يطرح الكاتب المسرحي هنا هذا السؤال المهم في واقع الحركة المسرحية المغربية، بطريقة يقدم فيها تناولا نقديا لخصوصية هذه الظاهرة في المسرح المغربي، ولدورها التاريخي في بلورة الوعي الوطني والنقد الاجتماعي. دون إغفال دورها في تفعيل حركة مسرحية لها استقلالها الفني بعيدا عن المتاجرة بالفن وتغييب الوعي.

مـن أهـــدر دم مـسرح الــهـواة المغربي؟

نجـيـب طـلال

 

هــيـــهـات!

في بعـض اللحظات وبعـيدا عن أعـين البصاصين والنمامين وذوي الإشاعات وصناعها! هناك ذوي الإحساس المرهـف والنفوس الأبية والنوايا الصادقـة؛ تـذرف دموعهم خلسة؛ أوبعْـضهم يتفـوه بكلام الحُـرقة الممزوج ببكاء نابع من ثنايا الأسى والـحـسرة؛ على ضياع صـرخ إبداعي/ فني/ فكري/ جمالي/ إنـه: مسرح الهُــواة!

ولكن هـيهات أن يعود الفارس لصهوة جـواده؛ بعْـدما اندحر في دماء حربه؛ وأطاع اللئام على مصارعـة حقيقة وجوده. مما ساد صمت مطـلق للمشهد المسرحي. وربما صمت مـدان، من لدن من كانوا فوق صهوته وجوانية الصرح أو من مكوناته الأساس؛ هـذا ما لمسته من صرخات بعـض المسرحيين في إحـدى اللقاءات - بمؤسسة الشريف الإدريسي- بمراكش الحمراء. إذ فـعلا هناك صمت مطلق؛ وعَـدم اهتمام أو لفت انتباه كتابة أو نقاشا حتى؛ جَـوانية النسيج الاجتماعي والثقافي وحتى السياسي حول ضياع [مسرح الهـواة] ببلادنا؛ ضياع إرث لا يـعَـوض مهما اختلفنا حول معياره وتقييمه؛ ضـياع بالـكاد يفرض علينا أن نتساءل بكل تلقائية وبصوت مرفوع:

هل أمسـى جُـثة: فـمن قـتـله؟ هل أضحى مومياء: فمن حَــــنطـه؟ هل تحول لشبح: فمن ضيع ملامحه؟

هل فقد معناه وذكراه: فمن نسف معنى المعنى وحنط ذكراه؟

تساؤلات كثيرة؛ وغائرة في جـرح المسرح المغـربي. ولكـن حـبذا لو تتعدد الإجابات وتم طرح جملة أو بعض من الرؤى والأفكار حول سبل مواجهة: من أهدر دم مسرح الهـواة؟ بـدل ترك مياه المسرح الهـاوي راكدة في بركة يعلوها الوحل والطين؛ ليبقى سجـله ووضعـه بعيدا عـن المناولة والنقاش وينمحي السؤال الثابت والمطروح؟ وكم من موضوع انمحى ليس بالتقادم بل بالنكران وعـدم النبش فيه؛ وبالتالي ما أراه أصوب: فـمسرح الهواة الذي (كان) لم يـعـد مومياء أو شـبحا أو حـتى جثـة؛ نمسح بها أو نشخص سقـوطها في براثين دمها المسفـوك؟ الجـل تبرأ منه كـأنه لم يكن ذاك الكائن؛ الذي كـوَّن وأنشأ ذاك الكائن الذي يتبرأ منه (الآن) كأنه لم يكـن شيئا مذكورا؟ أو كائن نجـس أوبمثابة رجـس! ولاسيما أن مسرح الهواة في المغرب؛ كان يعـد استثناء في بنيته ومنظومته وتنظيمه؛ عن تجارب العالم؟ بمعنى أن المفهوم الشائع بأن الممارسة الهواياتية، تكون أقـل خبرة وكفاءة من الممارسة الاحترافية. وبالتالي فهو كان بمثابة مؤسسة يتخرج منها (المحترفون) وسيخرج مسرح المستقبل!

