في هذا الديوان القصير، يقدم الشاعر الفلسطيني سيرة الحب والجسد ضمن وشائج وصور تجسد استعارات هذا الحضور حيث تمتزج سيرة الجسد بالحب وهي تشكل في تخوم اللغة قدرة القصيدة على إعادة تجسير الهوة بين "أنا" الشاعر وتلك الصور التي طالما أعادت أحد أهم التيمات الآثيرية للشعر.

ديوان العدد

استعارات الحب (ديوان)

نمر سعدي

الحُبُّ كلبٌ من النار

في القطارِ الذي يقطعُ الليلَ
قالَ غريبٌ لآخرَ:
تلكَ التي في الوراءِ تحدِّقُ مثلَ المجانينَ بي
وترسلُ بعض الإشاراتِ لكنني أتجاهلها
وكأني أعدُّ النجومَ
فأمثالُها يتحلَّقنَ حولي
كأغربةٍ فوقَ سروِ السياجْ
وأنا رجلٌ غامضٌ
عاطفيٌّ كذئبٍ جريحٍ
كثيرُ المتاعبِ
ليسَ لنفسي هوىً في الزواجْ

*

لم يكن فاشلاً كابنِ زيدونَ في حبِّ ولَّادةٍ
لم يكن جسمُهُ ساحلاً للعذارى اللواتي ضللنَ طريقَ امرئِ القيسِ..
لا جاهلاً كالفراشةِ
أو ناحلاً حينَ خبأَ نبضَ حبيبتهِ في الصدى
قلبُهُ لا يدُلُّ على نجمةٍ في الكلامْ
ومراياهُ لا ترتوي من صراخِ الندى
فالشعراءُ يعيشونَ مثلَ ذكورِ الحمامْ
والشعراءُ يموتونَ حتفَ اشتهاءاتهم
فإمَّا انتحاراً
وإمَّا انهياراً
وإمَّا انكساراً
وإمَّا سُدى

*

كانَ الفراغُ العاطفيُّ فراشةً في القلبِ
ترقصُ كالأميرةِ في الصباحِ
مسلَّةً ضوئيَّةً للغيبِ كانَ
وغيمةً منسيَّةً فوقَ الوسادةِ
شمعةً حجريَّةً في الماءِ
عاصفةَ البنفسجِ في السريرِ
وكانَ سرَّ الحُبِّ
أو نظرَ الغزالةِ في عيونِ الذئبْ

*

هل أنا رغبةٌ تتسكَّعُ في آخرِ الليلِ
كالغرباءِ الوحيدينَ
أم مطرٌ في المدينةِ
أم شاعرٌ يتجرَّعُ حتى المناعةِ سُمَّ الحياةِ اللقيطةِ؟
أعرفُ أنكِ أفعى بسبعينَ ناباً وظفراً
وأعرفُ أنَّ الذينَ يحيطون بي
(مثلَ عبَّادِ شمسٍ يحيطُ بخصرٍ فتاةٍ
تربِّي المزاميرَ في معزلٍ عن هواها)
كلابٌ سلوقيَّةٌ تترصَّدني
في الطريقِ إلى البيتِ
أعرفُ أيضاً بأنكِ لن تخرجي من نحيبي
ولو متِّ يوماً ولم أنتبهْ

*

لمن يُكتبُ الشِعرُ في هذهِ الأرضِ
كالروحِ مطويَّةً في كتابْ؟
أللنسوةِ العابثاتِ وللغائبينَ؟
لأُخوةِ يوسفَ؟
للبئرِ مكتظَّةً بالحنينْ؟
لمن يجرحُ النايُ وردَ البحيرةِ مثلَ نسيمِ السرابْ؟
لمجازِ الحقيقةِ أم للفراغِ وللوجعِ العاطفيِّ؟
لمن ترقصُ النارُ في الماءِ؟
أو تتمشَّى الأيائلُ في ظلمةٍ من ذئابْ؟
وتبكي الصبايا على قمرٍ في العراءْ؟
ولماذا البيوتُ بغيرِ نساءْ
كالمقابرِ أو كاليبابْ؟
لمن يُكتبُ الحُبُّ يا رجلاً طاعناً في الشقاءْ

*

غنائيَّتي تجرحُ البعضَ
تحملُ عبءَ العباراتِ عني
غنائيَّتي شركٌ للنهاراتِ
أو حيرةٌ في القصيدةِ منصوبةٌ كالفخاخِ
لظلٍّ نجا من حبالِ التمنِّي
لا صداقةَ بينَ الرمالِ وبينَ بنفسجةِ الثلجِ
بينَ القصيدةِ وامرأةٍ تأخذُ الذكرياتِ
إلى الغدِ من يدها مثلَ أُمٍّ رؤومْ
لا صداقةَ في الشِعرِ بيني وبيني
بينَ أوجِ اكتمالِ هلالِ الأنوثةِ سرَّاً
وبينَ اكتهالِ الجمالِ
وبينَ الثيابِ وبينَ الغيومْ

*

تحبِّينَ تعذيبَ نفسكِ
مع أنَّ كلَّ شبيهاتِ جنسكِ يسكنَّ فيَّ
يسافرنَ.. يسكرنَ.. ينعفنَ أزهارهنَّ بكلِّ اتجَّاهٍ
ويشربنَ قهوتهنَّ ويذهبنَ عندَ المساءِ
ليصطدنَ عشَّاقهنَّ
ويخترنَ صيفاً بذوقِ الأميراتِ
أو ينطفئنَ من الانتظارْ

*

لي من شبيهي مرايا / رغبةٌ / لغةٌ
منها استردَّتْ نحيبَ الريحِ أضلعُهُ
لا من رميمِ الخطايا.. لا من امرأةٍ
شتاؤها كانَ يذروهُ ويجمعُهُ
تراهُ من غيرِ أن يأتي وترشدهُ
إلى الضلالِ بصوتٍ ليسَ يسمعُهُ

*

ذلكَ الحُبُّ كلبٌ من النارِ
(قالَ بوكوفسكي بلحظةِ سُكرٍ)
عصافيرُ في الرأسِ من كهرباءٍ وماءْ
تدقُّ نوافذَ عينيَّ
كيما تطيرَ وترجعَ من برزخِ الاشتهاءْ
ذلكَ الحُبُّ لا ما تشائينَ
لا ما يشاءُ لنا الآخرونَ
ولا ما أشاءُ أنا أبداً
ذلكَ الحُبُّ تفَّاحةٌ
كلَّما لامستْ جسداً آدميَّاً بليلٍ أضاءْ

