كانت نفسية أو ثقافية أو مادية، هي عوامل جبارة نجد أنفسنا أقزاما إزاء مقاومتها، كمقاومة الخادمة لوضعيتها الاجتماعية وفقا للنظام الدلالي والجهاز المفهومي للثقافة السائدة، والأمر كذلك لا يكون أمام الخادمة سوى الحلم، الذي ربما يمنحها ما حرمها الواقع الفعلي منه.
مليكة صراري
مليكة صراري صدرت لها مجموعة "رعشات من معطف الليل". الدار البيضاء/ دار القرويين. منشورات أجراس 2008. تصدر مليكة صراري قصتها "ما الحرية" بنص شعري على غرار مالكة عسال فالأم في هذا النص تقرر مكافأة إبنها، بشراء عصفور في قفص، لكن ترغب في شراء القفص اولا .. كأنها تريد أن تفتح وعي طفلها على السجن، كمفهوم ومعنى، خلال رمزية العصفور/ الشعب .. القفص/ السجن .. تقيم مليكة صراري في هذا النص حوارا مع شذرة بورخيس "السور والكتب" التي ترجمها علي مزهر والتي يتحدث فيها بورخيس، عن أن الرجل الذي أمر ببناء سور الصين العظم، هو نفسه الذي أمر بإحراق كل الكتب التي كتبت قبل عصره، فشي هانغ تي شيد السور لأن الأسوار دفاعية وأحرق الكتب لأن معارضيه كانوا يستحضرونها لمدح الأباطرة الذين سبقوه. ربما سوّر هانغ إمبراطوريته لأنه أدرك هشاشتها، وأحرق الكتب لأنه أدرك قدسيتها. وربما يبطل إحراق المكتبات وتشيد السور أحدهما الآخر.
وهنا في قصة مليكة من خلال أداتيها: العصفور والقفص، اللتان تطرحان حياتنا كهاجس وجودي تستعمره الحياة بكل تفاصيلها المادية والمعنوية، تحاول صراري تحليل واقعها بانتقاء وقائع بسيطة ومباشرة -كرمزية السور والكتب- .. لكن عميقة في مدلولاتها وتأثيراتها، فبائع الاقفاص ما هو إلا سجان، ومساكن الناس ما هي إلا أقفاص، كالقفص الذي تسكن فيه الراوية والذي يسكنه هذا النص الجميل، المشوق للإنعتاق كما يسكن النص في الآن ذاته .. فالمواطنون يسجنون لا بسبب إبداءهم للرأي "تعبيرهم بنص وعن نص" بل لأنهم لم يقولوا شيئا البتة، ومحل العصافير ما هو إلا وطن مختطف "بادر البائع السجان فأطلعني على الحالة المدنية لبعض نزلائه (39) وهكذا تمضي الراوية في توصيف أخطر أسباب هذا الوضع : الجهل "أحدهما كان ببغاء تورط في ترديد شعارات، لم يكن هو يعرف مغزاها .. احتملت أن يكون الطائر لاعب كرة القدم لفقت له تهمة بتعاطي المنشطات، لانتمائه لبلد كسول"(40) إنه نص نقدي للواقع .. تثويري يحاول تحرير العصافير الأسيرة، تمكنت مليكة خلاله من استثمار لغة الصحافة ببراعة، دون تقريرية أو مباشرة، كما نجحت في توظيف السخرية المرة المبثوثة في جرأة مؤلمة، علها تفتح هذه الجروح المتقيحة لتتبلسم وتطيب.
