ديوان قصير عبارة عن قصائد مختارة للشاعرة المكسيكية، وسهر على ترجمتها شاعر ومترجم مغربي خبر عن قرب جغرافيات شعرية ايبرية وامريكولاتينية، بل وأسهم عبر مسار الترجمة التي قادها منذ سنوات في تقريب القارئ العربي من تجارب شعرية رائدة. وهنا شاعرة مكسيكية من مواليد الخمسينيات من القرن الماضي، انتظرت لمرحلة التسعينيات كي تبدأ تجربة النشر للعديد من دواوينها الشعرية بدء من قمر نيسان، الى تمجيد الجلْد، هي تجربة تقربنا من المشهد الشعري المكسيكي اليوم ومن تجاربه وحساسياته.

ديوان قصير

أجنحة الموت

لينا ثـيرون

ترجمة: خالد الريسوني

 

أجْنِحَةُ المَوْتِ

نَعِيقٌ مَعْدِنِيٌّ، طُيُورٌ تَبْصَقُ نَاراً
عَلَى بِنَايَاتٍ شَامِخَةٍ.
رُعْبٌ وأنْقَاضٌ وَأرْضٌ مُبَاغِتَةٌ.
مَوْتٌ وَتَعَفُّنٌ.

خْوَان أوْ بِيتِر أوْ حَدَّاد
أخْضَعُوهُمْ مِنْ مَرَاقِبِ الحَدِيدِ
مِثْلَ يُومِيكُو المُحْتَرِقَةِ فِي هِيرُوشِيمَا
أوْ لُويُو مِنَ اللُّوكِيمْيَا فِي نَاغَازَاكِي،
أوْ جِيم الفِيتْنَامِيِّ بَيْنَمَا كَانَ يَزْرَعُ الأرْزَ
وَأبُوهُ كَانَ يَلْفُظُ أنْفَاسَهُ الأخِيرَةَ بِدَاءِ الإيبُولَا.

لا أرْغَبُ أنْ أمُوتَ تَحْتَ التَّعْذِيبِ.
ولا أنْ أُمَدِّدَ لوَائِحَ المَخْرُومِينَ بِالرَّصَاصِ
أوْ مِثْلَ بِيدْرُو وَلُوبِيتَا عِنْدَ اجْتِيَازِ رِيُّو بْرَافُو
وَلا أقلَّ مَكْسُوَّةَ الرُّوحِ ببُؤسٍ
تَحْتَ حِجَابِ الأصُولِيَّةِ.َ

لا أرْغَبُ أنْ أمُوتَ كَأحَدِ السُّكَّانِ الأصْلِيِّينَ فِي المِكْسِيكِ وَغْوَاتِيمَالا
وَالسَّلْفَادُورِ أوْ نِيكَارَاغْوَا.
لا أرْغَبُ أنْ يَمُوتَ أحَدُ أبْنَائِي
فِي طَائِرَةٍ يَخْتَطِفُهَا إرْهَابِيُونَ
وَلا تَحْتَ إحْدَاهَا فِي أفْغَانِسْتَانَ،
وَالعِرَاقِ أو سَارَايِيفُو، كُوسُوفُو أوْ بْوِيرْتُو رِيكُو،
وَلا فِي كُورْيَا الشَّمَالِيَّةِ، وَفِي بَانَامَا أوْ فِي الفِيتْنَامِ.

لا أرْغَبُ أنْ يُشْبِعَ الانْتِقَامُ الوُجُودَ بِالمَوْتِ،
يَنْبَغِي اسْتِئْصَالُ الأحْقَادِ مِنَ القلْبِ
وَالعَيْنِ بِالعَيْنِ الَّتِي سَتَنْتَهِي بِإعْمَاءِ العَالَمِ.

 

فلسطين

مِنْ أيْنَ أتَانَا الشِّقاقُ
وَالجُوعُ وَكَلِمَةُ خَوْفٍ؟

ثَوْرَةٌ فِي صُورَةِ شَمْسٍ
وَغَضَبٍ يَنْفَجِرُ،
حِقدٌ فِي قلْبِ الإنْسَانِ.