*

لا أفهمُ كيفَ يعادلُ نعلُ امرأةٍ قلبَ امرأةٍ أُخرى؟
كيفَ تعادلُ ضحكتها ماءَ الوردةِ؟
ونسيمُ أنوثتها البيضاءِ فصولَ السنةِ؟
وكيفَ تُربِّي امرأةٌ ما عصفوراً سحريَّاً في جوفِ أصابعها
وعلى فمها كالقبلةِ؟
وامرأةٌ أُخرى تطردهُ عن غصنِ يديها أو من شمسِ حديقتها؟
لا أفهمُ كيفَ تعيشُ امرأةٌ
طولَ أنوثتها الزرقاءِ بلا قلبٍ وبلا عينينْ؟

 

إشتهاءاتٌ بقلبٍ فاشل

(في البدءِ كانَ تنهدَّ الصلصالِ في شفتيَّ)
قالتْ أُمُّنا حوَّاءُ..
قالَ الساحلُ:
من علَّمَ الأشواقَ آدمَ؟
من أضاءَ أنوثةَ امرأةٍ بشمسِ الليلِ
كيما يشعلَ البلَّورَ خصرٌ ناحلُ؟
*
سأُرهفُ سمعي للينابيعِ.. للحصى
لهمسِ نباتاتِ المنازلِ كلَّما
تسلَّقَ نعناعٌ على الليلِ أو نما
على الفمِ من ثغرِ الحبيبةِ زنبقُ
تركتُ غواياتي ورائي.. وجئتُ من
أقاصي المعاني..
لي من الغيمِ شرفةٌ
ومن عبقِ التفَّاحِ موجٌ وزورقُ
*
يُفكِّرُ مثلَ النباتاتِ
يمشي على الريحِ
يفتحُ عزلتهُ كالحديقةِ
يحلمُ كالأجنحةْ
ولكنهُ حينَ يكتبُ أو يتنفَّسُ
يحبسُ أغنيةً في إناءٍ من الخلِّ والماءِ
أو يقتفي أثراً لا يُرى
في مهبِّ الأيائلِ
يومئُ للنهرِ أن يتوقَّفَ
للنايِ أن يتبعَ الغجرَ الراحلينَ
كما يتبعُ الشغفُ الآدميُّ
انفراطَ الأنوثةِ كالمسبحةْ
*
بينَ الجميلاتِ حتى الوجعْ
والأقلِّ جمالاً
وبينَ الهدى والضلالةِ..
بينَ الكلامِ الصباحيِّ للسيِّداتِ الأنيقاتِ
والقهوةِ العربيَّةِ..
بينَ الصدى والصدودِ
وبينَ إشارةِ شخصٍ غريبٍ
يقولُ لقطتَّهِ في الظهيرةِ: لا تتبعيني..
وبينَ حنيني الذي صارَ أشجارَ دفلى
على جذعها يرسمُ العاشقونَ وجوهَ حبيباتهم
بالأظافرِ أو بالدموعِ..
وبينَ دمي والقصائدِ مكتوبةَ بمياهِ الولعْ
بينَ صحَّةِ قلبي وضغطِ دمي المرتفعْ
وضعتكِ كي أطمئنَ كما ينبغي
ثمَّ نمتُ كما أشتهي
بعدما ذرَّ طلعَ حياتي
غبارٌ أنيقٌ شهيُّ
*
الشاعرُ، النزقُ، الأثيمُ
الصاخبُ، القطُّ المشاغبُ والأليفُ
الذئبُ، والولدُ المدلَّلُ
والأميرُ الضَّالُ...
ضيَّعَ في المرايا وجهَهُ ويديهِ
ضيَّعَ قلبَهُ في رغوةِ الصلصالِ
أو طينِ الأنوثةِ للأبدْ
*
أيتها النادلةْ
ضعي شارةَ القلبِ تحتَ القصيدةِ
أو وردةً في الإناءْ
فإني تعبتُ من الإشتهاءِ
ولم تتعبي أنتِ
من حبركِ العاطفيِّ
ومن قمرٍ في الدماءْ
*
أشطرُ حلمي لنصفينِ
نصفٌ لأهدابِ من تركتْ قُبلةً قبلنا في ثنايا الكتابْ
ونصفٌ لرائحةِ البحرِ في نثرها المستغيثِ
بشمسِ الضحى وبرنَّاتِ خلخالها
كم رمتْ قلبَها في القصيدةِ وانتعلتْ قلبَ عاشقها في السرابْ
أشطرُ عمري لنصفينِ
نصفٌ لقافلةٍ تستريحُ أيائلها في صدى زفراتي
ونصفٌ أخيرٌ لريحِ الذئابْ
أشطرُ تفَّاحةً لسؤالينِ
أغنيةً لسريرينِ
تنويمةَ امرأةٍ للظهيرةِ أو للحمامِ
لكحلِ الغيومِ وزهرِ الضبابْ
*
أجملُ امرأةٍ تلكَ من قلبُها ساحلٌ للنجومِ
ومن يدُها مطرٌ لا ينامْ
من تخبِّئُ في صدرها حقلَ قمحٍ
ونهرَ أرُزٍّ بعيدٍ وسربَ غمامْ
من ترى في القصيدةِ ما لا يُرى
من وقوعِ المجازِ على ظلِّهِ دونَ قصدٍ
وتمسكُ صوتَ الحمامْ
من تعيدُ هوائي لقارورةٍ من أنينٍ
وذرَّاتِ جسمي إلى برعمٍ خائفٍ في الظلامْ
أجملُ امرأةٍ في النساءِ التي
شعرُها يتوَّهجُ في العطرِ حتى البكاءِ..
التي خمرُها يتسلَّلُ للماءِ
أو نثرُها يتوغَّلْ
مصادفةً في القصيدةِ (هذي القصيدةِ) أو يتسلَّلُ منها مصادفةً
من يكونُ لها من تحبُّ ابنَها
أو تعاملُهُ كابنها المشتهى
والوحيدِ المدلَّلْ
*
تقولُ إفتراضاً بعلمِ الأحاسيسِ
أو بمرايا الغموضِ وليلكةٍ متعبةْ:
ما الذي سوفَ تفعلهُ امرأةٌ غايةً في الجمالِ
إذا خانها من تحبُّ؟
وذاقتْ كآبةَ بعدِ الولادةِ
ليلاً.. نهاراً.. كما ينبغي؟
ما الذي سوفَ يفعلهُ رجلٌ غايةً في الوسامةِ والنزقِ العاطفيِّ
مع امرأةٍ غايةً في الدمامةِ واليأسِ لكنها طيِّبةْ؟
ما الذي سوفَ يفعلُهُ رجلٌ طيِّبٌ زوَّجتهُ السماءُ بعاهرةٍ
كي يذوقَ كما يشتهي لعنةَ التجربةْ؟
*
قلبٌ فاشلٌ
قد تداويهِ فراشةٌ شرسةٌ
أو حجرٌ طائرٌ
ولكن بشرطٍ واحدٍ
أن يشطرَ حياته إلى نصفين
نصفٌ قافلةٌ تسيرُ
ونصفٌ كلابٌ تنبحُ
*
أطردُ الذكرياتِ من الغرفةِ الآنَ مثلَ السكارى
الرؤى عن يديَّ
الخطى عن طريقيَ
والليلَ عن ضوءِ نافذتي
خفقَ نهرِ السنابلِ عن وردةٍ يابسةْ
أطردُ البسمةَ الخلبيَّةَ عن لغتي
والوضوحَ الذي لا يداوي الألمْ
ولو بالكلامِ الجريحِ
الذي كانَ يصرخُ من دونِ فمْ
*
عطرٌ كذكرى جنَّةٍ منسيَّةٍ درستْ
كشهقةِ عاشقٍ
يستدرجُ الأنفاسَ كالحجلِ المراهقِ
كالصدى الحسيِّ أو
كقصيدةٍ مطوَّيةٍ تحتَ السريرِ
كلسعةِ امرأةٍ
كعاطفةِ الصنوبرِ والطيورِ
كظلِّ أغنيَّةٍ على قمرِ الزجاجِ..
يقولُ لي: انهضْ كي تزوَّجَ للظهيرةِ ساحلاً
واتركْ على طرفِ الحديقةِ فرطَ سنبلةٍ وأوتاراً
وماءً للظباءِ المستريبةِ
أو حصاةً كالمحارةِ في الطريقِ اللولبيَّةِ للنداءِ الأنثويِّ
على الأهلَّةِ والسنينِ..
يقولُ لي: أُتركْ ما تشاءُ من التوجُّسِ في المرايا
أو مكابدةً على طرفِ القصيدةِ والسريرْ

