عــتــبة التـحَـول:
كما يقال «إذا عمت المصيبة هانت» ومصيبتنا في وباء كورونا الذي ضرب شرق وغرب القارات؛ ودمر إلى حد بعيد كل المفاهيم والأفكار والنظريات؛ كيف يمكن الخروج منها (المصيبة) بأقل الخسائر الممكنة؛ بشريا/ اقتصاديا/ نفسانيا/ وهذا ما تحاول كل الدول تحقيقه. لأنه من الطبيعي بعد كل كارثة وبائية وتمددها زمنيا تتغير الرؤية أفقيا وعموديا والممارسة علائقيا وسلوكيا في شتى المجالات. وهاته الجائحة التي ضربت المعمورة؛ لقد أفرزت تحليلات وتأويلات في شتى الميادين. وساهمت في استحضار الثقافة الصحية والسلوكية؛ ولكن تداخلت الخرافة بالدين؛ والدين بالشعوذة؛ والشعوذة بالعلم؛ ولكن كل هذه التداعيات لا محالة ستحول الحياة ما بعدية إلى علامة استفهام كبرى؛ من حيث العلائق والمفاهيم والتصورات. وبنظرة تأمل عميقة الى ما يحيط بنا وما يدور في محيطنا إثر الوباء (الكوروني) نستشف جميعا أن هناك حالات وأحداث كانت طفيفة وتتمظهر من حين لآخر. ولكن أمست الآن ظاهرة، وستغـدو حقاً معضلة عصرنا. كالاندفاع الهستيري وراء الأموال ومحاولة الوصول إليها، بأي صورة كانت مشروعة أم غير مشروعة، والركوب على أمواج الظرفية القاسية.
ولنا في المدارس الخصوصية/ الفنانين/ الأطباء ... الذين اندفعوا هستيريا لطلب التعويضات من صندوق تدبير كورنا (يـعد) نموذجا صارخا؛ لا يفرض نقاشا سفسطائيا أو تخريجات جانحه أو بعيدة عن أصل إنشاء الصندوق. صندوق تدبيري لمساعدة المحتاجين وفاقدي الشغل والمحسوبين على القطاعات غير الهيكلية لمقاومة الحاجة.إثر الحجر الصحي؛ وهذا إن كان أسلوبا وقائيا واستراتيجية احترازية لإيقاف تشعب وانتشار الفيروس الكوروني؛ فكانت للحالة الطارئة ولازالت لها منافع متعددة؛ بالنسبة للعـديد من العباد فارضة علينا إما طواعية أو كرها منطقها؛ لأن الوضع كارثي حقيقة عالميا؛ وبالتالي فمسألة التكيف مع الوضع العام، تفرض نفسها وبكل تلقائية، لنمارس تعديلا في أسلوب حياتنا، ومحاولة خلق وابتكار أنماط معايشة بديلة حتى لا نصاب بالاكتئاب أو بالروتين القاتل؛ فكانت العودة لممارسة لحظات التأمل المنتج؛ المقرون بالمطالعة والقراءة. والانتباه لمحتويات المنزل وتعديل أي خلل فيه، أو ما يحتاج لإصلاحه.
لكن فمن زاوية النفسية؛ سيولد تدريجيا حياة بديلة في سلوكاتنا وإيقاعنا اليومي. وما مظاهر الانكفاء على الذات وفقدان الثقة في الآخر وتعـدد الانتحارات بشكل يومي ليست سوى دلائل أو مؤشرات على ذلك. ولقد طرحناه في جداريتنا بالصيغة التالية «أغلب الانتحارات التي وقعت في العالم بعد استفحال كورونا. سببها العامل الاقتصادي. وليس النفسي!»(1) فالعامل الاقتصادي والمعيشي، لقد أحدث صدمة اجتماعية وارتباكا ملحوظا في التنظيم الاقتصادي والتجاري والمبادلاتي استهلاكا وإنتاجا؛ وهذا مما لا شك فيه سيكون، له دور أخطر في الاستقرار العقلي/ النفسي. وجدليا ستكون له انعكاسات على الواقع المجتمعي؛ الذي أمست بوادره وبوادر الاحتقان تتضاعف أكثر مما كان: لأن لا أحد اليوم يتوفر على سيناريو لتدبير هذه الأزمة، أو كيفية التعامل والعيش معها، لأن النسيج الاقتصادي المغربي كان يرفض دائما اختصاصا اسمه "تدبير المخاطر."
