مصطلح ما بعد الحداثة Post Modernism
يعني تجاوز الحداثة نفسها لغوياً ولأن "الحداثة"Modernity هي تجاوز الماضي بأرائه وافكاره، وممارساته والتطلع إلى الجديد، وبذلك يكون معنى مصطلح "ما بعد الحداثة" Post Modernism هو (تجاوز التجاوز)، لذلك فمصطلح ما بعد الحداثة يعنى أنه تيار دائب السعي والتجديد، لإعادة اكتشاف أسس الفكر والممارسة. بهذا المعنى فهو يمثل معارضة لتيار الحداثة، وبذلك يعتبر مفهوم مركب ومتعدد الاوجه يتجلى في عدد من الظواهر التي يجمع بينها هدف واحد وهو محاصرة وتخريب فرضيات الحداثة.
ومع ذلك لا يمكن القول بأن تيار"ما بعد الحداثة" قد تحرر تماما من تيار "الحداثة"، فالحداثة هي الأرض التي تقف عليها " ما بعد الحداثة " فلا يمكن معرفة خصائص تيار ما بعد الحداثة الا عن طريق الخوض في خصائص الحداثة، فما بعد الحداثة تيار فكرى نشأ في الاصل في كثير من جوانبه ردة فعل لـ"الحداثة" حيث ان ما بعد الحداثة من التنوع والتباين بحيث يصعب ايجاد تعريف دقيق ومحدد لها. وتكاد تجمع المراجع على عدم إعطاء تعريف لـ"ما بعد الحداثة" لصعوبة تعريفها، وبدلاً من ذلك تقوم بتوصيف هذا التيار (اي توضيح اتجاهه الفكرى وممارساته وسماته الشائعة) وذلك بمقارنته بنقيضه وقاعدته الأساسية الحداثة.
مفهوم ما بعد الحداثة يرتبط بمفهوم الحداثة نفسها، ولعل السبب في ذلك:
1) ان ما بعد الحداثة مفهوم متسع وغامض، فهناك صور متعددة لأعمال فنية تنتمي إلى تيار ما بعد الحداثة وتختلف فيما بينها شكلا ومضموناً وقد تتفق في الاتجاهين (الشكل والمضمون) على انتمائها للتيار. وتيار ما بعد الحداثة يرفض الذاتية والفردية ويتجه إلى روح الجماعة والموضوعية بالرغم من انه أحيانا يقتبس من الكلاسيكيات والتيارات الفنية السابقة التي بالفعل اتسمت ممارستها الفنية بالذاتية التي يرفضهما بعد الحداثة (الشيء ونقيضه) مما حدا بأنصاره إلى الكف عن توضيح ما هي : ما بعد الحداثة " والانصراف بدلاً من ذلك إلى توضيح ما يرفضه تيار ما بعد الحداثة.
2) يمكن ان تعرف ما بعد الحداثة بأنها اتجاه فكرى، يضم خليطاً من التيارات ويجمعها رفض الاسس الانطولوجية، نسبة إلى الانطولوجيا Ontology، أي الخاصة بطبيعة الوجود والمعرفية والمنهجية التي قامت عليها الحداثة او على الاقل يجعلها محل شك، وظهر مفهوم ما بعد الحداثة بشكل واضح في السبعينيات من القرن العشرين الميلادى، في كتاب الفيلسوف الفرنسي جان فرنسوا ليوتارد Jean francois Lyotard (1924-1998)، وكان عنوان الكتاب "علم ما بعد الحداثة"، وعنى بهذا المسمى التعددية الثقافية (الدمج بين الثقافات المتنوعة) وتعدد أنماط الحياة.
اشتمل الكتاب الذي وضعه جان فرنسوا ليوتارد على محاور اساسية منها بإيجاز:
1) المعرفة في مجتمعات الحاسب الآلي knowledge in computerized societies
تحت هذا المحور وضع ليوتارد فرضية العمل لدية هو ان الحاسب الإلى سوف يغير الوضع القائم في المعارف لدى المجتمعات، وقد تم هذا التحول منذ نهاية على الأقل من 1950 وسمى بعصر ما بعد الحداثة، شهدت هذه الفترة النهضة المعمارية في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، وانه على مدى السنوات الأربعين الماضية كانت العلوم والتقنيات ممتزجة مع اللغة مثل: علم الأصوات ونظريات علم اللغة، ومشاكل الاتصال والتحكم الآلي، والنظريات الحديثة في علم الجبر والمعلوماتية، وأجهزة الكومبيوتر ولغاتهم، مما كان نتيجة لذلك حدوث مشاكل في الترجمة والبحث عن مجالات التوافق بين لغات الكومبيوتر ولغة البشر، مشاكل تخزين المعلومات ومصارف البيانات. لذا يمكن التسليم بأن لغة الحاسب الآلي زادت من معرفة المجتمعات عن طريق توافقها مع اللغة البشرية وإثراء المعرفة بشكل أوسع مما سبق.
2) التورية اللغوية (التلاعب بالألفاظ) Language Game
في هذا المحور يتحدث ليوتارد عن استخدام اللغة في التلاعب بالالفاظ والشفرة المزودة بحيث ان كلمة تحمل اكثر من معنى مع استخدام رموز مجازية تحمل اكثر من معنى ايضاً والجملة تعطى اكثر من فهم واحد للمتلقى مما يؤدى إلى التباس المعنى، هذا الاسلوب اعتمد عليه تيار ما بعد الحداثة فنياً وأدبياً.
3) المنظور الفكرى لحركة ما بعد الحداثة post Modernism Intellect
تناول في هذا المحور فكر الحركة والجوانب المتصلة بما بعد الحداثة، وعلاقتها بما يحيط بها من أبعاد مختلفة اجتماعية واقتصادية وسياسية.
نشأة تيار ما بعد الحداثة وسماته
مما لاشك فيه ان كل حركة او اتجاه جديد في اى نوع من انواع الفنون ماهو الا نتاج ظروف جديدة يمر بها المجتمع مما يتطلب شكل او اسلوب جديد في التعامل معها، ويعتبر تيار ما بعد الحداثة هو رد فعل للحداثة فكان على الفنان العودة إلى التراث ليعيد صياغه اعماله الفنية مع إدخال تقنيات شكل فنى في تقنيات شكل فنى اخر، وكذلك ابتكرت اعمال يستجيب لها الجمهور فيتفاعل معها وكذلك تم الخلط بين عدة انظمة فنية من نحت، عمارة، موسيقى، تصوير فوتوجرافي وغيرها من الفنون. ليتحول العمل الفنى التشكيلي إلى عمل متعدد الاساليب الفنية والتقنية، ويعتمد على مشاركة المتلقي له فلا يصبح دوره سلبياً بل ايجابياً متفاعلا مع العمل. حيث تحرر الفن من مفهومه على انه مهارة حرفية لتحل محلها رسالة غامضة موجهه من الفنان إلى جمهوره يطرح فيها قضايا هامة حول وظيفة الفن وعلاقته بالمشاهد من خلال التركيز على فكرة العمل الفنى ودروها الفاعل في احداث علاقة جدلية بين المشاهد والعمل مما ادى إلى ان هجر الفنانين قاعات العرض والمتاحف ولجئوا إلى ابتكار اعمالهم في الخارج وأماكن جديدة يشارك فيها الجمهور، وبذلك اعتمد الفن على مفاهيم جديدة وعلى توحد العمل مع البيئة والطبيعية.
