يرى الناقد المصري أن الكاتبة جمعت– في خطابها النثري التعددي ما بعد الحداثي – بين نزعة التوثيق، والتسجيل لليوميات، والصور الفوتوغرافية، وبعض التجارب المستدعاة من الذاكرة، والتأملات الشعرية في الوجود، وفي ثراء مدلول الأمومة، وتجليه كنموذج بكر أول في الوعي، واللاوعي، وعلاقته المعقدة بتطور الهوية، وتشكيل كينونة المرأة.

التجدد، والاختلاف في تأويل بنية الأمومة الأولى

قراءة لكتاب كيف تلتئم: عن الأمومة وأشباحها لإيمان مرسال

محمد سمير عبدالسلام

 

تتسم كتابة الشاعرة المصرية إيمان مرسال بتعددية أشكال الخطاب، وتنوعها بين الخطاب السردي النثري، والخطاب الشعري، ومزج لغة النقد الأدبي بالتأويل، والقراءة التأملية لنصوص الشعر، والصور الفوتوغرافية، كما تختلط تأملاتها الأدبية بنتائج العلم أحيانا، وبعض الملاحظات الواقعية التي قد تخرج منها باتجاه اليوميات، وتسجيل بعض الصور الحلمية السريالية؛ وتتجلى هذه الكتابة التعددية التي تمزج بين الإنتاجية الإبداعية وتأملات القراءة، وتسجيل آثار التجربة الشخصية الداخلية، والتأويل الشعري النسوي للوجود، والكينونة أحيانا في كتابها عن الأمومة؛ وعنوانه كيف تلتئم؛ عن الأمومة وأشباحها؛ صدر عن دار ريكلام بألمانيا سنة 2017، بالتعاون بين كيف ت، ومؤسسة مفردات؛ وقد جمعت إيمان مرسال – في خطابها النثري التعددي ما بعد الحداثي – بين نزعة التوثيق، والتسجيل لليوميات، والصور الفوتوغرافية، وبعض التجارب المستدعاة من الذاكرة، والتأملات الشعرية في الوجود، وفي ثراء مدلول الأمومة، وتجليه كنموذج بكر أول في الوعي، واللاوعي، وعلاقته المعقدة بتطور الهوية، وتشكيل كينونة المرأة منذ الموجة النسوية الثانية، وعلاقتها بإنتاج مدلول الهوية، وإشكاليات تجليها النسبي في حيوات بعض الشاعرات، والأمهات في صور الفوتوغرافيا، وبعض الفنانات؛ فالكتاب يناقش الأمومة بصورتها البكر المتكررة، واللانهائية، وتناقضاتها في العالم الداخلي للمرأة؛ وتذكرنا تلك التناقضات إزاء نموذج الأمومة بكل من شخصيتي إيفيجينيا، وإلكترا في التراث الثقافي اليوناني؛ وموقف الأم من كل منهما؛ وسنعاين مثل هذا الاختلاف في إنتاجية المرأة النسوية لهويتها الذاتية في تأملات إيمان مرسال لكل من الشاعرتين أنا سوير، وسنية صالح؛ فالأولى تعاين الولادة كأزمة قي تشكيل الهوية الأنثوية، وتطورها النسبي الوجودي في الزمن، والأخرى تنتج هويتها النسوية نفسها من خلال فعل الولادة، والتوحد الروحي والبيولوجي بالابنة، وشعرية وجودها في وعي، ولاوعي الأم.

وتذكرنا لغة الكتاب الخاصة إزاء نموذج الأمومة، وتجلياته الشعرية النسبية البكر في الفن، والذاكرة بخصوصية الإنتاجية الإبداعية لوعي المرأة في تصور الناقدة النسوية الأمريكية إلين شوالتر؛ إذ ترى في كتابها إنتاجية الكينونة النسوية، 2001 أن النسوة اللاتي حققن كينونتهن الخاصة هن من اتبعن مسارا خاصا نسبيا، ومختلفا، وشكلن تجاربهن الذاتية في التعاطف، والإنجاز، والتقدير الذاتي؛ وقد أردن لحياتهن أن تكون موضوعا للكتابة، ولإلهام الآخر / الأخريات. (1).