ويعتبر هذا الخبير الاقتصادي بأن اقتصاد المغرب ما بعْـد "كورونا" ليس كسابقه، نحن مقبلون على فترة اقتصادية سيئة بكل المقاييس، وهناك من يتحدث عن انكماش في نسبة النمو، تحدث للمرة الأولى بعد أزيد من ربع قرن.(2) ناهينا عن ازدياد سمات عـدم التواصل مع الآخرين بشكل تلقائي وحيوي. نتيجة المغالاة في حب الذات، والانعـزال عن المجتمع، والحياة الطبيعية؛ مما تتولد الانفعالات والتوترات المؤدية للصراعات بين الأبناء والإخوة؛ وبين الأزواج؛ إذ لوحظ تفاقم العنف ضد الأزواج وخاصة النساء الذي فرضه الحجر الصحي عالميا. حتى أن: "انطونيو غـوتيرس"، الأمين العام للأمم المتحدة، أصدر: نداءً لحماية النساء والفتيات في المنازل، بعد تفاقم العنف المنزلي والأسري خلال فترة الحجر الصحي قال فيه: أوجه نداءً جديداً اليوم من أجل (السلام في المنازل) في جميع أنحاء العالم، فمع تزايد الضغوط الاقتصادية والاجتماعية شهدنا طفرة عالمية مروعة في العنف المنزلي، إنني أطالب جميع الحكومات بجعل منع العنف ضد المرأة وجبر الضرر الواقع جراء هذا العنف جزءا رئيسا من خططها الوطنية للتصدي لـ "كوفيد – 19.(3)
هذا على خلفيّة تفشّي فيروس [كورونا] فالأرقام المتعلّقة بالعنف الأسري تتصاعد في أغلب الدول والمجتمعات وفي وسط كلّ الشرائح وإن تفاوتت النسب. وإذا قمنا بعملية التخصيص فإن: الأرقام المهولة لحالات العنف ضد النساء والفتيات والتي سجلت خلال فترة الحجر الصحي، حيث بلغت الظاهرة نسبة 130 في المائة وفق اتحاد العمل النسائي وشبكة مراكز النجدة، كاشفه أن الغالبية الكبرى لمقترفي هذا الفعل الإجرامي هم الأزواج أساسا، بنسبة تبلغ 76 في المائة. أن بعض الأشخاص، خاصة الأزواج استغلوا فترة الحجر الصحي، لممارسة عدوانتيهم وانتقامهم من النساء، إذ لم يقتصر الوضع على التعنيف الجسدي للنساء بل امتد إلى طردهن رفقة أبنائهن من بيت الزوجية. فضلا عن معاناتهن من العنف، عانين من غياب مقاربة النوع.(4)
وهذا يعني أن فيروس كورونا حاضر بظلاله في مفاصل الدولة والمجتمع؛ بحيث خلق تحولا مريعا في الحياة العامة. بحكم سلطته اللآمرئية التي بعثرت كل شيء؛ محولا نمط عيش العديد من الأسر والشرائح الإجتماعية لوضع سلبي؛ له انعكاسات وخيمه، كالسقوط في الفاقة والحاجة والرعب والهلع والخوف من الحاضر، بسبب تدني دخلها واحتمال فقدان مناصب شغلها في العديد من القطاعات الإنتاجية. هذا، فضلا عن الانعكاسات النفسية والمجتمعية التي سببها الحجر الصحي. وعن كيفية استعادة أنشطتهم وحياتهم الطبيعية، فبالأحرى التفكير في المستقبل الغامض بغموض الفيروس الذي ينتشر بشكل مريب ومدمر؟ مدمر للسيولة الحيوية الاقتصادية للدول. ومحولا خصوصية ونمطية الإبداع والفن الذي يعتمد على التلاقي والتواصل المباشر؛ إلى تواصل افتراضي تكنولوجيا؛ بعد توقف قسري لكل الأنشطة والممارسات الأدائية.
ولقد غامر العديد في هاته العملية؛ رغم صعوبتها ومتطلبات الوسائل التقنية والتكنولوجية؛ والإكراهات الاقتصادية والاجتماعية الضاغطة. وبالتالي فوسائل التواصل الإجتماعي؛ بشتى مشاربها وأنواعها؛ لقد نشطت واستقطبت روادا جددا؛ ناهينا عن ظاهرة التعليم/ العمل عن بـعْـد لجميع المستويات الدراسية؛ والتي فرضت بذلك لاقتناء تلك الوسائل بأية طريقة ممكنة. وهذا الوضع الرقمي/ العنكبوتي؛ سيظل ساري المفعول في مجتمعنا، لأسباب كامنة في ذهنية الإنسان؛ كما أشار الفيلسوف الإيطالي "جورجيو أغامبين: لقد أبدى الإيطاليون والفرنسيون والإسبان وكل شعوب العالم التي ضربها فيرس كورونا المستجد، استعدادا للتضحية بكل شئ، بما في ذلك الحياة. وعلاقتهم الاجتماعية والعمل والصداقات والمعتقدات الدينية والسياسية لتلافي خطر الإصابة بالعدوى. وهذا الخطر المشترك لا يوحد الناس، وإنما يعميهم ويعزلهم عن بعضهم البعض؛ إذ ينظر للبشر حاليا على أنهم مصدر عدوى وخطر محتمل لا أكثر، ويجب تجنبهم بأي ثمن.(5)
تلك رغبة مرتبطة بهدم الذات قبل هدم ذات الآخر والتي يرافقها عادة اكتئاب ويأس وتقريع للذّات. وهذا الواقع أمسينا نلمسه الآن في الشارع العام، أو في المحلات التجارية الكبرى؛ من الابتعاد عن الآخر أو عدم مصافحة حتى قريب له؛ فحتى الوفاة أمست تأبى التجمع الجنائزي أو يتدخل شخص (ما) ينبهك أن تضع (الكمامة) في مكانها المناسب؛ حتى لا تعْـدي أحدا؛ مما تنفعل لا شعوريا من ذاك الأمر؛ ونقس على هذا المنوال؛ من ممارسات تحد من آدمية الإنسان؛ ومن إكراهات بالفعل تحد من الحرية الفرد. والتي: تفرضها مقاومة الجائحة تعمل على إضفاء الطابع العالمي على «حالة الاستثناء» التي ورثها الحاضر من اللاهوت السياسي للقرن العشرين؛ مما يؤكد فرضية "ميشيل فوكو" بأن السلطة السيادية الحديثة، هي سياسة بيولوجية نظر إليها كممارسات وصلاحيات لشبكة السلطة التي تدير الجسد الإنساني والسكان، في مجال مشترك بين السلطة والبيولوجيا، وفي زمن الانتشار الشامل للرأسمالية.(6)