 

إستعارات جسديَّة

(1)

النرجسيَّةُ جرحٌ في القصيدةِ؟
أم في القلبِ؟
أم هيَ ظلُّ الذئبِ في جسدِ الأُنثى؟
أم النايُ في أضلاعها؟
وعلى أجفانها حبقٌ يبكي لأتبعهُ؟
أم ماردٌ في كتابِ البحرِ؟
أم نزقُ الغاوينَ في كلِّ وادٍ
لا تمرُّ بهِ إلَّا الفراشاتُ والغزلانُ؟
أم أثرٌ لا يُقتفى
كانَ قبلَ الحُبِّ ضيَّعهُ
فمُ المُحبِّ على عينيْ حبيبتهِ
وجئتُ من ظلمةِ الرؤيا لأرفعهُ

*

وكأنَّ زهرَ البرتقالِ على أظافرَ كالمحارِ
كأنها جورجيَّةٌ
وكأنَّ شمسَ الساحلِ السوريِّ في دمها
وما من شاعرٍ يوماً رآها أو أحبَّ صفاتها
أو نثرها الرعويَّ
إلَّا واستقالَ من الكتابةِ والندى البلديِّ
كانَ محمدُ الماغوطُ يشهدُ أنها أحلى نساءِ سلميةَ الصحراءِ
والقمحُ الحزيرانيُّ
والرُمَّانُ
والعنبُ
العبيرُ
أصابعُ الزيتونِ
ليمونُ الخريفِ
الطائرُ الليليُّ في غاباتِ عينيها
ورائحةُ الصدى والحبرِ تشهدُ
أنها أحلى نساءِ سلميةَ
الفرسُ المجنَّحةُ
القصيدةُ
والصديقةُ
والحديقةُ في الجسدْ

*

النايُ قلبي
والصدى المجروحُ هاويتي
أقولُ: لعلَّ شخصاً آخرَ ارتجلَ الغناءَ
وأوقدَ الحنَّاءَ في امرأةٍ
لها خصرٌ من البلَّورِ والصدفِ المضيءِ
لعلَّ ظلَّاً في الظهيرةِ
هبَّ من قمصانِ رغبتها
ليطردَ عن دمائي النومَ..
كانَ عبيرُ نهديها على مرمى احتراقِ
العوسجِ البشريِّ..
هل لصليبها أمشي؟
وهل بأظافرٍ قزحيَّةِ الألوانِ تستهدي دمائي؟
أو أرى وجهي ليصبحَ قبضَ ريحٍ؟
تأكلُ الطيرُ الغريبةُ خبزَ أشعاري
وتشربُ خمرَ أسراري وترحلُ فجأةً عني..
انطفأتُ من الحنينِ
من السرابِ
ومن شموعٍ لا تضيءُ
ومن قصائدَ لا تجيءُ
ومن عصا الرؤيا
ومن شبقِ التفتُّحِ في ورودِ الصيفِ
من عصبيَّةِ الشعراءِ في الفشلِ الذريعِ
وفي اجتراحِ المعجزاتِ..
إذنْ سأكتبُ ما أُريدُ
لجيدِ تلكَ المرأةِ الذهبيِّ
للنسيانِ.. للحُبِّ السريعِ
لشاعرٍ فوقَ الصليبِ
لجهلةٍ في الأربعينْ

*

كمن يعانقُ عنقاءً وينفضُ عن
عينيهِ ذرَّ غبارٍ من حرائقها
ينسى قصائدها الزرقاءَ يكسرُ صلصالَ
استداراتها الأولى كعاشقها
يضمُّ أوركيدةً في جسمها فيرَى
ما لا يَرى في سواها من حدائقها
كمن يُقبِّلُ عينيها على ظمأٍ
لملحِ ليلكها أو شهدِ دافقها