بدأ تيار ما بعد الحداثة فنياً من خلال فن العمارة وذلك عندما اقيم في عام 1980 بينإلى فينيسيا لأول مرة من خلال معرض فني لمجموعة من الوجهات صممها ثلاثون مهندساً معمارياً وكان عنوانه "أحدث طريق" Srada Novissima. طرحت اعمال المعرض أسلوب جديد يقوم على مبدأ توظيف الصورة ويتسم بخاصة التلاعب الساخر بالاساليب الفنية السابقة وتقاليده المعمارية واستخدامها لايجاد مفارقات وتورية بصرية، وجاء في هذا المعرض دليلاً على فقدان الثقة في تيار الحداثة التي تساوى بين المتعه والجمال، وبين سلامة البناء وبين القيمة الجمالية، وظهر التيار في فن العمارة كثروة على هذا القاموس المعماري المحدود الذي ما فتىء يتقلص ويقلص مساحات الإبداع لدى الفنانين، ويكبل خيال المبعدين وطرح هذا التيار الجديد أسلوبا بديلاً يتبنى مبدأ التلاعب الواعى بالصور، وبالرموز والمعانى، وتبعها العديد من المجالات التي أثر فيها التيار الجديد ليعطى تطوراً صريحاً وفعال للفن برؤية وافكار جديدة مبنية على المشاركة الفعالة للمشاهد مع العمل.
من المعروف أن هذا التيار نشأ مع فن العمارة كما سبق الذكر، وقد اتضح اثره بشكل كبير على المباني والوحدات السكنية وطرق توزيعها، فمنها ما يوحي بالتضاد بين الكلاسيكية والايقاع السريع للحياة العصرية، مما أعطى الفنان المعمارى حرية كبيرة في تصميماته مواكبة للروح العصرية، والاستخدام الوظيفي وتحقيق فكر وسمات التيار.
يقول تشارلز جينكس Charles Jenks في كتابة "ما بعد الحداثية الكلاسيكية الجديدة في فن العمارة": يرى ان اسلوب الحداثة هي فن العمارة. فرأى انه اسلوب يقوم على مبادىء "الوحدة"، و"البساطة"، و"الوظيفية"؛ وفي مقابل هذا الاسلوب تبنت ما بعد الحداثة مبدأي "التشظي" و"التنافر"، فطرحت من خلالهما اسلوباً يتخلى عن النموذج المثالي القديم للعمل الفني المتكامل الذي لا يمكن الاضافة اليه او الحذف منه دون الانتقاص من قيمته، ويتوسع جينكس Jencks في وصفه لفن ما بعد الحداثة وما تضمه من قائمة خصائص هذا الفن من ناحية استخدامها بشكل شائع ولكنه لم يحدد لها قالب او مسمى بعينة. فمن السمات الملاحظة على هذا التيار بوجه عام هي إحداث الالتباسات ومحو الفردية مما يجعلها اكثر غموضاً، وفي كثير من أعمال ما بعد الحداثة يكون معرفة تفسير محدد لها بدقة يكون احياناً قابلاً للشك وذلك عندما تختفي احدى العناصر فيختفي ربطها بعنصر اخر مما يسبب الحيرة والاستثارة الذهنية.
كذلك من الواضح أن مفهوم ما بعد الحداثة هذا يرسل صداه خارج حدود فن العمارة وممارساته ليصل إلى الأدب، والموسيقى، والنحت، والسينما، والفيديو، والتليفزيون، والرقص، والمسرح وفنون خرى استحدثت نتيجة لظهور التيار الجديد.
السمات الشائعة في ما بعد الحداثة:
- المحاكاة الساخرة Parody
هي احدى السمات المستخدمة حديثاً في الفن المعاصر بشتى اشكاله كالموضوع، والاسلوب والتشكيل في الادب وذلك عن طريق السخرية من تقليد ما او اسلوب ما يتصل بالمصدر الاصلى (المراد السخرية منه) بهدف فكرة معينة أو رؤية معينة، ويمكن الاطلاع على هذا في الفنون التشكيلية، والمسرح والموسيقى والسينما والافلام المتحركة، ولكن كبداية للمحاكاة الساخرة فقد بدأت بدأت في الاعمال الادبية أو الفنية من ارسطو Aristotle (348–322ق.م) في عمله "المسيطر على تاسوس" Hegemon of Thasos ساخراً من نصوص معرفة في الادب اليونانى القديم، وتحدث المحاكاة الساخرة عندما يتم رفع جميع العناصر من عمل واحد اصلي خارج سياقها، واعادة استخدامها بشكل اخر يخل من العمل الاصلي شكلاً ومضموناً وقد تضمن استخدام ما بعد الحداثة لذلك في المعارضة الادبية في النصوص والكتابات، ودمج شخصيات تاريخيه لا علاقة لها بسياق العمل المسرحي واقحام اساليب من تيارات فنية سابقة داخل عمل فنى ما بعد حداثى وغيرها من اشكال المحاكاة الساخرة.
- العودة إلى الماضى Nostalgia (نوستالجيا)
مصطلح من اصل يونانى مكون من شقين nostos وذلك بمعنى "العودة إلى الديار"، والشق الثانى algos بمعنى "الالم كشكل من اشكال الحزن، ويصف حالة طبية آنذاك"، وغالباً ما يتم استخدامها كحنين ما يذكر الفرد يحدث او عنصر من ماضيه وهذا يفسر اقتباسات متعددة في تيار ما بعد الحداثة لشخصيات واحداث وتراث واساليب من الماضى داخل الاعمال الفنية والادبية.
- دمج الأساليب Pastiche
سمه من ضمن سمات ما بعد الحداثة وفيها يتم استخدام عدة اساليب داخل العمل الواحد سواء في الادب أو الفن، وذلك بدوره يؤثر على الوحدة والهيكل الموجد للعمل ويزيد من الغموض للمتلقى، وهذا يفسر ايضاً رفض ما بعد الحداثة لوضع الحدود والمعايير الثابتة للتيار.
- استعادة الأحداث Anamnseis
تشبه سمة العودة إلى الماضى، ولكن هنا تختلف لفظياً فتعنى المساعدة على تذكر احداث مضى عليها فترة زمنية داخل الاعمال المنتمية لتيار ما بعد الحداثة.
- الإلغاز بتوظيف قصص رمزية غامضة Enigmatic
تعنى لغوياً انها نوع من اللغز ومرتبط بشكل مجازى أو رمزى بموضوع ما فيتطلب براعة في التفكير والتحليل لاكتشاف ذلك، وقد استخدمت الحركة تلك السمة لزيد من استثارة ذهن المتلقى بإلغاء اى سبيل للوصول إلى تفسير واضح.
- الشفرة المزدوجة Double Coding بمعنى استخدام الفاظ أو رموز مجازية تحمل اكثر من معنى.
- اقتراح (سرد قصة) Suggested Narrative
سرد قصة داخل عمل ما كما هو الحال في: الادب، كذلك في الصور وفي الاغنية والصور المتحركة والتليفزيون والمسرح والرقص، وذلك بوصف سلسلة احداث خيالية، أو احداث غير مكتملة يتم سردها وتعترض مسار العمل فلا يكون من الضرورة ان ترتبط به، وفي الاعمال والنصوص الادبية هو وضع راوية الراوي بشكل مكتوب بحيث يصل مباشرة للقارىء.
- المفارقة/ التورية الساخرة Irony
صراع على اثنين من المعاني على ان يكون لديهما بنية درامية غريبة كرسائل كتبها مؤلف تحمل في مظهرها شكل موجد ولكن في سياق المعنى فتنكشف الحقيقة انها متضاربة تحمل السخرية او معاني متعددة كما هو الحال في ادب وفن ما بعد الحداثة.
