تقدم (الكلمة) في هذا العدد ديوانا شعريا للشاعر المغربي مصطفى قشنني، يتسم بالنصوص الشعرية القصيرة والتي خطها ضمن رحلته في فضاءات أمريكية متعددة ومتنوعة. وهي نصوص أقرب للكتابة الشذرية مسكونة بهواجس اليومي وصوره، غير أنها تقعد لشعرية العزلة حيث تسكن الذات انفرادها المطلق وتتلمس بعضا من الانفلات.

ديوان العدد

كالنهر في عزلته

مصـطـفى قشـنني

فندق "دوبل تري"

من غرفتي أشاهد كيف تمُد الشمسُ حبالها ،

كيف تبسُطُ خيامَها الملتهبةَ لتتفتقَ رعودا مدوية ً

وعكاكيزَ من مطر.

 

2                                                

البحرُ يمتد مثلَ سرير أبيضَ يتوحَّدُ

بالأفق، والأمواجُ وسائدُ

محشوةٌ بريش النوارس..

خلسة ً يُغازل الغيمُ أبنوسَ

مرايا أجسادٍ فِضِّياتٍ

نافراتٍ يَنْضَحْنَ بفيضِ الرغائبِ

وأنا.. ليس لي إلا ما أنا فيه !

 

3

جدرانٌ تتصببُ عشبا وطُحْلـُباً نَدِيًّا

قمرٌ أبيضُ يسيل حليبا أسطوريا

على صفحة الليل القاتمِ..........

……………………………..

ما أوحش هذه العَتْمة َ المفتوحة َ

على أكثرَ من هاويةٍ، وما أضيق

هذه اللحظة َ الهاربة َ المزدحمة َ

بالأحلام الموحشةِ .

 

4

ليس للموج لسانٌ غيرَ أنه

لا يتوقف عن سرد تفاصيل نوارسِكِ

مستعينا بذاكرة الزبدِ..

 

5

غيمٌ يغوص في الذاكرة

لا سقوفَ هناك للمطر،

لا أجنحة َ هنا للريح ،

لا جرحَ للعاصفة ،

لا سوادَ للثلج

الذائب بين

شقوقها

هناك.

 

6

في بلاد مطوقـَةٍ بالضباب

يُمنع استعمالُ الأضواء الكاشفةِ

يمنع تسليطُ الأنوار........

العتمةُ والقتامةُ سيانَ .

نشوةٌ واشتهاءٌ..

 

7

يمتد الفجرُ سامقا

متشعبا في الرؤى

يمتد مُنتشيا

بأحلامِ غجرٍ

كوبيينَ ومكسكيينَ وكولومبيينَ....

محضُ شهقاتٍ

لظلالٍ أنهكتـْها

رطوبة ُ الانتظار..

 

8

إيقاعٌ يطفو

ومطرٌ يقتفي

يباسَ الخطو

نحو شاطئٍ

أخذتْهُ عِزَّةُ

الموج بإثمِ الزبدِ

 

9

لا تسأل من أين الزرقة ُ أتتْ

ولماذا تمشي سويا

مع هذا الصمتِ

الأسطوريِّ

الذي يشبهُهُ

تماما

في صفاءِ

حكمتهِ ؟

 

10

مثلَ ضفائرَ من ريحٍ

كان يغزلُ الأفقُ

زرقتـَهُ بفُرشاةِ

المعنى

كان يُشكِّلُ من عماءِ

الألوانِ وبياضِ الحبرِ

التماعاً يتوقَّدُ نجمُهُ

شهوةً شهوة ً

في سلةِ الأكاليلِ..

 

11

هو البحرُ حاضنُ

صفحات الموج العارية ،

وهذه أصابعُ الزبد

تقلب المحض هباء..

 

12

نبضاتُ نوارسَ

تتصادى موسيقى

معتقة ً بأنغامٍ

لألمٍ عُضالٍ

 

13

مثلَ جرحِ قمرٍ فِضِّيٍّ

نزّ على كؤوس العتمةِ ،

محضُ خفقِ أجنحةٍ

مغموسةٍ في محبرةٍ الضياء.

 

14

كأنما كنتُ أتملَّى

معارجَ الروحِ

وأنا أتماهى

بنشوةِ الغسقِ

المتراصّةِ في

حوافي كأس

الأفق..

