ترجمة:
يأتي صوت الشابة ضحى محمد (26 عاما) عبر الهاتف على بعد بضع مئات من الأمتار من وزارة الدفاع السودانية بالخرطوم، مُرهقاً وهي تردد. "حرية ، سلام ، عدالة! "الثورة هي خيار الشعب!" تذهب منذ ديسمبر الى الشارع وتتحدى حرارة الشمس ووحشية جهاز الأمن وتدافع بسلام مع الآلاف من السودانيين من أجل التغيير في بلدهم. ضحى ورفاقها قد حققوا الكثير بالفعل، أكثر مما توقعه النظام في السودان أو في الخارج. لقد أسقطوا الحاكم عمر البشير بعد 30 عامًا تقريبًا. والبشير هو الرئيس الثاني، بعد الرئيس الجزائري العجوز عبد العزيز بوتفليقة حاكم شمال أفريقي طويل الأمد، فقد منصبه في أبريل.
لا يستسلم شعبي السودان والجزائر بسهولة ويستمران في التظاهر ليس ليتم ضرب المستبدين فحسب، بل الأنظمة التي تدعمهم أيضاً. لا يزال هناك أعضاء من المعارضة في سجون البلدين، وتبث وسائل الإعلام دعاية النظام القديم. تقول ضحى "نحن لسنا حيث نريد أن نذهب بعد، ولكن لن نتوقف".
لقد أطاحت الثورة العربية بالنظام في مصر وتونس في عام 2011، ولكن بعد فشل الانتفاضات في العديد من البلدان، اُعتبرت خاتمة المطاف. لقد شوه القادة العرب في وقت لاحق الاحتجاجات باعتبارها ضَلالاً: لقد أشاروا إلى سوريا وليبيا والحرب الأهلية والفوضى. يخرج الآن مئات الآلاف من الناس إلى الشوارع مرة أخرى. والانتفاضات تظهر وكأنها صورة جديدة للثورات التي حدثت قبل ثماني سنوات، وكربيع عربي ثانٍ .. إنهم صرخة وتحذير لكل المستبدين في المنطقة: لم يستخلص الحكام من القاهرة إلى الخرطوم أي دروس من عام 2011. لم يعالجوا المظالم التي دفعت الناس في الماضي إلى الشارع - الفقر والمحسوبية والعزل السياسي. بدلاً من ذلك، زادوا من حدة القمع.
يتم في السودان والجزائر، تفريغ الغضب الذي تراكم على مدار السنين. ويمكن قريبا ان تتبع ذلك عدد أكبر من الدول، فالعديد من دول المنطقة تعاني من مشاكل مماثلة. وتشتعل النار في نقطة ساخنة، في الجوار المباشر لأوروبا.
تهدد انتفاضة عربية ثانية زعزعة النظام غير المستقر في المنطقة. وربما تفتح للبلدان الهشة باباً لبدابة جديدة. تفسح في المجال لحكومات مدنية تحترم المجتمع وتقدمه على امتيازاتها. وربما قد تقود الى فوضى يستفيد منها الإرهابيون أيضا، كما تخلق طغاةً، وتتسبب في هجرة جماعية. يعيش في الجزائر وحدها أكثر من 40 مليون نسمة. الجديد في الأمر، أن المتظاهرين لديهم الآن تجربة متينة يمكنهم الاعتماد عليها. لقد عايشوا الكثير من قبل، ويستخدمون مصر كمثال، لا يكفي تبديل رجل واحد في القمة، إذا لم يتبع ذلك أي إصلاحات. والشعار الشعبي المحبوب الآن في تجمعات السودان هو "النصر أو مصر".
والآن يقاوم السودانيون مباشرة عبد الفتاح برهان المقرب من البشير، مهامه الرسمية. تقول ضحى محمد "اثناء الاعتصام نتحدث كثيراً عن عام 2011". "رأينا أشخاصًا يهللون فرحا في ميدان التحرير بالقاهرة، عندما تنحى حسن مبارك، ويعودون سعداء الى منازلهم". ولكن يعانون اليوم من كل ما حدث بعد الثورة. لن نرتكب في السودان هذا الخطأ".
بينما ضغط المصريون من أجل إجراء انتخابات سريعة بعد الثورة، يسعى السودانيون والجزائريون الآن لكسب الوقت. في حين يرفض ممثلو المجتمع المدني الجزائري إجراء الانتخابات في غضون ثلاثة أشهر حسب خطط أركان حرب الجيش. يفضل الكثيرون العمل أولاً على دستور، وهو الذي يجب أن يشكل الأساس لانتخابات جديدة. ويفضل بعض السودانيين فترة انتقالية مدتها أربع سنوات، يبتعد فيها الجيش عن السياسة.
