يعلو صوت الشاعر الفلسطيني المرموق عاليا، ضد الغطرسة الجهنمية، هذه الآلة المتفننة في التقتيل والتهجير وسلب الحقوق، والتي لا تميز بين الإنسان والأرض، في ظل الصمت المطبق، يصرخ الشاعر عاليا داعيا الى تغليب روح المقاومة والصمود، موجها رسالته لغزة ومن خلالها فلسطين، أرض الصمود، كي يعلو جبين الشهداء الأمل في حياة وانعتاق وحرية وتحرر.

يا غَزّةَ قاوِمْ

المتوكل طه

 

قاوِمْ وقاوِمْ

فأنتَ نهايةُ هذا المطاف.

وقاومْ بأسماء ربِّ القتال

وما في يديك من العاديات..

وقاوِمْ بأكفان مَن رَنَخوا في قِماطِ الرّضاعةِ

تحت اللّحاف.

وقاوِم بمَن مُسِحوا من سِجلّ الحياة

ولم يبقَ فيهم صغيرٌ يخاف.

وقاومْ لوردةِ جوريٍّ هناك

على جُثَّةٍ في عراءِ خُزاعَه،

وقاومْ ليصمتَ زيفُ الكلامِ

وتخرسَ أوداجُ بوقِ الإذاعَه،

وقاوِمْ ليسقطَ عن وَجْهِ مَن نافقَ القاتلينَ

.. قِناعه

وقاوِمْ وقاومْ، فما النَصرُ إلا

بإطلاق كلِّ النّوارِسِ طُرّاً

أو الصبرُ عاماً وشهراً وساعَه..

وقاوم لكسرِ قبابِ الحديد،

لتزرعَ بالرُّعبِ كلَّ الفياف ..

وما من شفاعَه..

وقاوم فقد جاء وقتُ السّباع،

وولّى زمانُ قطيعِ الخِراف.

وقاومْ بحقّ الظلامِ الثقيلِ

وقتْلِ القتيلِ

ومحرقةِ الرَّدم فوق الطّواف.

وقاومْ إلى أن تُتَمّمَ حيفا

مراسمَ أعراسها.. للزفاف.

وقاومْ إلى أن يعود اللجوءُ

إلى الأُرجوان وزهرِ الضِّفاف.

وقاوم إلى أن تقوم القيامة ..

وافتحْ جهنّمَ طولاً وعرضاً،

وضَعْ قلمَ القوْلِ..

فاوِضْ : ولكنْ بهذا الجحيمِ..

وقُلْ جَفَّ حِبْري وما مِن صِحافْ..

ولا مَن يخافُ،

ولا مَن يخاف.

***

سلامٌ على أرض غزَّةَ

في الأوّلين وفي الآخرين.

سلامٌ على ناسِها الطيّبين؛

شهيداً، جريحاً،، وطفلاً

وشيخاً..

وسيّدةً لا تلين..

وتُشْعِل ليلَ البلادِ الحزين.

سلامٌ على مَنْ تقيَّدَ حُرّاً

وراء الزنازن، خلف السنين.

سلامٌ على ماء قانا وصبرا

على ما تبعثر سطراً فَسَطْرا

على خيمةٍ في عراء الطحين.

سلامٌ على دالياتِ الصّفيح

ودّفْقِ الجريحِ

يشقُّ الدّروبَ إلى العائدين.

سلامٌ على موقدٍ لا ينام،

وأُغنيةٍ في الظلام

تخبّئُ سِرَّ الزمان الدفين.

سلام على قهوةٍ مُرَّةٍ

في عزاءٍ نُشرِّعُهُ منُذُ قَرنٍ..

ولمّا نَقُلْ للجنازاتِ يكفي!

فقد مُلئَ الطينُ بالصّاعدين.

سلامٌ على كلّ حَيٍّ ودار

ومدرسةٍ في الغبارِ،

على كُلِّ هذا المدى والحصارِ،

سلامٌ على جامعٍ هَدَّموهُ

ومَيْتٍ من القصْفِ قد أيقظوهُ

وسقْفٍ على أهلهِ ردَّموهُ

وألفِ رضيعٍ إذا لفّعوهُ،

وصاروخِ مجدٍ إذا أرجعوهُ

يعودُ أُلوفاً على الخائفين.

سلامٌ على نورسٍ من حديدٍ

يُؤَوِّبُ فوق السواحل حتى

يدبَّ على مخبأ الغاصبين.

سلامٌ على غزةَ اللهِ ..

فيها المماتُ وفيها الحياةُ

وفيها سنحشرُهُم أجمعين.

***

كلُ شيء شهيد؛

العمارةُ والغصنُ والمزهريّةُ والطيرُ والرُّضَّعُ النائمون

واللّحدُ والجَدُّ والصورةُ البِكْرُ والسُورُ والدارُ واللعبةُ القطنُ

والخلُّ والزيتُ والخابيات

والفرشةُ الصُوف والعرباتُ

والشايُ والمصحفُ المطمئنُّ والعتبات

والفحمُ والعظمُ واللحمُ والعجلات

وأرجوحة ُالحوشِ والثوبُ والحبلُ

والزّنكُ والصحنُ والماءُ والنائحات ..

وفي كل حربٍ لنا أن نكونَ

وفي كلِ شهرٍ لنا نصرنا

.. ويومٌ شهيدٌ إلى الأمّهات