- الغموض والتباس المعنى Ambiguity
الغموض لغوياً هو: فهم او تفسير المعلومات بأكثر من طريقة واحدة وينم عن عدم الدقة الواردة او المتاحة في المعلومات (تتكون في تقريرها وجود اكثر من معنى واحد في اللغة التي تنتمي اليها الكلمة)، وتعتبر احدى السمات الهامة في التيار لارتباطها الوثيق بعدم الكشف عن التفاصيل الدقيقة والكيان الواضح لأي عمل منتمي لما بعد الحداثة : مما يثير المزيد من الحيرة والتساؤلات من الجمهور والنقاد.
- التناقض Contradiction
بحيث التناقض نتيجة لاستخدام هذا الشيء وضده من خلال عدم التوافق بينهما، فقد قام تيار ما بعد الحداثة بأستخدام هذا النوع من السمات للتضليل والتباس المعنى وكذلك للسخرية عند التعرض إلى اساليب قديمة من تيارات فنية سابقة واستخدام الضد معها في الوقت ذاته وكان لهذا اثاره ايضاً في شتى المجالات الفنية والادبية كما سيعرضه الباحث لاحقاً.
- الاتساق القائم على التنافر (هارمونيا النشاز).
- التناسق القائم على التنافر:
يقصد بها التناسق القائم على التنافر، وهذا من خلال استخدام اكثر من تضاد في العمل الواحد بذلك ينشأ نوع من التناسق في الشكل العام (لأنه عمل يجمع في داخله عدة انماط متناقضة فينشأ التناسق).
- الاقتباس الانتقائي Adaptation Eclectic
بمعنى الاخذ من الاعمال الفنية والادبية السابقة التي سبقت الحركة قد يكون نصا كاملا، او جزءاً منه انتقائياً وربما اجزاء منتقاة من عمل تشكيلي متكامل لفكرة ما او رؤية خاصة بالفنان.
بعد تناول سمات حركة ما بعد الحداثة فيما سبق بإيجاز، يلقي الباحث الضوء على التغييرات التي قام بها تيار ما بعد الحداثة في مجالات المعرفة والفن بعد عقد المقارنة بين فنون الحداثة وفنون ما بعد الحداثة.
* * *
مقارنة بين فنون الحداثة وفنون ما بعد الحداثة
ووجه المقارنة فنون الحداثة فنون ما بعد الحداثة
فلسفة الاتجاه الحداثي:
تعتبر الحداثة اتجاها ثقافيا انتشر في الغرب خلال القرن العشرين (فيما قبل عام 1968)، وهو اتجاه يقوم على مناهضة الواقع والطبيعة حتى وصل إلى العدمية والعبث. وللحداثة دور مهم في نشأة ما بعد الحداثة حيث انها مستعدة من الاخرى نوعاً ما ولولاها ما نشأت وشكلت بفلسفتها إيداعات جديدة اثرت في تغيير شكل الاعمال الفنية ما بعد الحداثة مصطلح معقد او مجموعة من الافكار يعتبر تيار فني ظهر في اواخر القرن العشرين (تحديدا بعد ربيع براغ تقريبا عام 1970) وقبل هذا التاريخ كان هناك إرهاصات وبدايات لما بعد الحداثة) في طائفة واسعة من التخصصات او مجالات الدراسة.
- تأسست الخصائص المرتبطة باتجاه الحداثة بالتركيز على الانطباعية والذاتية في الكتابات الأدبية والنقدية وكذلك في الفنون البصرية أيضاً. كذلك تبتعد عن الموضوعية.
خاصة في اعتمادها على تفنية السرد الشخصي وعلى الفكر الخاص بأصحاب التجربة الفنية أنفسهم، بغض النظر عن صدى تلك الأعمال لدى الجماهير، أو مشاركتهم فيها. فضلا على عدم وضوح التمييز بين الأنواع، والأساليب؛ فاستخدام العلاقات المتناقضة. فالتمييز بين الأنواع والأساليب لا وجود له بشكل ظاهر، على نقضي ذلك في فنون ما بعد الحداثة. حيث جمع تيار ما بعد الحداثة بين العلاقات المتناقضة كالقديم والحديث معتمدا على رؤى خاصة وفكر جديد في شتى مجالات الفنون بدءا من فن العمارة، مع توظيف التكنولوجيا بشكل تفاعلي يضمن ربط المتلقي لمثل تلك الفنون مع العمل الفني نفسه ويشارك فيه. وبالإضافة إلى ذلك فمن سمات ما بعد الحداثة تؤكد على عملية المعارضة الأدبية، والمحاكاة الساخرة.
فنون ما بعد الحداثة تفضل ردود الفعل الانعكاسية ووعي الذات واستثارة الذهن عن طريق أسلوب الصدمات الفنية وتقطيع العمل الفني إلى شذرات (قطع صغيرة) لتترك علامة استفهام لدى المتلقي.
الابعاد المرتبطة بالأعمال الفنية لكلا الاتجاهيين:
هناك معايير ارتباط بين فنون الحداثة وفنون ما بعد الحداثة إذ بين الاتجاهين ما يتفقان عليه وبينهما ما اختلا حوله
المعايير المرتبطة بالحداثة:
- ارتبطت الحداثة وفكلرا وفنا بالعقلانية، والحرية، والذاتية؛ مما ادى إلى فتح آفاق جديدة للمعرفة عن طريق اتباعها لمنهج التفكير العلمي.
- ارتبطت الوسائل بكل ما يخص ذاتيه الفنان وتصوراته الخاصة وإن اختلفت الأساليب؛ لكن جاءت تحت معيار الذاتية. وفلسفة الفنان قامت بالبحث عن وسائل جديدة للتعبير، وأماكن مختلفة ليتعايش فيها المتلقي مع العمل الفني وربطه به.
- هجر فنانو ما بعد الحداثة لقاعات العرض الفنية التقليدية، وجابوا الميادين العامة، وأصبحت تلك الفنون أكثر قربا من المجتمع، بتقديم الأعمال التي كانت لها جذور منذ فن الهابننج (الحدث)، مع ظهور فنون مستحدثه من تيار ما بعد الحداثة.
- اعتمدت فنون ما بعد الحداثة على الدمج بين أكثر من أسلوب وأكثر من فكرة، ووعلى توظيف الكثير من الخامات واستخدام التكنولوجيا لمزيد من التفاعل، دون اعتبار للتحديد والتصنيف؛ بحيث يصعب أن تدرج تحت فن العمارة أو فن النحت.
- اعتمد أسلوب الفنان على حرية التعبير والتمرد على التقارير، تبعاً لرؤيته فزادت هوة الفصل بينه وجمهوره.
- تأكيد مفهوم الذاتيه حيث تبنى الفنان اتجاها فنياً مستقلا عن غيره، يعمل على تفرده وتميزه.
- التحرر من مبدأ " أسلوب الفنان ". وإنتهاء سمة التفرد بشكل لا يقضي على خصوصية الفنان؛ مع اعتبار الفكرة أساس العمل؛ وليست مادته هي الأساس.
- استبدال مفهوم المحاكاة بفكرة المونتاج.
- التأكيد على تفاعل الفنان الحداثي مع المجتمع بإعتباره محور الاهتمام لديه.