تمكنت المعارضة في الجزائر والسودان من حشد قطاعات كبيرة من المجتمع. أعضاء من الطبقات العليا والمتوسطة يسيرون جنبا إلى جنب مع الناس الذين بالكاد يستطيعون تحمل ثمن الخبز. حتى المسؤولين الحكوميين أنفسهم مرحب بهم في المسيرات. ويحرص المتظاهرون أن يجعلوا من الصعب على سلطة الدولة تشويه الاحتجاجات ودمغها بالشغب، فيظلون مسالمين ، ويحافظون على نظافة المكان. ويعمل السودانيون والجزائريون بكل السبل لتجنب معارك الشوارع كما حصل في عام 2011.
يهتم الناس في شوارع الخرطوم والجزائر العاصمة، مثل المتظاهرين في عام 2011 ، بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية. في دراسة البارومتر العربي. وفقًا لمعهد أبحاث مستقل، يصف حوالي ثلاثة أرباع المستطلع رايهم في العالم العربي، بأن الوضع الاقتصادي هو مصدر قلقهم الأكبر، يليه الفساد، "يقول محمد بن ناصر، طالب علوم سياسية من الجزائر العاصمة ويتظاهر منذ فبراير ضد النظام. "ليس من النافع في الجزائر ان تبذل جهداً". "الذي يدرس لا يجد وظيفة في مجاله، ومن يريد إنشاء مشروع عليه الانتظار سنوات طويلة للحصول على التصريح". لا توجد بنية تحتية، وكثير من الفساد. الآن الأمر متروك للشباب لتحقيق التغيير".
تقل أعمار كل اثنين من ثلاثة مواطنين في الدول العربية عن 30 عامًا. إنهم أجود تأهيلاً عن الجيل الذي سبقهم، ويطالبون بوظائف لا يوجد منها ما يكفي. وفقًا لتقديرات البنك الدولي، يبلغ معدل بطالة الشباب في العالم العربي حوالي 30%، ضعف معدل المتوسط العالمي. تعد بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هي المنطقة الوحيدة في العالم التي يتناقص فيها النمو السنوي لمؤشر الأمم المتحدة للتنمية البشرية منذ عام 1980. (UNDP)
يتعين في هذه الأثناء ، على الأنظمة العربية أن تخشى على نموذجها الاقتصادي: فهي تقوم بتوزيع الريع على النخب. وكلما انخفضت الإيرادات، أصبح الأمر أكثر صعوبة بالنسبة للحكام للحفاظ على نزوات عملائهم. أصبح البشير في ضيق شديد بعد انفصال الجنوب الغني بالنفط عن الشمال. تسبب انخفاض أسعار النفط في الجزائر في التبرم. لم تعد بعض الولايات قادرة حتى على تزويد مواطنيها بالكهرباء بشكل منتظم، مما يؤدي إلى تآكل شرعية الحكام. على الرغم من أن وسائل الإعلام لا تزال خاضعة للرقابة في معظم أنحاء العالم العربي، إلا أن الأخبار المتعلقة بالمحسوبية وسوء الإدارة لا تزال تنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
هناك العديد من النساء اللواتي يقدن حركة الاحتجاج الجديدة في السودان، وهن يمثلن أكثر من ثلثي جميع المتظاهرين. أصبحت طالبة المعمار آلاء صلاح أيقونة الاحتجاج وهي واقفة على سقف سيارة تتحدث للحشود مرتدية ثوبها الأبيض.
تعاني النساء بشكل خاص من النظام، تشتكي ضحى محمد من الخرطوم، الذي تعمل في المجال الصناعي كمصممة. "من أن النساء يجدن صعوبة في العثور على وظيفة أكثر من الرجال، حتى لو كن متعلمات جيداً ، ويمكن ايضاً أن يتعرضن للضرب على أيدي الشرطة إن كن لا يرتدين الحجاب". المتظاهرون حاليا في موقع هجومي، لقد انتزعوا من حكوماتهم تنازلات مفاجئة. كان على رئيس المجلس الدستوري في الجزائر أن يستقيل بعد الرئيس بوتفليقة. يوجد الآن البشير في سجن يخضع لحراسة مشددة، حيث قام جهازه الأمني في السابق بتعذيب وقتل معارض في نفس المكان الذي يقبع فيه الآن. كما فقد رئيس جهاز المخابرات أيضا وظيفته. من الممكن جيدا أن يضطر الحكام إلى المضي قدمًا نحو المجتمع المدني في الأسابيع المقبلة.