أهِيَ حَرْبٌ، يَا أبَتِي؟
وَهَلْ سَأكْمِلُ عَامِيَ السَّادِسَ؟

أغْمِضْ عَيْنَيْكَ، يَا هَذَا الكَائِنُ الصَّغِيرُ،
ولا تَتْرُكْ لِلحِقْدِ أنْ يَنَالَ مِنْكَ،
أَصْمِتْ حُنْجُرَتَكَ،
ضَعْ صَمَّاماً عَلَى مَسْمَعَيْكَ،
لا تُرْهِبْكَ العَتمَةُ،
إنْ كَانَ هُنَالِكَ مَنْ يَنْبَغِي لَهُ أنْ يُرَاقِصَ المَوْتَ
فَسَأكُونُ أنَا، أبُوكَ، مَنْ سَيُراقِصُهُ.

وَأنْتَ يَنْبَغِي أنْ تَتَخَطَّى الزَّمَنَ،
وأنْ تَصِيرَ كَبِيراً،
وَكَبِيراً تَفْتَحُ فَمَكَ
لِتَحْكِيَ لِلعَالَمِ أجْمَعَ
كَيْفَ يَغْدُو المَرْءُ كَهْلاً فِي عَامِهِ السَّادِسِ.

 

أسْبُوعِيّاً

كَيْفَ لا أحِبُّهُ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ ذَاتِ العَوَاصِفِ البَارِدَةِ.
عَدَمُ رُؤْيَتِهِ عَذَابٌ أبَدِيٌّ لِلجَسَدِ وَالرُّوحِ.
أرِيدُهُ اليَوْمَ مَعِي مِثْلَ تِلْكَ اللَّوْحَةِ لِمَاتِيسَ،
مِثْلَ تِلْكَ العَنَاقِيدِ النَّاضِجَةِ لِأيَّامٍ نَائِيَةٍ.

كَيْفَ لا أحِبُّه إنْ كَانَتْ قُبُلاتُهُ قَصِيدَةً مُكْتَمِلَةً،
دَافِئَةٌ بَسْمَتُهُ فِي صُبْحٍ مِنْ صَيْفٍ دَافِئٍ،
وَاللَمَسَاتُ هَمْسُ النَّارِ الَّتِي تَنْبُضُ فِي جِلْدِي،
قَدَحٌ مِنَ النَّبِيذِ الأبْيَضِ أمْسِكُهَا بَيْنَ سَاقَيَّ.

كَيْفَ لا أحِبُّهُ إنْ كَانَ اليَومَ سَبْتٌ وَكَانَ هُوَ مَعِي،
فِي حُنُوِّهِ يَمْسَحُ دَمْعِي بِلِسَانِهِ،
إنْ كُنْتُ أحْمِلُ ثَلاثَ أوْ أرْبَعَ غَيْمَاتٍ طَافِيَاتٍ فِي رَأسِي
وَهُوَ يُهْدِينِي مِئَاتِ أقْوَاسِ قُزَحٍ لِأُضِيءَ الحَيَاةَ.

كَيْفَ لا أحِبُّهُ فِي هَذَا الأحَدِ، أحَدِ المَوَاعِيدِ العَائِلِيَّةِ
لَمَّا يُغَامِرُ عَلَى حَبْلِ البَهْلَوَانِ مِنَ الهَاوِيَةِ
مُسْتَعْمِلاً حُبِّي كَجَنَاحَيْنِ لِيَحْفَظَ التَّوَازُنَ
أمْسِكُ الَهاتِفَ وَسِرّاً أسْتَمِعُ إلَى أنَّهُ يُحبُّنِي.

كَيْفَ لا أحِبُّهُ فِي هَذَا الاثْنَيْنِ حِينَمَا يُوقِظُ الفَجْرَ
بِأصْدَاءِ ذِكْرَيَاتٍ مُشْتَرَكَةٍ غَيْرِ عَادِيَّةٍ،
دَمٌ مُتَلَهِّفٌ يَجْعَلُ القُلُوبَ تَحُومُ مِثْلَ ألْوَاحِ طَوَاحِينِ الهَوَاءِ
وَاللَّيْلَةُ المُتَسَرْبِلَةُ بِالشَّذَى تَشْحُبُ أمَامَ قُبَلِهِ.