*

هل أتركُ القمرَ المحطَّمَ في سريرِ الحُبِّ
كامرأةٍ تزنِّرُ خصرَها بالزعفرانِ وبالكنايةْ؟
لا الماءُ في العُشبِ القليلِ
وفي قصائدِ شاعراتِ الليلِ
لا ولهُ العناقِ
ولا المزاميرُ الحديثةُ
لا التململُ في الظهيرةِ
لا الكلامُ الفوضويُّ عن الصداقةِ
لا الصداقةُ
لا الحنينُ الهامشيُّ
ولا الغوايةْ
تكفي لأجمعَ من حدائقها الكثيرةِ ما اشتهى نحلي
من الزهرِ المعلَّقِ في جهنمَّ..
هل رجيماً صرتُ يا امرأةً
تفسِّرُ حزنها الدهريَّ بالنعناعِ
فتنتها بطعمِ الشهدِ بالليمونِ
سُرَّتها بشمسِ بحيرةٍ خضراءَ
قهوتها برائحةِ ابتداءِ الصيفِ
رغبتها بضوءٍ لا يُرى ويُمسُّ..
آهاً منكِ يا امرأةَ النهايةْ

*

أتبعُ أنفاسي وهي تخرجُ على هيئةِ فرسٍ تارةً
وعلى هيئةِ شجرةِ ليمونٍ تارةً أُخرى
أتبعها مغمضَ العينين
كما يتبعُ العاشقُ خيالَ المعشوقِ
والشاعرُ قصيدتهُ
والبحرُ غيمةً عطشى

*

حكمةُ اليومِ:
لو كنتِ سيَّدةً ليتامى الكلامِ إذن لتعاليتِ عن جرحكِ العاطفيِّ
كما تفعلُ الملكاتُ
ولو كنتِ سيَّدةً للرمالِ وللأبجديَّةِ
لو كنتِ.. لو...
لسمعتِ المحارَ الذي في دمي وأنينَ الرخامْ
ولو كنتِ سيِّدةً للمرايا التي يستحمُّ بها مطرٌ هامشيٌّ
وتطفو زنابقُ أوفيليا فوقها في الظلامْ
لأحببتِ لي ولنفسكِ ما تشتهينَ لنفسكِ
لو كنتِ.. لو..
لأضأتِ بعينيكِ قلبَ الرماديِّ
أو لسكنتِ هديلَ الحمامْ

*

لي صديقٌ يفكِّرُ كيفَ يقايضُ خمسةَ آلافِ شاعرةً افتراضيَّةً بامرأةْ
حقيقيَّةٍ لا تكذِّبهُ حينَ يحلمُ أو حينَ يقصصُ رؤياهُ ليلاً عليها
يناولها الماءَ
يمسحُ عنها الغبارَ النظيفَ الذي لا يُرى
ويغازلها في طريقِ الغدوِّ القصيرِ
يشدُّ على يدها ويقبِّلُها في السُرى
لي صديقٌ جميلٌ غريبٌ عن الحيِّ
يحلمُ طولَ النهارِ وينسى العصافيرَ خلفَ السياجِ
وزنبقةً في كتابِ المزاميرِ
أو أثراً لأصابعِ قارئةٍ في الخريفِ
تحاولُ أن تمسحَ الحزنَ من دونِ جدوى ببعضِ ذرورِ الفراشاتِ
أو تشعلَ الشهوةَ المطفأةْ

*

حلمتُ ليلةَ البارحة بالجواهري
كانَ يجلسُ على كرسيٍّ هزَّاز
وكنتُ أضغطُ بكلتا يديَّ على يدهِ اليمنى
فيما ركبتايَ تلتصقانِ بالأرض
نسيتُ ما قالهُ لي
ونسيتُ قصيدتي التي أعجبتهُ
قبلها بيومين حلمتُ بفيدريكو غارسيا لوركا
كُنَّا نتناولُ قهوةً بالحليبِ على إحدى شرفاتِ غرناطةَ
وسقيفةٌ من اللبلابِ تعرِّشُ فوقنا
قالَ لي بعذوبة بالغة: القصيدةُ أبسطُ ممَّا تظنُّ يا صديقي
القصيدةُ حمامةٌ تهدلُ على نافذة قلبك
أو قمرُ نعناعٍ يضيءُ وحدتك النهاريَّة
حلمتُ قبلَ شهرٍ بامرأة شَعرُها طويلٌ وشديدُ السوادِ
تشبهُ دليلةَ شمشون
دوَّختني برقصها وبرائحةِ تبغها
وعندما نمتُ قصَّتْ ضفائرَ قصائدي كلَّها وغادرتني
تركتْ رسالةً صغيرةً تقولُ فيها:
الحُبُّ وردةٌ تتفتَّحُ في الدركِ الأسفلِ من الجحيمِ
حلمتُ قبلَ عامٍ بوطنٍ مهجورٍ
يدلُّني على رغباتي البعيدةِ بفراسةِ بدويٍّ
عندما يضحكُ ينهمرُ الملحُ من دموعهِ البيضاء
ليسقي نخلتهُ اليتيمةَ
الشيءُ الوحيدُ الذي لم أحلم بهِ بعدُ
هو بحرٌ بلا آخرٍ يسكبهُ اللهُ على أعصابٍ شاعرٍ تحترق
مثلَ جميزةٍ في الأساطير الفرعونيَّة

*

أُحاولُ أن أهدأَ الآنَ
بعدَ انهياراتِ روحي على الرملِ
بعدَ احتراقاتِ قلبي على الماءِ
بعدَ الندمْ
على ما أضعتُ من الشِعرِ والفرَحِ المختلسْ
بعدَ ظلِّ الصراخِ المكمَّمِ
بعدَ نداءِ الغريقِ على امرأةٍ في أعالي الجمالِ
أحاولُ أن أتماثلَ للحزنِ أو للألمْ
بما قد يُعيدُ توازنَ روحي إليَّ
ويُصلحُ ما أفسدَ الدهرُ من كهرباءِ الدماغِ
وكيمياءِ قلبي..
وما في القصيدةِ من ضغطِ دمْ
أُحاولُ إطفاءَ ما هو مشتعلٌ في دمائي
وتهدئةَ الوردةِ الأنثويَّةِ
ما بينَ نهدينِ بعدَ الهياجْ
ولا أستطيعُ سبيلاً لذلكَ يا امرأةً
مزَّقتْ كلَّ قمصانِ عشَّاقها ذاتَ ليلٍ
فنفسيَ أمَّارةٌ بالتنهُّدِ أو بالهوى
ونفسُكِ أمَّارةٌ بالتوحُّدِ أو بالزواجْ