ترتكز شوالتر – إذا – على المسار التفسيري الخاص، والأنثوي للذات، وللعالم، وشعريته التي تشكل وعي الآخر / الأخريات في سياق عابر للزمكانية، وللحضارات المختلفة؛ وسنعاين مثل هذه الخصوصية اللغوية السيميولوجية الأنثوية في بكارة إدراك إيمان مرسال لتجارب الأمومة، وإنتاجيتها الشعرية لهذه التجارب في لغة تفسيرية أنثوية خاصة، ومتعددة في بني الخطاب؛ فالشاعرة ترتكز في نقدها لسنية صالح، وأنا سوير على إشكالية تفسير الهوية تفسيرا مختلفا، ونسبيا؛ وهو موضوع يذكرنا بإنتاجية المشاريع، والأهداف في كتاب الجنس الآخر لسيمون دي بوفوار، وإنتاجية المثقف لوجوده الخاص بعد الحرب في روايتها عن المثقفين؛ فضلا عن شعرية نظرة مرسال إلى علاقة الغياب بالخلود في تفسيرها النسوي للقطات الفوتوغرافيا التي تنكر فيها الأم وجودها عبر فعل الاختفاء، والتباس هذا الاختفاء بحضور شعري تفسيري مضاعف خاصة في حالات فقد الابن للأم، أو العكس.

إننا أمام نسق سيميائي في الكتابة ما بعد الحداثية لتجربة الأمومة، وتجليها الذي قد يسبق وجود الوعي المؤول لها؛ إذ تعاين مرسال شعرية التجارب وتجلياتها في نوع من الدهشة، والبكارة، والتباس الحضور بآثار الغياب؛ وكأن تجربة الأمومة تستبق فعل الوجود نفسه في تشبيهاته المحتملة؛ وسنجد هذا واضحا في حضور صورة الأم في الحلم، وسريالية تشكلها الآخر الذي يستنزف بنيتي الموت والغياب في وعي، ولاوعي الكاتبة؛ وكأن الأم وجدت في التشبيهات واستمرت فيها خارج الزمن؛ وهو ما يذكرنا بتصور بودريار عن كل من التشبيه، والاختفاء الملتبس بحضور سابق.

تنتج إيمان مرسال خطابا نقديا تأمليا يتمركز حول إشكالية الأمومة، وتأجيلها المحتمل في خطابها النسوي النقدي التاملي حول الشاعرة أنا سوير؛ وقد تمارس مرسال نوعا من الإكمال التفكيكي للنصوص الشعرية النسوية التي تناولت علاقة الأمومة بإشكالية الهوية النسوية.

تقول:

"عمق ما أمسكت به سوير ليس في تعميم الصراع بين الأم، ومولودها – إنه ليس صراع ملكية، ولا جندر، ولا أجيال – بل في ربطه بالولادة كعملية بيولوجية؛ يشترك فيها كائن عاش وتكون، وقام باختيارات ما تخص وجوده قبل لحظة الولادة، وهذا الصغير؛ الدمية الذي خرج للحياة من أحشاء الكائن الأول". (2).

تنتقل مرسال – في تأملاتها النقدية – من الوجودي الذي يختص بتأويل الكينونة في الزمن النسبي إلى الكينونة الأنثوية وخياراتها التي قد تكون مضادة للوليدة؛ وهو ما يحتمل أن تتخلق إشكالية جديدة خاصة بالهوية في عملية الولادة بمدلولها البيولوجي؛ وسوف نلاحظ بكارة النظرة الأنثوية في خطاب إيمان مرسال، وتوصيفها لخروج ذلك الكائن الآخر المشبع بمدلول الآخرية في المشهد؛ فضلا عن خصوصية لغة الكاتبة، وإكمالها النصي السيميائي المضاف لتصور أنا سوير؛ فهي تشبه الوليدة بالدمية؛ وهو تشبيه يقوم على احتمالية مضاعفة الشعور بالاختلاف حين تكتسب تلك الدمية البيضاء حياة خاصة وخيارات مختلفة عن خيارات الأم.