مـــــفــارقــة!!
لكن في حالة – المغـرب- فمسرح الهواة هـو الاحتراف بشكل من الأشكال؛ ولكن من الناحية الإبداعية والجمالية كانت أغلب الجمعيات – محترفة – في صنعـتها؛ ولاسيما أن مفهوم الاحتراف (المهنية/ الفرقة) لاوجود لها في بلادنا؛ فحتى مسرح الناس أو فرقة البدوي أو القناع الصغير، مسرح الحي أو مسرح البرَّكة، أو الوفاء المراكشية أو مسرح اليوم أو مسرح الشمس... إن هاته أو تلك التجارب وغيرها تبقى تجارب ليست إلا؛ ويمكن أن نطلق عليها (تجارب تجَمُّعـية) لأن الفرقة (الاحترافية) لا تنهار ولا يتوقف عـطاؤها بعـد سنة أو سنتين؛ لأنها – مؤسسة فنية لها بُعْـدهـا واستراتيجيتها ومنظورها تدبيري في الإنتاج وتـرويج منتوجها الإبداعي: لأن تجربة الاحتراف المسرحي في المغرب لم تؤسس بعد، فقط يوجد متفرغون يشتغلون على هواهم، وان بطاقة الفنان مكسب للفنان المسرحي، وأن الهواة طبعوا البهاء على المسرح المغربي(1)

والمفارقة أن تلك [الفرق] التي كانت ولازالت تؤطر انوجادها في صف (الاحتراف) وفي واقع الأمر؛ هي جمعيات؛ خاضعة للظهير الشريف لتأسيس الجمعيات؛ وليس لظهير قانون الشغل! وبالتالي فهـذا الشق لم يــتـأسس بعْـد؛ بـل فقط يوجـد متفرغـون يشتغلون على مـزاجـهم الفني، وحتى تلك التجارب التي تصنف نفسـها (احترافية) لم يتم قراءتها بشكـل علمي ومعقلن في إطار دراسات جادة، لفـهم أنسـاق اشتغالها وأسباب تعـثرها أو فـشـلها؟ ففي غياب ذلك لا يمكن تأطيره من خلال محمولة (الاحترافي) الـذي يـبقى مجـرد توصيف بدون مدلول عملي/ قانوني/ تنظيمي. والأنـكى أن أصحابها لم تكـن وليس لديهم الجـرأة في كشف وتوضيح الأسباب الرئيسة في انتهاء مشروعهم؛ بحيث الغموض والضبابية في تفـسير أسباب النهاية التي آلت إليها تلك التجارب؟

وبناء عليه: فـرواد تلك التجارب؛ لم يكونوا كما أشرنـا [محترفين] بمعـناه اللوجستيكي والإبستمولوجي؛ لأن [المِهنية = الاحتراف] لا تموت! ولا تـندثر! ولهـذا فالمـسرح يولد من رحم المجتمع ومؤسساته وكـذا من حالاته الفنية؛ التي تعتبر أيقونـة لوجوده كوجود معقد ومملوء بالمتناقضات والانقلابات بالمشاكل التي حيرت حلولها عقول الفلاسفة والمفكرين؛ لكن عوالم المسرح تختزل كل هـذا في حبكة درامية؛ فعاليتها ومبدعوها هواة ببلادنا؛ لكن أهـدر دمه ونحن أحياء. لكي يموت المقدس الذي كان يحتويه. نعَـم والإنسان لازال موجودا ومسرح الهواة اغتيل ليعـيش موتتـه الأبدية.