كَيْفَ لا أحِبُّهُ فِي هَذَا الثُّلاثَاءِ ذِي الأخْبَارِ المُفْجِعَةِ:
هُجُومٌ إرْهَابِيٌّ ضِدَّ أطْفَالٍ فِلِسْطِينِيِّينَ دُونَمَا احْتِرَاسٍ،
مُدَافِعُونَ دُونَمَا خِبْرَةٍ خُرِمُوا بِأعْيِرَةٍ نَارِيَّةٍ فِي العِرَاقِ،
عَاشِقَةٌ طَاعِنَةٌ فِي السِّنِّ تَمَّ هَجْرُهَا فِي بَيْتٍ خَرِبٍ.

كَيْفَ لا أحِبُّهُ فِي هَذَا الأرْبِعَاءِ المُضْجِرِ
لَمَّا يَصِيرُ كُلُّ شَيْءٍ مُمْكِناً لَوْ أتَلَقَّى رِسَالَةً
بِكَلِمَاتٍ عَظِيمَةٍ تُهَدِّئُ القَلَقَ
وَيَذُوبُ الصَّمتُ حِينَ أسْمَعُ اسْمَهُ.

كَيْفَ لا أحِبُّهُ فِي هَذَا الخَمِيسِ أوْ فِي تِلْكَ الجُمُعَةِ
جُذُور نِهَايَةِ الأسْبُوعِ الَّذِي طَالَمَا أنْتَظِرُهُ
لِكَيْ أمْنَحَ مَعْنىً لِدِفْءِ الجَسَدِ
وَأعْثُرَ عَلَى تَارِيخٍ غَيْرِ مَوْجُودٍ فِي الرُّوزْنَامَةِ
لِكَيْ أقُولَ كَمْ ثُمَّ كَمْ أحِبُّهُ.

 

صَلاةٌ

يَا أبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاءِ
قَلِّبْ عُيُونَكَ بِاتِّجَاهِ قدَمَيْكَ
وَانْظُرْ مَا الَّذِي يَحْدُثُ مَعَنَا
فِي الأرْضِ.

لا نُرِيدُ مَزِيداً مِنَ الرُّكُوعِ
وَلا تَرْتِيلاً فِي جَوْقَةٍ بِقَلْبِ الإنْسَانِ
حَتَّى لا يُحَطِّمَ بَعْضُنَا البَعْضَ الآخَرَ.

لا نَعْرِفُ إنْ كَانَتْ تِلْكَ إرَادَتُكَ،
مَا تُرِيدُ لَهُ أنْ يَحْدُثَ
فِي الأرْضِ كَمَا فِي السَّمَاءِ،
هَلِ المَلائِكَةُ تُبِيدُ أشْبَاهَهَا
هَلْ نَحْنُ انْعِكَاسَاتٌ لِلْمَنَاطِقِ العُلْوِيَّةِ مِنَ الجَحِيمِ
نَحْتَاجُ إلَى مَا يَتَجَاوَزُ كِسْرَةَ الخُبْزِ فَوْقَ المَائِدَةِ
يَجِبُ أنْ نَتَعَلَّمَ كَيْفَ نَتَسَامَحُ بَيْنَنَا
فِي خَطِيئَةِ أنَّنَا وُلِدْنَا
مُخْتَلِفِينَ فِي الانْتِمَاءِ الاجْتِمَاعِيِّ، وَفِي الانْتِمَاءِ العِرْقِيِّ وَالعَقَدِيِّ.

