تقدم الباحثة السورية نموذجا متميزا للنقد السينمائي المبني على معرفة عميقة بعالم المخرج الأسباني وبصيرة قادرة على قراءة مستويات فيلمه التحتية، وتموضعه في سياقاته الأجتماعية والفكرية معا.

المودوبار: سينما الجسد و"العودة" إلى روح المانشا

أثير محمد على


 

 
"أيها السيدات والسادة أنقول قضي الأمر وجف القلم وكتب على شرقنا التعس أن يكون آلة صماء في يد الغرب. يديره كما يشاء ويلعب به ويساكنه كما يريد ويتصرف فيه تصرف المالك بما تملك يده. فيقتسم أراضيه عابثاً بكل الحقوق الدولية هازئاً بكل القرارات السلمية. حتى متى عنَّ لأي دولة منه توسيع نطاق أراضيها هجمت علينا بخيلها ورجلها واكتسحت بلادنا بعد أن تنشر في أرجائها الخراب والدمار. وتنظر إلينا نظر المولى إلى عبده؛ الجبار القادر إلى حيوان حقير أمامه. أباحت له الأيام إذلاله وأحلّ له الدهر استعباده.

أم نقول. لنا عقول مفكرة ورؤوس مدبرة وأذرع قوية وأيد عاملة فما علينا إلا أن نستعملها في السبيل القويمة التي اختطتها هذه الشعوب المقتدرة لأنفسهم قبلنا ليكون نصيبنا في هذا الوجود نصيب الأحياء العاقلة القابلة للفلاح العلمي والعملي. والقادرة أن تحمي ديارها وترد كيد أعدائها وتدفع عنها طمع الطامعين فيها".

     من خطاب "نهضتنا" لاستر أزهري مويال في جمعية شمس البر(1912). 

يدفع التوق لاكتناه ما كان في أبعاد الزمان الذي غاب عن المكان إلى شروع البعض في رحلة نحو سالف الأيام، فتح محفوظات كانت مغلقة والتملي في أوراقها واستبانة شهاداتها. ورغم تمهل البحث في محطات تحضر فيها صور وأصوات محملة بإمكانية المعرفة التي تلخص تناقضات مرحلة بأكملها، إلا أن الاسترسال في فرادة التفاصيل والإصغاء إلى مستويات القول المتعددة لا تتبدى عنه تضاريس تشمل تلك الأعوام في مشهد واحد.

حين تقليب صفحات العديد من الدوريات العربية، من جرائد ومجلات، خلال الفترة الواقعة عند انطواء القرن التاسع عشر ومشارف القرن العشرين، يلفت الانتباه أسلوب المواد الصحفية التي تناولت وداع القرن الغارب حينئذٍ، وصيغة الحديث عن فضائل ومنجزات ركامات عقوده. ويمكن القول أن أغلب هذه المقالات تتقاسم شغف قص سيرة القرن الراحل بأسلوب يحيل للحكايا العجائبية. فمن العجيب والغريب تبرز مواهب الإنسان الخلاقة. ومن مآثر العلم والاختراع، والاكتشاف والابتكار يكمن النزوع الإنساني المتفائل بين السطور. ومن غائية استنفاذ حدود الممكن تشرق السعادة البشرية. لعل التطور وما وصلت إليه الحضارة عامة هو المبرر لتلك النغمة المتعملقة معرفياً في مثل هذه المقالات على ما كان في العصور القديمة العهد.

بالطبع يستثنى مما سبق نصوص الدوريات السلفية التي رأت في الابتعاد عن طهارة الزمن النبوي إيغالاً في طمي الأيام الفاسدة، ولذلك راح دعاتها ينكؤون تراب الحقب لينصبوا شواهداً لخطابهم وراهناً مطلقاً لهم عند أول قرون الهجرة. من جانب آخر عرفت صحافة المرحلة مقالات لم تنخرط في زهوة التفاؤل الليبرالي، ولا أوغلت في ضراعة الابتهالات الدينية. في طليعية هذه النصوص يحضر نص "الحرب" المكتوب عند تخوم القرن التاسع عشر بقلم إحدى تلميذات ابراهيم اليازجي، ألا وهي لبيبة هاشم (1880-1947؟)، لبنانية المولد ومصرية الدار.