أسماء حرمة الله
في قصتها "بلا عنوان" التي توطئها بمناجاة حالمة، تشخص الحب في عنفوانه وانكساراته وعذاباته، وضرورة استمراره رغم التمزقات، خلال شخصية محورية جرحت في زواج حبيبها بأخرى غيرها. ورغم أن هذه التيمة تم استهلاكها كثيرا في النص السردي العربي، خصوصا المصري والسوري، إلا أن أسماء حرمة الله تعالجها هنا على نحو مختلف عما ألفناه، فهذه المرأة الجريحة في حبها وكبريائها، تكابر بالذهاب لتهنئة حبيبها وعروسته بزواجهما. أسماء تضعنا هنا أمام تحدي كبير: هل بإمكاننا فعلا أن نسمو على جراحاتنا، لهذا الحد. تعيش بطلة القصة الجريحة إذن، هذا التحدي الكبير "ماذا فعلت بنفسي سأخرج الآن .. لا، لن أخرج حتى أبارك لهما ولن يهزمني جرحي أبدا"(41) لكن حواراتها الداخلية تهزمها فتغادر الحفلة، دون أن تهنيء العروسين. أنها تستجيب في هذه اللحظة بالذات للطبيعة البشرية، فالبشر الطبيعيون لا يرغبون في أن يصبحوا ملائكة، فهم في نهاية المطاف بشر وحسب، ما يميزهم هو قدرتهم على الإفصاح عن مشاعرهم. وقدرتهم على عيش ومعايشة لحظات الضعف الإنساني. لهم .. ولغيرهم. وفي قصة أخرى لحرمة الله "حبيبة الشات" نجدها بلغة شاعرية هامسة ومكثفة وشديدة الإقتصاد، تسعى بقوة للتأكيد على إنسانيتنا، غير المؤكدة خلال توظيف مفارق لتوظيفات قصتها السابقة، فمن خلال علاقة فتى/ إسفيري - بفتاة/ إسفيرية تؤكد أن الحب الافتراضي لن يكون بديلا عن الحب الحقيقي المرتبط بالتواجد في الزمن والمكان الماديين "ذات شات قالت له .. أنا قادمة إليك"(42).
فتحية أعرور
فتحية اعرور صدرت لها مجموعة "تانيت ربة الخصب في الأساطير الأمازيغية" عن دار مراسم الرباط في 2007.. في قصتها تانيت تستلهم أعرور أسطورة أمازيغية عن عشق الجميلة "تانيت" لإبن أحد زعماء القبائل، غير أن كبير الآلهة منذ رآها أصيل ذات يوم تسبح عارية في البحيرة، هام بها حبا فطلب يدها للزواج، ولما أعرضت عنه منع نزول المطر إنتقاما، تقيم أعرور بهذا التوظيف للأسطورة الامازيغية حوارا متعدد المضامين مع أساطير أخرى، كأسطورة الفتاة العذراء التي توهب للنيل كل عام حتى لايمنع فيضه عن وادي النيل أو أسطورة جزر المالديف التي تحكي عن "النمف"/ الحوريات اللواتي يخرجن من البحر فيطاردهن "الساتير"/ الغول لإغتصابهن .. وأوديب يعجب بتلك المرأة التي يراها عارية وهي تستحم ولم يكن يعلم أنها أمه.
نزول المطر والخصب يرتبط في الكثير من الأساطير برضا الآلهة عن البشر الذين غالبا ما تكون قرابينهم فتيات عذراوات أو نساء جميلات. الجدة تودا هنا ترفض أن تكون قربانا كما رفضت تانيت من قبل إذ تظل مخلصة لحبيبها وزوجها أيدر حتى بعد موته .. الجدة "تودا" بطلة هذه القصة تعيش في شبابها، قصة حب شبيهة بحب تانيت لابن زعيم القبيلة.. لكن هذا الحبيب العاشق يموت أثناء التصدي للعدو، فلا تجد الجدة تودا عزاء لفقدها له، سوى المواظبة على زيارة قبره طيلة حياتها، حيث تستعيد هناك، ذكريات حياتهما المشتركة". أتذكر يا إيدر كم كنت حزينا لما جئت للقائي ذلك اليوم، عند سفح الجبل. حاولت تمالك نفسها وهي تمنع دمعة ساخنة من الإنسياب على تعاريج خدها، ثم عادت لتمخر عباب زمن أفل إلى غير رجعة"(43)
إذا كانت أسطورة تانيت هي المعادل الموضوعي لأسطورة الجدة تودا وحبيبها أيدر فإن توظيف الأسطورة في معالجة تيمة الحب، والمقاومة للاستعمار أو السلطة التي يمثلها كبير الآلهة، يكشف عن قدرة الأسطورة نفسها على التجسد حسيا، كمظهر إنساني يتمثل في عودة إيدر من عالم الموتى، فالرموز المبثوثة هنا تحيلنا إلى كثير من المعان الباطنية: كالإيمان البدائي والحكمة الأخلاقية. فالجدة تودا تظل مخلصة لايدر، كان صباها يعود إليها الآن من العالم الآخر كفارس يمتطي صهوة جواده الأبيض، ليختطف حبيبته الصبية على طريقة الغجر، الذين في تنقلهم المستمر يبدون كمفهوم لحب لا يتحول في الزمن والمكان.."فجأة أحست تودا وكأن صباها عاد إليها .. أزاحت عكازها جانبا، رأت نفسها تمشي قبلة الجبل حيث ترجل فارس عن صهوة جواده، لما اقترب منها أشاح بطرف برنسه الأبيض، على كتفه اليمنى ..أمسك بيدها .. اختلط حزنها بالفرح، رمت بنفسها في حضنه وانفجرت باكية .. قلت للجميع :أن ايدر لم يمت ولا أحد منهم صدقني."(44) الحب الكبير كإكسير الحياة يظل المحبوب حيا فيه، كقصة حب خالدة أو كأسطورة غنية عن تفسير معانيها ودلالاتها، ورموزها بما تطرحه من لا زمان ولامكان، فهي المكان والزمن .. والحلم كل أبعادها. وبصورة أخرى هي المنطقة الوسط بين الحلم واليقظة .