مما سبق يتضح لنا أن فنون ما بعد الحداثة، تدمج بين أساليب متعددة، ارتبطت بسماته السابق ذكرها. فتلك الأساليب الفنية المتعددة والمتضادة في العمل الفني الواحد نفسه تجمع بين العنصرالبسيط والمعقد فتخلط بعضها بعضا؛ ليبلور كل ذلك اتجاها فنيا جديدا يستخدم التفكيك بدلا من الاتحاد أو الوحدة العضوية (وحدة النسق أو البنية الدرامية والفنية) فمن خلال وسائل التكنولوجيا المتاحة مع الاقتباس من أعمال فنية متعددة يحقق الفنان المابعد الحداثي التفكيك بكشف متناقضات الخطاب الدرامي أو المضمون. وعن طريق توظيف وسائل التكنولوجيا المتاحة مع الاقتباس من عمال فنية متعددة، لم يعد العمل الفني مقصوراً على أسلوب معين، ولم يعد يمثل شكلا ثابتا مميزا لأسلوب الفنان أو لقالب أدبي أو فني معروف فلقد أصبح من الممكن أن نرى العمل الفني لفنان ما بأسلوب يختلف عن عمله الفني السابق، نفسه؛ من حيث الفكر والأداء والتقنية والخامة، وهو ما بعد إعادة إنتاج العمل نفسه (ريبرتوار).
أطوار ما بعد الحداثة:
على نقيض الحداثة رفضت فنون ما بعد الحداثة التأكيد على الذات، ونادت بتنمية روح الجماعة والارتباط بالمجتمع. كذلك قام فنان ما بعد الحداثة بالجمع بين العلاقات المتناقضة كالقديم والحديث، كما مرت ما بعد الحداثة في عدد من الأطوار. فقد ظهرت أولاً في مجال العمارة ثم انتقلت إلى النقد الأدبي ثم إلى الفلسفة. بيد أن التطور البالغ الأهمية لها كان انتقالها إلى العلوم الاجتماعية، حيث ظهرت تطبيقات مهمة لأفكار في علم السياسة وعلم الاجتماع وبدأت تظهر مساهمات نظرية ومنهجية، وظهرت دراسات وتطبيقية تستوحي المبادىء الأساسية لحركة مابعد الحداثة.
حول فنون ما بعد الحداثة:
كان مبتدأ ظهور ما بعد الحداثة في الفن من خلال فن العمارة، خاصة. وبالتحدبد مع بينالي فينيسيا عام 1980 وعرض نماذج فنية لأعمال المعماريين الثمانية المشاركين مقرونة بالشرح والتحليل؛ للتدليل على ملامح ما بعد الحداثة في أعمالهم.
ثم تأثرت فنون الكتابة الأدبية والمسرحية بسمات حركة ما بعد الحداثة، واشتغل بعض الكتاب والمؤلفين بتوظيف تقنيات الكتابة المفككة الأنساق والبني، والؤسسة على كشف تناقضات الخطاب الأدبي والدرامي والفني لأعمال سابقة ولثقافات تراثية.
الكتابة فيما بعد الحداثة:
يمكن التطرق بعد هذه المقدمة التأصيلية لموضوع التأليف المسرحي الحداثي بإعتبار التأليفالحداثي، وما بعد الحداثي فنا من الفنون التي خرجت على القواعد الدرامية التقليدية العامة وعلى خطوطها الأسياسية التي يشترط المسرح التقليدي توافرها في المسرحية، بحيث إذا غاب شيء منها أو ضعف، تأثرت بذلك المسرحية كلها. فالتأليف المسرحي التقليدي مثله مثل أي مجال فيه إبداع يحتاج إلى وعي عميق بكل تقنياته وأسراره وحيله، وترجع أهميته إلى عدد الشخصيات ونوعياتها، إلى جانب اللغه التي تعبر بها عن نفسها والأفعال والنتائج المترتبة عليها وغير ذلك من عناصر العرض المسرحي، إذ لا يمكن أن تبدأ عناصر العرضالمسرحي غير الحداثي وما بعد الحداثي عملها قبل توافر عناصر التأليف. وليس ذلك أصلا من أصول مسرح مابعد الحداثة.
تأسس النص المسرحي غير الحداثي على مبدأ السيادة على مجمل العملية المسرحية بمختلف عناصرها؛ بحيث لم يكن دور المخرج أكثر من إدارة إيصاله إلى المتلقي، ولم يكن الممثل أكثر من قارئ لدوره، والخشبة مجرد مكان لإلقائه، فتصبح كل تلك المهمات مسخرة من أجل تجسيد النصالدرامي. ونتيجة لذلك أصبح النص المسرحي محملاً بأعباء كبيرة ومسؤوليات عناصر أخرى ضعيفة الحضور أو غائبة؛ حيث يحتوي النص المسرحي على أوصاف مطولة للمناظر والأجواء وعلى امتداد سنوات طويلة ظل النص المسرحي يسمى رواية ويصدر في كتب، وله نظامه واشتراطاته وخصائصه، إلا أن العمر الطويل للمسرح ومروره بمدراس وتجارب وتراكمات وبيئات مختلفة.
مع التقدم التقني ومنظومات العناصر الأخرى كالاخراج والتمثيل ومستجدات تكنولوجيا وسائل الصوت والإضاءة والديكور والملابس والموسيقى والماكياج وغيرها، وتأهيل الأشخاص العاملين عليها من أجل إبراز أهمية أدوارهم، وسعيهم في تحقيق حقهم في طرح رؤاهم؛ جعل النص المسرحي يتراجع ويتخلى تدريجياً عن الكثير من مسئوولياته القديمة؛ وأن يتحلى بروح ديمقراطية، في تقبل حضور العناصر الأخرى التي انفصلت عنه حتى صار النص المسرحي مجرد عنصر آخر من عناصر العرض المسرحي.
أما اليوم مع الكثير من التجارب المسرحية التي تقوم على قصيدة شعرية أو على قصة أو رواية أو حكاية شعبية أو طرفة أو حالة يومية عادية أو مقالة أو اغنية أو حلم أو خبر في صحيفة وما إلى ذلك، بل واحياناً بلا نص ناطق على الاطلاق كما هو الحال في العروض المنمية لتيار ما بعد الحداثة التي اصبح فيها النص المسرحي بطل ثانوي والاعتماد الاساسي على الصورة (مسرح الصورة) فمن هنا يوضح المسرحي البولندي جوزيف شاينا Jozef Szajna (13 مارس1922–24 يونيو 2008) هذا الامر لقوله:"ان المسرح يبدأ حيث ينتهي الادب وهناك فرق بين الدراما الادبية والمسرح، في المسرح اريد ان احول الكلمات إلى صورة. والمسرح الحقيقي هو الحركة داخل هذه الصورة. لم اكن ابداً المخرج الذي يقدم اعمالاً ادبية، حاولت دائما أن ابدع عروضاً لا يكتفي الانسان بالاستماع اليها". وهناك حركات وتيارات فنية قد تجاوزت الجانبالأدبي في المسرح معلنة الرفض التام للنص المكتوب كما هو الحال في تيار ما بعد الحداثة، وقد عبر عن ذلك الامريكي جوزيف شايكن Joseph Chaikin (16ستمبر1935–22يونيو2003) بقوله: ان ارقى شكل للتواصل على المسرح هو السكوت والصمت". انطلاقا من تلك الجزئية يبدأ التأليف المسرحي نقطه تحوله نحو تيار ما بعد الحداثة من الكلاسيكية إلى التحرر والتفاعل مع الجمهور، والتبشير ببدايات السمات الجديدة والتطور الذي طرأ عليه.