طبيعي أن وحش العولمة التي التهمت الرأسمالية التي سليلتها؛ لكن أصبحت متوحشة؛ وبالتالي فالعالم بأسره تأثــر بالتداعيات السلبية لفيروس (كوفيد19) على عدة مستويات اقتصادية ومالية وثقافية وفكرية واجتماعية، وتراجع مهول للمداخيل، وإيقاف وتعثر عدة قطاعات حيوية والتي تضررت وستتضرر مستقبلا. ولنا العبرة في التاريخ وإن اختلفت مظاهر الوباء؛ فالتشابه سيكون واردا بنسب متقاربة جدا بحيث: فالمجاعة والطاعون عطلا الفعاليات البشرية والاقتصادية؛ وسار الكساد في كل ميدان من ميادين المبادرة الاقتصادية التي كبحتها القوة الشرائية المنهارة وضعف الأحياء. والغريب أن الإنتاج جاء فوق الحاجيات إلى حد أن الأسعار هبطت هبوطا كبيرا في الأسواق. ومع ظهور الطاعون؛ انهارت تماما التجارة الخارجية بعد أن قامت سلطات جبل طارق وإسبانيا بقطع جميع المواصلات مع المغرب.(7)
تـحـول الــعـــتــبة:
وبناء على كل هـذا؛ وتفاعلا مع الوضعيات الحرجة. فالفيروس كشف لنا عمق ذهنيتنا؛ وسلوكنا وعَـرى أقنعتها ومبادئها ومحاورها وشعاراتها بكل سلاسة، وعن ظهور عباقرة زمانهم وعن مفاهيم وفهم آخر أفكار وسلوكات كلها مغـربات ومضحكات يستعصى استيعابها وفهمها؛ منها الفتوى والتي ما أنزل بها من سلطان! واختراع الأدوية الشافية عن ضد ( كورونا) بواسطة الطب البديل وبالشعوذة المستجدة، في عصر التكنولوجيا! وإفراز (جوقة ) يدافعون ويمجدون شرذمة من الديماغوجيين بـدون إنشاد متلاحم !!وظهور طواحين هوائية، بلا هواء متناغم! واشخاص يعرفون أنفسهم؛ ويعرفهم ناس وسطهم؛ بأنهم انتهازيين، ورغم ذلك يتهمون الآخرين بالانتهازية؛ ناهينا عن وجود عينات بشرية مبدؤها الأسمى ليس إلا جمع الأموال أو نهبها! وعـن جمعيات محْورها الفعال؛ الهرولة وراء النقود أو استرزاقها! وعـن منظمات شعارها البراق؛ أخـذ الفلوس أو استجلابها! ففيروس " كورونا" أظهر أقبح وأفظع ما فينا. دونما مراعاة للوضعية الكارثية التي يتخبط فيها الأفراد والدولة! كل هذا؛ يبدو طبيعيا ويساهم بشكل أو آخـر في تحول العتبة؛ واستبدال الحسابات والاستراتيجيات التي انتهجها منظور الاحتراز والمقاومة ضد الوباء بحكم أن أية كارثة بيئية/ طبيعية/ وبائية/ تظهر عند العديد من البشر أزمات وإشكالات وأنماط من الممارسات الفوضوية والجانحة واللاقانونية، وصور سلبية، إلى حـد ما قـاتلة لروح الإنسانية والتضامن والتآزر.
لأن شواهد التاريخ تذكي ذلك أمام بعض الأوبئة التي انتشرت على نطاق واسع، بحيث: غيّرت جانبًا من اتجاهاتهم القِيمية، وأثارت لديهم العديد من الأسئلة الوجودية التي لا إجابات لها، بل وتركت في بعض الحالات تأثيرات على التركيبة النفسية لأجيال كاملة، والتي وإن استطاعت النجاة البدنية من الوباء، فإنها لم تتعافَ من آثاره النفسية والاجتماعية.(8) ولكن ما ليس طبيعيا بعيدا عن الآثار النفسية والاجتماعية؛ هو معاكسة طبيعة الوجود؛ بوهم اللاموجود الكامن في ذهنية المخالفين للزمن الطبيعي/ الرباني؛ وذلك من أجل إثبات التميز على البشر، ولو من قبيل الوهم والتوهم؛ اعتقادا أن الآخر يعيش وهم وجوده؛ الخارج عن واقعية وجوده؛ وهذا ما يعيشه من كان يدافع عن خليط وهجانة قيل عنها (الإحتفالية) والتي انقضى نحْبها؛ بعْـد الهرولة نحو [الاحتراف] من أجل الريع والدعم المادي الصرف؛ بدل البحث عن الدعم الإبداعي الحق.
ولكن بعـد غيبة صاحبنا "ع الكريم برشيد " عن الخرجات الإعلامية والتصريحات المتكررة بلغتها السلفية التي هي رصيد ما تبقى من (اهتبالية) القول لترسيخ (احتفالية) الوهم لأسباب معروفة؛ ذات ارتباط بالأبواب التي وصلت لتلك المدركات اللاشعورية التي يتحرك فيها صاحبنا. وها هو اليوم – مشكـورا- يهدينا بابا من زمن كورونا. باب ليس ككل الأبواب؛ لأنه حصيلة ثمرة الوضع الفيروسي؛ وضع حاولنا جهد المستطاع أن نكشفه هاهنا؛ كما كشفه وناقشه العديد ممن سايروا وتعايشوا لحد (الآن) مع إيقاع الزمن الكوروني بموضوعية؛ بعيدا عن الذاتية وخلفية التفرد المرضي. وبالتالي فهل كل ما وقع وسيقع في العالم جراء "احتفالية كورونا" هل يمكن أن نضعه بين قوسين فقط؛ إرضاء لأفكار لم تعُـد منتجة؛ وإن كانت في زمانها لا تنتج إلا وهمـا؛ ومن خلالها نجد صاحبنا: وهكذا هو الإنسان اليوم، فرض عليه أن يدخل بيته، وفرض عليه أن يعوض عاداته الحقيقية بعادات ظرفية طارئة، ووجد نفسه، وهو الكائن الحالم والشاعر والاجتماعي، يعيش كابوسا مزعجا، فهل يؤمن بهذا الكابوس المزعج أم يكفر به؟ هل يرسمه، ويعطيه المشروعية، أم يواجهه ويقاومه ويحاربه، وذلك حتى يستعيد حقيقته المصادرة، وحتى يحرر حياته اليومية الممنوعة والمقموعة؟(9)
هـذا مجرد كلام يتعـنتر ويتفرعن به لغويا/ بلاغيا وليس ميدانيا وعمليا أو غاضبا مع الغاضبين؟ ربما نسيت بأنه (منظر) والمنظر دائما يتساءل ويهندس ويحرض فقط. من برجه العاجي؛ بعيدا عن الجموع والأسواق الشعبية. وبعيدا عن فهم سيكولوجية الأوبئة التي تُخفي اتجاهات وتحيزات لا منطقية أي: في الأزمات تأخذ اللاعقلانية بزمام الأمور، ويدفع الخوف والقلق والارتياب الفرد نحو سلوكيات متناقضة غير منطقية تشبه في بعض الأحيان مطاردة الساحرات، ويستعيد الفرد نمطًا أشبه بالحياة البدائية غير المتحضرة التي تحركها المشاعر والاحتياجات البدائية حتى تسيطر على الفرد تماما(10).
