يرى الناقد المصري أن الأشياء الصغيرة في هذا الديوان تبدو كمؤولات للكينونة وعلامات تؤكد مدلول الحضور، فالحوارية الشعرية مع الأصوات، والأطياف الكامنة فيما وراء حياة الأشياء الفنية، والحلمية الأخرى المحتملة؛ تحيلنا إلى حوارية الشاعر مع الأشياء الصغيرة بوصفها صورا، وأطيافا تتحرك على خشبة المسرح.

شعرية الحكايات والأصوات في بنية الخطاب

قراءة لديوان «الجميلة سوف تأتي» لأسامة جاد

محمد سمير عبدالسلام

 

"الجميلة سوف تأتي" ديوان للشاعر المصري المبدع أسامة جاد، صدر عن دار العين للنشر بالقاهرة سنة 2016؛ ويتجلى الوعي الشعري التسعيني التجريبي – في كتابة أسامة جاد، وفي خطابه الشعري – في تأكيد حساسية إدراك الصوت المتكلم لعلامات الواقع، وعلامات الأشياء الصغيرة بصورة بلاغية، وجمالية ما بعد حداثية؛ إذ يتجلى المشهد اليومي المتكرر – في وعي المتكلم المبدع – بوصفه حلما أو فضاء فنيا تشكيليا ديناميا، ومتجاوزا للتحديد، والإطار؛ وأرى أن ما يميز خطاب الشاعر هو التكوينات التصويرية التجريبية الحلمية والكونية التي تتشكل في فضاء سيميائي ينفتح فيه الداخل على الخارج؛ فما يلبث الصوت أن يشكل التكوين الحلمي / الكوني في فضاء محدد؛ مثل الغرفة، أو المنزل، أو الشاطئ، أو المواصلات، حتى ينفتح هذا الفضاء السيميائي على فضاء تشكيلي أوسع، يستبدل الأول أو يجسد ذاكرته، ويتجاوزها في الانبعاث الحلمي الآخر لعلامات الذاكرة نفسها؛ وكأن الفضاء السيميائي التشكيلي ينطوي – عند أسامة جاد – على فضاءات أخرى تفسيرية محتملة، تفكك الأصل، وتؤكد حالة التداخل بين الذاتي، والواقعي، والكوني؛ ففضاء الغرفة في قصيدة موسيقى لفالس بعيد يجسد التشكيل الحلمي للمكان بصورة كونية؛ ففضاء الغرفة السيميائي يحوي موجة حلمية ممزوجة بأثر الريح؛ وكأنه يستنزف بنيته الخاصة، ويحيلنا فضاء الغرفة أيضا إلى ذاكرة المتكلم، وذاكرة المكان حين يشير خطاب الشاعر إلى غياب الأنثى، وإلى ذكريات رقصتهما، بينما يستنزف بنية الذاكرة حين يحيلنا إلى رقصة أخرى شبحية / أدائية قيد التشكل، يمارسها المتكلم في فضاء سيميائي آخر مواز لذاكرة الغرفة الأولى.

وللصوت المتكلم حضور تجريبي / أدائي في كتابة أسامة جاد؛ إذ يعاين التحول المجازي السيميائي للظواهر المدركة في الوعي من جهة، ويوجه خطابه لعلامات العناصر الكونية، ويعيد بناء كينونته من داخل علاقته بالأثر الجمالي لهذه العلامات من جهة أخرى؛ فهو يخاطب الذئب، ويؤول كينونته من داخل أثر الذئب الجمالي / الشعري، واستعاراته، وحكاياته، ويعاين الصور الانطباعية، والحلمية الأوتوماتيكية المولدة من أثر البحر، أو أثر الشجرة، أو من الألوان المجردة، وارتباطها بالخبرات الإدراكية الحسية في الوعي؛ ومن ثم يرصد الصوت حالات الذات النسبية الأدائية، وحالات الوجود في تجلياته الحسية في شعرية الحكاية، واللون، والبنية الجمالية المتجددة للصوت الذي يذكرنا بالأثر الذي يجمع بين المحو، والحضور في بنيته الخاصة طبقا لتصور دريدا عن الكتابة.