رشيدة عدناوي
رشيدة عدناوي صدرت لها في 2005مجموعة "باتجاه البر الثاني" عن مجموعة البحث في القصة القصيرة بالمغرب ولها قيد الطبع " القمر وبعد".. توطئ رشيدة عدناوي قصتها "حالة شرود" بعبارة رومانسية شاعرية اللغة واستراتيجية بالنسبة لهذا النص "حينما نحب نشعر بأننا زهرة نيلوفر سابحة بين الأرض والسماء .. ماهمها ان أفقدها تيار البحيرة الخفي بعضا من توازنها، أو نق على بهائها السحري سرب ضفادع(45)" وهو بالتحديد ما يحيل إلى النهاية المفتوحة لهذه القصة، التي تنفتح في خاتمتها على تأويلات عدة. فالراوية التي طال بها الانتظار للحافلة التي ستقلها إلى المدينة المجاورة، تحاول قتل الوقت، بمراقبة المارة فيلفت نظرها "مشهد عاشقين يسيران الهوينى، في اتجاه أشجار عالية وأعشاب دانية كغابات الزيتون، وكانت الفتاة تميس كغصن تائه تدوره رياح الدلال والتيه .. حواس الفتى أستفزت .. مما فتح شهوة أنامله الجوعى .. يغيب العاشقان ثم يعود العاشق وحده، لقد تراءى لي من بعيد راع ترك غنمه لوحدها تريح بطونها الشبعى(46) ويمضي هذا الراعي لتقصي سبب غياب الفتاة هل كان يتعقب خطوات الشاب لأمر يهمه لا لا لا أنه يدخل مخدعا هاتفيا مع من يا ترى يجري المكالمة.(47) فرمزية الراعي التي تحيل إلى مسئولية تنطوي عليها الخاتمة المفتوحة، تشرع هذا النص المكثف المقتصد الكلمات إلى أسئلة متنوعة من صميم هاجس البنية الإجتماعية ...
نهاد بنعكيدة
نهاد بنعكيدة مواليد 1964مدينة الخميسات. في قصتها "الوشم" التي وطأت لها بعبارة فلسفية عن العلاقة الجدلية بين الحب والحياة "أعيش لأنني احب .. إذا ما عشت طويلا، فلأنني أحب كثيرا"(48) تكشف نهاد بهذه التوطئة، ما ينطوي عليه نصها من عوالم نوع مخيف من الحب .. متطرف لحد الجنون .. فبطلة القصة التي تعشق بهذا التطرف، الذي لا يعرف احتمالا ثالثا بين الاحتمالين، تعترف "أعرف جيدا أنني امرأة تهوى صناعة الجراح، لا تعتقد أنني وإن قبلت أن أكون بكل أنوثتي وشعري الفاحم، ومشاعري البركانية الحمراء، علامة على يدك في صورة نجمة دالة، على هزيمتك لي، فأنا لا زلت لم أعلن حربي عليك"(49) إنها قصة الحب والتهديد بسبب اختلاف الطبائع، فاختلافها ينعكس على الحب، فالطبائع الإنسانية كقوى الطبيعة في تحولاتها وعنفوانها وتهديداتها، ورغم ذلك لا نستطيع الاستغناء عنها .. الاستغناء عن النار أو الهواء أو الماء أو الأرض. فعلاقتنا بكل ذلك منذ لحظة الخلق الأولى .. لحظة التعري وما نتج عنها من معرفة، أسقطت ورقة التوت .. هي محاولتنا للسيطرة على هذه القوى التي هي داخلنا، قبل أن تكون خارجنا. قصة بنعكيدة بسيطة في كلماتها المباشرة عميقة في دلالاتها الإنسانية .
