يكتب الناقد المصري ان هذه الرواية رحلة فانتازية، يقوم بها نحات، لجزيرة ليس عليها أحد، ليعيد عليها خلق البشر من جديد، بادئا بمن هم الأقرب منه، أو من له معهم ذكريات. ليربط منذ البداية تلك الرحلة الأسطورية بأرض الواقع، ويجعلنا رغم التخييل، لا نفارق البيئة المحيطة.

الثورة في ... «كتاب النحات»

شوقي عبدالحميد يحيى

مثلما كانت ثورة يناير كاشفة للكثير من الشخصيات والمواقف. فقد كانت كاشفة للغباء المتخفي للجماعات الإسلامية، وعلي راسها جماعة الإخوان، والتي كانت تتخفي وراء استخدام المال في كسب تعاطف، الكثيرين، مستغلين تقصير الدولة في الكثير من احتياجات الإنسان عامة، واحتياجات البسطاء خاصة، فضلا عن الجانب العاطفي والغيبي الذي ترسخ في الأذهان، وأصبح التسليم له عفويا ومقدسا، وغير قابل للنقاش. فتحول هؤلاء لقطيع يسوقه من يملك الجزرة أمام الحصان.

وبعد أن خرجوا للسطح، وأصبح هدفهم الخفي معلنا، وهو سعيهم للسلطة بأي ثمن، حتي ولو علي رقاب هؤلاء الذين استدرجوهم، وأصبح المستتر معلنا، راح الكثيرون في إعادة النظر، والبحث عن الهوية التي ينتمون إليها. وراح الكتاب يبحثون عن الجذور التي لم تكن تنبئ بغير ما ظهر علي السطح، ومن بين هؤلاء نجد الكاتب الشاب "أحمد عبد اللطيف" يعيد كتابة تاريخ الجزيرة – التي يمكن أن نضيف إليها من عندنا "العربية" -  من جديد، في روايته الجريئة والمُقتحمة "كتاب النحات". والتي قد يوحي عنوانها "كتاب" بالجفاف، أو التجريد، إلا أن القارئ لم يلبث أن يجد نفسه يعيش حياة كاملة ، تمتد لجذور الواقع، وتحلق في سماء التخيل والتخييل، ناسجا عالما يمور بالتحدي، ولا يخشي غباء الأغبياء.

وإذا كان أحمد عبد اللطيف، قد أرخ عمله  27 أكتوبر 2012، وهو الكاتب الشاب، ما يعني أنه بالضرورة عايش وتعايش في تلك الأجواء التي سادت مصر كلها قبل هذا التاريخ بما يقرب من العامين، شهدت مصر فيها الدماء تسيل في الشوارع، وقوي تتصارع مع قوي أخري، سعيا واستماتة للوصول إلي السلطة. وربما كان الصوت الأعلى خلال تلك الفترة، كان صوت الجماعة الإسلامية، فهو ما يدعونا لقراءة الرواية من هذا المنظور، إلي جانب الرؤي الأخرى، التي بالتأكيد يوحي بها العمل، خاصة الجانب الفلسفي، أو الجانب الأسطوري الذي تلمح له الرواية في أكثر من موضع، أو ترسم صورة له من وراء الصورة المباشرة. 

"كتاب النحات" رحلة فانتازية، يقوم بها نحات، لجزيرة ليس عليها أحد، ليعيد عليها خلق البشر من جديد، بادئا بمن هم الأقرب منه، أو من له معهم ذكريات. ليربط منذ البداية تلك الرحلة الأسطورية بأرض الواقع، ويجعلنا رغم التخييل، لا نفارق البيئة المحيطة. فيبدأ برسم الأم وينظر إليها بعين خارجية، ليطلب منا أن نستبعد جانب القداسة في الفن، أو الإبداع. حتي ولو عاني الفنان أو المبدع ذاته من الانفصالية، أو الازدواجية بين ما يكتب علي الورق، وما يعيشه في الواقع {المقدس وهم، كلمة مبتذلة، اخترعها راعي من أجل قطيع يتّبعونه، إنها ملائكية تتناقض مع بشريتنا، التي هي في آخر المطاف مذاق الحياة. أمي بشرية مثل عروسة النهر، وليس عدلا أن أصدر حكمين مختلفين علي نفس الواقعة. علاقتي بعروسة النهر علاقة عشق، مثل علاقة أمي بزوج أمي، ونتاج هذا الحب قد يكون ابنا شرعيا، لا أقبل أن يسمي بابن حرام، لآن الحرام أن نضاجع من لا نود، بإرادة مسلوبة، فنصير منتهكين}.

