أقرب الى تدوينة يخطها هنا الشاعر والفنان التشكيلي العراقي، بروح الشاعر وبلغة أقرب الى الشهادة، عن تلك اللحظات الأخيرة التي تعيش في دواخله، في زمن الشتات والمنفى والخيبات، حيث لا يدرك الوطن ولا الأرض ولا الأمل، فقط بعض من خيبات يعيد الشاعر هنا تخطيطها تذكيرا بمصيره القدري.

في شهقته الأخيرة

حكيم نديم الداوودي

 

كتب في صفحته على الفيس بوك:

 

"انه بصدد كتابة سيرته الذاتية وبعد ساعات اعلن لمحبيه سر اصابته بداء النسيان وفق تقرير طبيبه الخاص، انه كان مصابا به منذ وصوله الى منفاه القسري ..

في شهقته الاخيرة ترك صدى قلبه،

بين اروقة المشفى

وصوتٌ أخر يغرس

سنابك جنون رحيله

في ذاكرة الطريق

لا ترحل في ظلك غبارٌ مخمليّ

ضوء صورة لأمسية شعرية

في الطرقاتِ زخاتُ المطر،

تصافحُ زقاقَ القلقِ

فيه الوطن، الحب، ودم الشهيد

  • في مَهبّ النِسْيَان..

- أخذوا دمي..

أخذوا صراخ فمي..

سلبوا يراعاتي الملونة..

لكنهم لم أطفأوا دفء سريري ودمي ..

وتركوني للزمهرير..

أخذوا من مهد طفولتي وعلقوني على صليب الخزن منكسراً ألملم شتات ذكرياتي .. يبست سلامات يدي..

وغابَ صوت احتجاجي

واحتجب كل الحقب لها مَنْ يسرق منها الذهب لم يستسلم لهم ..

فلهم أفانين الضلال،

لهم المعابد والمعاهد والدواوين المطهّمة بالأكاذيب ..

ولنا التشرد عبر متاهات الفيافي

لهم اليوم أكاليل من المجد مفتوحة

لهم كل الكنوز..

كلّ الطرقات

لكني لذتُ بصمتي ، بانزوائي..

شئيل مثل شرارة قابلة للاشتعال..

أخذوا كلامي ومعجمي..

قمعوا لهاثي كمّموا عنادي..

انا اليوم في المنفى أشبه بصخرة صمّاء بلا انتماء..

محوا مدوناتي في سجل التواريخ وغيّروا انتمائي بمداد شنق احبابي..

في الشتات استردت سجل اصالتي ..

لكنني في ملجئي النائي احتظنت بلادي افضل منهم وبانَ للملأ زيف الادعياء..

توالت الايام ومَرّة تلو المرة احتضن وطني..

فلستُ بلا تلدٍ، فبينَ يديّ صفحات كتاب احلامي- المدينة ترتدي درع حديد، وتُسمعنا احتجاجاً للأغراب صوتها القرميد..

هي جاثية ثمة ترخي لنا جدائلها وحلمتاها تدرّان غضباً يُسعّر جمرات انكساراتنا، هزائمنا..

هو الليل الذي يطوقنا في المنفى وحده كأنه غولٌ بلا رأس ولا ذيل كما لو كان دهراً.. غرّز قوائمه في مراسينا وفي تعابيرمواسينا ، كما لو كانَ كابوساً من الرعب..

أما لهذا الليل من آخر؟ أما لمنْ أخذوا دمي هدراً من مثأر أو ثائر..

أليسَ لنا حقٌ لأنْ نرفعَ قبضتنا ونردعَ من جرّدنا من هويتنا ومن حلمنا القزحي..؟..

يا زمن القرود!! فقد سرقوا في رابعة النهار صبرنا...

وظللّوا بسوادِ النسيان شواهد قبورنا..

أليس أيها الزمن من الحق أن ألبسَ ثوباً وأزهو مثل اهل الغرب ثوب الفرح والبهجة وازهو به بين لدائن أقراني!..

ألا ايها الصّبر الكامن فيّ خذ بناصية مَنْ أوصلوني الى حافة الغيبوبة..

الى ضفاف الصمت المطبق..

الى المتاه الأبديّ للصبرحدود..

وللجراحات ألف ألم وصدود..

قولوا معي بصوت المحتسب.."

 

الله ما أصبرك على جراح الفقد والبُعد.. فصبرا يا أهل الشهداء.. إن موعدكم الربيع الدائم .. آمين يا رب العالمين.

 

شاعر وفنان تشكيلي عراقي