التنظيـــم الـخـفي!
وإذا كان المسرح من خلق الإنسان؛ لكي يتبرأ من كل عنصرية كوجود مجرد ولإبراز صراعه؛ مع القوى الطبيعة أو قوى الشـر وقوى تخريب الإنسانية. فلقد انطفأ بريقه ولمعان تلك الإبداعية التي كانت روح عطائنا ووجودنا! فبين أرواحنا وروح الفعل المسرحي تداخل مهيب؛ فالمسرح الهاوي؛ كان منزوع الذاتية؛ ليصبح نفسه موضوعا لأرواحنا؛ والعـكس مثبوت كذلك؛ فبالرجوع بالذاكرة قليلا؛ وذلك لاختزال تاريخه؛ فالملاحظ أن ممارسوه وعشاقه كانوا أكثر اتزانا وتوازنا؛ في العطاء الفني والإبداعي؛ وفي تحقيق عمق الممارسة خصوبة وثراء فنيا. وذلك إبان الحضور في الملتقيات والتظاهـرات الإقليمية والوطنية. ولعل أبرزها وقـتئذ [المهرجان الوطني لمسرح الهواة] بغض النـظـر عَـلى كـَواليسـه والمتلاعبين على احتكاره وتكريس مفاهيم مضللة؛ يبقى تظاهَـرة وطنية؛ مأسوف على اغـتياله وسـفك دمـه بدون مشروعـية؛ وفي انعـدام المشروعية؛ هـل حقيقة المسرح هو جوهر عصره، لأنه يستمد وجوده من ذات الممارسة الاجتماعية؟

بدهي أن المسرح كيـنونة كائنة؛ رغم بعض التحفظات؛ التي كانت تتمظهر في بعض المحطات التاريخية؛ والتي تتلاقى بـنسق مجتمع محافظ/ منغلق؛ الغالب فيه هَـيمنة مؤسسات التحريم، التي تمارس خطابها بأشكال مختلفة ومتعددة في مجتمعنا. ورغم ذلك ظل مسرح الهواة؛ صامدا في مشهده والمشهد الثقافي عموما؛ بحكم الحِـسّ النضالي لفعالياته وشبابه؛ وكذا رافدا أساسيا للممارسة المسرحية؛ لأنـه كان منجذبا لسيكولوجية ممارسيه؛ ومنظوم مجتمعه. ومن ثمة فممارسـوه كانوا يتحَـدون النسق الاجتماعي؛ للتعبير عما ينبغي أن يتجاوزه المجتمع للانتقال: كمطمح لعصر آخر. فمن هاته الزاوية؛ استجلب أو تماهى مع العَـديد من التجارب المسرحية عالميا؛ ذات منطلقات فلسفية وفكرية وسياسية؛ بمعنى كان [مسرح الهـواة] يعيش تطلعاته.