ولكن على الرغم من كل تلك الاشكالات او الاحوال التي اصبح يعيشها النص المسرحي الا فلا نريد ان نعلن موته بوصفه جنساً ادبياً له تاريخه العريق، ودوره الفاعل في صياغه الذهن الانساني الواعي على مر العصور ومهما تكن الصعوبات التي يواجهها في توالي فقدانه لخصائصه، الا ان ثمه ما لا يمكن انكاره في امكانية تمييزه عن غيره من الاجناس الادبية الاخرى، تلك الروح الخاصة بالكلمة المسرحية وبالحوار المتعاشق مع الاحداث وبصلابة وحدة النص، وبمباشرته بقصد الهدف ووضوح طرح الموقف تجاه القضية المعنية وبحرارته وبحيويته شكلاً ومضموناً، حيث الاستعداد العالي لتقبل اختلافات زوايا التناول، حيث الغوص بعيداً في مسيرة استكشافاته العميقة، وذلك ليس على صعيد العرض المسرحي فحسب، وانما في كونه نصاً صالحاً للقراءة كما هو صالح للعرض المسرحي.
الكتابة والنصوص المسرحية من منظر تيار ما بعد الحداثة
مقارنة بين الحداثة وما بعد الحداثة
وصلت الصورة إلى احتلال مركز عظيم الاهمية في المسرح في إطار تجديد هيكلة المسرح، وتغيير دورها ووظيفتها، وتغيير ادواتها وتغيير لغتها ومعجمها، وتجديد طريقة التأثيث لفضائها فأصبحت الاحداث تستبدل بالصور والشخصيات تستبدل بالاصوات، والحركات والاشارات بدلا من المواقف والحالات. وفي هذا السياق طال هذا التغيير جسد النص ايضاً وكذلك طريقة الكتابة للمشاهد مما اسفر عنه تراجع الحوار واصبح الانسان عنصراً مادياً من بين كافة العناصر الاخرى التي تؤسس المشهد في شموليته وكليته واصبح ممكناً التعبير عن اشياء كثيرة دون الحاجة إلى الكلمة ولهذا من الضروري في المسرح التأكيد على البعد البصري كاثر من التأكيد على اللغه المشهدية. لهذا كان من الممكن الغاء دور الكلمة في المسرح وفي الاتصال بصفة عامة فإن صورة برسائلها لايمكن تجميدها وايقافها من النفاذ والوصول إلى المتلقي.
فعادة ما تتأثر اساليب الكتابة المسرحية وانواعها طبقا لهدف الكاتب ومفهومه للمضمون ومعالجته لمادته، اما بالنسبة لهدف الكاتب فهناك مسرحيات تكتب لتناقض قضايا سياسية أو اجتماعية وذلك بتجسيد عناصرها في شخصيات ومواقف متبلورة بحيث تنتقل من مجال الجدل المجرد إلى نطاق الحدث المادي الملموس، فتسعى المسرحية إلى إقناع المتفرج بوجهة نظرها ذلك في النص المسرحي في ظل فنون الحداثة، ولكن على النقيض في ما بعد الحداثة عندما تغيب بعض العناصر في الاحداث فيكتنفها الغموض(النص مفكك والاحداث غير متسلسلة)، ويصبح الجمهور احدى الركائز الاساسية للعروض التفاعلية وتمتزج الاساليب فعندئذ تتغير المفاهيم الثابته بأنتقالها إلى النص المسرحي الما بعد حداثي بسماته الشائعة
ومن خلال استخدام المنهج المقارن بعقد مقارنه لتوضيح الفرق بين كلا من النص المسرحي في ظل الحداثة وما حدث له من تغييرات في ظل ما بعد الحداثة ويمكن بذلك التعرف على المراحل التي تعرض لها النص المسرحي والقاء الضوء على تلك التغييرات الجذرية التي ظهرت من خلال اعمال متعددة ومختلفة الاساليب لرواد ما بعد الحداثة في مجال التأليف المسرحي.
أوجة المقارنة نصوص الحداثة نصوص ما بعد الحداثة
تعريف النص المسرحي من خلال التيار النص في الحداثة يعد العنصر الاول والرئيسي على مجمل العملية المسرحية بمختلف عناصرها، بحيث لم يكن دور المخرج اكثر من ادارة ايصاله إلى المتلقي والممثل اكثر من قارىء له، والخشبة مكان لإلقائه فتصبح كل المهمات مسخرة من اجل تجسيد النصالدرامي الذي من خلاله امكن معرفة هدف لعمل ككل من النتائج المباشرة التي يصل اليها المتلقي في ختام العمل المسرحي ويتضمن البداية للمواقف، ومن ثم ذروة الصراع وبعدها النهاية التي يتضح فيها جوانب العمل المسرحي ككل وخلاصته النص في ما بعد الحداثة هو مجرد خطوط عريضة يتم العمل منها، ويعتبر النواة الاولى للعمل ولكنه عنصر قابل للتغيير وان يحل محله عناصر اخرى جديدة تضمن تفاعل الجمهور الذي لم يصبح متلقياً في للعرض فقط، بل مشاركاً فيه مع المؤدين والممثلين داخل الحيز المسحي، وبعيد كل البعد عن عملية المحاكاة والتجسيد الكامل لما وضعه المؤلف ويحمل رؤى وافكاراً جديدة يتم توظيفها بأساليب جديدة مختلفة كما يمكن تفسيرها بعدة أوجه ومن ثم تتولد المعاني وربما تتداخل في بعضها البعض فتجعل الجمهور متقد الذهن مشاركاً في الاحداث
استراتيجيات وضع المادة الفنية للنص المسرحي المادة الفنية تتضمن كافة التفاصيل الخاصة بالنص وعلاقته بما حوله من عناصر اخرى حتى يتمكن تجسيد العمل، وتوضيح كافة جوانبة للمتلقي من خلال فكرة او هدف عام مسيطر على العمل يتم الوصول اليه في النهاية او يمكن استنتاجه من خلال دلالات ومواقف مختلفة يمكن تفسيرها بسهولة للوصول إلى توقعات شبيهه إلى حد كبير بالنهاية التي طرحها المؤلف في النص من قبل ان يتم تحويله إلى عرض مسرحي لا تكتفي بوضع المادة الفنية التي يتضمنها العرض ولا تعيد إنتاجها ايضاً، بل توظف البناء وتقوم بتغيير منظور العمل ككل لإثارة التناقض والصراع بين العناصر المختلفة بحيث تعرقل اي محاولة لتكوين فكرة عامة، او قراءة متسقة واحده للنص فنتيجة لذلك العروض لا تحمل دلالة سياسية أو اجتماعية واضحه رغم توظيفها الدائم لمادة تحمل اشارات سياسية واجتماعية صريحة، وتتسم استراتيجية النص المسرحي بأسلوب البتر وعرقلة وجود اي بداية لتفسير الاحداث
مراحل الدراما النصية تتمثل في مراحل التي ترتقي اليها الاحداث من خلال هيكل بنائي للدراما داخل النص المسرحي وهو معد مسبق بواسطة المؤلف فيبدأ بمدخلات العرض (التمهيد للعرض).
وتلك المدخلات هي عبارة عن مقدمة منطقية وفكرة اساسية يبنى عليها العمل والغرض الذي يستهدفه المؤلف من كتابته وتعتبر كمرحله اولى، ومن ثم تبدا المرحلة الثانية المسماة بـ"تصاعد الاحداث "Rising Action ثم قمة الهرم في الشكل التوضيحي وهو " ذروة الاحداث "Climax ثم تبداء بالانحدار تدريجيا لتصل إلى النهاية Action to End falling كما بالشكل الموضح.