.ثم يرسم النحات زوج الأم، أو ربما كان الأب المحتمل، للمعاملة التي كان يلقاها منه، ولأنه من زرع فيه حب التشخيص، حيث كان زوج الأم مخرجا مسرحيا وكان يحرص علي اصطحابه معه للمسرح. وكذلك الأب الذي كان مثالا كذلك، لكنه يصنع تماثيله بالفخار {أبي أيضا كان مثّالا، وهنا أجد تشابها بينه وبين زوج أمي، كلاهما يصنع شخصيات، ويضع لها تفاصيلها، أبي يجتهد ليكون السكون معبرا عن الكيان، وزوج أمي يجتهد لتكون الحركة مناسبة للشخصية، ونظرات العين عنصر أساسي في عمل كل منهما بالإضافة لذلك، كلاهما عشق نفس المرأة وضاجعها، الآن، من مكاني هذا، أراهما متكاملين، وجهين لعملة واحدة، نصفين مختلفين لنفس الرجل. وأنا في حيرة بينهما، الأول اختفي قبل أن أراه، والثاني فضلني علي أخي الأصغر مني بدقائق فخلق بيننا الشقاق}.

يرسم النحات كذلك بعض الشخوص التي عرفها، وأيضا يحمل لها ذكري، أو يري أنه سيكون لها دور رمزي علي نحو ما سنري. فنري تمثال "رجل البرميل" و "بائعة اليانصيب"، و"رجل القضيب" وهو الرجل المنتصب دائما.

وليبعد الكاتب عن نفسه تخرص المتخرصين، يؤكد بشرية النحات، باحتياجه الإنساني لعروسة بها من المواصفات ما يحلم به الإنسان، فيصنع تمثالا ل"عروسة النهر" التي تخيلها، من طينة مختلفة عما صنع به باقي التماثيل، ولتصبح هي الوحيدة التي تراه، دونا عن باقي التماثيل التي تسمع صوته، دون أن تراه، ولتحمل عروسة النهر بعضا من صفاته، أو تصبح هي المكمل للنحات، فتتولي هي إخباره بما يدور في الجزيرة، وما لا يعلمه هو، خاصة بعد أن دبت الحياة في كل المنحوتات، وبدأ الصراع بين "رجل القضيب" والذي سنكتشف أنه يمثل الكهانة، في الأزمنة الأولي، ويمثل الرجل الذي يخدع الناس بقدرته علي معرفة الغيب، بعد أن سرق أوراق النحات، بل وسرق ملابسه التي قطعها علي مقاسات التماثيل، لتغطي بها عوراتها، التي كان النحات قد تركها بها، بعد أن كان هو أول من ارتدي ملابس النحات، أو صانعهم، في أول إشارة لسرقة ثوب الإله من قبل المتحدثين باسمه، وكأنهم يحلون بذلك محله، أو يرتدون ثوبه، في إشارة بالطبع لمن يتحدثون باسم الله، أو نيابة عنه، متناسين أنهم إن كانوا يستطيعون قراءة الماضي، فلن يستطيعوا قراءة المستقبل، إلا في حدود الوهم، والغيب الذي لا يستطيع أحد الإمساك به. فبعد أن علم النحات بسرقة "رجل القضيب" لملابسه، لم يهتم كثيرا{الفرق بيني وبينه بوضوح، أنني من صنعت هذه التماثيل، وبالتالي بوسعي أن ألصق لكل منها حكايتها، وأن أنبئ كلا منها بأيامه القادمة، رغم أني لست علي يقين من أن اختياراتهم في الحياة الثانية ستطابق ما اختاروه مسبقا، بينما يبدو مستحيلا بالنسبة له أن ينسب الحكايات التي يمتلكها الآن لأصحابها، حتي سيرته الخاصة لم يكتشفها بعد، ولابد أن الذهول سيصيبه كلما قرأ حكاية الرجل ذو القضيب دون أن يعرف أنه يقرأ مستقبله}.

وتكتب "عروسة النهر، أول رسالة للنحات، تكشف بها عما يدور في الجزيرة، وتكشف بها لنا كيف نشأت تلك الجماعات التي استطاعت أن تخدع الكثيرين، باسم الغيبيات، أو التي أصبحت فيما بعد تُعرف بالجماعات الإسلامية، المتحدثة باسم الدين، وكأنها تؤرخ لظهور تلك الجماعات: {بلغني أيها النحات الطيب أن أهل الجزيرة كانوا ينامون في سكينة ويلتحفون بالأمان يأكلون الثمار ويذبحون الطيور ويشربون من ماء النهر يشيدونا بيوتا مسقوفة وسقيفات بلا بيوت ويضطجعون أحيانا في العراء فمرت أيام وسنون علي هذه الحال يتزوجون ويتكاثرون ثم يشيخون ويموتون فأصابهم الضجر وغرقوا في الملل فبحثوا عن الخلل فبدأ الهرج وساد المرج ومع كثرة الأسئلة ظهر المجيبون وانتقلت السيادة من الكل إلي الفرد وسيطر الكاهن علي العقول بكلامه المسجوع حينا والمعسول حينا فصدقه من صدقه وآمن به من آمن وخاف منه من خاف واجتنبه من اجتنبه فانقسم أهل الجزيرة بين مؤيد ومعارض وبعد البيوت صُنعت الخنادق وأصبح الكاهن في تواضعه البطل المفارق فتشكلت الجزيرة من جديد وظهر البطل الضد وأضداد البطل وتكونت الحكايات وتكاثرت لكن الأسئلة لم تتوقف كما انتظروا..  ...