احتفالـــية كـــورونا:
حقيقة وليس وهْما ولا تخاريف بأن فيروس "كورونا" أيقظـنا من غفلتنا وسباتنا العميق، لكي نـرَتب الأولويات ونعيد الاعتبار عمليا للعلم الرصين وللإبداع الصادق وللفن الجاد؛ ولكي نفهم كيف يمكن أن تتحقق "العيدية" بشكلها العملي والتطبيقي، لكي نحافظ على ما تبقى لنا بعد التدمير النفسي والاجتماعي والاقتصادي. لنستعيد على الأقل المعنى الإنساني الذي فينا؛ وليس الشكلي/ القناعي؛ الذي نمارسه لغوا ورياء. مثل أباطيل وفنكوشية الفقيه (الإحتفالي) التي تدعو لإنسانية الإنسان انطلاقا من فقاقيع صابونية كمنتوج فنكوشي! بعكس "كورونا" الذي مارس بحق طقوسا احتفالية بمنظوره الخاص، بعـيدا عن عوالم ديونيزوس حيث الخمرة والابتهاج والرقص والأناشيد "الديثورامبوسية " و"الساترات" رفقة عابدات "باخوس" مُـؤسسا اهتبالية بمفاهيم بديلة وخارج القيم والمعتاد من حياة الناس؛ ولكنها تبدو من فنون السحر l’art magique)) بحكم هلامية حضوره؛ لكي تنهار منظومة الإنسان الفاعل الحيوي؛ ولقد انهار واستكان: أمرا وطواعية وهلعا للحجر الصحي.
لتبقى احتفالية كورونا تفتك بالجموع. تنتعش حصدا في أرواح العباد، لا صوت هناك يعلو فوق صوت "اهتباليتها" هي (هنا/ الآن) ترسل رعْـبا لا مثيل له وذعْـرا مثيرا بين الأسر وفي مفاصل الدولة/ الدول. بحيث استطاعت أن تجعل الشوارع فارغة من الحشود والهرج! والمدن أشباحا كأنها أطلال! والقاعات خالية من روادها، والمؤسسات كهوفا مظلمة! وحدها أجهزة الدولة في حرب لا هَـوادة (مع) اللامرئي؟ محاولة منها لإضفاء شعلة احتفالية الفيروس. فرغم هاته الحقيقة التي ليست شريطا سينمائيا؛ نجد صاحبنا" الإهتبالي" الذي يحاول وحيدا أن يضيف قطرات حياة في [وهْـم احتفاليته] التي عرتها [احتفالية كورونا] عمليا. ورغم ذلك يشير تعَـنتا: إن كل هذا الرعب لا ينبغي أن يرعبنا، وكل هذا الذي يحدث اليوم لا يعني أبدا أن التاريخ قد انتهى، وأن المسرح قد انتهى. هي مرحلة استثنائية إذن، في انتظار أن نعود إلى الحياة، وأن تعود إلينا الحياة، كما كانت، أو أجمل وأبهى مما كانت، وإذا نحن تغيرنا، استجابة لهذا الخواء الذي يهددنا.
المعركة إذن هي معركة وجود، أي نكون أو لا نكون، وأن وجودا كما نريد، وكما تشاء الحقيقة، وليس كما يفرض علينا.(11) فإذا حاولنا ربط [الرعب لا ينبغي أن يرعبنا] ب [استجابة لهذا الخواء] فضمنيا طرحه يميل بأن فيروس كورونا (مؤامرة) بيولوجية بشكل عام كما يروج بعض المتطرفين؛ وبشكل خاص فالمؤامرة التي يرمز إليها هي من نوع آخر (أي) يتوهم أن احتفالية كورنا؛ أرسلت للقضاء وتدمير (احتفاليته) بحيث يقول: أن هذا الزمن الذي نعيشه اليوم هو زمن شاذ واستثناني، وهو واقعي نعم، ولكن واقعيته مرعبة وغير حقيقية، وغير إنسانية، وليس من المنطقي أن نبني اليوم تصورا جديدا، وأن نؤسس فنونا أخرى، وذلك بناء فقط، على حالات شاذة واستثنائية وعابرة، وهل يصح صياغة قوانين قارة وحقيقية، انطلاقا فقط من حالات مرضية ظرفية عابرة؟ وأعتقد أن كل ما نعيشه اليوم، ينبغي وضعه بين قوسين، فهو الواقع الذي ينبغي أن يرتفع، من أجل أن نعود إلى حياتنا الحقيقية، ونعود إلى فنوننا الحية، ونعود إلى علاقاتنا الإنسانية المصادرة.(12)
هل انتشار "الفيروس" ومحاولة تدمير الحياة البشرية؛ وايقاف العجلة الاقتصادية وغيرها يمكـن أن نضعه بين قوسين؟ عجائب ما في القول؛ وبالتالي كان من باب الأولى أن يقول: شيئا جديدا نسمعك ونفهمك به، أما أن تخرج الكلام والأحداث عن سياقها التاريخي وعن شروطها الموضوعية، وأن تقف على (ويل للمصلين) فذلك هو القفز البهلواني، والذي يليق بقاموس (الإهتبالية) علما أن هاته الإشارة تكشف بأن خطاب صاحبها؛ خطاب ليس فيه خوف بل جنون العظمة؛ بأن (اهتباليته) هي المسرح الحقيقي؛ بعْـدما ستنتهي [احتفالية كورونا] من رعبها وهوسها وكابوسها وأنشطتها التي أنتجت نمطا بديلا في فنون الآداء والمتمثل في المسرح التفاعلي/ الرقمي/ المسرح عن بعـد/ المسرح الافتراضي على منصات التواصل الاجتماعي؛ الذي كان حلا بديلا لعَـدم القدرة على حضور العروض على المستوى الشخصي. والذي غاب عن الذهن فهذا نظام كان سائر المفعول منذ زمن بعيد وحاضر بيننا قبل ظهور كورونا، وهي طريقة لانتشار الأعمال المسرحية عبر العالم تصويرا وعرضا. والتي تستند إلى الرؤية بواسطة (DVD-ROM أو CD-ROM) وكــذا الاتصال بالشبكة العنكبوتية.