لا يتطلب العمل المسرحي وجود المراحل السابقة باكملها حيث ان العمل مبتور وغير متسلسل الاحداث، كما يعتمد على التباس المعاني، وتداخل النصوص القديمة والحديثة معا اتباعا لسمة الحنين إلى الماضي.
فلا يوجد كيان موحد او تسلسل منطقي للاحداث حتى يمكن للجمهور ان يتبع بدايته وذروة الاحداث ليصل بها إلى النهاية المتوقعة كما هو الحال في النصوص المسرحية في الحداثة، فنصوص ما بعد الحداثة تعتمد على عنصر المفاجأة للجمهور، والدمج بين العديد من الاساليب داخل النص الواحد منها السرد ومنها الاستعارة.
الوحدة العنصرية داخل النص
هي الوحدة الشاملة المتناغمة الخاصة بالنص بصرف النظر عن نوع مضمونه تاريخيا او دينيا او سياسيا او اجتماعيا او تراثيا او اسطوريا او حربيا او خليطا من هذا وذاك فان مبدأ الوحدة العضوية والوظيفية الدرامية يحكمها في النهاية فلا يأتي الاحساس بالوحدة العضوية الا من خلال الحدث الرئيسي الذي يؤدي إلى لحظات حرجة او مواقف شائكة او مأزق غير متوقع وما يترتب عليها من نتائج مثيرة وغير متوقعة.
والنصوص الحداثة تسعى نحو الوحدة العضوية والقوالب الثابتة وتجسيد النص إلى الواقع بتفاصيله على المسرح؛ لذا كان لزاما على المؤلف في هذه الحالة ان يتبع قواعد في كتابة المسرحية وهي قواعد ذات اسس ومعايير لضمان الوحدة العضوية داخل النص. فكان هناك فكرة أساسية وهدف للكاتب، كذلك الصراع منذ التمهيد له ثم البداية والذروة وصولا إلى نهاية القصة او النص او الرواية الأدبية.
ومادام الامر كذلك فيجب ان تكون فكرة المسرحية فكرة واضحة ناصعة لا غموض فيها، كما يجب ان تشتمل على عناصر الصراع الأزمة وعوامل الحركة النابضة.
مثال: مقدمة مسرحية روميو وجولييت "ان الحب العظيم يتحدى كل شئ يقف في سبيله ولو كان الموت نفسه"، فالكاتب الذي لا يؤمن بفكرة مسرحيته لا ينفك ان يسير في ظلام يتخبط فيه. فيجب الا يشع في كتابة هذه المسرحية الا وان قام بترتيب افكاره عنها والتي تخمرت في ذهنه واصبح اول المتحمسين لها.
لا وجود للوحدة العضوية في اعمال ما بعد الحداثة في مجملها ولكن يلاحظ على تلك النصوص انها ذات اقوال مبتورة بين حوار الشخصيات. في حين عندما يقرآها القارئ او يشاهدها كعمل مسرحي لا يجد ان هناك علاقة بين ما قيل سابقا وما يقال حاليا داخل المسرحية الواحدة، وكأنه كلما زادت الاقتباسات والحالة الغموض التي يوظفها العرض كلما زادت الحاجة إلى مقاومة اي اثر كلي يسعى إلى تحقيق الوحدة العضوية والوصول إلى اي تفسير واضح او مباشر.
وتشير النصوص ما بعد الحداثة إلى حكايات قديمة او اعمال اخرى كلاسيكية بداخل النص الما بعد حداثي نفسه كالاقتباس من عبارات لاعمال شكسبير الكلاسيكية على سبيل المثال وكذلك في بعض الاحيان استخدام اسلوب الكولاج في وضع حكايتين معا في نفس الوقت جنبا إلى جنب، وإعادة إنتاجها وتغييرها وتمزيق الروابط التي تنظم تلك الصور والحكايات وبها ينفصل العمل ككل عن اي إطار يمكن ان يتم تحديده او بنية اساسية له.
مثال: من عرض "رأسا على عقب" لجوان جوناسJoan Jonas (1936-) نموذج واضح لتداخل حكايتين في النص عن طريق تسجيل صوتي لها تحكي به ولكن بطريقتها الخاصة حكايتين من "حكايات الاخوين جريم" Grim.
الشخصية في النص: للشخصية في النصوص الحداثة مقومات لكيانها وتنقسم تلك المقاومات إلى:
- الكيان الجسماني ويقوم على الشخصيات ذكر او انثى ثم السن والطول والوزن ولون الشعر والعينين والجلد والقامة والمظهر إلى كل ذلك وما يتصل بالحالة العضوية لدى الإنسان.
- الكيان الاجتماعي ويقوم على الطبقة الاجتماعية ونوع العمل (المهنة)، والتعليم والديانة والنشاط السياسي ان وجد الذي تمارسه الشخصية.
- الكيان النفسي وهو عند المؤلف ثمرة الكيانين الاخوين فنفسية الشخصية هي التي تتم الكيانين السابقين.
ومن ثم يكشف العرض عن الموضوع الرواية وشخصياتها للجمهور بتهيئة الجو النفسي، والذهني، وجو العام والاساس الذي تقوم عليه الرواية قبل ان يبدا الفعل اي قبل ان يبدأ الكاتب الموضوع نفسه لذا فالعرض ليس جزء منفصل بموضوعه ولكنه يجب ان يندمج مع الكل منذ لحظة ظهور الشخصيات تاثيرها على المتلقي، وحتى انتهاء الرواية بتسلسل تمر به الشخصيات وتتاثر بمراحل الصراع داخل النص فيصبح الهدف واضح والشخصيات واضحة يمكن بسهولة التعرف على الاطار الخاص بكل شخصية ومعرفة التمييز بينها (شخصية شريرة، طيبة.. الخ).
الشخصية في النصوص ما بعد الحداثة غير محددة بمقومات او معايير ثابتة حيث ان عروض ما بعد الحداثة استعان روادها فيها بمؤدين، وبممثلين وراقصين وشخصيات من عامة الشعب احيانا ليس لها دراية بالتمثيل فخضعت بعض الاعمال إلى الارتجال (حوار ومواقف يعرضها المؤدي من تلقاء نفسه تكون بمحض الصدفة او لإثارة الذهن وأحيانا ليشارك فيها الجمهور وتكون خارج النص).
وكنتيجة لذلك لم يتوحد الحوار فبالتالي لا يجد كيان مستقل يدل على الشخصية.
فالشخصية داخل نصوص ما بعد الحداثة:
- غامضة وغير معروفة رد الفعل تجاه مواقف معينة داخل النص (تترك تساؤلات كثيرة لدى الجمهور).
- تقوم باداء العديد من الحركات والاشارات واحيانا تكون غير موجودة بكيانها ولكن بالتسجيل الصوتي فقط ممثلا في عروض كلا من جوان جوناس Joan Jonas، وجماعة ووستر Wooster Group، وروبرت ويلسون Robert Wilson.
- يطلق العنان لها لاستحضار حالة نفسية معينة يهدف الوصول إلى اقصى درجات التطهير النفسي (بخروج اكبر كم من الانفعالات دون القيد بنص او باطار خارجي احيانا للعمل).