*

جسدانِ من زيتِ الشموعِ
وراءَ نافذةٍ من اللبلابِ يشتعلانِ
مزولتانِ.. واحدةٌ لمعنى الماءِ
والأخرى لرصدِ الظلِّ في الألوانِ
بوصلتانِ للفوضى
ونرجستانِ للنسيانْ

*

من تلكما الحوراءُ
سيَّدةُ القلوبِ
محارتي الزرقاءُ
من بضفائرٍ جعديَّةٍ شعَّتْ على عينيَّ
من بقصائدٍ سحريَّةٍ نزلتْ من الأعلى
ومن لبياضها وهجٌ غنائيٌّ..
لمشيتها الزنابقُ والوعولُ
وغيمةُُ ضلَّت طريقَ البحرِ؟
كلُّ معذَّبٍ بكلامها ضلِّيلُها الأبديُّ
عبدُ جمالها
وسليلُ خيبتها
وحارسُ وردها الليليِّ في شمسِ الرخامْ

*

للظهيرةِ أم لهواءِ الزنابقِ
أم لأصابعِ تلكَ الفتاةِ الجليليَّةِ ارتجَّ قلبي عليَّ؟
سأمسكُ أطيافها بيديَّ
سأقبضُ يوماً على ظلِّها
باشتهائي وبالنزقِ العاطفيِّ..
الجليليَّةُ ابنةُ وردِ الخريفِ
تُسمِّي الغصونَ بأسمائها
وتربِّي الفراشةَ في صدرها
ربَّما صادفتني على درجِ الحيِّ
أو ربَّما غرَّرتْ بي
ولم أنتبه للسنابلِ في شَعرها

*

أُحاولُ ألَّا أُحبَّ التي لا تُحَبُّ
وأن أكتبَ الآن شيئاً خفيفاً
كإلقاءِ زهرِ التحيَّةِ قبلَ المنامِ على الساهرينَ
ولكنَّ كلباً شريداً
إذا ما أتتْ فكرةٌ للقصيدةِ يطردها بالنباحِ
وشخصاً من السُكرِ يجأرُ في الشارعِ العامِ
وامرأةً لستُ أعرفها في دمائي تئنُّ
سأسهرُ حتى الصباحِ
لأكتبَ من دونِ جدوى
وعندَ انتهائي سأرمي القصيدةَ في سلَّةِ المهملاتِ
وأذهبُ للنومِ...

*

في الحقيقةِ لا أقصدُ امرأةً في المجازِ مُعيَّنةً
كي أهشَّ على وحدتي بانتظارِ هبوبِ ضفائرها
واقترابِ أصابعها من جبيني
ولكنني كالسكارى أعيشُ على أملٍ
أن تمرَّ العصافيرُ من فجوةِ القلبِ ذاتَ خريفٍ
كما قالَ لي نادلُ المطعمِ اليومَ..
لا أقصدُ امرأةً بل أُسمِّي جميعَ النساءِ
فخاخاً من الكيدِ أتبعها إذ تغنِّي
وأعني الذي لا أقولُ
وأكتبُ ما لا أُريدُ من الشِعرِ
كيما أُتمِّمَ نقصانَ هذا الهباءْ

*

لن أكتبَ شِعراً عنكِ بعدَ اليومِ
كي لا أزجَّ بقلبي في مساربِ التفاصيلِ الدقيقةِ جدَّاً
لما يُسمَّى بالصداقةِ المنتهيةِ الصلاحيَّةِ
التي تشبهُ إلى حدٍّ بعيدٍ دروبَ النملِ الطائرِ
من قالَ إنَّ القلبَ نحلةٌ ووجهكِ وردةٌ لا تنطفئُ؟
قميصُكِ كانَ غيمةً تحرسُ وجهي فيرتدُّ جميلاً
صدركِ كانَ شجرةَ لوعتي
ويدكِ حجري المائيَّ الملوَّنَ
لا تزالُ دمائي ترنُّ كمنبِّهِ الساعةِ
أو كنجمةٍ تصلُّ في باطنِ الأرضِ
حتى بعدَ عامينِ من طيِّ كتابكِ

*

شجرةُ ليمونٍ مزهرةٌ
تتزاحمُ فيها صباحاً سقسقةُ طيورِ الكركس الملوَّنةِ
ينابيعُ فارغةٌ من مائها وطافحةٌ برمادِ التنهدَّاتِ
غيومٌ قطنيَّةٌ تستحمُّ برذاذها شمسٌ مراهقةٌ من نسلِ شهرزاد
إستعاراتُ شاعرٍ صينيٍّ قديمٍ
نسيَ قلبَهُ مستعراً في أحدِ أنهارِ نسائهِ الكثيراتِ
براعمٌ تتفتَّحُ في بحيرةٍ أوفيليا
حبقٌ مهتاجٌ في الخريفِ
نهاياتُ الصيفِ المعلَّقةُ
على ظلالِ القصائدِ وأسيجةِ التوتِ البريِّ
ذلكَ هو جسدُ المرأةِ
التي نصفَ عمري أحببتها عبثاً
وحاولتُ نسيانها في النصفِ الثاني
ولكن بلا جدوى

*

أحتاجُ إلى صنعِ كوكتيلٍ فريدٍ
من العطور الغربيَّة والشرقيَّة
حتى أحصلَ على رائحةِ جسدكِ
أحتاجُ إلى أن أعضَّ ساقَ غزالةٍ متوحِّشةٍ
لكي أعرفَ نوعَ دمكِ الكحليِّ
أحتاجُ إلى أن تفترسني وردةٌ ليليَّةٌ
كي أسكنَ في جوفِ نهاركِ
أنا اليتيمُ بلا بحرٍ
وبلا كثبان من الطيورِ المهاجرةِ
يتبعني قلبُ امرأةٍ كالأمِّ الولهى
تلكَ التي يداوي جمالُها مرضَ الريحِ