سعيدة فرحات
سعيدة فرحات مواليد آزرو 1975. تحاول سعيدة فرحات في هذه القصة أن تقول إن نجاح الزوجة العملي قد يؤدي إلى فشل حياتها الزوجية، خاصة إذا كان زوجها شخصا غير ناجح في عمله، فكليهما ينزويان بعيدا عن بعضهما، رغم المكان الواحد الذي يعيشان فيه، ومن الواضح أن هذه التيمة تتصل بمتناقضات الثقافة السائدة ونظرتها الاجتماعية للمرأة خاصة العاملة. توطيء فرحات لهذه القصة الموسومة بـ"هي والسكين" بتمهيد سردي طويل يفصل بين حياتين: حياة الراوية قبل الزواج، وحياتها بعد الزواج فتنطلق في هذا المدى الفاصل بين عالمين "ووفى القزحي بموعده فتلألأت البشرى، نظرت جنبي فإذا به جالس قربي. أنه أنت إذن .. أعرفك .. نعم أعرفك لانك بكل بساطة كنت تسكنني، أنت سعدي، أنت فجري القادم"(50) هذه التوطئة الحالمة تنداح في مديات النص، لتكشف عن نوع خاص من الرومانسية التي تسكن عوالم هذا النص الجميل، فبطلة القصة الحالمة، التي تتأمل ذاتها وتتأمل ما حولها، تعيش تناقض فارس الأحلام في زوجها/ العاشق .. قبل الزواج .. وزوجها/ الجزيرة المعزولة .. بعد الزواج. إنه نوع جذاب من الحوار بين التصور الفلسفي للحب، والواقع الفعلي للحب في مؤسسة الزواج، بالتالي الفرق بين العاشق والحبيب، الذي يلتقي حبيبته خلسة. والزوج المقيم معها. الفرق بين العاطفة المشبوبة بلذة الاختلاس والحذر اللذيذ .. والزواج كواجب يومي وروتين. الراوية تتوقف هنا عند تلك اللحظة الفاصلة بين عالميها، كلحظة جوهرية تكتشف من خلالها وجودهما: كجزيرتين معزولتين، في محيط واسع .. أرخبيله التأمل في لحظات المد والجزر ..ضجيج اطفالهما يردها إلى عالمه، وهي ككل ليلة تستغل فرصة نومه، لتمعن النظر في وجهه وتخاطب غيابه داخلها.
منى بنحدو
منى بنحدو من مواليد السبعينيات مدينة القصر الكبير.. في قصتها "لكل جحيمه" تستهل منى هذه القصة استهلالا متوترا، يوحي منذ البداية بانفتاح النص على طاقة الإنفعال "أخذت نفسا عميقا من سيجارتها المحترقة، كيف ستضع حدا لحياتها .. أي طريق ستسلك .. الشنق .. الخنق أم تبتلع علبة من الدواء كما في الافلام"(51) فالراوية هنا توهمنا منذ البداية، بان هذا حدث واقعي وليس خيالا باستخدام عبارة مضللة: "كما في الافلام".. فالشخصية المحورية (بطلة القصة) تبدو يائسة من هذا العالم البائس الزائف وفقا لتصورها للحياة، خلال لونين اسود أو أبيض لا مكان للألوان الأخرى بينهما.
وعلى خلفية هذا المفهوم الحاد لا تستطيع استيعاب علاقة أبيها بأمها "تطاحنات وشجارات والديها من الصباح إلى المساء تنتهي دائما في السرير كأن شيئا لم يكن"(52) فهي مرتبكة بحكم العالم المزدوج الذي تعيشه: عالم الواقع بمشاكله الحقيقية، والعالم الافتراضي الإسفيري الخال من أي سلطات .. العالم الحر وفقا لمفهومها للتحرر من واقعها، أو ربما هو رد فعل تجابه به واقعها "اين كنت عندما كان الجنس ديني واللذة أبي والشهوة لعبتي والجسد وطني .. سأرحل بعيدا عن تفاهتكم المتزايدة"(53) وهكذا تنتحر.