لأن طبيعة التطور التقاني والتكنولوجي فرض آلياته وبدائله ووسائله التواصلية؛ ففي العديد من المجالات الحيوية أمست تعتمد على التواصل والمعاملات عن (بـُعْـد) فالتدريس عن بـعْـد ليس وليد "فيروس كورنا" بل كان وسيلة مفعلة بين الطلبة والجامعات والمعاهد الدولية والعالمية؛ منذ عقدين أو أكثر. وهنالك تلميحات مسؤولة تجاه تفعيل (التعليم عن بعد) على الأمد القريب؛ وكذا المطالبة بسن قانون لتفعيل المحاكمات عن بـعْـد؛ وهكذا. ومن ثم فإن البديل لا ينبع من طبيعة العـقل فقط بل من طبيعة الأشياء وتطورها. وبالتالي: فظهور الكمبيوتر والعالم الرقمي يعد من الإنجازات الفاعلة والمتفاعلة مع العرض المسرحي، والتي تدفع بمكوناته إلى الأمام من حيث التوظيف والجمال. وكل هذا التحديث في التقنيات انعكس بشكل مباشر، أو غير مباشر على جميع قطاعات الفن والثقافة.(13) وعلى سبيل الذكر، فالعروض المسرحية المقدمة عبر التلفزة أو أشرطة C.D)) ألا يمكن أن تندرج في المسرح عن بُعْـد؟ وكذا المسرح الاذاعي ألا يمكن أن يصنف في خانة المسرح عن بُعْـد، بوصفه بديلاً تقنياً عن المسرح التقليدي؟ وهل يمكن أن ننسى أن أغلب أعمال شكسبير تم تصويرها بطريقة سينمائية؛ لتحقيق نوع من العلاقة بين العرض المسرحي/ السينمائي والمتلقي؛ كأنه يعيش وجهاً لوجه مع تلك الأعمال الدرامية.
وللتذكير فمسرحية (الناس والحجارة) أدرجت ضمن برامج التلفزة المغربية سنة 1979 التي نقلت العروض المسرحية المشاركة في المهرجان الوطني لمسرح الهواة (التاسع عشر- 1978 بفاس) وللتاريخ فصاحبنا (الإحتفالي) الوحيد الذي طلب حقوق البث (ماديا) من صندوق البرمجة؛ ويمكن لمن بقي حيا سواء انقطع أو لا زال يمارس فنه المسرحي من جمعية [البساط المسرحي بوادي زم] يكذب ذلك وخاصة المخرج "محمد الباتولي" وأسوق هذا الكلام الواضح للذين يبحثون عن تاريخ المسرح المغربي، ولمن يهمهم ممارسته وفـَنه وإشراقاته وكـَواليسه وفكره. ولا تعنيهم ممارسة الاغتياب والنميمة الثقافية/ المسرحية أو الذين ليسوا من رواد لغـْو المقاهي والحانات. التي حولتها "كورونا" لأشباح؛ وبعض منها يفتح (الآن) احتشاما وانضباطا لشروط السلامة الوقائية.
باب افـــتــراضي:
من البدهي بأن التحولات الكبرى والتطورات التي شهدها العالم على جميع المستويات؛ بما فيها انفجار الثورة المعلوماتية، والخوارزميات الرقمية،التي أحدثت صدمة كبرى لدى شريحة عريضة من هؤلاء المثقفين/ العرب الذين وجدوا أنفسهم “خارج التغطية” جراء تسارع الاحداث والمستجدات وسطوة العولمة وتشعب الوسائط الرقمية؛ وانضافت إليها (الآن) هجمات "فيروس كورنا" الذي أفرز سلوكيات وتوجهات جديدة وتشكيل نمط الحياة اليومية، والعلاقات الإنسانية. استجابة للوضع الحالي لترسيخ مفهوم الرقمنة والتعامل معها كحلول مبتكرة، بـغيـة تفعيل وسائل التواصل الاجتماعي وتحويلها عاملا مركبا في نشر المعرفة وتفاعل الإبداعات حُـبّا أو كـرها. لكن صاحبنا (الإحتفالي) الذي أصلا يكره المسرح التفاعلي؛ لأنه البديل. وضد الحداثة التي هي المصير. ودليلنا شهادته: لا أِؤمن بالحداثة.. كيف؟ وأنا أومن بالأصيل، وما هو أصيل هو حقيقي، وما هو حقيقي هو عابر للأزمان والأمكنة وللثقافات واللغات والحضارات.(14) ولهذا السبب يؤطر أفراد المجتمع في خانة عجيبة بقول مضحك مفاده: في هذا المسرح نضحك، ومن حقنا ذلك، وقد نحزن ونبكي أيضا، ولكن أهم شروط الضحك هو أن يكن فعلا جماعيا، وأن يكون في الفضاء العام، وكل من يضحك وحده، أمام حاسوبه، أو أمام هاتفه، أو أمام شاشة تلفزيونه، لابد أن يكـون مشكوكا في صحته النفسية وفي سلامته العقلية.(15)
فهاته الفقرة تحتاج لنقاش أطول وأعمق؛ ذات ارتباط بمفهوم (الفردية الشبكية) [Individualisme en réseau] نتيجة الغزو الرقمي والمعلوماتي؛ لكن يمكن أن نختصر الموضع بالمنظور الذي يعرفه ويناقشه صاحبنا في أقواله (الإهتبالية) مثل ما يشير: لا أؤمن بالكوميديا ولا بالتراجيديا، أؤمن فقط بالمسرح وبالاحتفال المسرحي، وبهذا اللقاء المفتوح الذي يعـيش الصدق، ويموت بالاحتفال لا أكثر.(16) فالضحك سليل الكوميديا والحزن والبكاء سليل التراجيديا. إذن فالمسرح اختيارات، ولا علاقة لتفكيرك (الإهتبالي) بسلوكات وقناعة الآخرين؛ يضحكون أو يبكون أمام منتوج تفاعلي/ افتراضي؛ فذلك شأنهم؛ ولكن ليس من شأنكم أن تتهم الناس بالحمق، وتشكك في قدراتهم العقلية؛ لأن طبيعة التحول؛ فرضت أن يصبح المرء فاعلا رقميا بدون اختياره حسب فلسفة الوجود كما يفسرها – هايدغر.