 

15

انشرختْ مرآتُها

فسالت وجوهاً وأطيافا.

بلا حسابٍ

إلتقطتُها

بمنديلِ

دهشتي..

 

16

المرآةُ توقظ

أطيافَ شروخٍ ثمِلَةٍ

مندملةٍ في الوجوه

التي تشبه

الأقنعة َ تماما..

 

17

يصعد سلالمَ نشوتِهِ

بضربة فُرشاةٍ سُرياليةٍ

غائلةٍ في عَماءِ اللوحة

التي تسعُ المشهدَ..

 

18

تَرْشَحُ

كما يرشحُ المجازُ

من لغة عارية

أنهكتها مطارقُ

النُّحاة..

هي إذنِ البلاغة ُ تنزفُ

من فخذ امرأة مُنزهةٍ

عن التشبيه..

 

19

تتسامقُ أشجارُها

عُتوا وعُلوا

وأنا هناك

مثلَ رأسٍ مقطوعةِ الظل

أنهارُ مقصوفا تحت فؤوس

الشك.

حافِيَ اليقين..

 

20

يرفعُ قبعتَهُ الفضية َ

عاليا صادحا:

عصفورٌ على شجرة القلب

خيرٌ من عشَرةٍ

على أسلاك العتـْمة..

 

21

يَسيلُ دمَ الوقت

نازفا مُنسكبا

من زجاجاتٍ مُمتدةٍ

بين الرفِّ والكونتوار،

وأنا مثلَ هنديٍّ أحمرَ

بوهيميٍّ حتى النخاعِ

أنتشي على كرسيٍّ هَزَّازٍ

مُتأملا في تمثالِ الحريةِ..

 

22

ما كان لي أن أحتملَ

صهيلَ خَيْلِهِمِ المزمجرةِ ،

وجَلـَبَة َ بنادقهم

ووثَباتِ الأيائلِ

النحاسيةِ إبانَ الغروب

ونقعاً فوسفورياً

يتبدّد في إطار اللوحة

المشرقةِ فوق الجدار

وعلى يدك اليسرى بقليل

تمثالُ ابراهام لنكولن

يُلوِّحُ بقبضتِهِ

مثلَ نبيٍّ صغيرٍ.

23

اِمتدَّتْ لوحة ٌ من أعلى

(.............................)

"أبعدَ من الله وأقربَ من الشيطان"

كان يصدحُ ذلك الشيوعيُّّ

الأشعثُ الأغبرُ

مسكونا بالدهشة والنقمةِ

الغامضهْ...

ثمة َ مساحاتٌ شاسعةٌ من الحقد

والضيمِ والضغينة تملأ صدرَهُ

وثمة َ عبيدٌ كُثُرٌ تهفو قلوبُهمْ

وتدور على عِجلِ "الوول ستريت"

"أبعد من الله وأقرب من الشيطان"

لكن فقط بين شارعِ "برود واي"

و"الإيست ريفر".

 

24

السماءُ لا تُعرف نهايتُها

والغيومُ لا لونَ لها

إلا لونَ العتمةِ

الموزّعَ بالتساوي

على أزهار حديقةِ

"السنترال بارك" .

مخفوراً بوعول الوهم

أقشِّرُ ذكرياتٍ ميتة ً

تحت أشعة الشمس

الحارقهْ..

 

25

يتثاءب الفجر "الفرجينيُّ" منتشيا

وتتناثرُ نجومُهُ صرعى

في ثمالةِ كأسي وقد

أضنتها شهقة الغسق(...).

محفوفا بأطيارِ

ميناءِ "نورفولك"

ويماماتِ حدائقِ "وليامز" الباذخةِ

يمرالليلُ عموديا موجوعا

بالعتمات الناهدة الثديينِ .

أنا الشاردُ على كونتوار

عزلتي مثلَ غيمةٍ

أُغميَ عليها..

 

26

العتمة ُ ليست قناعي ،

الغسقُ السابحُ في المدى ليس دمي ،

الأفقُ الكريسطالي ليس دمعي ،

(.............................)

والنجمة ُ المتلألئة ُ بين

الأزرقين ِ لست أنتِ

(..............)