قبل أن تقوم لبيبة هاشم بإطلاق مجلتها النسائية الشهرية، "فتاة الشرق" في القاهرة، كانت تنشر موادها الصحفية في مجلات عدة خاصة مجلة "الضياء"، والتي ظهر فيها مقال "الحرب" لأول مرة في مجلد سنة (1899-1900)، قبل أن تعيد الكاتبة نشره في مجلتها عام 1911 لمعاصرة موضوعه للاحتلال الايطالي لليبيا.

وفي حقيقة الأمر إن الاقتراب من لبيبة هاشم، ومن مرآتها المجلوة في كلماتها، هو كشف لأحلام ولتحقق امرأةٍ استثنائية بامتياز. بين يديها تبدو جدوى الفعل قابلة للامتداد حثيثاً في جميع مراحل حياتها، وفي أوجه نشاطها كافة. تنسرب إلى بصيرة قارئها ملامح واضحة لمجتمع كرست هذه الرائدة كل فعلها لنشدانه وتعمير تفاصيله الحداثية ورسم تصوراتها له والدعوة لتبنيه. وتعتبر "فتاة الشرق" من المجلات النسائية القليلة التي داومت على الظهور لفترة طويلة نسبياً، ففي عام 1906 رأت المجلة النور وثابرت صاحبتها على إصدارها حتى عام 1939.

مارست لبيبة هاشم الكتابة بأشكالها وأجناسها المتنوعة. لعل الحافز الكامن وراء هذا الخيار يتأتى من طيف اهتماماتها الواسع من جهة، ولتصميمها على إقامة أسس "هيئة اجتماعية" مغايرة للواقع كما هو في عصرها.

جاب قلمها لجج الكتابة: الصحفية منها، فحبّرت لمجلتها الافتتاحيات والمقالات والتعريفات بشهيرات النهضويات قبلها... إلخ، وترجمت دراسات وبحوث مطولة وألحقتها كملازم تحمل ترقيماً خاصاً في أعداد متتالية من دوريتها، كما نشرت قصصها القصيرة، الموضوعة منها والمترجمة، وأصدرت أعمالها الروائية والمسرحية على حلقات متتابعة في "فتاة الشرق"، كذلك الأمر بالنسبة لفصول المحاضرات التي ألقتها في الجامعة المصرية قبل أن تضمها فيما بعد كتاب واحد.

وعت لبيبة هاشم أن تصورها إلى ما يجب أن يكون عليه حال مجتمعها يستدعي عرض واجبات وحقوق أفراده، وطبيعة العلاقات التي تحكمهم، وأواصر التكافل والتعاون التي تجمعهم، لتتحقق سعادة الفرد كذات وفي محيطه الأسروي والمجتمعي. من هنا تنوعت المواضيع التي بحثت فيها أو ترجمتها، وفي معرض الحديث هنا تذكر المواضيع التي تخص قضايا وشؤون المرأة، واقتصاد الأسرة وواجبات أفرادها، والتربية والتوجيه التربوي، والتعليم والمراكز الأكاديمية، والأخلاق والقيم، والعلوم الطبيعية والفيزيائية المبسطة وتوجيه الأبناء نحو المنطق العلمي، والنقد الاجتماعي، والسلوك والعادات والتقاليد، واللياقة الاجتماعية والذوق السليم....إلخ. وفي مجمل كتاباتها، تُخضع لبيبة هاشم أخلاق حاضرها للسؤال، وتبحث في مسوغاتها. تحاور على طريقتها ومن ثم تترك القارئ حمولة القول في نصوصها.

في مقالتها التي تعيد نشرها مجلة "الكلمة" تلتفت لبيبة هاشم لموضوع الحرب. تتناوله بروح بيان سلمي يدفع للقول أن في شخصها رائدة لدعاة وأنصار السلام في تاريخنا العربي الحديث المنهك بالحروب.

