كانت مكتبة نيويورك العامة قد أقامت معرضا خاصا بالشاعر الإسبانى لوركا . وهو بالإضافة الى شعره كاتب مسرحى، ورسّام، وموسيقِى. وقد رأينا فى معرضه نماذج لمخطوطاته الخاصة بديوانه "شاعر فى نيويورك" وخطاباته وتعليقاته على أمريكا والأمريكيين التى تبين صدمة شاعر أندلسى غرِد انتقل من غرناطة الى مدينة ناطحات السحاب وسط بيئة مادية، ما نتج عنه فى ذلك الديوان من قصائد سريالية ذات صور غريبة تعبر عن رأى الشاعر فى تلك الحضارة.
ونقدم هنا قصيدة للشاعر من ديوانه "قصائد"، يتبدى فيها بعض الخواطر النفسية والفلسفية التى تعتمل فى روحه الفنية.
اليوم أشعر فى فؤادى باختلاجات غريبة
للنجوم
ولكن خُطاى تفقد مسارها
فى روح الغيوم ...
الضوء يقطّع أجنحتى،
وعذابات أحزانى
تغمر ذكرياتى فى نبع أفكارى .
*
كل الورود بيضاء
بيضاء كأحزانى.
وليس البياض فى الورود ذاتها
بل لأن الثلج قد غطّاها
وقبلا سطع عليها قوس قزح .
والروح أيضا تعرف ثلجها
وثلج الروح له ندفٌ من القبلات
وأشكالٌ تسقط فى قاع الظلمة
أو فى نور من يتفكر فيها .
*
ويذوب الثلج من على الورود
ولكن ثلج الروح يبقى
وتصوغ قبضة الزمن منه كفنا أبديا .
*
هل يا ترى يذوب الثلج
حين يحملنا الموت الى غياهبه ؟
أم سيكون هناك ثلج آخر
وورود أخرى أكثر كمالا ؟
هل سيحل علينا السلام
كما قال لنا الرب
أم أنه لن يكون هناك حل أبدا
للمشكلة ؟
*
وماذا لو كان الحب خداعا ؟
من يعيننا على الحياة
لو جرفنا الشفق
فى تيارات العلم الحقيقى
علم "الخير" الذى يكاد لا يكون له وجود
وعلم "الشر" الذى يكمن فى كل طريق ؟
*
لو أن نور الأمل انطفأ
وبدأ عصر بابل
أىُ مشعل سينير الطريق على الأرض ؟
*
لو أن الزرقة مجرد حلم
ماذا سيكون من أمر البراءة ...
ماذا سيكون من أمر الفؤاد
لو اجدبت ينابيع الحب ؟
*
لو أن الموت هو موت
ماذا سيكون من أمر الشعراء
ومن أمر الأشياء النائمة
التى لم يعد يتذكرها أحد ؟
آه يا شمس الآمال !
يا أيتها الرمال المتماوجة !
أيها القمر الجديد !
يا أفئدة الأطفال !
يا أرواح الأحجار الصلدة !
اليوم أشعر فى فؤادى باختلاجات غريبة
للنجوم
وكل الورود
بيضاء كأحزانى .