*

أُريدُ هدوءاً لأكتبَ لا صخباً في البصيرةِ
أو جمرةً في كتابِ الندى
واشتياقاً لأنسى خطيئةَ غيري
وماءً نظيفاً لأبصرَ شهوةَ نرسيسَ فيهِ
أُريد انتباهَ الحيارى لما تتركُ الفتياتُ العذارى
من العطرِ في الحرمِ الجامعيِّ
وما يصنعُ الحُّب بامرأةٍ
كي تخلِّصَ طائرها من يديها ووشمِ العنقْ

*

أصدقائي وحيدون وامرأتي ليسَ تشبهُ فروغ فرخزادَ
لكنها قد تضيءُ الطريقَ إلى آخرِ النصِّ..
كوني لبريَّتي قمراً يا فتاتي ولا تتركيني وحيداً
ألمُّ خطاكِ عن الأرضِ
أسقي زنابقكِ المنزليَّةَ في الفجرِ
أمشي على هديِ نوَّارِ صدركِ
أو لمعانِ ضفائركِ المتراخي النزقْ

*

أورثتني الكوابيسُ نومَ الظهيرةِ
والصيفُ أورثني السُهدَ
والنادلُ الأجنبيُّ البكاءَ على أيِّ شيءٍّ
ولو كانَ يأسَ الفراشةِ من نزوةِ الطيرانِ..
فتاةٌ بجيدِ مهاةٍ وعينينِ سحريَّتينْ
أورثتني كنايةَ أمطارها
وتردُّدَ أنفاسها في الحبقْ

*

تشُمِّينَ شهوةَ من أصطفيهم من الناسِ لي أصدقاءً
فتبتعدينَ.. تعدِّينِ للعشرةِ
الشعراءُ على حدِّ فكرتكِ النمطيَّةِ مستذئبونَ
يعضُّون سيقانَ كيدِ غزالاتك الناعماتِ
ولكن برفقٍ شديدٍ
رُعاعٌ
قليلو حياءٍ
مراؤونَ
غاوونَ
أو همَلٌ فارغونَ..
ستذوينَ وحدكِ أو ستعدِّينَ
حتى انطفاءِ جمالكِ من دون جدوى
فهل لفراشتكِ العصبيَّة أن تتهجَّى انهياراتِ قلبي
وأن تقتفي أثري منكِ مزولةٌ من رياحِ القلقْ؟

*

آهِ لو لم أكن نرجسيَّا لما كنتُ عمَّا عليهِ
من الصخبِ الداخليِّ
ومن شغفي بالكلامِ الخفيِّ
ولو لم أكن نرجسيَّاً كما شئتُ يوما لنفسي
لحطَّمتُ كلَّ وصايا النساءِ على الماءِ
أو لم أصرْ شاعراً
ولجمَّعتُ عطرَ الرخامِ
من الدمعةِ الأُنثويَّةِ..
لو لم أكن نرجسيَّاً
لما كنتُ يوماً أنا أو سوايَ
التي أتقمَّصُ
أوجاعها / روحها / حبرَ عزلتها / سرَّ وحدتها /
غيمها المعدنيَّ / انكساراتها /
خوفها من هبوبِ الزنابقِ
أو طيرانِ النوارسِ عن جيدها /
نومها في النهارِ /
تململها في ليالي الأرقْ

*

تريدُ امتداداً لفيروزَ في بحرِ حيفا ونسوتها
كامتدادِ الندى في أغاني الرعاةِ
تريدُ امتداداً لفيروزَ أو ظلِّها في المدى
لا لتشربَ من صوتها حينَ تظمأُ
أو لتُفتِّحهُ مثلَ زنبقةٍ في السياجِ القديمِ
وتأكلهُ مثلَ تفَّاحةٍ إذ تجوعُ
وتهديهِ للطيرِ في أوَّلِ الليلِ
أو لكلامِ اليدينِ المُسوَّرِ
بالغمغماتِ ونارِ العبقْ
بل لتكملَ عشقكَ لامرأةٍ من سلميةَ
وامرأةٍ من زقاقِ المدَقْ

*

مكتوبٌ أن تركضَ خلفَ ظلالٍ امرأةٍ عبثاً
أن تذهبَ أشعارُك فيها أدراجَ الريحِ..
ومكتوبٌ أن تلدَ التفَّاحةُ أفعى الشهوةِ
أن تلدَ الظبيةُ ذئباً ترضعهُ حولينِ
ومكتوبٌ مكتوبٌ مكتوبْ
أن تنفخَ طولَ حياتكَ في قلبِ امرأةٍ مثقوبْ

*

أحتاجُ نقرةَ طائرٍ في القلبِ
كي أزنَ الصدى بهواءِ أغنيتي وبالليمونِ
أو حجراً صقيلاً كي أحكَّ عليهِ
خصراً لازورديَّاً لاحدى العاشقاتِ
وقُبلةً مائيَّةً أحتاجُ كي أزنَ احتراقاتِ الجسدْ
برمادها الفضيِّ
أو بأنينِ عينينِ استفقتُ على صراخهما
من الحلمِ الأخيرِ.. ولا أحدْ
أحتاجُ عطراً ما شتائيَّاً.. نسائيَّاً
لأنسى بعضهنَّ إلى الأبدْ

*

 

إستعارات جسديَّة

(2)

ماذا سأكتبُ بعدَ صوتكِ
ذلكَ الصوتِ الذي فتَّحتهُ بيديَّ مثلَ الأقحوانةِ
أو شمَمتُ ثيابهُ مثلَ النسيمِ؟
كأنني قارورةٌ لهوائهِ ولمائهِ
لندائهِ الكليِّ والعاري على الأشياءِ..
صوتكِ ضٌمَّةُ المطرِ الحزيرانيِّ
أو عبقُ الغيومْ
وتعرُّقٌ لأصابعِ العُشَّاقِ
مكحلةٌ جمعتُ سرابها من أبعدِ الأزهارِ عن نزقي
عصا سحري / ندى ناري
تردُّدٍ موجةٍ في وصفِ نهدَينِ
إحتواءاتُ الطبيعةِ للأنوثةِ
والخريفِ لسيِّداتِ الأرضِ في الشِعرِ القديم