وهنا لا أدافع عـن المسرح الافتراضي؛ لأنه فرض نفسه كمعيار للتطور البشري. فكريا وثقافيا وإبداعيا والذي أطرته بالقول العجيب: إن المسرح أساسا هو حياة وحيوية، وأن نستعيض عن المسرح بصوره الافتراضي، فإننا سنكون كمن يقتل الإنسان الحي ويكتفي بصوره، ويحتفي بالوهمي والشبحي بدل أن يحتفي بالحق وبالحقيقة.(17) فهل (احتفاليتكم) هي الحق و الحقيقية؟ وهي أصلا وهُـم الأوهام في النسيج المسرحي العربي. والتي خدعت العباد وتأسست على إثرها (جوقة) ربما بإيعاز ممن كان يمتلك خيوط اللعب في (مركز الأبحاث المسرحية) لترسيخ المسرح الشعبي) = (الفن للفن) الذي لم تستطع أجندة أندري فوزان/ بيير لوكا/ الطاهر واعزيز/ ع الصمد الكنفاوي/ تحقيقها؟ تلك (الجوقة) التي جمعت المريدين والتابعين والانتهازيين والوصوليين؛ فأصبحت طرفا ًمن أطراف الصراع، وعاشت في خضم تلبيس إبليس! حتى أن بعضهم وقـَّع وناقش ودافع عن البيانات دون فهم فحواها ومراميها؛ وبعْض من بعض خلق هَـرجا ومَـرجا في الدعاية والنقد والتحليل والتفكيك، والبعض البعض مارس الإكراهات والضغوطات على بعض الطلبة هنا وهناك لإختيار والبحث فيما جاء في «أوهام الإحتفالية» وذلك في زمن الريع الحقيقي، وتسيب الأموال غير المكشوفة.
كل هذا كان بسيولة ومقابل متنوع الأكلات! لمن كان يعرف طرد شـرّ (المخمصة) وهـذا هـو سٍـرُّ الأسرار الذي جعل كل من كان (مع الوالي) الانسحاب والنزول بهدوء من السفينة التي ركبوا فيها بحثـا عن مصالحهم وأرجعوا (للجوقة) وظيفتها وطبيعتها التقليدية التي تنص على التزامها الحياد. فكان الصمت المطلق واللامبالاة أقوى من الحياد عن (فنكوشية) تنظيره ومراوغته الكلامية؛ والبحث عن اجترار نفس الكلام كمخرج وخلاص؛ وتلك لـيست خصال العارفين؛ والمدافعين عن أطروحتهم؛ لأن الأصل فيها تخاريف وجنون بلا فنون، وكلام بلا معنى، وابتزاز بطرق الإبداع / التنظير؛ وللعلم البين أن التخاريف/ الخرف: مرض يصيب الوظائف الادراكية والعاطفية والسلوكية.مما يتقلص التفكير؛ وتتضرر القدرات العقلية؛ لتـصاب (الذاكرة) تدريجيا بالتلف؛ مما يصعب عن المصاب بالخـرف: تشخيص الأشخاص والأشياء. وهـذا ما سقط فيه من حيث لا يدري؟ وأصبح (فقيه المسرح/ الشعْبوي) يتخبَّـط في (أوهام السوق): لأن "أوهام السوق" هي أكثر الأوهام إزعاجاً، تلك الأوهام التي انسربت إلى الذهن من خلال تداعيات الألفاظ والأسماء. ذلك أن الناس يظنون أن عقلهم يتحكم في الألفاظ، بينما الحقيقة أيضاً أن الألفاظ تعود وتشن هجوماً مضاداً على الفهم.(18)
ولولا هاته الحقيقة الساطعة على أوهام كثيرة؛ لما اتهم من ينخرط أو يواكب ما في المسرح "الافتراضي" بعـدم سلامته العقلية/ النفسية؛ وأبعد من هـذا محاولة مصادرة حريته الشخصية؛ وهذا في حد ذاته إرهاب فكري/ سلوكي؛ من أجل اللقاء الحي والجماعي وممارسة التعييد والتجديد والفرح والحرية والتحرر والانفلات والعربدة، من خلال [الفرجة الشعبية] كل هـذا لم يتحقق يوما؛ إلا في مخيلته. إنها مجرد تهيوأت وهلوسات؛ وإن لم تكن كذلك لما أشار بكلام سفسطائي؛ ينم عن حضور الكهنوتية: إن المسرح هو الخروج من القوقعة، وهو التحرر من سجن البيت، وهو الانفلات من الغربة ومن المنفى، وأخوف ما أخافه اليوم هو أن ننقلب على النزعة الإنسانية فينا، وأن نتخلى عن غريزتنا الاجتماعية، وأن نعود بالإنسان إلى زمن الكهوف والمغارات والخوف من العالم الخارجي، وأن نتحول إلى كائنات آلية تأكل الطعام وتتفرج على الشاشات.(19)