تفكك مرسال البنية السلبية لعلامة الدمية من خلال فاعليتها الخفية في المستقبل، وتذكرنا تلك العلامة المتعلقة بآخرية الأم،أو آخرية الجنين بلوحة ميلادي للفنانة فريدة كالو؛ والتي تتجلى فيها آلام الخروج من الرحم، وغموض جسد الأم في المشهد، كما تذكرنا بآخرية شخصية الأم / العازفة، وانفصال هويتها الفنية عن تطور كينونة ابنتها المريضة في فيلم سوناتا الخريف الذي كتبه، وأخرجه إنجمار بيرجمان سنة 1978؛ وكأن أزمة الهوية تتشكل نسبيا في بعض الحالات المتعلقة بالاختلاف البيولوجي، والوجودي، ولكن من منظور يقوم على تطور كينونة الأنثى؛ والطرائق المحتملة في تأويلها.

وتقترن الأمومة – في مستوى آخر من تأملات مرسال النقدية – بتأكيد الهوية النسوية في مواجهة الرعب، والعنف، وحروب العالم الخارجي حين تتأمل نص سنية صالح الذي يحتفي بالتوحد الروحي، والبيولوجي بين الذات، والآخر، وبفكرة العودة الدائرية إلى رحم الأم.

تقول:

"يبدو رعب صالح من الانفصال عن طفلتها أكبر من مجرد نزعة فطرية للعطاء، والتضحية؛ إنه أيضا رعب من العالم الخارجي الشرير؛ كأن الأمومة رحم يحمي من أهوال العالم التي اختبرتها بنفسها ...

إنها تريد أن تحتمي بهويتها كأم أطول وقت ممكن مادامت قد فقدت هويتها كابنة بموت أمها". (3).

نعاين في خطاب إيمان مرسال – حضورا مضاعفا لثيمتي الأمومة، والرعب؛ فالأمومة هي العودة الدائرية المتجاوزة للزمن إلى البدايات، والتي تقع في حالة من التعارض مع الغياب، أو في مواجهة تحولات الرعب في العالم الخارجي.

وقد جاءت علامة الابنة – في خطاب مرسال التأملي عن الهوية النسوية – ضمن تأكيد الهوية النسوية للشاعرة؛ فهي جزء من الذات، وتطورها الروحي، وتفسيرها لحضورها النسبي في العالم؛ وربما تشير إلى حالة الالتئام الأولى في خطاب مرسال الشعري عن نموذج الأمومة في الوعي، واللاوعي، ودلالته على حالة تعاطف روحي نسبي؛ إنها حالة من التصوف المتعلق بالصوت، وشعريته الخاصة في صوت الآخر / الابنة، وربما تشير تأملات سنية صالح إلى التعارض بين طاقة الأنيما التأملية، والعنف في تصور باشلار في كتابه شاعرية أحلام اليقظة؛ فالشاعرة تريد استعادة الأمومة في حضورها التأملي الأنثوي، وفي حالة الخدر التأملي المتجاوز للتمزق، والرعب، والغياب المحتمل.

وتنتقل مرسال – في كتابها – من تناول الشعر إلى قراءة شخصية الروائية إليزابيث كوستيلو الفنية في رواية كوتزي، ونلاحظ تناول مرسال للوجود الظاهراتي للشخصية الفنية في النص، والذي يذكرنا بتصور فرجينيا وولف للسيدة براون في مقالها السيد بنيت، والسيدة براون؛ فالروائية تقع في حالة من تأويل الوجود ملتبسة بالخصوصية التي تستعصي على التأويل، أو تفترض وفرة من التأويلات النسبية المحتملة لحضورها، ولكينونتها الخاصة.

تقول:

"يمكننا أن نتخيلها أما شابة؛ تعاني في تقسيم وقتها بين عملها، وطفلين أنها تشعر بالذنب أحيانا؛ لأنها لا تقضي الوقت الكافي معهما؛ يمكننا أن نتخيل أما متعكرة المزاج في ساعات الصباح، وليس لديها طاقة للتعامل مع العالم؛ فتوصد بابها في وجهه؛ ولكن تبدو كوستلو أكثر تعقيدا من ذلك؛ جان نفسه يتساءل عن حقيقتها التي لا يعرفها".(4).

الانفصال العبثي المحتمل بين الذات، والآخر يقترن هنا، بمحبة تفسيرية خفية لحقيقة الآخر / الأم الكاتبة الظاهراتية المؤجلة، التي تنطوي على اتصال روحي داخلي بالعالم في الهامش الدلالي، وتمارس إيمان مرسال – في خطابها عن رواية كوتزي – نوعا من إكمال سردي لصوت الابن المحتمل الذي قد يصف حياة أمه البسيطة وما فيها من عمق، وتناقض في آن.