*

لم أكن أعرفُ أنَّكِ جميلةٌ كلَّ هذا الجمالِ
فقط اليومَ عرفتُ ذلكَ بسببِ شجرةِ حزنٍ قلَّمتُ أغصانها
وبسببٍ رسالةٍ يقولُ صاحبها لي فيها: غيِّر موضوعَكَ..
رددتُ عليهِ بتحويرٍ شعريٍّ لجميل بثينة
لكلِّ حديثٍ بينهنَّ عذوبةٌ
وأيُّ حياةٍ غيرهنَّ أريدُ
لو أنَّ صحراءَهنَّ تتبعني إلى آخرِ البحرِ
فأنا وحيدٌ كديكِ الجنِّ الحمصيِّ
وكلُّ امرأةٍ أراها
هي (وردُ) التي تسكنُ مرآتي
لا يفصلُ بيننا سوى لوحٍ من ظنونِ الماءِ

*

هل نحلةٌ قلبي وجسمكِ أبعدُ الأزهارِ؟
هل مطريَّةٌ روحي ونثركُ أوَّلُ الصحراءِ؟
أقطفُ عن أصابعكِ الندى المهتاجَ
أرفو معصميكِ بقُبلةٍ
وأُحيطُ خصركِ بالينابيعِ الصغيرةِ والبراعمِ
سيِّدَ الغاوينَ كنتُ ولا أزالُ
ولستُ أُشبهُ في اعترافاتي
ولا بهوايَ مولانا جلالَ الدينِ
وابنَ الفارضِ المجروحِ بالندمِ السماويِّ..
الغناءُ يقودني في الليلِ أو في الزمهريرِ
كأنَّ حُبَّ الراقصاتِ يشيلُ عن جسدي الأغاني

*

لا علاقةَ للبيتِ بالنجمةِ الحالمةْ
لا علاقةَ للوردِ بالمزهريَّةِ
أو بنسيمِ الترابْ
لا علاقةَ لامرأتي بالسرابْ
لا علاقةَ للذئبِ بالظبيةِ النائمةْ
لا علاقةَ للمُشتهى بالجسَدْ
لا علاقةَ للماءِ بالشجرِ
(السروُ يولدُ من ظلِّهِ)
لا علاقةَ للقهوةِ العدنيِّةِ
بامرأةٍ ضيَّعتْ قلبها بينَ وصلٍ وصَدْ
لا علاقةَ لي بالعبارةِ
سيَّانِ رؤيايَ ضاقتْ عليَّ
أو أتسعَّتْ كلماتُ الأبدْ
لا علاقةَ للطيرِ بالنافذةْ
لا علاقةَ لا...

*

لا أقرأُ الشِعرَ القديمَ ولاالحديثَ
وأكتفي بتأمُّلِ الأشياءِ من حولي
أرى بينَ السطورِ قصيدةً رعويَّةً
تمتدُّ حتى أبعدِ الخلجانِ
من حجرٍ جليليٍّ عليهِ
نقوشُ مزمورِ الحنينِ إلى الفراغِ..
عناقَ شخصينِ استقالا من هواءِ المستحيلِ
مجرَّةً زرقاءَ في لغتي المضاءةِ بالرمادِ
مسلَّةً ضوئيَّةً
عنقاءَ
كحلاً للضفيرةِ أو لموسيقى المساءِ
يقولُ صوتٌ داخليٌّ فيَّ:
لا تقرأ سوى عينينِ تائهتينِ
لا تقرأ سوى حزنِ الجمالِ الأُنثويِّ
على الفراغِ أو انطفاءاتِ الظلالِ

*

السعادةُ نسبيَّةٌ كالمحبَّةِ ليست تُباعُ ولا تُشترى
هي ما لا ترى
فيكَ من أنجمٍ في مياهكَ تسبحُ أو في الثرى
السعادةُ نسبيَّةٌ كالمسافةِ بينَ وضوحِ الهوى وسرابِ النزقْ
وبينَ الحياةِ وبينَ القلقْ
هي ليستْ شفاءَ الفتاةِ الجميلةِ من نورسٍ خائفٍ في العنقْ
والسعادةُ ليستْ أصابعَ موشومةً بالحبقْ
وليستْ زواجكَ بامرأةٍ تشتهيها
وليستْ رماديَّةً كغيومِ الخريفِ
وليستْ حياديَّةً كالجمالِ الطفيفِ..
السعادةُ منكَ وفيكَ وضوءٌ خفيفٌ يضيءُ النفقْ
وزهرةُ لوزٍ على فمِ أحلى النساءِ
تضيئكَ من داخلٍ في الظلامِ ولا تحترقْ

*

بحيرةِ طفلٍ يُفكِّرُ كيفَ سيهربُ من غرفةِ الدرسِ
في الغدِ.. كيفَ سيفلتُ من خوفهِ وامتحانِ العلومِ..؟
أفكِّرُ.. أو يحلمُ الآنَ شخصٌ غريبٌ هنا بالنيابةِ عني
بعينينِ مفتوحتينِ على ليلهِ النرجسيِّ..
وتتركُ سيِّدةٌ حلمَها في السريرِ
وتخرجُ في الليلِ يتبعها ظلُّها بالنيابةِ عني..
هنا إمرأةٌ كالحديقةِ تحمي زنابقها بيديها.. هنا
شتاءٌ يغمغمُ: لا..
لا فكاكَ من التبغِ بعدَ هوى الأربعينَ ولا..
لا شفاءَ من الحُبِّ..
ماذا أقولُ؟!
بحيرةِ طفلٍ أُفكِّرُ..
كيفَ ستملأُ جرحي الأغاني؟
وكيفَ سأقبضُ يوماً
على ما يُسمَّى هواءَ الحنينِ؟

*

نعانقُ أنفسنا في الرواياتِ
كالنادمينِ على خطأٍ عابرٍ ما اقترفناهُ
إلَّا لننسى اعترافاتنا وهبوبَ الشمالِ على لوزنا..
لم نقل أننا معدمونَ
ولم نتكحَّلْ بمرودِ أسمائنا..
نشتهي نسوةً لا يقفنَ على نأمةٍ في صباحِ الخريفِ
ولا يتألَّمنَ من وجعِ الانتظارِ
ولا يتأوَّهنَ في ذورةِ الانكسارِ..
نعانقُ أشباهنا في الحياةِ
ونتركُ دمعَ حبيباتنا في ندى القمحِ..
أو في شقوقِ الجدارْ

