يحاور القاص المغربي في نصه تكوين الذكر والأنثى مصوراً عالم الرجل في جسد الأنثى وعالم المرأة في جسد الرجل في منلوغ داخلي يتناوب فيه الرجل والمرأة، الفحولة والأنوثة، الرغبة ومصداتها، ولحظة الأندماج ليكونا كائنا واحدا فيه سر الحياة.

محاولة فشل

كريم بلاد

 

نما في شعورها إحساس بغيض إزائه..

ونما في شعوره فيض غامر من الرحمة عليها..

تقول بأنه رجل متقاعس، عبوس، كسلان، عاجز، أناني، لاشيء يهمه في الحياة غير الجلوس في المقهى لمشاهدة لعبته المفضلة كرة القدم.

يقول لها بأنها امرأة لا تفهم طبع الرجال، ويستحيل أن تفعل، لأن ذلك سيعجل بانتحارها فيبقى وحيدا على ظهر الكون تنعدم حياته من دونها.

اتفقا معا على تبادل الأدوار.

في الصباح الموالي استفاقت في جسده مضطربة، وقبل ذلك بساعات أي قبيل الفجر تربصت به الأنثى وتلبسته فجافاه النوم، وأفاق قبلها بساعات.

تلمس جسده فألفاه لينا، طيعا، أملس كوجه رضيع، رائحته تنفذ إلى خياشيمه فيحس بالزهو كأنه ذكر طاووس. عبث بخصلات شعره بعض الوقت، قبل أن يأخذ المرآة فيتفحص وجهه أسفل عينيه وأنفه الحادة وأهدابه وجبهته الضيقة، ثم يمسد على صدره العامر متحسسا حمالاته. إحساس باذخ بالأنثى فيه، وبقية الرجل فيه تشاكس روحها الجديدة فيه.

عندما فتحت عينيها تملكها الفزع من جسدها الجديد، ضاقت نفسها فيه، واضطربت منتفضة كأنها تود التخلص من بقايا شوك علق بها. أغمضت عينيها مرة ثانية، وانقلبت على جنبها الآخر، لا تريد أن تفيق بعد، النهار طويل طويل، وكل شيء قابل لأن يؤجل إلى الغد، لا عجلة إذن. هناك بعض الأولويات التي سوف تباشرها بعد عودتها من مقهاها، رغم أنها لم تفصح بها لها.

بحنان زائد أعد الإفطار وهو يفكر فيها، وفي برنامج اليوم بتداخل تفاصيله المبهمة في عقله. يجب أن يقوم بكل شيء اليوم وكما يجب، ولابد من وقت لاستقبال الصديقات في الصالون والكلام الكثير الكثير الذي لا يسمع منه شيء، السوق وحاجياته، الغذاء وجديده، القيسارية ومواعيدها مع الخياط والكوافير وبائع التوابل، التلفاز وسلسلة المسلسلات، وقبل ذلك كله، صفحته على الفايس بوك والدردشة الصباحية على الواتساب، ثم تبادل صور اليوم بتفاصيلها الصغيرة والكبيرة، مع الصديقات وأفراد العائلة كلهم.

بكلام الحب ونظرات الشبق الحليبي تفاجئه في المطبخ، ستقول له صباح الخير يا حبيبي بلغة الكلام والعيون والجسد الملتهب بعشق مؤجل، ومن ركن إلى ركن تتابعه وتترصد له المنافذ. تريد فقط أن تعرف كيف كانت ليلته، وما جديد أحلامه، لتختم ذلك كله بتمني صباح للخير والبركات. دورة المياه لا تأخذ من وقتها الكثير، فالنظافة لا يجب أن تتصل بكل تحركاتها في اليوم والليلة. حتى عندما تنهره ليبتعد عنها، يلازمها. فهي تعبر عن الحب بالعناق والقبل على الأعناق خاصة، وهو لا يعترف بذلك لأن وقت الحب عنده قصير، يمتد على زمنه الفصيح الذي لا ينغصه شيء حتى ولو كان دقيقا حقيرا، وأفضل مكان له بيت النعاس لا غير.

بين الساعة والأخرى تتوقف عما تقوم به، لأنها تعلم أن روحها في جسده نشاز، هي على كل حال تحاول أن تتبرص به فتخبره وتسيطر عليه.

بمرور الوقت اعتاد على الأنثى فيه، رغم أنها شاكسته بعواطفها الجياشة بإزاء كل شيء، كل ما تفكر فيه يندغم بشيء من العاطفة، وكل ما تقبل عليه يجب أن يتحقق في الحين والفور.

بمرور الوقت استأنس إليها، وزاد حنانه عليها وشفقته بها، أن تكون أنثى معناه أنك بحاجة إلى أمان من نوع خاص، ولكنه أمان غير مصرح من لدنها بالحاجة إليه. يجب عليه أن يفهم كل شيء بنفسه عن نفسه وعنها، حتى تلك الأشياء التي تبقى خاصتها يجب أن يفهمها، وإذا لم يفعل خسرها وخسر الحب معها.

توالت الأصباح، وتوالت الأماسي..

بدأ في نفسه شعور البغض ينطفئ.

وتجلى الحنان فيها شامخا صاخبا كأنه الله في تجليه.

مشكلتهما الصغيرة المتجددة كيف يمارسان الحب. وهي مشكلة لم يجدا لها حلا. هي الأنثى في روحها الذكر الفحل، وهو الذكر في جسد أنثاه المنفرجة، يبدو الأمر سهلا، لكن الآلتين لم تشتغلا برغم قوة الدفع الباطنية. تملكا نفسيهما، ولم يفصح أحدهما للآخر برغبته، فعُد الأمر بينها خللا بيولوجيا ناتجا عن تقلبات الأرواح، فعاشا كذلك. وفي غمرة الأنفاس شوق يذيب الخلاف، ويذكي الحب سبيلا تنأى جوانبها، وتتسع لتشمل روحيهما معا، بل روحهما الواحدة التي انقسمت بين جسدين يتكاملان ويتناسلان رجالا ونساءً.

للحب بينهما أروقة من حنان، عندما ينتشران فيها يعم الوفاق.

عندما تتقلص مساحته الظليلة، يتقلصان معا، ويفنيان.

معا في جسدين اثنين، واثنان في روح واحد خالد.

 

أكادير 5 غشت 2018 م.