تتميز هذه القصة بتعمية جذابة، خلال إقامتها لتناص ما بين الدراما السينمائية "لكل جحيمه" كنص داخل نص. بمعنى أن الدراما السينمائية هنا تتزامن مع ما يجري في الواقع الفعلي، وتتطابق معه .. فالانتحار الدرامي الواقعي لصديقة الشخصية التي كانت تشاهد هذه الدراما السينمائية، والتي لا نعلم بوجودها طيلة سير أحداث القصة، كشخصية متوارية داخلنا نحن ليس كقراء فحسب، بل كمشاهدين أيضا. هذه الشخصية المتوارية تنتزعنا من مشاهدة الفلم فجأة بحضورها المباغت، كتوقيع في نهاية النص "رفعت عيناي لأجد أم صديقتي تسألني عن ابنتها .. تبعتني عينا والدتها، وفي لمح البصر كانت تتسلق سلالم السطح بهستيريا(54).
نجحت منى بنحدو في انتزاع عيوننا من محاجرها بتعميتها البارعة للنص، لتفك شفرته بعبارة واحدة في الخاتمة .. وتركه يروي نفسه بنفسه كنص تجريبي يستلهم قوانين القصة الحديثة، وفي ذات الوقت ليس للراوي فيه أي سلطات على أي من مستويات السرد، المستقل استقلالية تامة.
خديجة اليونسي
خديجة اليونسي من مواليد مدينة القصر الكبير سبعينيات القرن الماضي لها قيد الطبع مجموعة" فراشات منوية" .. في قصتها "كتب وتفاح" تتحول الأشياء إلى حيوات تشاركها اهتمامها "تجذبني هذه الكتب المتراكمة .. تفرغني من كل شيء وتملؤني دهشة .. تنتزع مني حواسي تضخ فيها وتعيدها إلي .. لعناوينها أياد طويلة تمدها نحوي(55) .. فبطلة القصة هنا هي العلاقة نفسها التي تنهض بين الكتاب والراوية، فالراوية من فرط شغفها بالكتب تكافح لتوفير ثمنها فحتى الرجل الذي يلفت انتباهها في المكتبة، تراه كأحد شخوص الروايات يدهم أحلامها ويهديها كتبا عجزت عن شراءها.
منى وفيق
منى وفيق مواليد مطلع ثمانينيات القرن الماضي، صدر لها "نعناع ..شمع وموت" عن دار شرقيات القاهرة في 2006 كما صدر لها "فانيليا سمراء" عن دار أزمنة الأردنية في 2008.. في قصتها "القبلة ذات القبلات" تقدم منى وفيق سردا تجريبيا جريئا في لغته المشحونة بالإيحاءات والدلالات، في اقتصاد فائق للألفاظ.. إذ ليس ثمة فائض في اللفظ والدلالة .. في هذه القصة تتداخل علاقة الام بطفلها/ بالحب المعلب.. الذي يسم الماسنجر وعالم الإسفير ..القبلة ذات القبلات الإليكترونية تطبع على شاشة الحاسوب"(56) فالتحول الذي شهدته الحياة المعاصرة بتطور وسائل البث المباشر تطورا مذهلا، قرب من تلاقي الأطراف المتباعدة.. قدم أيضا بديلا للدفء المادي الملموس ..هو الدفء الأسفيري الذي يحمله الماسنجر .. هذه العلاقة بين نوعين من الدفء، تسم حياة الأم بطلة قصتنا وطفلها الذي، لم يعد يستطيع تلمس دفء وحنان أمه عندما يقبلها، إذ لا يتذوق سوى طعم الآيسكريم.." ماما رجاء أشتري لي من هذا الآيسكريم.. طعمه لذيذ على خديك وشفتيك."(57) هذه المفارقة لهي أشبه بالصفعة على وجه القارئ بما تنطوي عليه من موقف إنساني متطلع لدفء الحياة الحقيقية .. وفي قصة أخرى لمنى وفيق "حشرتان ونجمة على جنبك الأيسر تنام" نجدها تستلهم إحدى مقولات العقل الاسطوري : قيل لك وانت بعد صغير أن سقوط نجمة من السماء، يصاحبه موت أحدهم "(58) ويلعب استيهام حشرتين هنا: الحشرة التي تشكلها النجمة.. والحشرة الاخرى دورا انفعاليا في الانتظار المتوتر لسقوط النجمة/ الحشرة.. والرهان على سحق الحشرة الاخرى قبل سقوط النجمة "تنقلب على جنبك قبل أن تنام، ستسقط النجمة عما قريب ويسقط بعدها أحدكما"(59)... خاتمة