ثمةِ استعاراتٌ أخرى

تليق بهوَسِ الحواس إذن؟

 

27

عميقا في صفاء

الوميضِ اللذيذِ

نُثار الفجر

يسبقني

وأنا أسابقني إليك

وخلفي نقعُ يوم

مُطَهَّمٍ مضى ،

ورمادُ أشباحٍ

ومرايا كوابيسَ

وطعناتٌ مؤجلة ٌ

ليومٍ جديد..

 

28

كدمعةٍ

ثـَمِلـَةٍ في كأس الأفقِ

أتحسسُ غيمة ً

شفافة ً

مثلَ

الضوءِ

المُشِعِّ

من

 مرايا

غيابك..

 

29

تلك النجمة ُ المُغْرَوْرِقَة ُ بالحنينِ

حين أتحسسُ وميضََها

المنهارَ في كأسي

يطفو رَغواً

مضرجا

بحطام

ضوئك

 

30

هما أمران

أحلاهما مرٌّ

بُعدكِ

وقُربكِ..

 

31

في ميامي..

يسَّاقطُ المطرُ

كالقِطافِ الطريِّّّّ(...)

والبرقُ القاني

ارتعاشاتُ أرواح ٍ

هُلاميةٍ هذه كمنجاتُها

اندلعتْ

الآن

بين يديك.

 

32

في ميامي..

يتشردُ الغيمُ

لِتنكسرَ مراياهُ

أجنحة ً فضية ً

تأبى مُراوحَة َ التخوم..

 

33

ميامي..

صخرة ٌ من الجنون

على

حافة

اللامعقول؟.

 

34

في ميامي..

اَلمطرُ النافرُ

إيماءاتُ

غيمٍ شَِبقٍ

وتُوَيْجاتٌ

دافقة ٌ

في فروجِ

 الموج..

 

35

في ميامي..

الموسيقى

شظايا

منفوشة ٌ

وتقاطيعُ

لا تجرؤُ

 على النطق

بلسانها أنغام..

 

36

في ميامي..

الغيمُ قبعة ُ طيرٍ

والمدى أجنحة ُ

مرايا منكسره..

 

37

في ميامي..

المطرُ

فقاقيعُ

قانية ٌ،

زرقة ٌ

ثم رغوة ٌ

بيضاءُ

تشي

بِصولجان ِ

الغيم.

 

38

على مرمى

غيمةٍ نازفةٍ

ومطرٍ مُدْمى

بنصلٍ..

هذه كؤوسُ

الغسق تُترعني

نخباً سديمياً

ونشوةً موغلة ً

في الاِشتعال..

 

39

في ساحات "سان أوغسطين"

القمرُ يصقلُ رخاماتٍ

للمطلقِ ،

والنجومُ قطيعُ

ضوءٍ ضالٍ

خلفَ هودجِ الليل .

 

40

(...........)

أتهاوى

في البئر المُعْتِمَةِ داخلي

أتهاوى

في سراديبِ جُرحي الغائرِ ،

أنزفُ أحراشاً ونتوءاتٍ ،

أروِّضُ أحلاما عَصِية ً،

أطفو على صفصافاتِ

القلبِ وغيومِ الذكرى .

لا الفراشاتُ تقاسمني

رذاذ َ الضوء ،

ولا النوارسُ

تؤججُ بلَّورَ الماء

الذي في داخلي .

أتهاوى مثلَ سحابٍ

خفيفٍ

لا مَجازَ للغيمِ ،

لا كناية َ لشقائقِ البرق ،

لا ثورية َ لزنابقِ الرعد ،

لا وميضَ للمطر

على سريرك

الذي من لحمٍ ودم..

 

41

يحدث أحيانا أن

ألمِّعَ زجاجَ الغيم

فأجدَ للمطر الغامضِ

سلطانا عليَّ

يمزجني بأشلاءِ

معناك..

 

42

يحدث أحيانا أن

يقارن بين وجهك والبحرِ

ليدركَ

إلى أي مرفأ سيرسو

قلبُ/قاربُ

العاشق..

 

43

يحدث أحيانا أن

يتوحَّدَ على سرير الغيب

نبوءَتُها المؤجلة ُ

وقلقُ يقينه..

