يعود الشاعر والدبلوماسي الفلسطيني الى لحظة الاغتراب المرة عن الوطن، الشجن المستمر والمتواصل، حيث يختلط الحضور بالغياب، وتعود الذاكرة لاستدعاء الصور ولترديد تلك المقولة القدرية للعودة، الى أرض لن تطمسها يد الغدر ولا لغة التهويد فقط إرادة وحلم شاعر لا يرى بديلا عن تربة أرضه.

بصارة الحي القديم

عمر صبري كتمتو

 

تيممت أمي برمل البحر قبل صلاتها

فملح البحر يخدش بشرة الأنثى بحرقته

وشح الماء أتعبنا بذاك العام

حيث ولدت في عكا

وكنا بانتظار الغيث

نرنو للسماء

وندعو الله

أن يسقي لنا الآرض المقدسة الجليلة

كانت امي بعد ان تنهي الصلاة

تضيء شمعا في فناء الدار

ثم تطرق باب جارتنا المسيحية

لتدعوها

فتأتي وهي تحمل في يديها

بعض حلوى للصباح

وتقول أمي

بارد هذا الصباح

فتجيب جارتنا

لعل الله يرزقنا بخير ومطر

فالغيث يكسر حدة البريد العنيد

ويرتوي صدر الحقول

ويطمئن له الثمر

الله ماأصفاك يا ماء الوطن

كم مرة عدنا اليك بحلمنا

كي لانضيع بزحمة الأوطان قي المنفى

ويسقط من أصابعنا الزمن

مازال في العمر بقية

هكذا قالت لنا بصارة الحي القديم

كنا نصدق ما تقول

وما يقول لها الودع

عبثا تكرر ماتقول

وبعض أحيان تغني

ثم تلقي بعض أشعار الغجر

حزن يفيض بمقلتيها

كلما ذكرت حبيبا غاب عنها

أو طوته يد القدر

بدأ البياض شحيح لون

في جدائلها الكثيفة بالسواد

وفي رموش العين

وهي مازالت صبية

فلا الحناء قادرة على غدر الزمان

ولا المكان, ولا القدر

والشيب أقوى من أقاصيص الودع

ماذا لديك اليوم من رؤيا لمثلي

فلقد سئمت من التنقل

والمنافي

والسفر

مازال في العمر بقية

قالت ترجل

والتمس عذر الوطن

اذهب اليه وقل له

اني أعود اليك اليوم وحدي

فلقد ترجل كل من كانوا معي

ولعله يرضى

فيحضنك التراب وزهرة الدفلى

وقامات الشجر

أوليس هذا ماتريد

أوليس هذا مانسميه الوطن

أرض, وبحر, وسماء

ومكان يستريح به الكفن

مادام في العمر بقية

عد والتمس عذرا

تمتع بالمياه وبالحجر

اغسل جراحك من قيود

ودماء وصور

واصرخ وانت على رمال البحر

واختصر الزمن

الله...ياألله

ماأصفاك ياغيث الوطن

 

7.12.2018

اوسلو

 

  • الودع هو صدف بحري صغير