وتتواتر – في خطاب أسامة جاد الشعري – التكوينات السيميائية التجريبية المتحولة، والتي تنطوي على الفراغات الموحية، وعلى بكارة السؤال، والمزج بين الروائح، والألوان، والأصوات التي يمكن تأويلها بالآثار، والحكايات الناقصة التي تشبه النغمات الموسيقية التجريبية، كما يحتفي خطاب الشاعر باستبدالات الكتابة، وتحولات الدال؛ فدال الأنثى مثلا – في قصيدة الجميلة سوف تأتي – يبدو رمزيا، ويشبه الظواهر في بكارتها الشعرية الأولى التي قد توحي بالعمق الدلالي، أو بالاختلاف البنائي الداخلي، أو التناقض، أو التداخل ما بعد الحداثي بين الأزمنة؛ فالجميلة تستدعي أصوات الحكايات، وبنية القصيدة في اللاوعي الجمعي، والصور النسائية الفريدة في اللوحات الفنية ذات الصوت الإبداعي الخفي الذي يذكرني بمتحف أندريه مالرو الخيالي في كتابه أصوات الصمت؛ ومن ثم يترك النص مجموعة من المساحات الهامشية الدلالية للقراغ الذي يقع فيما وراء بنية العلامة؛ ليسمح بحركتي الاستبدال، والإكمال المحتمل معا من داخل كثافة البنية السيميائية للقصيدة، وصيرورتها السردية الموحية.

التحولات المجازية لبنية الفضاء:
تقترن البنية السيميائية للفضاء – في ديوان أسامة جاد – بالتحول المجازي، والاستبدال، والمزج بين الداخل والخارج، والتكوينات الحلمية الحسية التي تواترت في كتابة جيل التسعينيين، وإن تجلت – في كتابة أسامة جاد – بصورة أقرب إلى معاينة الذات لحدث التحول السيميائي الحسي، والحلمي للعلامة؛ ومن ثم فالفضاءات التي نعاينها؛ مثل الغرفة، والقبر الافتراضي المتخيل والمعلق، أو القدر، تبدو كعلامات قيد التشكل، والتفكك، والاستبدال؛ فالغرفة تحمل ذاكرة الذات، والمكان، بينما تحيلنا إلى فضاء حلمي آخر ملتبس برقصة حلمية، أو بتكوين تصويري إدراكي استعاري من الموجة، والريح، بينما يستحيل القدر مجازيا إلى وهج البدايات الجمالية الأخرى أمام الجميلة، أو العمل الفني التاريخي الذي يؤكد نموذجي التجدد، والانبعاث في اللاشعور الجمعي.

ويذكرنا تجريب أسامة جاد في بنية الفضاء بتصور يوري لوتمان حول اتصال التحول العلاماتي - في البنى الجمالية والفنية - بلحظات التوتر الفني، أو الفكري، والنزوع التفسيري السيميائي للبنى الثقافية، ورؤى العالم؛ إذ يرى – في كتابه سيمياء الكون – أن الدينامية السيميوطيقية تتعلق بالتوتر الذي ترى فيه اللغات الجديدة النور؛ ويمثل لذلك بصعود فن الطليعة الأوربي، بعد أن كان متصلا بأقلية متمردة؛ إذ صار ظاهرة تفرض قوانينها التفسيرية على العصر، وتنشر نغمتها في سيمياء الكون، وأصبحت موضوع تنظير كثيف على المستوى الميتا بنيوي، ويمثل لوتمان لذلك التوتر أيضا بالتحول السيميائي في لوحات بيرو ديلا فرانسيسكا؛ إذ أبرز هامش علامات الحياة، ووضعه في موضع المركز بخلاف التقاليد الفنية الأولى للنهضة.(1)

هكذا ينسج العمل الفني الطليعي اختلافه العلاماتي؛ ليعبر – من خلاله – بنية العلامة باتجاه الثقافي، و يشكل الرؤية حول الكوني؛ وقد جسد نص أسامة جاد الانفتاح ما بعد الحداثي بين الحلمي، والواقعي، والأدائي، كما عزز من الانفتاح بين الأزمنة، والفضاءات التشكيلية والواقعية إذا استبدلنا صورة الجميلة بنظائرها التصويرية في تاريخ الفن مثلا في لوحات دافنشي، ورافائيل، وفيرمير؛ ومن ثم تعكس هذه الصور الكثيفة، ومكملاتها الوعي التسعيني الطليعي السريالي، أو ما بعد الحداثي، وتضيف إليه رؤى إدراكية نسبية عبر تصور الصوت الشعري لسيميوطيقا الفضاء؛ ومن ثم تندمج هذه العلامات الجمالية المتحولة نفسها في تشكيل خطاب معرفي نسبي حول الثقافة والعالم طبقا لخطاب لوتمان السيميائي.