ومن هـذا التفاعل كان الإقصاء تارة واضحا وتارة أخرى ملتويا؛ زئبقيا؛ وخاصة تجاه المسرح – الجاد والملتزم- مما ظلت لفظة/ صفة (الهواة) تقزيمية لكل ممارسيه! فرغم الوعي الضمني لمفهوم (التقزيمية) أمست فعاليته في اتزان وتوازن؛ نتيجة العِـشق التوحدي الذي ساهَـم في تداخل الذات بالموضوع الذى هو توأم الشرط الـذاتى؛ فـبدونهما معا أو عَـدم اندماجهما فى آن. لـن يتحقق الفعل الإبداعي؛ ولكن وعي الهواة بذلك؛ أفرز تداخلا من الصعب تمييز بين الموضوعي/ الذاتي؛ في الممارسة المسرحية الهاوية؛ نتيجة الدمج وشحْـذ جماع خبرتها وخيالها لخلق إبداع؛ في بعْـده الأعـم (كان) يقف موقفا معارضا مغايرا. رغم التوجهات القبلية في تأطير الممارسة المسرحية واحتوائها تحت يافطة سياسة؛ تؤطر نفسها في [الثقافة الشعبية]: وتنظيم خاص يجعل منها جزءا لا يتجزأ من التنشيط المهيأ والموجه لما كان يسمى في عهـد الاستعمار «جمعيات الشباب الثقافية» التي يؤخـذ فيها بعين الاعتبار لا المقاصد الفكرية والفنية؛ ولكن حاجة المراهـق الشاب إلى تحقيق وتأكيد ذاته في إطار تجمع يصرف فيه مقتضيات نـموه النفسي والعقلي وأحلامـه الطموحة(2) فهـذا منظور؛ والتي عملت الشبيبة والرياضة كقطاع حكومي على الاهتمام بها؛ وذلك في ميدان سياستها المتبعة. ومحاولة تصريفها عبر مذكرات تنظيمية للمشاركة في المهرجان؛ وعبر تحريك وضبط - رواد- دور الشباب ولكنه عمليا لا يقاس على ممارسي مسرح الهواة (آنذاك) لأسباب تندرج في طبيعة المشتغلين في نسيجه؛ بحيث أن أغلب ممارسيه وفعالياته؛ كانوا خارج مرحلة (المراهقة) علما أنه لم يكن امتدادا لمسرح الحركة الوطنية؛ ورغم ذلك حاولت الأحزاب بشتى الطرق؛ استقطاب الجمعيات المسرحية؛ كدرع ثقافي وفني لها؛ مما كانت تنشط وتقوم بتداريبها المسرحية في بعض المقرات الحزبية أو المكراة أو هبة من لدن عشاق المسرح؛ بمعنى أن أغلب الممارسين كانت تجمعهم بدور الشباب سوى التنظيم القانوني (فقط).

مما كان الوجه الحقيقي لفن الاحتراف المسرحي ، احتراف من أجل الآخرين؛ وذلك من خلال تضحيات رجالاته وشبابه وارتباطهم بالقضايا الإنسانية والوطنية والقومية. والتزامـهم الفعال بقضايا الإنسان والمواطن المسحوق، عَـبر الكـَلمة الجادة والجمالية المدهشة، لذات المسرح ولروحه؛ وليس حُـبا في الظهور والدعم المادي.. وبالتالي فالجمعيات المسرحية كانت ولا زالت في بعض المحطات؛ الرافـد الأساس في الدفع بالحركة المسرحية لتطوير جـديتها وعطاء إبداعيتها؛ مما كان رواد مسرح الهواة ، أكثر حماساً وإخلاصا؛ للفـن والإبداع. ويدفعـون دم قلوبهم! ومن صبيب عرقهم! ليس من أجل هوايتهم؟ بل من أجل المسرح ككائن في كينونة فـعله وتماهـيـه؛ باعتباره من بين الوسائل التثقيفية والاعلامية؛ ومساهـم بفعالية في تفعيل الوعي السياسي والاجتماعي؛ وذلك من خلال الفرجة والمتعة؛ المبنية على فكر خالد، وجمالية خلاقة. علما أن الجمعيات المسرحية؛ استطاعت أن تنمو وتتقوى بذاتها وتدبير إنتاجها المسرحي/ الفني من ذوات أعضائهـا؛ دونما الاعتماد على الـدعـم؛ بل عَـبر التضحيات والاكتتاب والمساهمات من لدن أشخاص ذاتيين واعتباريين، فتلك الحقائق عشناها؛ ولا يمكن للممارسين الذين تخلوا عن شقـهم إنكارها؛ فمن خلال التآزر والتفاعل المادي والمعنوي؛ أفرز مستويين من التحقق العياني وليس النظري:

1/ تحقـق الاندماج الاجتماعي والتواصلي بين جل المسرحيين، فكان هنالك تعاون ومساندة؛ وتضحيات سيزيفية؛ ربما سيزيف لن يستطيع لها صبرا! إذ كيف نفسر تلاقي ومشاركة جمعيتين أو ثلاث في عمل واحـد؛ علما أن كل جمعية من مدينة؟ فكيف نفسر أن: بعضا من المسرحيين ضحوا بوظيفتهم ومصدر عيشهم من أجل إتمام عمل مسرحي في مدينة أخرى؟ أو فنان يقـدم عـرضا مسرحيا؛ متزامنا ووفاة أحـد أصوله أو أقاربه؛ أو ازدان فراشه بمولود؛ تلك حقائق وليست مجرد توهُّمات أو حـشو كلام.