ومع ذلك ، فمن غير المحتمل حدوث تغيير سريع وكامل للنظام في كلا البلدين. فنائب رئيس الحكومة الانتقالية في السودان هو محمد حمدان دقلو، الذي يُقال إنه مسؤول عن الإبادة الجماعية في دارفور كزعيم لميليشيا الجنجويد. يقول مجدي الجزولي، الخبير السوداني بمعهد2 يبحث في التطورات السياسية في إفريقيا: "سيكون الجيش حريصاً على عدم التخلي عن السلطة. إذا اعتزلوا، فسيتعين عليهم أن يتوقعوا اتهامهم بانتهاكات حقوق الإنسان خلال الثلاثين سنة الماضية.
الضغط من الخارج ضئيل. تعتبر شمال إفريقيا ساحة لعب يتحرك فيها لاعبون كثر كل منهم يتحرك حسب مصالحة الشخصية. المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر ، التي تتعقب جماعة الإخوان المسلمين كإرهابيين من جهة، وتركيا وقطر المقربتان ن من جماعة الإخوان المسلمين، يدافعان عنهم من جهة أخرى. من الأمور الشائعة في كلا المعسكرين، من أجل الصراع حول السلطة الاِقليمية، الرغبة في الوقوف مع الحكام المعنيين في كل من الخرطوم والجزائر وطرابلس. أعلنت المملكة العربية السعودية بالفعل دعمها لرئيس الحكومة الانتقالية في السودان.
يتمتع السودان بمنفذ مباشر إلى البحر الأحمر. على شواطئ هذا الطريق العابر الهام لناقلات النفط بين البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي، قامت العديد من القواعد العسكرية: الصين موجودة في جيبوتي، الإمارات العربية المتحدة في إريتريا، كما خططت كل من قطر وتركيا لمشروع ميناء في السودان، حتى انتزاع السلطة من البشير. كان رد فعل الغرب حتى الآن حذراً في تأييده للحركة المؤيدة للديمقراطية في الخرطوم والجزائر. اطلقت مجلة "تايم" في عام 2011 على المتظاهر "شخصية العام". يسيطر على الأوروبيين والأمريكيين الآن القلق من امكانية تحول السودان والجزائر إلى ليبيا ثانية، الى دول بدون حكومات فاعلة.
استخدم الجهاديون بعد الثورة العربية في عام 2011، الفراغ الذي تركته الانقلابات ليتوسعوا في العالم العربي. حذر خبراء أمنيون منذ عدة سنوات من "أفغانستان جديدة"، من "ساحستان" ، منطقة مضطربة جديدة، تمتد من موريتانيا عبر مالي والنيجر، حتى تشاد وثم ليبيا. في حالة انهيار السودان والجزائر، يستطيعون التنقل بحرية بين البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط.
أصرت دول الاتحاد الأوروبي حتى الآن، بدلاً من المطالبة بالإصلاحات من الطغاة، على احتواء الإرهاب الإسلامي في العالم العربي وإبعاد اللاجئين عن أوروبا. كان الكثيرون في ألمانيا بعد أحداث 2011، مقتنعين ايضا بأن الديكتاتوريين، على الرغم من كونهم غير مقبولين، لكنهم مفيدون. قامت الحكومة الفيدرالية ببناء السودان كشريك في سياسة الهجرة، وسمحت في الأعوام الأخيرة، بزيادة صادرات الأسلحة إلى الجزائر أكثر من أي دولة أخرى. ويجب عليها الآن أن تدرك أن رجالاً من أمثال البشير وبوتفليقة قد يكونا قادرين على التهدئة في بلديهما على المدى القصير - لكن دون حصول استقرار طويل الأمد .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قام بالتحرير:
كاترين كونتز ، دومينيك بيترز ، ماكسيميليان بوب ، جان بوهل ،
را نياه سلوم ، كريستوف سيدو
دير شبيغل رقم 17 / 20. أبريل. 2019
1 – Der Spiegel Nr. 17/20.4.2019
Redaktion:
Katrin Kuntz, Dominik Peters, Maximilian Popp,
Jan Puhl, Raniah Salloum, Christoph Sydow
2 – Rift – Valley - Institut