بلغني أيها النحات الطيب أن الكاهن الذي كان في ظاهره يدعو إلي الفضيلة والزهد كان يحمل في داخله النزق وحب الدنيا وأن السلام الذي كان يدعو إليه لم يكن إلا دعوات مستمرة لحروب لا قبل لأحد بها وأنه دعا لجلسات سرية مع نساء جزيرته .......... فتحولت الليالي التي كان يدَّعي فيها زيارة الصوت له إلي ليال حمراء وأصبح له في كل بيت ولدا ومع كل امرأة سرا وبات بيته محرابا للمريدين وقبلة لليائسين .......  }.

ولم تكتب "عروسة النهر ذلك من فراغ، حيث كانت قد بدأت تتجول، وتتغول وسط الجزيرة، واقتربت من "رجل القضيب" الذي هام بها وأشاع وسط أهل الجزيرة أنها محبوبته، وأن من في

 بطنها،  منه هو، خاصة أن والد من بطنها" "النحات" لايستطيع أحد رؤيته، سواها فقط. – ربما كانت إشارة إلي السيدة مريم، بشكل أو آخر - . فقد ظهرت إشارات تبين عن تسلل "رجل  القضيب" إلي سكان الجزيرة، مدعيا أن صوتا يأتيه – هو صوت النحات حيث يسمع الجميع صوته دون أن يروه- وينبئه بما لا يعرفون. وقد سمع النحات في جولاته حول رجل القضيب فيقول:

{اثناء صعودي أسمع تراتيل. هل يقيم الرجل صلاة ما؟ أقف علي باب بيته، أراه جالسا يقرأ من ورقة، كلاما يشبه سجع الكهان. هل بهذا الكلام سيطر علي أهل الجزيرة؟ أنصت إليه وأتساءل كيف أجاد هذه اللغة؟ ومن أين استخرج حكمته؟ ..... كيف استطاع أن يفهم أن منح الأمل في حقيقته يمثل مفتاح الحياة وزمام السلطة؟}.

وتخبر عروسة النهر النحات، فيما يشبه أحد تقاريرها:

{ رجل القضيب الذي يلقي تلاوات وترانيم بصوت معدني وجميل، بعبارات تحمل حماسا ما، ونقيضه في نفس الوقت، وبقدر ما تدعو للحب تدعو للكراهية}.

وفي أحد اجتماعاته بنسوة الجزيرة يخبرهم رجل القضيب:

{ومن ثم فلا مناص من تشييد معبد لكسب محبة الصوت الذي نسمعه، والاحتفاظ بتعويذات يكتبها لكم المطلع علي الخبايا وترديدها بمحبة بالغة في أوقات بعينها، يقول لهم بصوت معدني لكن ما الذي يريده الصوت؟ تسأل خالتي. يريد الطقوس والذبائح، لا يود أذاكم في شئ، بل بالعكس، يحبكم كثيرا، ومن أجل ذلك سنستخدم الخراف والنعاج كقربان له}.

فالذبح والدم هو القربان الدائم، وفقا لما درج عليه المسلمون في احتفالاتهم وأعيادهم. حتي أن خطيب صلاة عيد الأضح ، الماضي، – علي أرض الواقع - يقول ( خير عمل في هذا اليوم .. هو إراقة الدماء)، وهو ما يعني أن العملية مستمرة ولصيقة. إلا ان صاحبنا النحات، يري أن هذا الطقس، ما هو إلا طقس دنيوي، درج عليه من يفترسون اللحوم، ويعيشون في حالة انتصاب دائم:

{ أسترجع مشاهد لم استوعب فيها كيف يكون الدم قربانا لأله ما، أيُّ إله عنيف هذا الذي صوره المتحدثون باسمه! لايخلو الذبح من قسوة، ومن حكمة بنفس المقدار. إزهاق الروح لو كانت لحيوان أو طائر، اللون الأحمر المسال علي جانبيه، نظرة الرعب الأخيرة، التي لا تحمل خوفا من الموت بقدر ما تحمل توسلا لإيقاف الألم، لا يمكن أن تسمي بغير القسوة، ثم من منا بقدرته النظر في عيني حيوان أثناء الذبح! مع ذلك يمكن من الذبح استخلاص حكمة وحيدة: كي تعيش يجب أن يموت الآخرون. ليس فقط لأنهم يشغلون حيزا تريد أن تشغله بمفردك، بل أيضا لأن لحمك كي ينمو يجب أن يأكل لحم الآخر. بهذه الحكمة الأزلية أستطيع تفسير كل المذابح في حياة البشر}.

 

تتعدد المشاهد، والاستشهادات التي تضع رجل القضيب، ومن ورائه كل الجماعات المتحدثة باسم الدين، موضع الاتهام، إراقة الدماء، الخديعة والدجل، انتحال ما ليس لهم. في إطار من تحديد معالم الواقع المعاش، والذي وزعه الكاتب علي طول الرواية، مع أطراف أخري، مناهضة لهذا التيار المرفوض منها، ومنهم ما يمكن تسميته بالتيار العلماني الذي يدعو للتفكير والتساؤل، قبل أن يسلم نفسه لليقين، والذي  هو أشبه بالعنقاء أو الخل الوفي. ونستطيع أن نري في رجل البرميل، رمزا لهم.