2/ التحقق العملي في الإنتاجية؛ بحيث أغلب الجمعيات الهـاوية؛ أنتجت ممثلين لهم طاقات خارقة جدا ومؤلفين ومخرجين؛ دونما إغفـال أفراد أبدعوا ومارسوا التقنيات وإنجاز ديكورات؛ فكان بـحَـق أفراد كل جمعية لحمة واحـدة؛ رغم بعض الاختلافات والمناوشات؛ وهـذا طبيعي. ولكنهم أبدعوا وأنتجوا وأنجزوا أعمالا نوعية ، خالدة؛ طبعت البهاء والرونق على المسرح المغربي، حيث كان للمسرح قدسيته و للركـح هيبته وسحره الأخاذ؛ فرغم التغيرات والتوجهات السياسية وفق التحولات الداخلية والتي تفرض جَـدلا تغيير وتغير التعبير الفني من واقعه الفكري والعملي الذى كان فيه؛ إلا واقعه الآني الذي أفرزته التقلبات الخارجية التي ثؤتر على الوجهة الوطنية والقومية؛ لكن المسرح الهاوي؛ لم يـغير روح كلمته وعطائه وتوهجـه؛ بل ازداد قوة بتعـدد الجمعيات المسرحية حتى في المداشر والقرى؛ التي قدمت تجارب وأسماء رائدة.

نــقـطة الــتحـــول؟
لكن التحول المفصلي؛ تمظهر (1 في مئة) لخلق انتعاشة لشق المتفرغـين؛ ومحاولة تذويب العطالة الموسمية للفن؛ لكن شق الهواة؛ فعاليته وممارسوه، هرولوا نحـوها بدون وعي متزن؛ ليتحول ذاك المسرح/ الكائن المتمرد والمشاغِـب والعَـصي عن المطاوعة؛ والذي لعب دورا مهما في صناعة الأجيال وطارحا أسئلة مقلقة؛ خارج عنق الزجاجة ، إلى كائن شبحي (جوانية الزجاجة) وتبعي: سياسيا واقتصاديا وثقافيا؛ نـحو (الدعم) فهل هـذا المعطى سبب مباشر أو مساهم في إهَـدار دَم مسرح الهواة؟ لتتكسر قلوب مريديه وممارسيه وعشاقه الكـثر؟ أم الإدارة أو الجهة الوصية؛ هي التي أهْـدرت دمه؛ حتى لا يبقى متجذرا في تربته الأصيلة ومتطلعا إلى مستجدات مسارح العالم؟ وما أعتقد أن يكون الأمر كذلك؛ لأن المشرف الرئيس عن مسرح الهواة (كان) هو مركز الأبحاث المسرحية؛ الذي من شأنه حماية الناشئة وتوجيهها تجاه (الثقافة الشعـبية) التي غـرسها الفرنسيون آنذاك؛ ومسرح الهواة فعاليته لم تكن من الناشئة؛ بل من شباب ورجال لهم مسؤوليات أسرية ومهنية (آنذاك)؟ رغم أن المسؤولين على القطاع حاولوا بتوجيهات الأجانب الذين ظلوا في قطاع الشبيبة والرياضة بعيد الاستقلال؛ ممارسة توجيهه نحو شرنقة (الثقافة الشعبية) كما أشرنا؛ ولكن هل مسرح الهواة (وقتئذ) حقق استقلاله فعـلا؟