الحوار داخل النص يجب ان يكون حوارا جيدا معبرا عن الشخصية وردود فعل كل الشخصيات تجاه الاحداث (الممثل في الصراع ونوعه) فالحوار ينمو من الشخصية ومن الصراع ثم هو بدوره يكشف لنا عن الشخصية ويحمل لنا الفعل نفسة وهي وظائفه الاساسية. يحمل سمة هارمونية النشاز (لما يجمعه في متنه من معاني واحداث متضادة مجتمعة معا تحت سمة النشاز)، وعبارة عن مزيج من النصوص المتداخلة مع بعضها فيحمل في طياته التباس المعاني. فالحوار هنا لا ينمو بشكل تصاعدي او متسلسل بل متقطع.
العوامل المؤثرة في كتابة النص المسرحي
من العوامل المؤثرة في نصوص الحداثة عند تاليف تلك النصوص مفهوم المؤلف لمضمون العمل، او منظوره للقضية او الموضوع المطروح في مسرحيته فهناك الكاتب الذي يشغله الشكل الفني والاتساق الدرامي، وهناك الكاتب الذي تشغله الفكرة بشكل يجعل من مسرحية اداة عابرة لتوصيله. فليس هناك فكر او مضمون مطلق ومستقل بذاته فبالرغم من اختلاف اساليب الكتاب والمؤلفين الا انهم متفقين في اعمالهم التي اندرجت تحت عصر الحداثة في التجانس داخل العمل الواحد. لا يوجد عوامل ثابتة مؤثرة داخل العمل ولكن يضمن فاعلية العمل مشاركة الجمهور فيه، ومن ثم لا يصبح هناك رايا واحدا مستقلا لدى الكاتب او المؤلف بل يخضع العمل لكثير من المتغيرات تبعا لروح الجماعة او لرؤية وافكار جديدة مجتمعة في ان واحد ترسم الشئ ونقيضه لتبرز فلسفة معينة تجعل الجمهور متقد الذهن لها ومتابعا لها اكثر لاثارته عندما تتنوع الاختلافات في النص الواحد.
السمات العامة من المنظور الأدبي
- التركيز على الذاتية في الكتابة الادبية (وفي الفنون البصرية كذلك)، بدلا من التركيز على ما يتصوره.
- البعد عن الموضوعية فاصبح البعد منها سردا لرأي الكاتب من وجهة نظر خاصة به وحده.
- عدم الوضوح التمييز بين الانواع في الإعمال الأدبية والشعرية كذلك.
- رفض التلقائية او العفوية في الاحداث بحيث تترك للقارئ او المتلقي مساحة لحرية ذهنه في تخيل باقي الاحداث ولكنها جاءت متوقعة واضحة مفسرة لكل ما يجئ في النص.
ويمكن التعرف على الملامح العامة لحركة ما بعد الحداثة من خلال نقيض خصائص الحداثة في النصوص المسرحية وإرساء قاعدة جديدة أساسها نبذ معتقدات الحداثة ويمكن توضيح الملامح العامة فيما يلي:
- المحاكاة الساخرة والتاكيد على المعارضة الادبية للحداثة.
- عدم الاستقرار في السرد وجعل الحوار متقطعا وغير مرتبط ببنية عضوية واضحة للملتقي او القارئ.
- تقديم وجهات نظر عامة وقضايا احيا تكون خاصة برأي عام او جماعة وتنبذ الفردية.
- التماسك بالمعايير المعروفة والاسس المتبعة في كتابة النصالأدبي، والرواية والقصص وغيرها من إشكال الأدب.
- إرساء فكرة التفتيت والتنافر والتشظي وهي مصطلحات تعتبر كسمات عامة لحركة ما بعد الحداثة في مجملها ولكن طبقت ايضا في الادب وفي النصوص المسرحية التي انتمت للحركة.
- استخدام الشفرة المزدوجة (تحمل اكثر من معنى) في الحوار يولد المعاني المختلفة التي قد تحملها الجملة الواحدة بالنص مما يترك مساحة من الغموض فيثير عقل الملتقي لهذه النصوص.
- التجديد والتحرر من المعايير والاسس التقليدية في كتابة النص المسرحي فاصبح هناك مساحة تخص الممثل والمتفرج معا ليقوم كلا منهما بدوره في النص المسرحي.
النصوص المسرحية تحت تيار ما بعد الحداثة
تبدو مهمة التمييز بين الحداثة، وما بعد الحداثة صعبة أحيانا نظرا لاستخدام سمات الحداثة داخل حركة ما بعد الحداثة نفسها لانها القاعدة التي بدأت منها، وان كانت تقف ضدها في اوقات اخرى فتنبذ قواعدها وأسسها المتعارف عليها، ففي الادب نجد ان هناك مقارنة قام بها الناقد الامريكي جون بارث John Simmons Barth (1930-) بين كلا من ادب الحداثة وادب ما بعد الحداثة هي الاكثر وضوحا او الاسهل فهما، اذ يعتبر ان ادب الحداثة قام على تفضيل التجربة الشخصية والذاتية على حساب العامة كما هو الحال بالنسبة لفنون الحداثة، اما ادب ما بعد الحداثة فقد انتقل بالرواية إلى مستوى اعلى فأدب ما بعد الحداثة لا يهتم بالناحية الشكلية ولا المحاكاة ولا التسلسل المنطقي للأحداث فحبكة الرواية الحصول عليها في صيغة اقتباس من حكايات اخرى، بالإضافة إلى تنمية روح الجماعة ونبذ الفردية.
فأدب ما بعد الحداثة ليس مجرد مصطلح يصلح تطبيقه على كل ادب مغرق في الالغاز والاحاجي وانما هو مفهوم من اهم ميزاته انه "غير متبلور وغير قابل للتعريف"، لان في التعريف صرامة هو يرفضها، اما عن كتاب ما بعد الحدث فهنالك العديد منهم وان اختلفت الاساليب فيما بينهم، وأهم كتاب حركة ما بعد الحداثة Post Modernism: - جون بارث John Barth و روبرت كوفر Robert Coover وايرنست جاينس Emest Gaines وروبرت ايرفين Robert Irwin ودينيس جونسون Denis Johnson ونورمان مايلر Norman Mailer وجوزيف هيللر Joseph Heller وبيتر ناداس Peter Nadas وكريس كليف Chris Cleave وهاينر موللر Heiner Muller وتوماس بيشون Thomas Pynchon وروبرت ويلسون Robert Wilson.
كمان ان هناك من النقاد من يضيف إلى القائمة كتاب ما بعد الحداثة كتاب الرواية الجديدة بفرنسا ميشل بوتور، الان روب جرييه، وكلود مورياك وكتاب جماعة "تل كل" Tel Quel ومن الادب الانجليزي جون فواس، والارجنتيني خوليو كورتازار.
هناك سمات تعد الاكثر عمقا واهمية في الاعمال الادبية المنتمية لحركة ما بعد الحدث فمسبقا كانت الملامح العامة وكيفية التمييز بين الاعمال الادبية للحداثة، والاعمال الادبية لما بعد الحداثة وتلك السمات هي:
أ- المفارقة والكوميديا السوداء Black humor & Irony
احدى اهم السمات في النصوص المنتمية لما بعد الحداثة هو الاقتباس بهدف السخرية، وذلك بوضع العديد من المفارقات بالنص جنبا إلى جنب كالاقتباس من نص كلاسيكي ووضعه بجانب نص اخر منتمي لما بعد الحداثة يعتبر من اكثر الجوانب المميزة لأعمال ما بعد الحداثة في النصوص والأدب.