ففي مقابل صورة رجل القضيب، ممثل الجماعات المتاسلمة، والمستغلة للدين في تحقيق شراهتهم للأكل والجنس، يأتي رجل البرميل، ذلك الذي يقف علي الجانب الآخر من رجل القضيب. فينكر تميز رجل القضيب بسماع الأصوات. حيث كل إنسان، يمكنه أن يسمع هذه الأصوات.إلا انه في حيرة من أمره، يتساءل عن وجود صاحب الصوت، ولماذا لا يظهر، أو يتدخل، في رؤية فلسفية ربما حيرت الكثيرين، خاصة أصحاب الفكر، كثيري التساؤل، والذي يمكن أن ننظر لرجل البرميل كرمز لهم  { من أنت؟ يأتيني السؤال من الخلف، من رجل البرميل، مغلفا بالحيرة والخوف. أنا من تبحث عنه، أجيبه وأنا أقف علي بعد أمتار منه. أنت من كنت تصنع التماثيل في المنخفض؟ نعم، هو أنا. لكنني لم أرك كما لا أراك الآن، أتكون محض فكرة؟ لا ، أنا موجود غير أنني محتجب. ولماذا تحتجب؟ يسأل دون أن أجد إجابة مرضية، لأنك غير مهيأ لرؤيتي، قد يصيبك شر أو أذي، وربما تكون مادة تكوينك المختلفة عني سبباَ، أقول وهو ينظر ناحيتي ويرتجف حد أنه من الرعب يجلس وينكمش في نفسه، وبعد صمت يسأل، وماذا تريد منا جميعا؟ أنحني وأربت علي كتفه، لاشئ، اقول، سوي أن تكونوا سعداء، وأن تختاروا مصائركم بمحض إرادتكم، دون أن يأذي بعضكم بعضا. يشرد الرجل، يصمت، يسكنه الرعب والحيرة بمقدار أكبر. أتعجل الرحيل}. لنجد أن رجل البرميل يسكنه السؤال والحيرة، والبحث عن اليقين المفقود، والذي يدعيه رجل القضيب، حيث يحدث الناس باليقين، وهو لا يملكه.

كما يحضر رجل البرميل لحظة خلق، فبينما النحات ينحت أحد تماثيله، ورجل البرميل لا يراه بالطبع.. يتابع، بما يكشف عن شخصيته المتسائلة، ويغذي شكوكه وتساؤلاته، كيف يتشكل هذا الكائن وحده، دون صانع، ليحيلنا إلي التساؤل الوجودي الأزلي الباحث عن خالق الخلق، الذي لم يره أحد {وبينما أنا منهمك في العجن والتشكيل، ألتفت لأري فجأه رجل البرميل يقف بين الشجيرات ويطل عليّ. أنظر إليه فلا ينظر إليّ، يتفحص الصورة بين يدي بعين المندهش، ويهبط مسرعا عندما أتوقف، ليستقر بجانبي دون أن يراني . أواصل عملي ...فيجلس علي الأرض ويتساءل بصوت هامس، كيف تتشكل الصورة بمفردها وماذا سيحدث لها عند اكتمالها ... يتساءل أنكون في الأساس محض صورة من طين دبت فيها الروح؟ أتركه في حيرته وأواصل صنع الأصابع}.

علي أن رجل البرميل، أو ما يمثله رجل البرميل، ليس هو التيار الوحيد الذي يقف في المواجهة أمام رجل القضيب، حيث توجد جبهة أخري، وإن كانت تختلف عن جبهة رجل البرميل، في أنها تستخدم قوة السلاح ، وإن تفوقت علي القوة المزعومة لجبهة رجل القضيب. إلا أن أحمد عبد اللطيف لم يصرح بها مباشرة، وإنما تلميحا، بما يعكس طبيعة المرحلة التي عبرت عنها تجارب روائية أخري، أيضا بما يشبه التلميح، دون أن تقع في محظور التصريح.

 ومع مشاهد الواقع المعاش سنلحظ كثيرا من أولائك الملتحين، او المتحدثين باسم الدين، وقد بانت عليهم آثار الذبائح والولائم الكثيرة، فانتفخت بطونهم.