لنتساءل مع المتسائلين؛ هل صاحبنا خرج من القوقعة؟ وتحَـررمن سجن البيت؟ ومن الحجر الصحي؟ ليقاوم الضوابط الاحترازية؛ وذلك ليمارس فرجة شعبية في إحدى ساحة الدار البيضاء؟ حتى لا نتحول إلى كائنات آلية تأكل الطعام وتتفرج على الشاشات. ومادامت يا (مولانا) تؤمن بإقامة العروض المسرحية في أمكنة وفضاءات مفتوحة، كالساحات والأسواق والمواسم والروابط والزوايا. التي يحتشد فيها الناس والجماهير الشعبية الغفيرة. ومادامت يا (فقيه) مسرحنا تؤكد عبر أناك العجيبة بالقول المتفرد: أنا ثابت على الثوابت دائما، أما المتغيرات، فمن الممكن أن أغيرها وأجددها مع الزمن، وثوابتي المبدئية هي إنسانية الإنسان، وهي حيوية الحياة، وهي مدنية المدينة، وهي التعبير الحر للإنسان الحر في المجتمع الحر.(20) إذن؛ كان عليك يا (فقيهنا) أن تنزل للساحة وتعلن حربا ضروسا ضد" احتفالية كورونا"، لتفعيل مقولة التعبير الحر للإنسان الحر في المجتمع الحُـر!
كان عليك يا (مولانا) أن تنزل للشارع؛ ب[احتفاليتك العجيبة] لكي تساند الممرضين والأطباء ورجال السلطة الذين نسوا أنفسهم وأبناءهم؛ من أجل مقاومة الوباء "الكوروني" الذي سعى بقدراته الخارقة واللامرئية أن يوقف حيوية الحياة؛ ويحوَّل مدنية المدينة إلى أشباح طيلة اليوم. لكي لا يتحقق الالتحام والانصهار في المجتمع. وبالتالي فالفن المسرحي عموما؛ سيفقد مشروعيته. أم هو مجرد كلام معناه الباطني يناقض المعنى الظاهري. أكيد أن الخطاب بين الفعل والقول مكشوف؛ هذا إذا أضفنا خطابا يدعُـو للتفكه: هذا المناضل الاحتفالي ليس من حقه أن يستريح، لأنه يحمل للناس رسالة، وهو بهذا يشبه ذلك الجندي الإغريقي فيديسوس، والذي انطلق من منطقة مارطون إلى مدينة أثينا سنة 480 قبل الميلاد، حاملا رسالة مفادها أن الجيش الإغريقي قد انتصر على الجيش الفارسي، ولم تكن هذه الرسالة تحتمل الانتظار والتأجيل، ولذلك فقد جرى لأكثر من أربعين كلمترا مشيا على القدمين، ولم يتوقف لحظة، ولم يكن بإمكانه أن يتوقف، ولأي سبب من الأسباب، لأنه يحمل رسالة للناس، وكذلك هو المناضل الاحتفالي في صورته الحقيقية.(21)
بــاب الإيـــضاح:
هنا فلا يمكن أن نمفصل السلوك والمسلكيات عن الفكر؛ وإلا سنكون أمام انفصام في الشخصية؛ وبما أن (فقيها) لم يستطع أن يتكيف أو ينخرط مع المسرح الافتراضي/ الرقمي؛ الذي فرض نفسه كمتغير حتمي؛ لمواكبة التطورات التكنولوجية؛ والذي ألزم علينا فهما وإدراكا تقنيا لكيفية تشغيل وتوظيف ألية التواصل بالأخر؛ وفي نفس الوقت فالمسرح الرقمي ضمنيا يوقف زحف معالم الفوضى والغموض والمحسوبية والفئوية، وكل القرارات التي تطبخ طبخا في المطابخ السرية. هذا ليس في صالح (الإهتبالية) التي تعششت في رحاب الفئوية والمحسوبية والغموض والفوضى. مما لم تستطع عمليا أن تنزل للميدان لممارسة "احتفاليتها" قبل تمظهر [احتفالية " كورونا"] حتى يكون (صاحبها؟) مثل ذاك الجندي الإغريقي (فيديسوس) المناضل، الذي أوصل الرسالة إلى من يهمه الأمر؟ ولكي يحقق عمليا بان (احتفاليته) فعلا: أصبحت مرعبة، الاحتفالية مواقف أيضا، مواقف نضالية، ومواقف اجتماعية، الاحتفالية مساهمة أيضا في الحياة الاجتماعية، بمعنى أنها سلوك أخلاقي، وأنها نظام في العيش، نظام يعتمد على أن نعيش بصدق وشفافية، وأن لا نخون ذاتنا، وأن نكون مشابهين للحظتنا التاريخية، وأن نكون صادقين.(22)
مثل هاته التصريحات التي يعتبرها أفكارا؛ إنها في واقع الواقع ألغام بلاغية/ إدهاشية؛ تسقط أمام لغو الظهيرة؛ نتيجة الوهْـم الإحتفالي الذي ملأ الصفحات باجترار نفس اللغة والأفكار؛ ولم تستطع تصريفها على أرض الواقع الفعال؛ وهاهي ["احتفالية كورونا"] زعزعت عقيدته المسرحية وكشفت عن انفصام في الشخصية المقرونة بجنون العظمة؛ كما نعلم جميعا. شخصية تبحث بطرق خاصة وملتوية؛ وبناء على المنظومة التي تتحكم في الإحتفالية وذلك في الخفاء؛ كمحاولة للتوسع ولبقاء تلك الهيمنة التنظيرية للإحتفالية؛ باعتبارها تخدم المشروع الليبرالي المتوحش: ولقد كنت دائما ليبراليا متحررا، ولم يسجل علي يوما أنني كنت اشتراكيا أو ماركسيا، فأنا لا أومن بالطبقية، ولا بالصراع الطبقي.(23)