44

غسقٌ يباغتُهُ

الوصولُ كي لا يضجَرَ

في الطريق

إلى عزلة

عَتمتها؟.

 

45

يقفُ أمام مِرآةِ الغيمِ

مُشرئبا إلى مطرِ ظنونها

ورذاذِ رغبتها

المتكلسةِ في الوميض

........................

لذة ٌ مرتجفة ٌ

ورعشات ٌ مغموسة ٌ

في قارورة البرق

تفيضُ

شهيقا

وزفيرا..

 

46

شربنا مِلْءَ الليل

لنغيضَ الصحوَ

الغائر فينا.

عتقنا الكؤوسَ

بثلج حُمرة الأفق

فتهاوتِ النجومُ

غيرَ النجوم

شظايا

منسدلاتٍ

حتى مطلع الروح

عن جسدينا..

 

47

عمرُ الفراشة

يومٌ أو بعضُ يومٍ :

غزيرة ٌ بالضوء

وبالألوان الزاهياتِ

الباهياتِ

مثلَ شجرة في اليد

تمتدُ أصابعُها

بجناحين خفاقين

تمسّدان نايَ

صفائي

على صفحة نهر

غيرِ النهر.

 

48

عاشقان لهذا النهر

الدافقِ بفيضِ

المجاز..

من يستعيرُ

ومن يُكَنِّي

ومن يُشبِّه

الينابيعَ

 المنبجسة َ

على عتباتِ

الأدراج

 سواهما..

 

49

خفقانُ اليمامات

على أغصان القلب

ونقعُ غُبارِها الذريِّ

أجراسٌ ترِنُّ

بين طوقٍ وطوق..

 

50

في عدم اكتمالها المؤلمِ

ثمة فراشاتٌ

تحاكي غيابَ الضوء

ثمة َ منفضة ٌ مثقلة ٌ برمادِ

الليلة الفائتهْ..

ثمة  قناديلُ مطفأة ٌ

ثمة ظلٌّ مرتخي

وراءَ المدفأةِ الشاحبةِ

وثمة أرقٌ يستديرُ

بكأسي

في آخر النفق..

 

51

بغيمتها الأكثرِ وقـْعا

من جناحَيْ فراشةٍ

بألوانها الأقلِّ خبطا

من حبقِ الينابيعِ

بحفيف ظلالها الداكنة

بين جسديها

بروحها الشفيفةِ العارية

المحلِّقةِ على ضفاف السرْ

 

52

بِخمرتها اللزجةِ المعتقةِ

في طاساتِ الأفقِ الفولاذية ،

بدموع الكؤوس المرقرقة

في جمرةِ عينيها ،

بالمتناثر من نجومِها في بِرْكَةِ

الضوءِ ،

بريشها المُندلع على

قيثارةِ الجسدِ ،

بوردتها النازفةِ المبللة

بنشوة أحمرِ خدودها ،

بالرعشاتِ المومضةِ الملتهبة

كالبرق، الداهشةِ المدهشةِ

الحارقةِ المُشْتعِلةِ لأصابع شهوتي

المُمَسدةِ على عشب سريرها

فمن يوقظ الحلم؟.

 

53

الجرحُ الذي تلمَّسَتْهُ أصابعُها

نَزَفَ في المهبِّ

عناقيدَ وارفة ً

وَسِعَتْ سمائي

ذات اشتعالٍ..

.................

لماذا إذن يضعُ

الأفقُ سبابتـَه

على شفتيها

فيما يشبه الخجل؟.

 

54

المسافة ُ جحيمٌ

والوصولُ حتفٌ

كيف ينتعلُ الخطوَ

إليها إذن؟

 

55

كأسي

لم يبدُ منها

سوى النصفِ الفارغِ

بالكادِ

والنصفُ الآخرُ

عويلٌ وعصفٌ

يستوحشُ

النصفَ الآخرَ

من غيابها.

 

56

قلبي مرتعُ غزلانٍ

إذن مِن هنا مرّ طيفُ

الشيخِ الأكبر..

 

57

النصفُ الفارغُ

من الكأسِ

وجهةُ نظرِ النصفِ

المملوء !