كما نلحظ أن أحمد عبد اللطيف في وصفه لأكثر من مرة لرجل القضيب عند ممارسته للجنس، كان يستلقي علي ظهره، بما قد يوحي بارتفاع (كرشه). ومن خلال ذلك يمكن قراءة المشهد المتكرر، في البداية، وفي النهاية، وكأنه يؤكد المعني الذي يعنيه في الفقرة التالية:

  في اليوم الأول للنحات في الجزيرة يكتب:

{أري شوارع واسعة جدا وخالية إلا من مقاصل وسلالم وبالوعات وشرفات، تنشق الأرض فجأة ويخرج منها رجال بطونهم منتفخة ويسيرون علي ظهورهم، رجال كثيرون حد أنهم يملؤن الشارع العريض الذي أتوقف فيه، ولا يتركون مساحة للمارة ولا حتي فوق الأرصفة. أتسمر في مكاني وأفكر كيف يمكنني أن أخرج من هناك، فأتعلق علي إفريز نافذة مخافة أن يخرج من تحت قدمي آخرون، فيظهر في الشرفات رجال ضخام الجثة، ينزلون بأقدامهم علي البطون المنتفخة ويسيرون فوقها بخطواط عسكرية، فتنفجر بشكل متتابع}ص21 -22.

وقبيل يوميات الجزيرة الثانية التي حط النحات حموله عليها. نراه يفتتحها بالأتي:

{وفي الجزيرة الجديدة عثرنا علي أوراق أخري سنعرض مقتطفات منها لترتاح ضمائرنا غير أننا نعرف أنها تكرار يحمل في أعماقه دلالات سيلتقطها كل لبيب}.

ثم يتكرر نفس المشهد السابق في اليوم الأول بالجزيرة الأولي، بنفس الكلمات، وفي اليوم الأول للنحات في الجزرة الثانية ص 218.

وبالتأمل في العنصر الجديد علي الرواية، والذي أراه ملمحا رئيسا فيها، وفاعلا، رغم عدم وروده طوال الرواية إلا في هاتين الحالتين، هو "الخطواط العسكرية"، بما يؤكد التواجد العسكري في المعادلة.  وإن كانت الرواية، كما أشرنا من قبل، قد تم الانتهاء منها قبل ظهور الدور الكبير لل"خطواط العسكرية" في ذلك المشهد الحلمي الذي رسمه الكاتب، فإنه في هذه الحالة، يعتبر حدسا، أو استشرافا من الكاتب، لما سيؤل إليه المشهد، في قابل الأيام، وهو ما يحسب للكاتب.

 

خدع الإخوان وعنفهم ... إبداعيا

في ذات عملية الربط بين الكاتب وبيئته، وظروفه المجتمعية والاجتماعية والنفسية، نستطيع القول بأن الرواية ولدت في لحظة ولادة مجتمعية، إلا انها ولادة ، مختلفة، بما يمكن أن نقول معه أنها إعادة خلق، أي من خلال معطيات كثيرة، موجودة بالفعل وليس من اليسير تغييرها، وبذلك، ستعيد تشكيل الوجود. وبالتالي فإن ما اتبعه أحمد عبد اللطيف، يتفق ويتوافق مع الرؤية المجتمعية. فقد رأينا النحات، يذهب إلي الجزيرة المُتخيلة، لا يحمل معه إلا نفس الأدوات التي كان يستعملها قبل الهجرة إلي الجزيرة. وحين فكر في صنع تماثيل، فقد بدأ بمن يعرفهم، أو الأقرب إليه، مستدعيا ذات الذاكرة التي تحمل كل الماضي معه.إذن فهي إعادة خلق لموجود. ومن هنا نجد أن فصول البداية، هي ذاتها فصول النهاية، إلا أنها ليست الشكل الدائري، حيث النهاية، وإن تشابهت، أو تطابقت، مع البداية، إلا أنها بداية جديدة، ولذلك فهي تأخذ شكل التكرار، وهو ما يمكن أن نطلق عليه الشكل التكراري.

وهي ذات الرؤيا التي يمكن أن نري بها، تقسيم الأسفار الثلاثة، علي ستة أيام، تلك التي تستدعي الآيات الكريمة :

ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب } و { إنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ }. وهي الآيات التي تتحدث عن الخلق في ستة أيام، والخلق لم يتم إلا مرة واحدة، ولذلك فنحن هنا أمام عملية إعادة خلق.

فإذا كانت الثورة المصرية في خلال العام 2012، بدايات 2013، أي فترة كتابة الرواية، كانت قد بدأت تتضح بعض معالمها، وأنها لم تسر في الطريق الذي كان منشودا منها، بل كانت الدماء في الشوارع، والضباب في الطريق، وصراع خفي كان قد بدأت ملامحه بين القوتين، الإخوان والجيش، فإن رؤية الكاتب تتضح هنا، من أن بداية جديدة، أو مشوارا جديدا في طريق الثورة يجب أن نسيره.

ومن داخل الثورة أيضا، وما كان قد بدأ في التكشف، الصراع الأيديلوجي، أو إن شئنا صراع الرفقاء، وبدأت عمليات التشرذم، والتصنيف والتجنيب. في الوقت الذي كان فيه ثوار الميدان ينادون (إيد واحدة) ، كدعوة للتلاقي، وقبول الآخر، الذي يعني التوحد حتي وإن كان هناك الاختلاف، وليس الخلاف، حيث الاختلاف هو أساس وسنة الحياة (ولو شاء الله لجعل الناس أمة واحدة ولايزالون مختلفين)صدق الله العظيم (سورة هود). ومن هنا جاءت التيمة المتكررة في الرواية، وألح عليها الكاتب، أنه عندما تتشابه الوجوه، يصبح من يري وجهه مثل الآخرين، علامة الموت، أو اقترابه، حتي ولو كان موتا معنويا. وكأننا أما دعوة ضمنية بضرورة قبول الآخر.