المرأة تكتب رغبة منها في التغيير.. تغيير الواقع ونظمه، التي أعلت من شأن الرجل، ومنحته سلطة ضخمت أناه، "وتكتب لأنه تم إغواؤها"(60) .. تكتب اشتهاءاها فتفضح في النص عذاباتها، هذه الفضيحة التي ربما تحررها من السلط، التي تتخلل مسامها وتسكن خلاياها .. ربما تندفع بالكتابة، وفي الكتابة بكيانها كله، لعبور الجانب الآخر من الهاوية .. هاوية التركة المثقلة بجرائر التاريخ وجرائمه الكبيرة .. تركة الاستبداد الذي يضرب بجذوره، في الوجدان الثقافي للمجتمع .. إذن تكتب اولا لتغيير المفاهيم، التي ارتبطت بها كنوع، لتكون ما تريد أن تكون.. من موقع المسئولية، فربما على الجانب الآخر للهاوية، ثمة متكأ يريح هذه الروح المرهقة،وهذا الجسد، الذي تضربه رياح محن التاريخ، حتى ما عاد يعبر عن الفتنة ... ترى هل إقتربنا من عالم قص المرأة المغربية، المتمردة على وضعية ربات الخدور، والحريم السياسي ..الباحثة عن سلطانات منسيات، تعوض بتاريخهن هدرها اليومي.
كاتب سوداني مقيم بالولايات المتحدة
هوامش
(1)http://www.arab-ewriters.com/?action=ShowItem&&id=5330
(2)http://www.tijaniboulaouali.nl/
(3)http://www.arab-ewriters.com/?action=ShowItem&&id=5330
(4)http://www.fatimabouzian.jeeran.com
(5)إ.س كون .الجنس والثقافة .ترجمة : د. منير شحود. دار الحوار. اللاذقية .الطبعة الثانية 2001ص :111
(6)السابق ص:108
(7)http://www.syrianstory.com/f-bozayanne.htm
(8)السابق
(9)نفسه
(10)نفسه
(11)http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=56094
(12)السابق
(13)نفسه
(14)نفسه
(15)http://www.doroob.com/?author=336
(16)السابق
(17)نفسه
(18)نفسه
(19)نفسه
(20)نفسه
(21)نفسه
(22)http://najat60.jeeran.com/archive/2008/2/477753.html
(23)السابق
(24) http://www.syrianstory.com/a.porgela.htm
(25)السابق
(26)http://www.khayma.com/culture-space/arabicversion-anthology2-index.htm
(27)السابق
(28)نفسه
(29)نفسه
(30)http://malika-lassal.maktoobblog.com/
(31) http://www.khayma.com/culture-space/arabicversion-roses-text2.htm
(32) http://www.khayma.com/culture-space/arabicversion-anthology3-index.htm
(33)السابق
(34)نفسه
(35)http://shahrazadandaloussia.blogspot.com/
(36)http://www.khayma.com/culture-space/arabicversion-anthology3-index.htm
(37) http://www.khayma.com/culture-space/arabicversion-anthology-index.htm
(38) السابق
(39) http://www.doroob.com/?author=912
(40) السابق
(41) http://asmaehourmatallah.maktoobblog.com/
(42)السابق
(43)http://www.mdaad.com/vb/forumdisplay.php?f=3
(44)السابق
(45)http://www.doroob.com/?p=12416
(46)السابق
(47)نفسه
(48)http://www.khayma.com/culture-space/arabicversion-anthology2-nouhad.htm
(49)السابق
(50)http://saidaf.jeeran.com/
(51)http://www.doroob.com/?author=49
(52)السابق
(53)نفسه
(54)نفسه
(55) http://www.mdaad.com/vb/member.php?u=
(56) http://www.ahewar.org/m.asp?i=919
(57) السابق
(58) نفسه
(59) نفسه
(60) http://www.raihani.ma/arabicversion-index.htm
(*)موقع محمد سعيد الريحاني، والقصة المغربية
(**)قامات، دروب، مدد..
(***)شارك من الفنانون السودانيون في هذا الأوبربت المغنية سمية حسن