 

58

مُعلَّقا على شفرةِ الغيمِ

ملتهبا على لسانِ البرق

موشوما على خاصرةِ الرعد

مطرُها المنهمرُ

مثلُ أصابعَ

مبتورةٍ

على ضفافِ

الرغبات..

 

59

ما عادت تخدعه زرقتُها

شبقُ نسماتِها

نوارسُ زبدِها

أقحوانُ دمها

نبيذ ُ ثغرِها

المراقُ بين شقوق ِ

أحشائه العَطشى

ذاتَ ظهيرةٍ صائفه..

 

60

غربة:

أمسِ التقـَيْتُنِي

وغادرتُني

باحثا عني

في سوايَ..

 

61

كيف له أن يصلَ

إلى قمةِ الضوءِ

هذا المتعثرُ

في عتـْمة نفسه؟.

 

62

عجبا:

لا تنبجسُ ينابيعُ

الغيب

إلا مُثخنة ً بسكاكين ِ

التوقعات

والإستيهامات .

 

63

الماء الذي يخرج

على شرائعِ السواقي

هو وحدَهُ

الذي يعرفُ حقا

كيف يرسُمُ

أبجدية َ الخصب

 

64

تعَبٌ هي الحياةُ

وكلُّ شيءٍ تعبٌ

لكن مع ذلك

نُربّتُ على كتفيها

فيما يشبهُ الإطراءَ..

 

65

نهرُ المجاز

في عزلته

وهذه الأشباحُ

تسبح أكثرَ من مرةٍ

في أبجديتها

حيث يكمُنُُ حبلُ

سُرّتها وسِرُّها؟.

 

66

قلبُكِ الذي نسيتُ

الاستماعَ إليه مليا

هو ذلك القلبُ

الذي يخفق في قلبكِ

 

67

غيمُها:

سُلمٌ سماويٌّ

لماذا إذن

تختلطُ أجنحة ُ

الطيورِ بالأدراج

صُعودا ونزولا

في أحضان البياض

 

68

رَفَّة ُجَناح

مُنْهَكٍ

من عذوبة

التحليقِ

في تخومِ

غموضها

الملتبِسِ

 

69

هل ذاب في اللهب

هل جَفَّ رمادُهُ

في حُطام المهبِّ

هل تهاوتْ

فراشاتُ أضوائه

الشفافة ُ

كأن شيئا لم يكن

في حضرتها .

 

70

فيما يشبه الضجرَ

اَلممكنُ هو وحده المستحيلُ .

كمن يحلمُ بما يَهوي

بين يديه من قصورٍ ،

رمادِ عشقٍ ،

وأحلامٍ تذروها الآهاتُ ،

ودمعٍ مُمَلحٍ يرضَعُ

أنفاساً مُتَّشحاتٍ

وأطرافَ أصابعَ

تومئ إلى شرفته من بعيد

بما يشبه العتاب .

 

71

مر العمرُ سريعا

وفجأة

وجدتُني هكذا في أعلى

سلم الخمْسين

أقلِّبُ صفحات أيامي

دََرَجاً دَرَجًا

متنفِّسا الصُعَداءَ .

الذكرياتُ تستيقظ

متشحاتٍ بآلامها

ومراراتِها ،

وما تبقى من العمر

يُكشر لي عن أنيابه

وعلى فمي نصفُ

ابتسامةٍ ساخرة؟.

 

72

فيما يشبه الرغبة َ

في امتلاك وَهَجِ الضوءِ

تنسُجُ فراشاتُها

ألوانَ ظِلالٍ

عارياتٍ

خفيفاتٍ

مثلَ

خَفْق ِ

أجنحةٍ فقط .

 

73

عالقا في زرقةِ عينيها

ومن حولها مدٌّ وجزرٌ ،

تلاطمَ موجٌ ليس كالموج

وزَبَدٌ ليس كالزبدِ

ونوارسُ من أعلى المرفأ

تتوهمُ النبعَ .

من الذي أَغْوى فاستغوى ؟

من الذي حَدَّقَ في مراياها مَلِيًّا

لعلها تَعْكِسُ دمعا

وَارفَ الوهَج؟.

 

74

متلألئة ٌ مثلَ أنجُمٍ

أيْروسيةٍ تتعرّى

خَجَلاً في ثـُمالةِ كأسه

المُتـْرعةِ بالصبوات .