وهو ما يؤكده الكاتب علي لسان النحات، الذي يري العراك (وليس الاقتتال) هو علامة إن لم تكن صحية، فهي علي الأقل طبيعية بين البشر، والذين هم هنا المنحوتات، المتساون في بشريتهم، والمتساوون في نقصانهم:

{ والنحاتون بالضرورة أكثر عشقا لتماثيلهم، خاصة تلك التماثيل التي تتحرك وتختار بإرادتها أفعالها. أعلم في قرارة نفسي أنني لست هذا النحات الذي يغضب من منحوتاته، ورغم حزني أنها لا تراني إلا أن غبطة ما تسبر أعماقي كلما سألوا عني وشاهدتهم يتجادلون حول وجودي. الأنداد يتعاركون لأنهم أنداد، لأن أحدهم يود أن يثبت للآخر، أو للآخرين، أنه الأكثر كمالا. أنا لست ندا لتك التماثيل، بل الحقيقة التي أعرفها أنهم متساوون في النقصان}.

وهو ما يدعو النحات لأن يعترف بالتشابه بينه وبين رجل البرميل ورجل القضيب، رغم ما بينهما من طبائع، ورؤي، وأهداف، مختلفة:

{ وأمام رجل البرميل أكتشف حقيقة جديدة، أنه يشبه رجل القضيب ويشبهني} { الآن أدرك ما يحدث في العالم. الأصل واحد والفروع متعددة}.

تنطلق تلك الرؤي من طبيعة النحات، الصانع للتماثيل، ذلك الذي يؤمن بالحرية، والتي هي جوهر ما نادت به الثورة، وكل ثورة.

فأن يصنع النحات تماثيله، ويشكلها وفق رؤيته هو، ثم يتركها تفعل ما تريد، رافضا التدخل في مصائرها، أو في تصرفاتها. فهو صانع يؤمن بالحرية، ويرفض التدخل فيها، أو الحد منها، حتي لو كانت في غير صالحه. أليس الله هو خالق إبليس اللعين، الذي أعلن عصيانه، وتركه يتحداه؟. فنراه في محاورة مع نفسه، يتساءل ويجيب:

{"لماذا لا أسرق أوراقه وأستريح؟ أتساءل، رغم علمي أنني لن أفعل . ولماذا لا تريد أن تفعل؟ أتساءل بصوت عال. لأنني لا أريد أن أشكل المصائر بقدر ما أريد أن أري كيف يتكون العالم علي مهل، أُجبيني}. وفي حواره أيضا (النحات) مع رجل البرميل، نجده يقول له:

{أنا هنا غير أنني لا أرعاك، ولا أريد أن أتدخل في مصيرك، بيدك وحدك أن تسير في الدرب الذي يروق لك، وبيدك وحدك أن تصنع سعادتك أو تعاستك، لك إرادة واختيار، ولك عقل وحرية، ولك حياة، أقول له}.

ومن الأمور التي استهجنها الكثيرون علي تلك الجماعات المتأسلمة، هجومها علي محاربة التماثيل، بل وتحطيمها، كما حدث في العراق، أو تغطيتها، كما حدث في مصر. فأراد المبدع بذكاء أن يرد علي تلك الأفكار السطحية، يرد بطريقة إبداعية منطقية خالية من النقاش المجرد، فكتب النحات منذ البداية :

{ أنظر لتماثيلي الطينية وأفكر، ما من خلود لها ما لم تكن مصحوبة بحكايات عنها. التمثال الذي لا يحمل صاحبه حكاية آسرة سيكون محض حجر أصم. النحت والكتابة وجهان لنفس العملة، جسد وروح}.

فإذا كانت الأديان قد أقرت، وقر في يقين البشر أن الإنسان خُلق من التراب المخلوط بالماء (الطين) ووفق ما نص عليه القرآن في أكثر من موضع { ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين}  {ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون}{ وبدأ خلق الإنسان من طين ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين} . وكانت أول دعوة للرسول محمد (ص) هي {إقرأ}. أي الكلمة.

كما ورد بالإصحاح الأول من إنجيل يوحنا {فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ}.

فمما صنع النحات تماثيله؟، ولما اختار الكاتب النحات ليرد علي إدعاءات تلك الجماعات المتخلفة؟ ...  وإذا كانت هذه هي الحقائق التي تسلم بها الإنسانية، وهذا ما ينادي به الدين الذي يتكلمون بإسمه، الطين الفاني، فلما يتصارعون علي الدنيا، علي السلطة. وهنا يسخر الكاتب منهم علي لسان النحات ذاته  { أعجن الطين وأنا أفكر في رجل القضيب، أي سلطة مزيفة يود أن يحوزها}.