 

 

Lina Zerón لينا ثيرون: شاعرة مكسيكية من مواليد مكسيكو 1959، بدأت الكتابة في سن مبكرة، درست بالجامعة المستقلة لمكسيكو، مجازة في العلاقات الدولية. ترجم شعرها إلى العديد من اللغات، كما ساهمت في العديد من القراءات الشعرية في أوروبا وأمريكا اللاتينية والكاريبي والولايات المتحدة الأمريكية من أعمالها الشعرية:
قمر نيسان، قصائد 1996، قمر نيسان، أحلام 1997، قمر نيسان، رسائل 1998، لولبية النار 1999، أزهار سوداء لثابوت بلا جسد 2000، فراشات بنفسجية 2002،
نبيذ أحمر 2003، سماء تنمو في أعماق عينيك 2004، نوستالجيا حياة، ويليه: مدن حيث أسميك 2005، تمجيد الجلْد 2005.

*خالد الريسوني: شاعر ومترجم مغربي، (الدار البيضاء، 1965) حصل على الإجازة في الأدب العربي من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان سنة 1988، اشتغل سابقا أستاذا للغة العربية وثقافتها بالمعهد الإسباني سيفيرو أوشوا بطنجة. شارك سنة 1985 في المهرجان العالمي للشباب والطلبة بموسكو، كما ساهم في مهرجان الشعر المغربي بشفشاون خلال عدة دورات. محكم خلال عدة دورات بجائزة الأرغانة العالمية للشعر، التحق باتحاد كتاب المغرب سنة 1986. عضو الهيئة التنفيذية لبيت الشعر بالمغرب، يتوزع إنتاج خالد الريسوني بين الكتابة الشعرية والدراسة الأدبي والترجمة. نشر كتاباته بعدة صحف ومجلات ومغربية وعربية مثل: المحرر، العلم، البيان، القدس العربي، كيكا، العربي الجديد، الثقافة الجديدة، نوافذ، البيان، نزوى، الدوحة، مشارف مقدسية …إلخ. يعد الاشتغال على الترجمة رهانا أساسيا في مشروع خالد الريسوني، إذ من خلاله يعبر عن رغبة في تشييد جسور التواصل بين ضفاف المتوسط، إذ أنجز عددا مهماً من الترجمات الشعرية لشعراء إسبان وشعراء من أمريكا اللاتينية إلى لغة الضاد. وممّا صدر له في هذا الصدد:ـ الرسو على ضفة الخليج (بالاشتراك): أنطولوجية للشعر المغربي والإسباني، الجزيرة الخضراء، 2000. عن الملائكة/ رفائيل ألبيرتي ، منشورات وزارة الثقافة 2005. يومية متواطئة / لويس غارثيا مونطيرو، منشورات وزارة الثقافة 2005. تلفظ مجهول ويليه: ابتداع اللغز، خورخي أوروتيا، عن منشورات( ليتوغراف ) بطنجة 2007. لالوثانا الأندلسية، رواية للروائي الإسباني فرانسيسكو ديليكادو، عن منشورات( ليتوغراف ) بطنجة 2009. اليوم ضباب، خوسيه رامون ريبول، عن منشورات( ليتوغراف ) بطنجة 2009
زوايا اختلاف المنظر يليه: كتاب الطير والسكون المنفلت، كلارا خانيس، عن منشورات ( ليتوغراف ) بطنجة 2009. الأعمال الشعرية المختارة، لفيديريكو غارسيا لوركا، عن منشورات( ليتوغراف ) بطنجة 2010. الكتاب خلف الكثيب، لأندريس سانشيث روباينا، عن منشورات( ليتوغراف ) بطنجة 2010. مائة قصيدة وشاعر، خوسيه مانويل كاباييرو بونالد، منشورات سليكي أخوين، 2012. وصف الأكذوبة يليه: يشتعل الخسران، أنطونيو غامونيدا، منشورات بيت الشعر في المغرب، 2012.
آخر ما أنجزه الريسوني العمل الشعري الموسوم بـ: خلوات وأروقة وقصائد أخرى يليه: حقول قشتالة، للشاعر الإسباني المرموق: أنطونيو ماشادو، و “بإيجاز″ للشاعر الإسباني ليوبولدو دي لويس، ويستحق العناء للشاعر الأرجنتيني: خوان خيلمان، وكسيريات، يليه: ملاك الظلمة وأسرار الغاب للشاعرة الإسبانية كلارا خانيس.