*

التبغُ موسيقايَ..
موسيقايَ سيِّدةٌ لهذا الليلِ
فاتنةٌ أُعانقها على عجلٍ
وأذهبُ دونَ أن أدري إلى أينَ..
النساءُ حدائقي والتبغُ موسيقايَ
ها أنذا أعودُ إليهِ منتشياً كعصفورٍ
أطيرُ على سحابتهِ
فليسَ التبغُ عندَ سوايَ موسيقى
وليسَ سفرجلاً وضبابةً في القلبِ عندَ سوايَ
موسيقايَ هذا التبغُ
روحُ النايِ في قلبيِ وسرُّ هوايَ..
فاكهتي الأخيرةُ / نزوتي
صلصالُ آدمَ فيَّ
من فصلِ الشتاءِ إلى الشتاءِ يعودُ

*

سيدلُّني وترٌ على جرحِ الكلامِ
لأنَّ ما في النصِّ من مائيَّةِ الألفاظِ لا يكفي
لكيْ أنسى الغيابَ..
ولا لينكسرَ السرابُ على رذاذِ الضوءِ
قلتُ: لعلَّ في المعنى طباقاً لا يُفسَّرُ
واكتفيتُ من التباريحِ الصغيرةِ بالإيابِ وبالقصائدِ..
قلتُ: أتبعُ ظلَّ هذا الليلِ كالصعلوكِ
وامرأةَ الزنابقِ في المنامِ..
وفي معلَّقةِ الغرامِ الجاهليّْ
عيناكِ نرجستانِ نائمتانِ
قلبكِ آخرُ الأصدافِ لو ضيَّعتهُ..
سيدُّلني قلبي عليهِ
يدُّلني قلبي عليّْ

*

اليومَ تسألني الجميلةُ إيزميرالدا: كيفَ أنتَ..؟
أنا؟! وحيدٌ وافتقدتكِ منذُ عامينِ.. افتقدتكِ منذُ راحَ الصيفُ..
منذُ قصائدي الأولى.. افتقدتكِ واشتعلتُ من الحنانِ
أو انطفأتُ من الحنينِ إليكِ..
يا ليمونةً غجريَّةَ الأغصانِ والأزهارِ
يا زيتونةً عربيَّةً
تحتارُ بينَ صدى أبيها أو رهافةِ أُمِّها..
يا إيزميرالدا لا تغيبي بعدَ موتِ أبيكِ عن عينيَّ
يا أحلى صبايا المغربِ العربيِّ
يا ابنةَ أضلعي..
لا تذهبي مني ولا تتمنَّعي
عنِّي...
أُحبُّكِ.. كم أُحبُّكِ..
هل دمائي من دمائكِ؟
هل دموعكِ من بقايا أدمعي؟

*

الشاعرُ سندبادٌ ضالٌّ
يستعيرُ ثيابهُ من قصائدِ شمسِ التبريزيِّ
ويدخِّنُ سجائرَ الأرق
يجهلُ الطريقَ التي تُفضي إلى الأسماءِ
وحينَ يسألهُ الآخرونَ: من أنتَ؟
يجيبُ بأنهُ نسيَ إسمهُ في سريرِ إمرأةْ

*

منذُ سنواتٍ طويلةٍ وأنا أركضُ
وراءَ قصيدةٍ رعويَّةٍ لسركون بولص
قصيدةٍ تشبهُ كحلَ الوردةِ السوداءِ
أو غبارَ الفراشةِ الفضيَّ
أقبضُ عليها كمن يقبضُ على طائرٍ ليشمَّهُ
أو على صوتِ امرأةٍ آشوريَّةٍ
مُشبعٍ برائحةِ زيتٍ مقدَّسٍ
وحجارةٍ بطعمِ الحليبِ الجبليِّ
والعسلِ البريِّ
منذُ سنواتٍ والقصيدةُ تنأى عني
كلَّما طاردتها كولدٍ متشرِّدٍ
وشممتُ فراغها في كلتا يديَّ

*

ثمَّةَ فزَّاعةٌ للمعاني
لا تريدُ الكلامَ ولا الإنصرافَ
وثمَّةَ أسئلةٌ لا إجابةَ عندي عليها..
لعلَّ الخريفَ يؤرِّقنا
ولعلَّ المسافةَ ما بينَ أرواحنا وخطانا
ستحملُ عنَّا قصائدنا دونَ قصدٍ وتتسِّعُ اللهفةُ البشريَّةُ
حتى أرى آخري فيَّ ينحازُ للصيفِ
أو يتمرأى بعينينِ من أُقحوانٍ وبُنْ
كيفَ يصغي الرخامُ لأنَّةِ إحدى النساءِ إذنْ
لا لأنَّ الملالَ يدبُّ بروحينِ تنفصلانِ دبيبَ الجرادِ؟
ولكن لأشياءَ أُخرى إضافيَّةٍ
كهشاشةِ أُغنيةٍ عن ليالي الحصادِ
وأشياءَ أُخرى ضروريَّةٍ
كابتسامةٍ سيِّدةٍ في الصباحِ بلا سببٍ
وكطعمِ النعاسِ..
فلم يعُدِ الحُبُّ أرجوحةً
تتدلَّى من السقفِ في غرفةِ النومِ..
لم يعُدِ الحُبُّ منفىً ولا وطناً
لم يعدْ سكنَ اثنينِ في جسدٍ واحدٍ..
فهل للأنوثةِ أيضاً خريفٌ
وللاشتهاءِ ذبولٌ جميلْ؟

*

إلى أيِّ نوعٍ من الوردِ والجلَّنارْ
ينتمي فمُكِ المتأوِّهُ؟
لا.. لن أقولَ بأنكِ مثلُ الحديقةِ مقفلةٌ
ومعي.. أو بقلبي مفاتيحها كلُّها..
لن أقولَ بأني نسيتُ كتابَ القصائدِ
حينَ تذكَّرتُ نثركِ
فوقَ الوسادةِ كي يستريحَ
من الشغفِ الآدميِّ قليلاً
وكيْ لا يغارْ

 

شاعر من فلسطين