ويلخص الكاتب رؤيته، ورؤية الأغلبية من أبناء الوطن، صورة تلك الجماعات، وما تفعله بالإسلام الذي يتكلمون باسمه، كخلفاء عن الله والله منهم بريئ، تلك الصورة التي أصبحت أسوأ صورة تقدم عن الإسلام، والإسلام منهم بريئ، صورة شاملة يعبر بها النحات عن دجلهم وخداعهم المغلف بالدهاء، ومبطن بالعنف وبالدماء:

{ هربت للسماء واختبأت بين الأدخنة، فلما أمطرت ألقت بي في أرض غريبة، يسير أهلها بسيوف وتتطاير الرقاب كرأس الجزرة، ويتحدثون بلغة أعرفها غير أنها غريبة عني. هناك، كانوا يرددون اسمي دون أن يروني، ويحكون عني حكايات لا أعرف عنها شيئا، ورغم أنها أرض رملية، إلا أن اللون الأحمر كان غالبا علي رمالها}.

       وعلي الرغم من هذه الصورة الإبداعية المحكمة، فقد يكون من الظلم للعمل حصره في هذا الجانب الإجتماعي فقط. حيث تنفتح الرواية فنيا، وتقنيا، علي الكثير من التأويلات، والصور الإبداعية، لتقبل أكثر من رؤية، وأكثر من تأويل. غير أننا اقتصرنا علي هذا الجانب لطبيعة الكتاب، وموضوعه. إلا أن ذلك لايمنع من تأمل بعض النواحي الجمالية، التي نجح الكاتب في إبرازها بشكل لافت.

العتبات

       صدَّر الكاتب روايته  بمقولة  (الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا).... قول محمدي

وإن نفت الروايات أن يكون القول حديث عن النبي، وترجح أنه لعلي بن أبي طالب، إلا أن المعني المراد من ورائه، والذي يهون من شأن الدنيا، وعبثيتها، هو ما يعنينا، وما أكده الكاتب في قول صريح عندما هون من صراع رجل القضيب، وخداعه حد السرقة، سرقة الصانع، أو صانعه هو ذاته، وتلبسه عباءته{ أعجن الطين وأنا أفكر في رجل القضيب، أي سلطة مزيفة يود أن يحوزها}. فقد وضعنا منذ البداية في أجواء الرواية، وما يرمي إليه منها.

ثم كانت العتبة التالية قول مأخوذ عن سقراط: "لست ضد آلهة الجمهور، بل ضد فكرة الجمهور عن الآلهة". فقطع منذ البداية علي من قد يسول له جهله، أنه  يشخص الإله الخالق، فهو لا يسخر من الإله ذاته، وإنما هو ضد تصرف العامة، والجهلة منهم تحديدا، إزاء الإله. و بذلك يتحصن ضد المتربصين بالإبداع، والسوابق كثيرة.

ثم يأتي المدخل الذي جاء موفقا لحد كبير. والذي من حيث الشكل، جاءت طريقة الكتابة وإسلوبها ، وانفتاحها علي بعضها كجملة واحدة، دون فواصل، وكأنها بالفعل مقتطعة من تلك الأوراق الصفراء، القادمة عبر الزمن، وهو الغلاف الذي خلف الكاتب مسيرته في الرواية، حيث يؤكد أن هذه الحكاية مجموعة من أوراق قديمة.  

ومن حيث المضمون، فكانت بمثابة النهج الذي يسير عليه الكاتب، وكأنه ينبه القارئ لبعض الملاحظات لما سيجده أثناء القراءة، وما يؤكد تمرس الكاتب بالعملية التي جاءت محكمة. حيث يقول في هذا المفتتح: { كتبت هذه الحكاية بأحبار مختلفة وطننت في ذلك فرادة ولفتا واجتهدت قدر استطاعتي ليكون تعدد اصوات الرواة إلماما بجوانب الحكاية ويكون إيقاع لغتهم من بطيئ لمتعجل ومن سرد أحداث لمتأمل فيها ومن تجريد لتجسيد تنوعا يجذب الفانين حتي العبارة الأخيرة} وكل ذلك ما تم بالفعل ونستطيع التدليل عليه، فلعب الكاتب دور الناقد الحصيف لعمله، وبإسلوب مقبول، وغير متعال.

الشخصيات

علي الرغم من أن كل الشخصيات، كانت أقرب إلي الرمز، أو الإحالة، إلا أنها لم تخل من ذلك الطابع الإنساني، أو بعض اللمحات الإنسانية التي تقربها لروح القارئ، وكأنها سحر يتسرب عبر الأوردة، لتصل للعقول الخاملة وفق ما تمني الكاتب في افتتاحيته السابق الإشارة إليها.

فإذا تأملنا الشخصية الرئيسة في العمل، وهو النحات، ورغم رمزيته الدلالية، إلا اننا نقف معجبين أمام تولهه في حب عروسة النهر، وهو يتأمل فيها، وكيف هي تبادله ولها بوله، ففي هذا الحوار القصير {.. أتضرع وأنا أقبلها. أمارس صلواتي في محراب جسدها، تعلو روحي فيملأني الخشوع. في حضرتك أغيب عن الوعي، أقول. مع قبلاتك أؤدي شعائري، تقول"}.