قبل أن تبلغ العشرين من عمرها، انفردت لبيبة هاشم بمقالتها جانباً بعيداً عن الدوريات التي ستحتفي "بالآمال الكبيرة" مع ولوج القرن العشرين. يقال أن لعمر الفتوة والشباب اندفاعاته الحماسية المتطلعة نحو المستقبل والتفاؤل به. إذن ما الذي جعل شابتنا الرائدة تتروى قبل أن تكتب مقالتها السلمية؟. ألا يمكن القول أن في عمق "الحرب"، التي تنشرها، تبصّرٌ لشروق رمادي للقرن الجديد؟ ألا يلتقي ما يستبطنه نصها المبكر من توجس مع ما سيعلن بعد أكثر من خمسين سنة أن القرن العشرين هو "قرن الحروب"؟

ترفض لبيبة هاشم "الحرب" كليةً، هي تمظهر لعماء العنف، عالم كابوسي، رعب غولي، فجائع، قهر، إذلال، تسخير للبشرية، عائلات منكوبة، تشريد في الأرض، استباحة حقوق الغير، امتلاك متوحش واستنفاد لثروات الأمم ..... تجاهر لبيبة هاشم بزيف القيم العليا وحب الوطن التي يعلن باسمها أوار الحروب، وتكشف بأن الفتيل يشتعل بدافع مصالح لاعقلانية ذئبية جشعة، تمتلك القوة وأدوات إنتاجها. وترى بأن المدنية وتقدم الحضارة الإنسانية مهددة بخطر الطمع الكامن وراء الحروب. تركز لبيبة هاشم في مقالتها على أثار الحرب السلبية، اجتماعياً واقتصادياً، على حياة الفرد والأسرة والمجتمع. لذلك فالسلام والأمن في مقالتها هو حق لكل إنسان وللعائلة ولعموم الأوطان في المعمورة. وتدعو كناشطة سلام لنبذ العنف لأن في ذلك تعبير عن "فطرة سليمة" لدى الإنسان الحر. وسبيلها لنشر دعوتها السلمية مؤسسات المجتمع الأهلية من مراكز تعليمية ومنتديات أدبية وسياسية ودينية، وجمعيات وصحافة ... بمعنى أن طموح لبيبة هاشم السلمي يتجه إلى إنتاج ونشر معرفة السلام، وإلى تربية الفرد في المجتمع على مدارج هذه المعرفة. بكلمات أخرى يمكن أن تنضوي أفكارها اليوم تحت ما يدعى بـ "ثقافة السلام".

وتجدر الإشارة إلى أن لبيبة هاشم، المرأة والإنسانة والمثقفة، تتقدم قبل أكثر من مئة سنة عبر سطورها بإحساس من عليها واجب مناصرة السلام ومناهضة الحرب. وهنا يذكرأن قرار مجلس الأمن رقم 1325/لعام 2000 طالب بمساهمة المرأة بالتساوي مع الرجل في جميع الجهود الرامية إلى حفظ السلام والأمن.

وأخيراً نترك نص مقالة "الحرب" للبيبة هاشم لعله يستبطن صورة ما للقرن الأول من الألفية الثالثة. أنرى فيه بيان سلام وأمل بأخوية الإنسان، أم نبصر ونستبصر بين السطور شرانق ستبذر المزيد من الطغيان؟.. 

(ملاحظة: الجمل المشددة الخط بالبنط الأسود، والموضوعة بين قوسين تعود لإضافات لبيبة هاشم، عند إعادة نشر المقالة عام 1911 إثر إحتلال الاستعمار الايطالي ليبيا). 

 

الحـــرب 

بقلم حضرة الكاتبة السيدة لبيبـة هاشـم  
ما الحرب إلا ساحةٌ تقاد إليها النفوس قود الحملان لتُسفَك فيها دماء الرجال والفرسان ومعتركٌ تضحَّى فيه الأنفس البريئة على مذابح الأطماع وموتٌ زؤامٌ يفغر فاه ليبتلع الأبطال والجبابرة أي ابتلاع فيقتحم الشاب سوق المنية مضطراً أو مختاراً طمعاً في دريهمات قليلة ينالها أو وعود وهمية يغترُّ بها ومن دونها إشراك الهلكة وأهوالها فيلقي بنفسه في ساحة الحرب بين بروق المرهفات ورعود المدافع القاصفات مخاطراً بالعمر النفيس والنفس الغالية ظامئاً إلى شرب دماء أخيه وابن نوعه مما تنفر منه السباع الضارية وذلك بدعوى حب الوطن كما يزعمون وما كان أغنى الوطن عن حبٍّ يثكله أعز أبنائه لو يفطنون أو طمعاً في نيل وسامٍ هو في الحقيقة وسم العار على البشرية أو رتبةٍ هي عنوان القساوة والهمجية وما يدرأ الوسام عنه للموت خطراً ولا ترد الرتبة لأطفاله عنه بدلاً.