يقول أسامة جاد في نص موسيقى لفالس بعيد:

"في غيابك أنتشل موجة من براثن الريح / ثم أدفقها في فضاء الغرفة / كي ترقص في حضورك / في غيابك أنسج موجتي / في حضورك أرقص / في غيابك / في حضورك / رقصتنا"(2).

ونلاحظ – في المقطع السابق – أن فضاء الغرفة التجريبي هو فضاء ديناميكي لتحول العلامات وتداخلها؛ فالأغنية تمتزج بالموجة، والأخيرة تلتبس بأحلام الريح، وصورها السابقة في الذاكرة الجمعية، والغرفة نفسها تصير إطارا للوحة مفككة تستنزف بنية الإطار في فعل الرقص الذي يبدو حلميا ونيتشويا؛ لأنه يقترن هنا بغياب الأنثى التي يمكن تصورها كمحتمل دلالي وفق تعبير جوليا كريستيفا في كتابها علم النص؛ لأنها تتجاوز التحديد البنيوي؛ ومن ثم نعاين الأشياء في حالة من الصيرورة السردية الأدائية في النص.

يقول في نص الجميلة سوف تأتي:

"واحفظوا أعضائي في قدور مناسبة / فإذا ما أتت الجميلة / وجهوني نحوها / وأخبروها أن تنظر لي / كي أنهض / من سباتي الطويل"(3).

تبدو الذات في حالة من الانتظار الذي يجمع بين السكون والوهج الجمالي، والتجدد بفعل العلاقة الروحية بين الرائي، والجميلة؛ وكأن بنية الانتظار تتجاوز عبثيتها الخاصة، وتستنزفها في تلك العلاقة الخفية بين الوعي، والجسد، والعلامة الفنية، أو الجمالية الكثيفة التي تجمع بين الفضاءات، والأزمنة المتباينة.

الأثر الجمالي للبحر في الوعي:
تتواتر علامة البحر – بصورة تجريبية – في نصوص أسامة جاد، وتقترن ببنية السؤال، وبكارة تجلي الظواهر، والانطباعات التصويرية المتعلقة بالأثر الجمالي للعلامة، واللون في الوعي المبدع؛ وكأن الرائي يعاين عبور علامة البحر لتكويناته الطيفية الأخرى المحتملة في المشهد الكوني.

يقول في نص رائحة بيضاء:

"ما طعم الزرقة أيضا؟ / وما لونها؟ / كيف تسربت للبحر أول مرة؟ / ومن أنصت لبكائها؟ / ولماذا تطفو رائحة بيضاء/ كلما ذقت سماء جديدة؟"(4).

لا تنفصل أحلام اليقظة المتمركزة حول المياه هنا عن بنية الذات التي تحتفي بالالتباس التصويري الأول للظواهر، وتحولاتها الممكنة في الإدراك الحسي، وفي الانطباعات الآنية المتغيرة التي تبدو كأنها لوحات تشكيلية انطباعية قيد التشكل، والاستبدال في الوعي المبدع؛ فالزرقة تتجلى بصورة جمالية حسية، وتجمع بين منطق الحلم والرؤية الانطباعية، بينما تبزغ الرائحة البيضاء من داخل خطاب المتكلم الملتبس بلحظة التداخل النسبية الأولى بين الظاهرة والوعي، والصورة الشعرية.

ويقول في نص أسمع صرخات البحارة:

"شجر يئن / من وطأة الريح / وثمار تختلس الرؤية / من خلف الأوراق / والشاطئ مغمور بالمد / جسد / يخرج للبحر / جسد عاصف / جدا"(5).

تجسد بنى العلامات العلاقة بين التوافق الكوني الموسيقي، وطفرة الاختلاف التي تتجلى في علامة الجسد العاصف، وصرخات البحارة القديمة التي تقع بين الداخل، والخارج، أو تتولد من الفراغ المتجاوز لفضاء البحر في النص، ومن أطيافه الاستعارية الأخرى الصاخبة التي تحيلنا هنا إلى السياق الحلمي، والصور المقطعة اللاواعية، والاستبدالات اللازمنية، أو الطفرات التصويرية التي تجمع بين الجسد والمجال الممزوج بفراغ شعري تشكيلي كوني.