اِشربْ لِتصحُوَ

أيها الطاعنُ

في نومه الوَسْنان؟.

 

75

محضُ خبطِ أجنحةٍ

تُملي موسيقاها

نزقاً من الخفقان

فوق نهرٍ رفيقٍ

تصطخبُ أشجانُهُ

نوتاتٍ

تفيضُ على ضفتينا

بما يشبه البلل .

 

76

مثلَ غيمةٍ تطيرُ

بأجنحتها

لتلامسَ سماءً

شفيفة ً

بأصابعها

فينسابُ دمعٌ/مطرٌ

على قبابِ الوجدِ

وقيعانِ الروح

بما يشبه

العناقيدَ..

 

77

(إلى البدوي الأحمر (الماغوط))

ذروةُ الألم

أن لا تتألمَ

أيها المكتظُّ

بِعتمة ضوئهِ

المزدحمِ ،  بيقينِ جنونِهِ

وخفقانِ دهشتِهِ

المتشظي في مرايا

غرفةٍ بملايينِ الجدرانِ .

في راحتكَ تُزهِرُ الآلامُ

وتتعب ُالأحلامُ

ويكبُرُ الحزنُ في ضوء القمر !

........................

.............................

الجمرُ مصلوبٌ في دمكَ

والزمنُ موغِلٌ في وحشتكَ

والوطنُ يَجْرِفُهُ الكناسونَ

مع القماماتِ في آخر الليل .

.........................

كن قويا أيها البدويُّ الأحمرُ

تشبَّثْ بموتكَ جيدا

دافعْ عنه بالحجارة

والمخالبِ والأسنانِ   

فلا شيءَ سيجعلك تخجلُ

من الحياة لا شيءْ....

 

78

سيّانَ:

ابْيَضَّ ليلـُها الأسودُ

الطويلُ

واسودَّ نهارُهُ

من فرط الإيحاء؟.

 

79

كلما ملأ الضوءُ عينيه

يرى فراشاتِها

محضَ سرابٍ

مُطَرَّزٍ بألوانها

 الزاهيات ،

مبللٍ بأنوارها

الساطعة

على سفوح

الروح

 

80

يتلمسُ زرقتـَها خلسة ،

يمسِّدُ حريرَها ،

يُضيءُ بريقـُها ،

أحواضَ الفجر .

يبعثر وميضَها

يتشظى غبارا ذَريا

ساطعا متدفقا

في خابيةِ الروح

 

81

انكساراتُ ألوانِ الغسق

قطعٌ مترقرقة ٌمثلَ العناقيدِ

في جيدِ الأفقِ الرطب(...)

دامٍ هذا الغيمُ

مثلَ أوْرِدَتِها

المنسكبةِ ندى

في كؤوسي العجافِ..

 

82

يتعرّى لها الغيمُ

كما يليقُ بها

لِتُصدّقَ نُبوءَة الخصبِ

وكمائنَ الشآبيبِ

وجنونَ القصفِ المُلعْلِعِ(...)

........................

مثلَ بِلَّوْرِ المرايا

هطلتْ بعد المنتصف

من دون أن تقرعَ بابا

أو تجسَّ نافذةً

فجرفتْها سيولا خارجَ

يابسة القلب .

 

83

من يرى بعين قلبه

لا تغشاهُ ظلمة ٌ كابية ٌ

أيها المتعثرُ في جدائلِ غيابِها

السابحِ في يَمِّ عتـْمتِها

المرتطمِ على صخرةِ ظنونِها

بعينين مُغْمضتين؟

 

84

أبْدُو كأني غيمة ٌرصاصية ٌ

في غفلةٍ من وقع خطى

طيفِكِ / طائرِكِ

السابحِ في المدى..

المرايا توشك

 أن تسيلَ

فضتُها

بمخلبِ

 شهوةٍ

 جَموح ٍ

مبللةٍ

بالندى

تدلـُّني

عليك..

 

85

بلسان النهر:

فوق الظلال ظلالٌ

أخرى تتوارى

تحت سياطِ

 أضواءٍ

نافرةٍ

تـُراودُ عتمة َ جسدها

الممتدةِ ملءَ صحراءٍ

بين العينِ والرؤيا

"من علَّمَ العينَ

أن القلبَ يهواك".