انظر إلى الأمة الانكليزية (الأمة الإيطالية) كم يسحُّ من عيون أفرادها من العبرات وكم يتصاعد من صدورهم من الزفرات وكم يسمع لأحزانهم من صدى أنين وحسرات فمن والدة جرت عليها حرب الترنسفال (طرابلس الغرب) ثكل ولدها وأنشبت المنية سهمها في فلذة كبدها فبكت ولداً حبلت به جنينا وأرضعته طفلاً صغيراً وربته يافعاً نشيطاً وقضت الليالي الطوال ساهرةً عليه متألمةً لآلامهِ مضطربةً لأحلامهِ فانقضَّ عليه البين وقصفه غصناً رطيباً وحرمها مشاهدتهُ في الحياة فرافقها الحزن والأسى حتى الممات ومن والدٍ حزين سلبهُ الدهر سند شيخوختهِ وذخيرة أيامهِ وتركهُ غائصاً في بحار شجونه متجرعاً مرارة آلامهِ ومن زوجةٍ فقدت عضدها وشريك أحوالها وخطيبةٍ هُدمت مباني سعادتها وصروح آمالها وطفل أيتمهُ سيف القضاء وتركه عرضةً للفقر والشقاء وهدفاً للعناء والبلاء.

وانظر إلى ما وراء ذلك ترَ الضرر العام الناشئ عن الحروب لا يقل عن الضرر الخاص اللاحق بالأفراد واعتبر من ذلك النفقات الطائلة التي تنفقها الحكومات على التجهيزات الحربية من المؤن والذخائر والأسلحة ومرتبات الجنود والقواد وإقامة الحصون وجرّ الأساطيل وغير ذلك من الأمور التي تزيد أهميةً على ما ذكر ألا وهي تعطيل الألوف الكثيرة من الجنود وحرمان الوطن ثمرات ما وهبتهم الطبيعة من قوى الأبدان وذكاء الأذهان.

فأين العدل في إجبار رجلٍ كامل الصحة والعقل وهو في قوة الشباب وزهرة العمر على أن يقف نفسه لحمل السيف وخدمة مآرب رؤسائه ومطامعهم يأتيه القوت والراتب مصبوغين بالقطرات المتحلبة من جبين أخيهِ العامل الذي يدأب نهاره بطوله ليحصل بعض دريهمات يقاسمه إياها بل أين المجد لذلك الجندي الذي خضب يديه بدماء إخوانه من بني البشر وجعل نفسه آلة للانتقام والإضرار وربما دارت عليه وعلى وطنه دائرة التقهقر والانهزام.

بل أين الإنصاف في إضرام نار الحرب على أمة أوجدها الله في بقعةٍ من الأرض (على أهل طرابلس الغرب تلك الأمة المستكنة في بقعة من الأرض) تستدر غلاتها وتتمتع بحاصلاتها آمنة كوارث الحدثان وشر الإنسان متنعمةً بالخيرات التي رزقتها من فضل الله وجدّها وهل أظلم ممن رأى أخاه في نعمة فطمحت نفسه إلى تجريده منها أو قتله ليستولي عليها من بعده بدعوى أنه قد نال هذا الاختصاص بحد الحسام... ومتى كان الحسام إلا من قضاة الظلم والاغتصاب وعمال التدمير والخراب بل متى كان إلا آلةً للافتراس يفعل ما لا يفعله الظفر والناب فالحرب ولا جرم ضرب من الجنون البشري يجعل الإنسان أدنى رتبة من الحيوان ورحم الله شيخنا اليازجي حيث قال:

ولقد رأيت الأُسد أحسن خلةً من جنس هذا الناطق المتمردِ
الناس تقتل كـل يوم بعضهـا والأُسد تقتل غيرها إذ تعتـدي