طبعا هذا اختيار؛ ولكن مادام (هو) بدون سلطة يحاسب الناس الذين لهم اختيارات أخرى؛ وانتهاجهم وانخراطهم (الآن) في المسرح الافتراضي؛ الذي قـدم أعمالا مقبولة؛ وخاصة الخليجيين/ المصريين/ الذين نشطوا في المسرح الرقمي. هاته الشهور المقرونة بالحجر الصحي. ولم يقدم أحد إحدى أعماله (هنا مربط العقدة السحرية) وبما أن (الآنا) هي المتحكمة في تركيبته؛ نشير بأن ليبراليته. في حـد ذاتها تعد خيانة قومية؛ حضارية؛ في حق المسرح العربي. مسرح يحتاج الآن أن ينخرط في الزمن الذي نعيشه حاليًا، زمن التطور التكنولوجي المتزايد باضطراد لا متناهٍ، حتى يكاد يصبح غير قابل للتحكم به، أوالبحث عن العَـودة للخلف. وبالتالي وعلى ذكر ذاك الجندي الإغـريقي [ فيديبيدس] وليس [فيديسوس] فالرواية التي طرحها لخلق القرينة بينه وبين نضالية الإحتفالي؛ أساسا ملفقة وتزييف للحقائق التاريخية؛ كما رواها – هيرودوت – وهذا أعطانا مشكورا بابا (آخـر) سنفتحه فيما بعْـد.
ولكن من لباقة الضيافة؛ وبروح تتسم بالهدوء والعقلانية؛ إغلاق باب ما جـاء في احتفاليـة " كــورونـا "بناء على الحوار الذي تفضل به (فقيهنا) وإن كان يعـد صيحة غوغائية، وعبارة عن فرقعات لفظية وعن حرّاقيات صبيانية كمطالبته باليوم الثامن/ التضامن (سيأتي ذكرهما) المشار إليهما في حواره الذي لم يؤد إلى أية نتيجة مساهمة ضد "فيروس كورنا اللعين. لأن: عالم اليوم محكوم في مساره بعالم الغد؛ الآن الغد هو المستقبل وهو نقطة البداية؛ وذلك لأن التاريخ يتحرك من المستقبل وليس من الماضي.(24)
الإحـــــالات:
1) انظر لجداريتنا ولنتأمل في تعليقات وردود الإخوة بتاريخ - 18/06/2020
2) عهد الريع والريح السريع ولى22تيلكيل عربي من 10إلى 16أبريل 2020 الفقير ص 22المهدي
3) النساء في زمن "كورونا / لمهند عبد الحميد- دنيا الوطن في 2020-04-15..
4) هيئات نسائية تدق ناقوس الخطر...جريدة بيان اليوم بقلم فنن العفاني ع/9017- بتاريخ 5/06/2020
5) الفلسفة في مواجهة كورونا!! جريدة المساء المغربية ع: 4156 في 6/04/2020
6) نــــــفـــــســــه.
7) تاريخ الأوبئة والمجاعات في بالمغرب في ق 18/19 لمحمد أمين البزاز ص 63/ كلية الآداب
والعلوم الإنسانية – الرباط/1992
8) ماذا يحدث للمجتمعات عند تعرّضها لوباء مفاجئ؟ لهالة الحفناوي في مجلة المستقبل للأبحاث
وللدراسات المتقدمة بتاريخ 17/03/2020
9) عــزلة المسرح في زمن كورونا (10) ملف إعلام الهيئة العربية للمسرح في– 08/06/2020
10) ماذا يحدث للمجتمعات عند تعرّضها لوباء مفاجئ؟ لهالة الحفناوي في مجلة المستقبل للأبحاث
11) عــزلة المسرح في زمن كورونا (10) ملف إعلام الهيئة العربية للمسرح في– 08/06/2020
12) نــــفـــــســـــــهـــــا
13) دراسة عن الواقع الافتراضي والمسرح لعماد هادي الخفاجي في مجلة إعلام الهيئة العربية للمسرح بتاريخ 11/12/2017
14) في موقع – الخشبة – منقول عن حوار في صحيفة المدى – بتاريخ 10 مايو 2017
15) عــزلة المسرح في زمن كورونا (10)
16) حـوار في(البيان الإماراتية): أجراه رضا الاعرجي - الرباط - بتاريخ: 03 /04/ 1999
17) عــزلة المسرح في زمن كورونا (10)
18) الأورجانون الجديد: لفرنسيس بيكون: ترجمة عادل مصطفى- ص 42- الناشر مؤسسة هنداوي 2017
19) عــزلة المسرح في زمن كورونا (10)
20) المسرح فتح لي باب الغيب وباب التاريخ – مجلة الهيئة العربية للمسرح: حاوره مصطفى رمضاني بتاريخ /24/07/2012
21) المقاوم الوجودي في الاحتفال والاحتفالية بقلم ع الكريم برشيد- ص4 - مجلة طنجة الأدبية ع65 / خريف2017
22) حوار أجراه معه:مولود القنبي - في مجلة طنجة الأدبية (ملف خاص) بتاريخ2007-06-12
23) المسرح فتح لي باب الغيب وباب التاريخ- مجلة الهيئة العربية للمسرح: حاوره مصطفى رمضاني بتاريخ /24/07/2012
24) الأصولية والعلمانية لمراد وهبة ص9 ط 1/ 1995 دار الثقافة / القاهرة