يلاحظ الكاتب أن سؤال التجديد الديني- في الفكر أو الخطاب- أصبح خطاباً سلطوياً، ولم يعد جزءاً مركزياً أو رئيساً من الهموم الفكرية للجماعات الثقافية أو المؤسسة الدينية الرسمية، مشيراً إلى أن ردود الأفعال على هذه الدعوة مترددة وتقليدية، وتعيد استجابات قديمة وتحاول احتواء الدعوة إلى تجديد الخطاب من دون دراستها في العمق.

«تجديد الفكر الديني»... مقدمات أولية

عـلي عـطا

 

"بالنظر إلى ما استشرى في العقود الأخيرة من ظواهر التطرف والعنف والإرهاب، التي يتمسح القائمون بها بالدين، وما يتعرض له أبناء الديانات والثقافات الأخرى في مجتمعاتنا من ضغوط وتخويف وتهجير وملاحقات واختطاف، فإن المجتمعين من المسيحيين والمسلمين يعلنون أن الأديان كلها براء من الإرهاب بشتى صوره، وهم يدينونه أشد الإدانة ويستنكرونه أشد الاستنكار". هذه فقرة من "إعلان الأزهر للمواطنة والعيش المشترك" الذي صدر في ختام مؤتمر استضافته القاهرة يومي 28 شباط (فبراير) وأول مارس (آذار) 2017.

  • هذا "الإعلان" ورد ضمن ملاحق كتاب "تجديد الفكر الديني... مقدمات أولية" للباحث المصري نبيل عبد الفتاح الصادر حديثا عن دار "بتانة" في القاهرة. الدين المقصود في عنوان الكتاب ومتنه هو الإسلام، على المذهب السُني غالباً. أما "الفكر" فيقصد به ما هو "وضعي"، أي ما يسمى بالاجتهاد منذ بداية الدعوة الإسلامية وحتى وقتنا الراهن، والذي تستند إليه تنظيمات متطرفة لتبرير عنفها ضد ضحايا في أنحاء شتى من العالم، غالبيتهم من المسلمين. والمشكلة التي يعالجها الكتاب تبدو مستعصية على الحل، فهي تتعلق بحتمية "التجديد"، سواء بالنسبة إلى "الخطاب" أو بالنسبة إلى "الفكر"، إلى حد "الثورة"، كما ذهب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في إحدى خُطبه، فيما يواجَه ذلك على أرض الواقع برفض شديد يعبر عن نفسه غالبا في غرف مغلقة، بينما تكتفي المؤتمرات ببيانات ووثائق ترحب بالفكرة وتستنكر في الوقت نفسه أي ربط بين الإسلام والإرهاب الذي يمارسه "داعش" وغيره من التنظيمات المصنفة إرهابية. وإضافة إلى ذلك "الإعلان"، احتوت "الملاحق" ما أسماه المؤلف "وثائق أولية على هامش السعي نحو التجديد الديني الإسلامي والمسيحي"، وهي: وثيقة علماء الأزهر والمثقفين عن مستقبل مصر"، بيان الأزهر والمثقفين عن منظومة الحريات الأساسيىة، البيان اللبناني للمتابعة والإفادة من "إعلان الأزهر للمواطنة والعيش المشترك"، المجمع البطريركي الماروني: الكنيسة المارونية والسياسة، المؤتمر المقاصدي الأول، وهي جميعاً جاءت لاحقة ومن ثم متأثرة بالحراك المسمى بـ"الربيع العربي"، الذي بدأ في نهاية العام 2010 في تونس ولا تزال موجاته مستمرة إلى مدى غير معلوم، وفي قلبها الإسلام السياسي.

في مفتتح الكتاب يبدو نبيل عبد الفتاح منشغلا تحديدا بالحالة المصرية، فهو يرى أن تجديد الفكر الديني الوضعي، يحيل إلى العقل المصري وكيفية اشتغاله وعملياته إزاء المسألة الدينية بكل مكوناتها وأبعادها وتداخلاتها وتطوراتها التاريخية، لاسيما في ظل انفجارات العنف والتطرف، وإعادة تدوير أبنية فقهية وتأويلية وتفسيرية وافتائية داخل المذاهب والمدارس الفقهية والكلامية التأسيسية، والحواشي المعتمدة عليها طيلة قرون من الجمود في الفكر الديني وكلامه ومدارسه، بعد إغلاق باب الإجتهاد، حيث تداخلت الأهواء والمصالح والانتماءات الاجتماعية والولاءات السياسية والفواعل والسياقات الداخلية والإقليمية المؤثرة على آلة إنتاج وإعادة إنتاج الأفكار والتأثيرات والآراء النقلية وشروحها الاتباعية المحمولة على التأويل الديني والمصالح التي ينوء بها والتي تستتر وراء الخطابات وما حولها وفي بعض الأحيان تكون جلية ومباشرة.

ويلاحظ عبد الفتاح أن سؤال التجديد الديني- في الفكر أو الخطاب- أصبح خطاباً سلطوياً، ولم يعد جزءاً مركزياً أو رئيساً من الهموم الفكرية للجماعات الثقافية أو المؤسسة الدينية الرسمية، مشيراً إلى أن ردود الأفعال على هذه الدعوة مترددة وتقليدية، وتعيد استجابات قديمة وتحاول احتواء الدعوة إلى تجديد الخطاب من دون دراستها في العمق. كما يلاحظ أن سياسة المراجعات الفكرية اتسمت بمحاولة الإحتواء، وتحرير كوادر الحركة الإسلامية الراديكالية من دائرة الفكر العنيف ومحركاته إلى دائرة رفضه، لكن الواقع يشير إلى استمرار هذه البنية العقلية النقلية السلفية في إطاره، ولم يخرج عن هذه الدائرة من خلال بعض التفسيرات إلا بضعة أشخاص، بل إن بعضهم عاد إلى الفكرة السلفية الجهادية في أعقاب ثورة 25 يناير (في مصر) وفي المراحل الانتقالية، بل زاد بعضهم في الغلو أيضا.

ويرى نبيل عبد الفتاح في محاولة لتلخيص فكرته الأساسية في هذا الكتاب الذي يتألف من 600 صفحة، أن تجديد بِنَى العقل والفكر الإسلامي أوسع نطاقا، وأشمل من مجرد تجديد الخطاب الإسلامي المصري والعربي؛ لأنه يمثل أحد المنتجات الفكرية والرمزية للعقل والفكر.

ويعود عبد الفتاح في خاتمة كتابه إلى تأكيد فكرته استنادا إلى اعتقاده في أن دور المكون الديني في بعض الأنساق الأخلاقية والقيمية؛ لارتباطه بأسئلة الوجود والعدم والحياة والموت، كما سيستمر في بناء التوازنات النفسية والأخلاقية للأجيال الأكبر سنا والوسيطة؛ كي تواجه تحولات ضارية من الصعب التكيف معها، فضلا عن كثير من التحديات التي تطرحها ثقافة المستقبل غير المألوفة على الأديان وعلى الفكر الديني.

 

اندبندنت عربية