ولقد طالما عني محبّو السلام والمحافظون على روابط الإلفة والإخاء بين الأنام فاجتهدوا بمقاومة هذا الشر الوبيل وكف يد الاعتداء  بكل ما استطاعوا إليه السبيل محافظة على الحقوق وحقنا للدماء وتخفيفاً على الإنسان من وطأة البلاء فألفوا لذلك اللجان العديدة كالاتحاد الافكتيوني عند اليونان والاتحاد السلمي الذي أنشأته الكنيسة في القرون المتوسطة وجمعية الكويكريين عند الانكليز التي تمنع حدوث كل حرب وفتنة وتحرّم على الأعضاء التداخل فيها ومؤتمر نزع السلاح الذي عقده من عهد قريب جلالة قيصر الروس وجمع إليه نواب الممالك في مدينة لاهاي للبحث في هذا المقصد الجليل فأخفقت مساعيه إذ على إثره ظهرت الحرب الأمريكية في جزائر فيليبين وتلتها الحرب الانكليزية في الترنسفال.

(وهوذا الأن الآن الدولة الايطالية تحارب طرابلس الغرب بأسطولها ومدافعها ورجالها ومازالت منذ أشهر توالي هجماتها على الطرابلسيين وليس ما يدفعها إلى ذلك سوى مطامعها المعيبة وجشعها الفاضح الذي نرجو أن يعود بالخيبة والفشل حتى يتم ما يقال أن على الباغي تدور الدوائر).  

على أن أرباب الفطر السليمة ما زالوا يسعون إلى تأييد السلام وتوثيق صلات الاتحاد والوئام ونحن على يقين أنه لا بد أن يأتي يوم تبطل فيه الحروب لأن الإنسان قد نال من حرية الأفكار وخروجها من ربقة الأوهام ما يصد به الحكومات عن سوق العامة إلى الانخراط في الجندية قسراً واغتصاباً كما كانت تفعل قبلاً ويفعل بعضها الآن وإن عمدت إلى تطويع الجنود بإرادتهم واختيارهم فالهيئة الاجتماعية تمنع ذلك حفظاً لجامعتها وضناً ببني نوعها ورحمة بعباد الله.

وفضلاً عن ذلك فان الله سبحانه وتعالى قد علم خلائقه ابتغاء السلام ووعدهم به فلذلك سيأتي يوم فيه يطرح النوع الإنساني كل ما لديه من الأسلحة والذخائر التي يحصلها بعرق الجبين وسفك الدماء ويتعلق بأهداب السلام والأمل معقود بما يظهره الناس من الاهتمام بتدارك هذا البلاء والبحث في الطرق اللازمة لإبطال الحروب وتوطيد السلام منادين بذلك على صفحات الجرائد ومنابر الخطابة وفي المدارس والاجتماعات الأدبية والدينية والمنتديات السياسية كل ذلك مما يبعث الأمل في حفظ السلام والتحكم في الخصام والعدول عن الحروب وإراحة العباد من هذه الخطوب.

والمجتمع البشري الذي نراه كل يوم يتقدم شوطا عظيماً في الحضارة والمدنية لا ينفك عن التذرع بالوسائط الفعالة لإنقاذها من هذا المصاب العميم ونشر لواء السلام في جميع الأقطار والأمصار لأنه لا يجدر بالنفس التي دفعت صاحبها إلى استخدام الطبيعة لمنفعة النوع الإنساني ومحو آثار المسكنة والشقاء وبناء المستشفيات لمعالجته من أسقامه وإنشاء المدارس العديدة يُرَدّ فيها على الصُمّ السمع وعلى العمي النظر وعلى البكم النطق واختطاف البروق من سمائها واستخدامها رسلاً بين أمة وأمة ومملكة ومملكة في جميع أنحاء المسكونة وهداية الناس إلى مرضاة الخالق واتباع ما يأمر به من الإنفاق والوئام والمحبة والسلام ونشر ألوية الوحدة والإخاء مسطراً عليها بيد الرحمن أبوية الله وأخوية الإنسان لا يجدر بهذه النفس التي بذلت وسعها لإطالة حياة الإنسان متمتعاً بجميع أنواع الراحة والرفاهية أن تسلم بتضحيتهِ على مذابح الطمع والفخر الباطل بل تذود عنها وتبالغ في صيانتها حتى تنال الفوز والنصر. 


الضياء، مصر، مجلد السنة الثانية (1899 1900)، ص (171 175).
ثم أعادت لبيبة هاشم نشر المقالة في:
فتاة الشرق، ج1، س6، 15 اكتوبر 1911، ص (6-10)