يكثف القاص السوداني في مقاطع قصيرة فكرة أوطان القهر وهي تنزع من الإنسان حرياته الواحدة بعد الأخرى في محاولة لتجريده من كيانه وجعله بمقام العبد الخرس ولا تكتفي خوفاً وخشية من المسحوق فتمزق جسده ولا تستريح.

مطارات

عمر الحويج

حزمتُ حقيبتي.. حملتُ جواز سفري.. وتأبَّطتُ كتابي، هي أشيائي التي سترافقني في سفري هذا.. متعدِّد المحطات.. وغادرت.

***

محطة الوصول الأولى:

استقبلوني.. فتَّشوني

فتَّشوا.. حقيبتي

فتَّشوا.. ثيابي

فتَّشوا.. حذائي

فتَّشوا.. شعر رأسي

فتَّشوا.. حتى دواخلي

لم يجدوا سوى.. كتابي، تصفّحوه.. توقفوا عند بعض الصفحات.. كان عددُها.. عشراً.

انتزعوها.

نظروا ناحيتي في.. ازدراء.

ثم مزّقوها..

ومنعوني من الدخول.. فغادرت.

***

محطة الوصول الثانية:

استقبلوني.. فتّشوني

فتَّشوا.. ثيابي

فتَّشوا.. حذائي

فتَّشوا.. شعر رأسي

فتَّشوا.. حتى دواخلي

لم يجدوا سوى.. كتابي، تفحَّصوه، توقفوا عند بعض الصفحات.. كان عددُها.. عشرين.

انتزعوها..

نظروا ناحيتي في استهزاء.

ثم.. مزّقوها.

و... منعوني من الدخول.. فغادرت.

***

محطة الوصول الثالثة.

استقبلوني.. فتَّشوني.. فتَّشوني.. ثم فتَّشوني

لم يجدوا سوى.. كتابي فحصوه، توقفوا عند بعض الصفحات.. كان عددُها.. ثلاثين.

نظروا ناحيتي في.. استقواء.

انتزعوها.. ثم مزّقوها.

و.. منعوني من الدخول.. فغادرت.

***

محطة الوصول الرابعة:

استقبلوني.. فتّشوني.. ثم فتّشوني.. ثم فتّشوني لم يجدوا سوى.. كتابي.. قلّبوه، توقفوا عند بعض الصفحات المتبقية، كان عددُها.. أربعين.

انتزعوها.. ثم مزّقوها.

و.. منعوني من الدخول.. فغادرت.

***

محطة الوصول الخامسة:

استقبلوني.. فتّشوني، وجدوا غلاف كتابي..

مسحوه بأعينهم.. ثم بأيديهم.. ثم بأحذيتهم.

ثم.. قالوا:

هذا الغلاف.. يخدش الحياء

هذا الغلاف.. يمس الثوابت

هذا الغلاف.. يسيء للرموز

ثم.. مزقوا الغلاف

و.. منعوني من الدخول.. فغادرت.

***

محطة المغادرة:

استقبلوني.. أخذوا جواز سفري.. فتحوه، صفحة صفحة.. تداولوه.. تبادلوه.

سألوني..

أين الكتاب، الذي تسللت به خلسة.. حين غادرت؟؟

حين لم... أجبهم.

.. فتّشوني

فتَّشوا.. حقيبتي

فتَّشوا.. ثيابي

فتَّشوا.. شعر رأسي

فتَّشوا.. حتى دواخلي

حينما لم يجدوا.. كتابي. نظروا ناحيتي في.. استعلاء.

ثم... أخذوني.

ثم.. مزّقوني أنا...