إننا لم نستمع – في البنى العلاماتية للنص – إلى صراخ البحارة مباشرة، وإنما يمكن تخييلها في الفراغ الذي يقع فيما وراء طفرة علامة الجسد العاصف، واستبدالاته التي تحتمل القسوة، والتجلي الشعري الظاهراتي معا، كما يمكن أن تنبعث الصرخات من ذاكرة المتكلم، وأصوات اللاوعي الجمعي.

وقد تواترت أخيلة البحر عند سان جون بيرس في ديوان منارات، ولكن في سياق طبقات البحر العميقة، وأطيافه، وذاكرته التاريخية والكونية الملتبسة بكينونة الصوت المتكلم، والممتدة بين الذات، والآخر التاريخي، ووعي، ولاوعي القارئ؛ يقول سان جون بيرس في منارات:

"البحر منسوجا فينا، حتى أدغاله السحيقة المهاوي، البحر فينا ناسجا ساعاته الضوئية الكبيرة، وآثاره الفسيحة المعتمة، الإباحة كلها، الولادة كلها .. البحر .. البحر في فيضه البحري"(6).

يمثل البحر هنا اتساعا لانهائيا يبدأ من النماذج الأسبق من لحظة الحضور، ويمتد في تجليه الظاهراتي الشعري؛ أما بحر أسامة جاد فتتنازع في فراغاته الرؤى الحلمية الصاخبة، والموسيقى الكونية المؤجلة.

*شعرية الحكايات، والأصوات، والألوان في بنية الخطاب:

يعيد الصوت المتكلم تشكيل كينونته من خلال العلامات الكونية؛ مثل الذئب، والشجرة، والمياه، ويرتكز في هذا السياق – على الانطباعات التصويرية المولدة عن العلامة، أو الحكاية الكثيفة التي توحي بأخيلة الحدث، لا الحدث نفسه؛ فالذئب الآخر في حكاية الحطاب يبدو مثل نغمة كونية قديمة متجددة؛ أما العواء فهو نغمة تأويلية لصوت الذات الذي يتجلى في النص كأثر يجمع بين المحو والحضور طبقا لدريدا؛ فالخطاب هنا يؤسس لسرد يقوم على الإيماءة، والفراغ، والامتلاء بالمدلول، والمحو والتفكيك في آن.

يقول في نص بعض مما قاله ذئب مسن:

"والحطاب هناك يطمع في حكاية / يصرخ في أحداثها: ذئب .. ذئب / ويكون صادقا، ولو لمرة / فريسة وذئب / كل الحكاية / وانتهينا"(7).

ترتكز الحكاية الشعرية - إذا – على التكرار الموسيقي لبنية الذئب، وعلى الفراغ الذي ينطوي على صيرورة العلاقة النيتشوية المتناقضة بين الفريسة والذئب؛ فهي هنا تجمع بين البهجة، والتفكك معا.

ويقول في النص نفسه:

"مثلي / تختار ليالي القمر / كي تسبح في زرقة حرة / وتراود في مكانك فريسة تستحم في أثير الغابة / ثم تطلق في زهد لانهائي / عواءين في عبث / وبلا أدنى مبالاة / هكذا: ها أنا / ها أنا / أعرفت / وتعود"(8).

يشير الشاعر صراحة هنا إلى مدلول الكينونة الذي يتجلى كثيفا في أثر الصوت، لا الصوت نفسه، وعلاقة هذا الأثر بالصمت أو بالفراغ؛ ومن ثم يعيد الشاعر قراءة الكينونة في سياق ما بعد حداثي، يحتفي بالذات والفراغ المجازي معا، ويذكرني بقراءة إيهاب حسن الإبداعية لغناء أورفيوس الممتد في كتابه تمزق أورفيوس، كما يحتفي الصوت بالغياب في بنية اللون الأزرق، وإغوائها الشعري الخاص في فضاء الغابة، وكأنه يوجه رسالة خطابية للمتلقي بأنه يشير إلى نغمة الغابة في الحكاية، وفضائها التشكيلي السريالي الخفي.