وأن الهوى حدائقُ

سرٍّ مكنونٍ

يكتبُهُ الوردُ ،

والعطرُ يُزَرِّرُ

نسائمَهُ

شقائقَ مَجْلُوَّةً

بجمرتِها النازفةِ

على شفتيْ /ضفتي ِ

النهر

الممتدِّ بيننا.

 

86

إلى متى:

يمشي النهرُ

بقدمينِ/ضفتين ِ

حافيتينِ

بين مهدِ النبعِ

ولَحْدِ المصب .

 

87

صافيا بزرقتِها

منتشيا بِعُرْيِها

يمضي في غِوايتها

بلورا دافقا

 مترقرقا

كما يشتهي

الضمآنُ..

 

88

فيما يبتسم النهرُ

 ابتهاجا

لِعُرْيِكِ

الطافح ِ

بزرقته..

هذه مرايا الروح

الصقيلة ُ

تنسكبُ فِضَّتُها

مثلَ حباتٍ

انْحَلَّ عِقـْدُها

بين يديكِ .

 

89

في كامل زينتِهِ وبهائِهِ

يمرُّ النهرُ بيننا

مثل مرايا منسكبةٍ

منكسرةِ الموج

مصقولةِ الوهجِ

يكتبُ سيرورة ً للنبعِ

يكتب مَرسى للطمْي ِ .

وعشبٌ سَرْخَسِيٌّ

 في المهب

يكتبُ زرقة ً لعينيك

ألذ وأشهى تماما

من طعنةِ سكينٍ

متوهجةٍ في خاصرةِ الزبدِ

المُسَجَّى على سرير النهر

العابرِ بيننا..

 

90

حيث تستهويه

انزياحاتُها

 بين المهبِّ والمصبِّ

ثمَّة َ لسانٌ فصيحٌ

يَهْجِسُ ببلاغةِ الزبد.

من يقرأ ُ فنجانا

لنوارسَ

بأنامل ليلكيةٍ

تناسبُ

 شغفَ

الضفاف..

 

91

كما يشتهي

زرقة ً تشبهُهُ تماما

أغمضَ عينيه وأرخى

شَرْشَفَ ستائِرِهِ

وتوارى إلى الخلف

بخطواتٍ عاريةٍ..

 

92

ابتسم لها ومدَّ يديه .

مِلْءَ زرقتِهِ نامتْ

غيمة ٌشاردة ٌ

وقـُبَّراتٌ اِرتوتْ

من أثداءِ الطمي الطازجةِ

...........................

 

هذا النهر ما ضرّه

إن كنتَ أنتَ سريرا

بين نبعه ومصبه !

 

93

أتحسسُ قبلة ً زرقاءَ

في موجةٍ عابرةٍ .

أتحسسُ موسيقى

على إيقاع قيتارةِ ماءٍ .

أتحسس شظايا مرايا

نازفةٍ  بين الحصى والعشب .

أتحسسُ غيمة ً تتلصصُ

على عُرينا

وأتحسسُني لأراني

بعد ذلك كيف سأصحو

بين شفتيْ مدٍّ وجزر..

  •  
  • مصطفى قشنني شاعر واعلامي مغربي من مواليد سنة 1967.
  • عضو اتحاد كتاب المغرب.
  • صدر له المجموعات الشعرية التالية:
    • أجراس الريح سنة 1996 عن دار البوكيلي للطباعة والنشر-القنيطرة.
    • أشجار المرايا سنة 2000 (طبعة أولى/مؤسسة النخلة للكتاب بوجدة ضمن منشورات منتدى رحاب)
    • أشجار المرايا سنة 2004 (طبعة ثانية عن دار البوكيلي للطباعة والنشر-القنيطرة)
    • تحت سماء لا تشبهني سنة 2007 (عن دار البوكيلي للطباعة والنشر-القنيطرة بدعم من وزارة الثقافة المغربية).
    • في ذمة الضوء سنة 2014( عن الدار العربية للعلوم ناشرون بيروت لبنان)
    • أبعد من سماء ...أحلق2015(مؤسسة شمس للنشر والاعلام القاهرةمصر)

ما لم يقله الورد (صدر ضمن مجلة الكلمة اللندنية مارس 2015 )