لآن هناك صورة أخرى طرحت في أواسط السبعينيات من القرن الماضي؛ من لدن من عاش معمعان الممارسة نقدا ومواكبة ولكن لم تناقش؟ ومفادها يوهمنا بأن مسرح الهـواة حقق استقلاله الفكري والسياسي؛ قبل أن يتحقق ذلك على صعيد الأمـة كلها، ولكنه في الحقيقة يعمق تورطه في لعبة تخديرية لحساب مجموعة من «رجال أعمال المسرح» الذين يتـقنون تنظيم «بورصاتهم الفنية» ليكونوا على علم بأخبار السلع الفنية وحركاتها وقيمها وما في بطونها من إمكانيات الربح والحصول على الامتيازات والجوائز، وتلك أمور لا يتحكم في ناصيتها إلا الراسخون في الحبك المسرحي المخلوط بالإتجار غير البريء؛ كل ذلك باسم الفـن وثورة الشباب.(3) أكيد أن الطرح فيه نوع من الغموضية ولبس الفهم؛ لكن من عاش صراعه وإقصاءه وتهميشه في فضاء مسرح الهواة؛ يستنتج ما كان يقصده صاحب الطـَّرح؛ وفي عمقـه استخلاصا؛ بأن مسرح الهواة كانت بمثابة واجهة للمتاجرة سياسيا واقتصاديا؛ عند بعض من هم محسوبين على القطاع تنظيميا وإداريا وحتى ممارسة؛ وبالتالي فهؤلاء ومن تربى في أحضانهم؛ ألم يكونوا سببا في إهـدار دمه؟

هل التنظير المسرحي ومحموله نحو وَهـْـم التأصيل؛ كان سببا في استئصاله من الداخل؛ نتيجة صراعات جوفاء وهامشية؛ تلك عـصفت بكل أحلامه العتيدة، فتم إهـدار دمه بالتدريج؟ هل التحولات نحو العولمية؛ والاحتكام لمنطق السوق؛ سبب من الأسباب الرئيسة في إهْـدار دمه؟ لينحو المسرح نحو- الماركوتينك والاقتصاد بدل الضجيج والروح القتالية والنضالية المزعجـة لرجال المال والأعمال؟ هل هنالك أيادي خفية آثـمة تكالبت عليه، لإفراغه من محتواه واستنزاف طاقاته الإبداعية؟ حتى يصبح المبدع المسرحي – سيكوباتيا- نرجسيا- انتهازيا - بدون روح إنسانية؛ تضفي على القلوب روح الأمل المشرق والحب الصادق بين الإنسان والإنسان؟

أسئلة وتساؤلات متعَـددة تتناسل؛ عمن أهدر دم مسرح الهواة(؟) وتوارى خلف قناع الحياة(؟) وحول ممارسته وممارسيه إلى ذكرى بدون إحساس(؟) لأن العـديد ممن كانوا منتسبين إليه؛ بدورهم اغـتالوا ذكرياتهم بصمت مريب؛ وعَـدم تأطير وجودهم فيه؛ أثناء أحاديثهم؛ لأنهم لم يقتلوا النوستالجية التي تسكنهم بل قتلوا روح الإحساس الفني من روحهم؛ لينقطع خيط النور المسرحي الذي أضاءهم وأضاء عقودا من الزمن! زمن رغم عـدم تقـادمه: أمسى غابرا في سجل المسرح المغـربي!!

 

الإحالات:

1- قول المسرحي: عبد المجيد فـنيش في نـدوة الرباط حول المسرح – انـظر- التغـطية - في موقع كلامكم أو في مطبوع صحيفة الحقيقة نيوز03/03/ 2016

2- وجهات نظر حول واقع مسرح الهواة لمصطفى القباج مجلة الفنون س6 ع1 نونبر1979 ص5

3- نــــفســـــــه ص 5/6