وقد تتجلى علامات الألوان في الصيرورة الكونية الطبيعية الممزوجة بالدراما الأدائية الإنسانية المتضمنة في بنيتها، وبصور الحلم العبثية البهيجة المقطعة أيضا، والتي تحيلنا إلى البنى العميقة للاوعي؛ يقول في نص يرى فيما يراه:

"ينام حقل على أهداب الحلم، ويرى فيما يرى النائم حقلا ينام على أهداب الحلم، ويبصر أشجارا تخلع جذورها في ألم داكن، وتبدأ في تعلم المشي، ويسقط بعضها في المحاولات الأولى، وهي تتساند إلى أخواتها، وتفلت ضحكات من قبضة صرخاتها ... الأشجار التي سقطت أحبت مذاق الأرض، وغابت في أمنية؛ أن تنام قليلا، أو هي الغيبوبة التي لم ترها من قبل زرقاء على باب الحلق، وطعم غامق يهب في الظلمة التي تنهمر .."(9).

  • الإيماءات اللونية الحلمية في الصيورة السردية للذات، وللأشجار؛ إذ تبدأ من الألم الداكن، ثم الغيبوبة الزرقاء، فالظلمة المنهمرة، ويتوسط صيرورة السرد الشعري الضحك الحلمي المؤجل الممزوج بالفراغ؛ إننا أمام دائرية سيميوطيقية تمنح الذات حضورا أصيلا في التحولات الطبيعية للعالم، وتؤجل نهايات هذه التحولات، وآثارها اللونية في بدايات جديدة، وعودة أخرى للتشكيل السردي للعلامات نفسها في حالة أداء ممزوجة بانطباعات اللون.

الأشياء الصغيرة كمؤولات للكينونة، والفضاءات التجريبية المتداخلة:
الأشياء الصغيرة – في ديوان أسامة جاد – تبدو كمؤولات للكينونة، وعلامات تؤكد مدلول الحضور، والحوارية الشعرية مع الأصوات، والأطياف التصويرية الكامنة فيما وراء حياة الأشياء الفنية، والحلمية الأخرى المحتملة؛ فالشاعر يوجه خطابه لنفسه بينما يحيلنا إلى حواريته مع الأشياء الصغيرة بوصفها صورا، وأطيافا تقع في فضاء يشبه خشبة المسرح؛ ومن ثم فهي تشبه بنية الحلم عند فرويد، وإنتاجيته الإبداعية للماضي.

يقول في قصيدة مسرحيات قصيرة في المواصلات العامة:

"تتخلص بالكاد من غبار الآخرين / من حكايات المقهى والمسرحيات القصيرة / في المواصلات العامة / تغتسل من الوجوه التي عبرتك ... / تغلق الصنبور على راقصات من بخار ... / تضيء مصباحا وتطفئه / وتبلل أحلامك في فوارات الأحلام قليلا قليلا / بعدما تمسح عينيك خفيفا / وتهمس لنفسك في صمت كسول: لم أمت بعد / أليس كذلك" (10).

لقد اقترنت بنى الأشياء الصغيرة بصفاء ضمير المتكلم، وانفتاح فضاء البيت على فضاء آخر بهيج تتولد فيه رقصة الأشياء الصغيرة الأخرى التي تحتفي بحضور المتكلم الجمالي فيما وراء بنية الواقع.

*هوامش /

(1) راجع، يوري لوتمان، سيمياء الكون، ت: عبد المجيد نوسي، المركز الثقافي العربي بالدار البيضاء، وبيروت، ط1، سنة 2011، ص-ص 42، 43.

(2) أسامة جاد، الجميلة سوف تأتي، دار العين للنشر بالقاهرة، سنة 2016، ص-ص 50، 51.

(3) أسامة جاد، السابق، ص-ص 90، 91.

(4) السابق، ص 285.

(5) السابق، ص 222.

(6) سان جون بيرس، منارات، ترجمة: أدونيس، دار المدى بسورية، ط1، سنة 1999، ص 16.

(7) أسامة جاد، السابق، ص-ص 246، 247.

(8) السابق، ص-ص 250، 251.

(9) السابق، ص-ص 283، 284.

(10) السابق، ص 262.

msameerster@gmail.com