إن مرسال تعاين صوت جان المحتمل بوعي إنتاجي إكمالي أنثوي، يعيد اكتشاف صوت كوستيلو، وروحها الغامضة في خطاب كوتزي السردي.

وأرى أن الجزء الخاص بتأملات إيمان مرسال للفوتوغرافيا، والمتعلقة بكتاب الأم المخفية للفنانة ليندا ناليير، تتجلى فيه التعددية ما بعد الحداثية، وتفكيك المركز بدرجة كبيرة، فضلا عن اتصال الكتابة، وتداخلها المحتمل مع فن الفوتوغرافيا؛ وجمالياته التي تقوم على التداخل ما بعد الحداثي بين التسجيل، والتوثيق من جهة، وشعرية المجاز العلاماتي في بنية الصورة الجمالية من جهة أخرى.

وتصف إيمان مرسال بعض مظاهر اختفاء الأم في صورها مع المولود أو المولودة، ودلالات ذلك التخفي المقصود؛ فترصد وجود الأم أحيانا خلف كرسي مغطى بورود، أو بطة خلف أريكة، أو تبدو كدمية كبيرة تحمل رضيعا، ثم تكمل مرسال تلك اللقطات من منظور تخيلي افتراضي لصوت الابن الذي سيشير إلى موقع الأم في اللقطة وقد ماتت، ويقول لشخص آخر انظر .. أمي كانت هناك. (5).

ترصد إيمان مرسال بلاغة الاختفاء في تلك الصور، والعودة الشعرية الظاهراتية لطيف الأم، او شبحها في موقع الصورة في المستقبل، وقد عبر البنى الزمكانية، وحل في مخيلة الابن في مشهد سردي تأملي أنثوي مكمل أنتجته مرسال من داخل شعرية الفوتوغرافيا، وتفكيكها ما بعد الحداثي لبنية الغياب المحتملة، ونلاحظ هنا صيرورة لدال الأم بين اللقطة، وعالم الابن، وفي مخيلة إيمان مرسال، وخطابها التأويلي، وفي عالم القارئ الداخلي المحتمل؛ فمجاز الأم هنا يعبر الكينونة الأولى، ويتجلى في أصوات الآخرين كنموذج بكر، يتجاوز رتابة التكرار، ويذكرنا بمدلول الأثر الذي يجمع بين المحو، والحضور في فكر دريدا؛ فالأم حاضرة كوظيفة جمالية في فعل الاحتواء، وفي حضورها الشبحي الآخر الذي يذكرنا بوالد هملت مثلا في صورته الشعرية الأخرى، وتحولاتها الأدبية في الآخر، وإن ارتبطت الأمومة هنا بحالة من التعاطف الكوني.

وتكتب إيمان مرسال تأويلا شعريا نثريا للصورة رقم 184 في كتاب الفنانة ليندا ناليير؛ وفيها الأم مخفية، والطفل ميت، ولكنه يحتل مساحة واسعة من مركز اللقطة، أما الأم فتبدو ككرسي أسفله.

وتربط مرسال هنا بين الغياب والرغبة اللاواعية في خلود الطفل بوعي تخيلي أنثوي؛ وكأنها تنتج صوتها الشعري الخاص المتداخل مع صوت الأم الواعية بموت الطفل، وانبعاثه الجمالي الآخر كعمل فني يتجلى فيه الحضور المضاعف، والصاخب.

تقول إيمان مرسال عن اللقطة:

"ولنتخيل إحدى هذه الصور: الرضيع الميت يرتدي أجمل ملابسه، جالس وحده في حجر أمه المختفية تحت الشرشف، وكأنها الكرسي؛ عيناه أو عيناها شبه مغلقتين، وكأنه نائم، هي لا تحمله من أجل أن يظل ثابتا لمدة نصف دقيقة أثناء اللقطة، ولا لكي يشعر بالأمان؛ فلا يبكي من الفلاش؛ بل من أجل أن يكون واضحا، وفي المركز. تقوم بذلك من أجل الخلود؛ خلود الرضيع الذي ربما لا توجد له أية صورة أخرى قبل هذه، ولن يكون له صورة بعدها". (6).