وكم يتخلي ذلك الرمز عن رمزيته، ليشعر بشعور الإنسان الذي يرتاب في بنوة ابنه، وهل هو بالفعل ابنه، أم أنه ابن رجل القضيب. فيغضب، ثم يعود ليمنحها العذر، حينما يتأمل بأنه لا يظهر إلا لها، فكيف تستطيع مواجهة الآخرين، وهم لايرونه.

وأيضا عندما يثور لمرأي الأم في الوضع الجنسي مع زوج الأم، يغضب، إلا أنه يراجع نفسه، حين يجد أن يفعل ذات الشئ مع إمرأة أيضا هي عروسة النهر، وأمه ايضا امرأة، فيسائل نفسه، أهو يكيل بمكيالين. غير أن طبيعة النفس البشرية، لا تتقبل أن يري الأم في ذلك الوضع، حتي لو مع زوجها، فيواسي نفسه {ما بين الفكرة التي تعتنقه أوتطبيقها علي أرض الواقع، مسافة شاسعة، قد تصل للمسافة بين السماء والأرض}.

ورجل القضيب، الذي مهد له بتأن، وجرأة محسوبة، حتي وجدناه يعيش الحالة المادية الشبقية، دون أن ينخرط في الإسفاف، ولتقف العملية لدينا مجرد رمز كان حتما أن يسوقه الكاتب، وصولا لرؤية مختزنة في الأعماق. ثم سارت حياته –رجل القضيب – لتنضج علي مهل، دون تسرع، حتي استوت الشخصية منطقيا، وكانت جاهزة لما هو مقدر الوصول بها إليه.

ثم رجل البرميل، وأيضا رغم ما يشير إليه من اتجاه فكري ليبرالي، يؤمن بالعقل وبالموجود، إلا ان تسمية الكاتب له برجل البرميل، وهو برميل القمامة، ليعبر لنا عن وضع تلك الفئة، أو المثقفين عموما أمام تلك الرؤي القائمة علي الغيبي، وعلي الكهانة، بل وضع تلك الفئة عامة في نظر الدولة.

وزوج الأم  وتشابكه مع الأب، في التشابه، والتداخل في الأم، كإشارة إلي أنه علي الرغم من تأكد نسبة الإبن للأم، فإنه ليس بالضرورة أن يكون الأب هو الوالد. وهو ما أدي بالنحات للتشكك في أي منهما الأب وأيهما زوج الأم.  كما أن زوج الأم كمسرحي، والأب كنحات، أي أن كلاهما فنان بدرجة ما، فكلاهما مختلطين، هما من أنتج النحات، بصفاته المتسامحه، والخالقة، والحالمة. وكأن أي منهما يصلح لأن يكون أب للنحات.

عروسة النهر، وكما أشرنا أنها يمكن أن تشير للسيدة العذراء، وربما أرادها الكاتب كذلك بالفعل، ربما لرفع القداسة مثلما أشار النحات عن أمه. خاصة أنها تحمل من الصفات الكثيرة التي يشار للسيدة العذراء فيها – إلي جانب الإبن بدون أب – عملية تعليم الناس، وتمريضهم { وأنا سأتفرغ لابني وكتابة ما يشغلني، ولعملي بالطب، سأنزع الآلام من أجساد الناس وأعلم ابني أن يشفي المرض}. ألا يلجأ الناس فيما يسمي بمولد العدرا للبحث عن الشفاء؟ ألم يكن السيد المسيح، ابن العذراء يشفي الأبرص { وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتي بإذن الله} . وربما أراد الكاتب أن يشير بأن النبي الذي منحه الله بعض قدرته(في إحياء الموتي وعلاج المرضي) لم يدع أنه يفعل ذلك من عنده، وإنما (بإذني) حيث يقول الله أنه لم يفعل ذلك إلا بإذني، فكيف لهؤلاء الذي لم يبلغوا مبلغه، يدعون علي الله ما ليس لهم؟.

لقد قفز أحمد عبد اللطيف بروايته الثالثة "كتاب النحات" قفزة تضعه في مصاف الروائيين، المتمرسين، والذين لهم إسلوبهم الخاص، وعالمهم الخاص، فاستحق التقدير الذي ناله بجائزة ساويرس.

- أحمد عبد اللطيف – كتاب النحات – رواية – آفاق للنشر والتوزيع – 2013.

-  يصف "أوفيد" الشاعر الروماني، حكاية النحات العظيم "بجماليون" الذي كان يكره النساء، فصنع تمثالا من العاج يمثل امرأة جميلة، ووقع في حبها، فأحسن زينتها وطلب من فينوس إلهة الحب أن تحييها، فأحيتها، فتزوجها، وأنجب منها. 

 

- سورة ق آية 38

- سورة الأعراف آىة 54

-  المؤمنونآية 12 - الروم آية 20   -السجدة آية 7 ، 8

 

- سورة آل عمرا  الآية 49 .