حيث ان العمل لا يقتبس فحسب لإثارة السخرية بل يتضمن ذلك نوعا من الكوميديا السوداء والمفارقات الساخرة، ويمكن ان نجد السخرية والكوميديا السوداء مجتمعين معا في أعمال المؤلف دونالد بارثلمي Donald Barthelme (7 ابريل 1931–23 يوليو 1989) في النص "المدرسة" The School، وايضا في اعمال اخرى له مثل "حياة المدينة" City Life، و"متعة المذنبيين" Guilty Pleasures في تركيبة معقدة تثير الذهن لدى المتلقي وتلقي الضوء على رؤى جديدة لمؤلفي ما بعد الحداثة.
من مؤلفي الاعمال الادبية المنتمية لما بعد الحداثة والذين وصفوا باصحاب الفكاهة السوداء : جوزيف هيلر، وليام جاديس، كورت فونيغوت، بروس جاي فريدمان، وجون بارث ... الخ.
ب - التناص Intertextuality
اعتمدت الكير من الاعمال الادبية لتيار ما بعد الحداثة على خاصية الدمج والجمع بين اكثر من نص داخل العمل الأدبي الواحد في نسيج متشابك بحكمه الاسلوبالأدبي للمؤلف وليس من الضروري ان يكون هذا التشابك متواقف بل على النقيض حيث كان يحيطه الغموض والتباس المعنى لعدم توافق كلا النصين داخل العمل وهذا ما يسمى بخاصية الدمج بين النصوص بمصطلح الـIntertexualit داخل اطارات تشبه الكليشيهات Cliché في ادب ما بعد الحداثة يظهر هذا النوع من الكليشيهات على هيئة اشارات إلى حكايات معروفة او شعبية متداولة مثلا كما هو الحال في اعمال مارغريت اتووت Margaret Atwood، ودونالد بارثلم Donald Barthelme وكثير غيرهم.
ت- معارضة الادبية Pastiche
هي خاصية متصلة بالخاصية السابقة، أي الدمج بين النصوص intertexualit، بمعنى الجمع بين العناصر، او لصق تلك العناصر " معا في ادب ما بعد الحداثة يمكن ان يكون هذا بمحاكاة الانماط الماضية (القوالب الكلاسيكية في التأليف وسمة الحنين إلى الماضي المعروف لدى الحركة الفنية لما بعد الحدثة بوجة عام)، ويمكن ان ينظر اليها على انها تمثيل للفوضى والتعددية او بهدف المحاكاة الادبية الساخرة Parody، ففيها يمكن الجمع بين اساليب متعددة لإنشاء بنية سردية فريدة من نوعها تتضمن صور متعددة مقتبسة من نصوص وعناصر مختلفة. ومن الأدباء المعروفين بتلك السمة في أعمالهم، توماس بيشون Thomas Pynchon(1937-) اعماله الأدبية المتضمنة معارضة ادبية مستخدما فيها العناصر القصصية المقتبسة من القصص البوليسية والألغاز والخيال العلمي ثقافة فن البوب وبعض كلمات الاغاني ومزجهم مع شخصيات مقتبسة من التاريخ ايضا في تركيبة فنية ادبية معقدة.
ث- تنشيط الذهن Metafiction
القيام بوضع مواقف متعددة داخل النص تفاجئ القارئ وتنشيط الذهن من خلال استثارته بتحولات سردية غير متوقعة (حوار غير مرتبط باخر)، ومن المؤلفين الذي استخدموا تلك التقنية الكتابية في اعمالهم الادبية كيرت فونيجوت Kurt Vonnegut (1922-2007)، في رواياته المتعددة التي تعدد فيها السرد والدمج بين العديد من المواقف والكتابات الادبية الاخرى.
جـ- الاستعارة Poioumena
مصطلح اترحته الكاتبة الانجليزية اليستر فاولر Alastair Fowler، ويشير إلى نوع محدد من الخاصية السابقة تنشيط الذهن Metafiction، فية قصة تدور حول عملية الابداع من خلال الاستعانة بالاستعارة. ففي تلك الاعمال المستخدمة لخاصية الاستعارة الادبية يتم السرد على اساس ان الراوي لقصة ما (واحيانا ما تكون مسجلة صوتيا) يقصد بهذه القصة موضوعا اخر في الحقيقة، وبذلك يصبح القارئ للعمل الأدبي متحيرا ومستثار الذهن لمحاوله الوصول إلى اجابة وافية وراء تلك الاقاويل المسرودة داخل النص.
ح- استرجاع الماضي والعودة اليه Historiographic Metafiction
في تلك الخاصية يشار إلى الاعمال والارقام والاحداث التي ترتبط بمواقف او شخصيات تاريخية معينة سياسية او اجتماعية او علمية لمحاكاة الماضي باستخدام مؤلفي الحركة للضد في الوقف ذاته (التناقض بين القديم والحديث) ومن الرواد المستخدمين لتلك التقنية اعمال المؤلف والمصمم والمخرج الامريكي روبرت ويلسون Ropert Wilson على سبيل المثال في اعماله التي حملت اسماء اعلام مثل اوبرا حياة سيجموند فرويد، اينشتاين على شاطئ البحر، رسالة إلى الملكة فيكتوريا. وان كانت تلك الاعمال ليست بالضرورة تناقش السيرة الذاتية لدى أيا من تلك الشخصيات التاريخية بل هي استعارة لشخصياتهم (تناقض العنوان مع المضمون احدى سمات ما بعد الحداثة).
خ- التشويه الزمني ببتر الاحداث Temporal distortion
اسلوب شائع في الاعمال الادبية لما بعد الحداثة ويتم عن طريق تجزئة الاحداث وبترها، وكسر اي تسلسل منطقي لها فيترتب عليه احداث اخرى جديدة غير متوقعة بالنسبة للقارئ او المشاهد للعمل المسرحي، وهو يعتبر احدى سمات للحركة التي تتجه بها نحو الخروج من القيود والقوالب القديمة في التاليف التي ارتبطت بالمقدمة والتعريف بالشخصيات في العمل ومن ثم الأحداث التي ينشا عنها الصراع ليصل إلى ذروته ثم الوصول إلى النهاية. وهنا لا نجد تلك المراحل فما يحدث في البداية لا يرتبط فيما بعده من أحداث وتعتبر تلك السمة شائعة في الكتابات الادبية المنتمية للحركة غير قاصرة على مؤلف او كاتب معين.
د- جنون العظمة
وجدت تلك الخاصة في اعمال كل من جوزيف هيللر Joseph Heller، وتوماس بيشون Thomas Pynchon ليقوموا بالسخرية من الاعتقاد بأن هناك نظاماً لديه السلطة الأمرة نحو ما يحدث في العالم من فوضى لأن الما بعض حداثيين لا يعترفون بهذا ويجدون فكرة الأنظمة الآمرة نوعا من العبثية Absurd، غير المثمرة.
مما سبق يتضح أن:
النص المسرحي في ظل ما بعد الحداثة حدث له تغييراً جذرياً في المعتقدات التي كانت سائدة في العصور السابقة، والاسلوب الأدبي ايضاً فبالرغم من كل مؤلف له اسلوبه الخاص إلا ان الاعمال الادبية لما بعد الحداثة كان لها سمات شائعة بوجه عام وفي النص المسرحي بوجه خاص كما سبق التعرض لها.
وفيما سبق استعراض لبعض الاعمال الادبية كنماذج تطبيقية على تطور النص المسرحي في ظل ما بعد الحداثة والاعمال التي يوضح بها الدارس تطور النص المسرحي لرواد ما بعد الحداثة روبرت ويلسون، وريتشارد فورمان وهاينز موللر.