يرتكز خطاب إيمان مرسال بدرجة رئيسية على ظهور الرضيع في المركز، والخلود، وتكرار دال الصورة كموقع بديل عن موقع الغياب، أو الموت؛ فثمة استبدال لعلامة الطفل الميت من داخل دائرية شبحه المجازي في وعي الأم، وفي وعي المؤولة / الأنثى، وفي وعي المشاهد المحتمل؛ وكأن الطفل يبدو ملكيا في موته المؤجل، أوتجسيدا للانبعاث الآخر للحياة، والذي قد يكون مستعادا من الذاكرة الجمعية، واللاوعي الجمعي.

وقد بأتي طيف الأم – في كتابة إيمان مرسال – في صورة حلمية سريالية شعرية كثيفة توحي بالتجدد، والانبعاث، والرعب، كما توحي بالتقاطع بين اتحاد الأصوات الروحي في عوالم اللاوعي الكثيفة، وحدة التباين بين الواقع، والعالم الحلمي الافتراضي الذي يوشك أن يستبدل أثر الواقع، أو يعيد تمثيله في بنية الحلم، ويذكرنا هنا بالتصور الفرويدي عن الحلم، وعلاقته الاستعارية بالواقع عبر نسق العلامات.

تكشف إيمان مرسال عن ذلك الحضور الآخر لشبح الأم – في بنية الحلم – وهي تقلب الليمونادة، وقد كانت صغيرة نسبيا، ومقاومة لأثر الزمن، وذات رقبة طويلة تذكرنا بتكوينات دالي، بينما ترصد مرسال أثر تقليب الملعقة في عالمها الداخلي، والذي ارتبط بالرعب، والرغبة في أن تتوقف الأم عن إحداث صوت التقليب. (7).

الحضور الحلمي للأم هنا يوحي بالتجدد التصويري لكينونتها في وعي، ولاوعي المتكلمة، وانفتاح عوالم اللاوعي التمثيلية على الكينونة، وعلى الصوت المتكلم؛ وكأن الأم تنبعث من داخل وعي الآخر / الابنة في سياق تتجاور فيه الأزمنة، والفضاءات، وتتصارع في الوقت نفسه.

واتصال الصور السريالية بدوال الأمومة، ورموزها الخيالية والكونية متواتر في كتابة إيمان مرسال؛ إذ تقول في قصيدة السعادة ضمن ديوانها المشي أطول وقت ممكن:

"لحظة الاستيقاظ من النوم / وجداني أسود / ولا أذكر من أحلام الأمس / إلا الرغبة في تأريخ موضوعي / لارتباط اللذة بالعتمة / والعتمة بالرعب / والرعب بالاستيقاظ من النوم / في مواجهة وجدان أسود / السعادة إذن / في آلات التجريف الجديرة بالحب / يسبقها لسانها عادة / وتقلب بحياد ذاكرة الأرض". (8).

نكاد نلمح هذا التشكيل السريالي في تناقضات النور، والظلمة، وفي علامة آلة التجريف النيتشوية التي تمزج بين الحب، والتدمير، وفي تشكيلها، وتكوينها الجمالي بذلك اللسان السريالي الذي يقلب في ذاكرة الأرض؛ والأرض لها ارتباط رمزي ثقافي بمدلول الأم؛ وكأن الآلة تبعث أخيلة العودة الحلمية السريالية إلى الأم، وترتبط – على نحو وثيق – بالإنتاجية النسوية الإبداعية للكينونة، وللغة الشعرية الخاصة التي تشكل الذات، والعالم في نسق سيميائي متغير في تداعيات الكتابة، وفي تعددية الخطاب ما بعد الحداثية في آن.

*هوامش:

(1) Read, Elain Showalter, Inventing Herself, Simon and Schuster, New York, 2001, p. 15.

(2) إيمان مرسال، كيف تلتئم: عن الأمومة وأشباحها، دار ريكلام بألمانيا، وبالتعاون بين كيف ت، ومؤسسة مفردات سنة 2017، ص 7.

(3) إيمان مرسال، السابق، ص 25، 27.

(4) السابق، ص-ص 28، 29.

(5) راجع، السابق، ص-ص 47، 48.

(6) السابق، ص-ص 73، 74.

(7) راجع، السابق، ص 129.

(8) إيمان مرسال، ممر معتم يصلح لتعلم الرقص، والمشي لأطول وقت ممكن، الهيئة المصرية العامة للكتاب بالقاهرة، سنة 2013، ص-ص 180، 181.

 

msameerster@gmail.com