يطرح الباحث المغربي هنا مبدأ التقابل كعامل من عوامل التوازن والجمال، ورابطا بنائيا ودلاليا، مدخلا لتناول هذه الرواية الثرية بالكشف عن معاناة النساء في فترة خصبة من تاريخ المغرب، ويستخدم التقابل كآلية من آليات تفسير النص وتحقيق ترابطه وتماسكه، سواء أكان بين الأزمنة والتواريخ، أو بين الشخصيات والأماكن.

التقابلات كمدخل لتحليل النص الروائي

قراءة في رواية «الدار الخالية» للروائية نبيلة عزوزي

عبد اللطيف ابن شبتيت

 

تقديم:
لا تشكل هذه القراءة المتواضعة إحاطة كلية بالوقائع المسرودة والموصوفة في هذا النص الروائي، كما لا تدعي تقديم تأويل شامل، إنها قراءة جزئية تتوخى الوقوف عند حدود بعينها.

وقد لاحظت، أثناء وبعد انتهائي من قراءة الرواية، أنها احتوت تقابلات كثيرة، وأن بناءها العام يعتمد كثيرا على أسلوب التقابل الذي يتجلى من خلال المكونات السردية للرواية: الحدث – الشخصيات – المكان – الزمان. مما دفعني إلى محاولة الكشف عن بنيتها، وما لهذا البناء التقابلي من أبعاد جمالية، خاصة وأن مبدأ التقابل يعد عاملا من عوامل التوازن والجمال، ورابطا بنائيا ودلاليا، وهو أيضا آلية من آليات تفسير النص وتحقيق ترابطه وتماسكه.

وقد زاد من رغبتي لتناول الرواية من هذا الجانب هو أن أكثر القراءات والتحليلات السردية لأعمال روائية عديدة تناولتها من جوانب تتعلق بالخطاب الروائي والزمان والمكان والمنظور السردي. لكنها قلما تناولت هذه الأعمال من هذا الجانب. ومن المعروف أن التقابل ظاهرة لغوية وأسلوب تعبيري وبلاغي يلعب أدوارا جوهرية في بناء اللغة التواصلية والجمالية.

ولا شك أن المبدع يعمل على تجسيد رؤيته للواقع ويعمل جاهدا – في نفس الوقت – على تجاوز الأطر الصياغية المألوفة حتى لا ينزل بخطابه إلى مستوى التعامل الحياتي للغة، وهنا تأتي الحاجة إلى اقتناص كل مظاهر الثراء في اللغة، واصطياد ما تحمله من تنوع لتحقيق الهدف الجمالي، وصناعة القول الجميل والبليغ والمؤثر. وتعتبر الأشكال البديعية – بما فيها التقابل – من الظواهر اللغوية التي يلجأ إليها المبدع لتشكيل عوالمه التخييلية وخلق الآثار الدلالية والبلاغية المنشودة. وقبل استعراض مظاهر التقابل في رواية "الدار الخالية" للمبدعة نبيلة عزوزي لابد من إطلاع المتلقي والمتابع معنا على المتن الحكائي لهذه الرواية.

المتن الحكائي:
تدور أحداث الرواية في مدشر من مداشر شمال المغرب، في فترة زمنية كان المغرب فيها مستعمرا من قبل الاستعمارين الفرنسي والاسباني، أي زمن الاحتلال. وقد اختارت الروائية المغربية نبيلة عزوزي اسم "الدار الخالية" عنوانا لروايتها. وهي دار توجد بهذا المدشر شكلت البؤرة المركزية التي تدور حولها أحداث الرواية. فالدار الخالية ستشهد على أكثر الوقائع والمشاهد بؤسا وفظاعة ارتكبت ضد المرأة في هذه الفترة من اغتصاب وتعذيب وإذلال مارسها زبانية القايد عميل الاستعمار، حيث كانوا يقومون بإرغام نساء الدشر وما تم سبيه من المداشر المجاورة على الرقص فوق أرض حامية ملتهبة بهذه الدار، وتحت لهيب السياط التي تلهب ظهورهن، فيما زبانية القايد ومعهم ضباط وعساكر الجيش الاسباني يتلذذون ويستمتعون في مشهد ساديّ برائحة جلود النساء الراقصات وهي تحترق، تمتزج برائحة جدي يشوى على النار، ورائحة الدخان والكيف. ويطربون لآهاتهن وتأوهاتهن، فيكون مصيرهن في الأخير اغتصابهن أو بيعهن في المواخير الاسبانية.

طقس آخر من طقوس تحقير المرأة تستعرضه الكاتبة في روايتها يتعلق الأمر بزفّ كل عروس تتزوج بالمدشر إلى القايد، قبل أن تزفّ إلى زوجها، فيما أزواجهن مستسلمين وراضخين للأمر، دون ممانعة أو رفض. مما يزيد من غضب النساء وعذابهن وتألمهن في صمت، وتزداد معاناتهن مع سيادة مظاهر استعبادهن والحط من كرامتهن، من خلال أعمال السخرة بدار القايد والنظر إليهن مجرد أجساد تصلح للمتعة والتسلية والقيام بالأعمال الشاقة. في المقابل تقدم لنا الرواية صورا بطولية لنساء ورجال رفضوا الخنوع والخضوع لحياة الذل، فكان التصدي والمقاومة ورفض هذا الواقع الاجتماعي البئيس.

فقدمت لنا الروائية مشاهد عن بطولة "ميمونة"، المرأة التي فضلت أن يحترق جسدها وجسد أبنائها بالنار التي أضرمها زبانية القايد بمنزلها، على أن يحترق قلبها مرات ومرات بالدار الخالية. كما استعرضت الكاتبة صورا ومشاهد عن بطولات نساء أخريات فضلت الانضمام إلى معسكر المقاومة والجهاد إلى جانب الرجل، فكانت حاملة للسلاح، ومزودة للمقاومة بالمؤونة والأخبار في أفق تحقيق الحلم، حلم الاستقلال، فاستحقت بذلك الاهداء الذي أهدته الكاتبة لهن مع بداية الرواية:

إلى نساء صنعن التاريخ.

ولم ينصفهن المؤرخون

التقابل في رواية «الدار الخالية»
يبرز التقابل في رواية "الدار الخالية" منذ البداية مع عنوان النص، فـ"الدار الخالية" هي خالية مهجورة، ساكنة وهادئة نهارا، لكنها تصير في الليل صاخبة تحتضن طقوس احتراق قرابينها، تشتعل بها النيران فتتأجج، تلتهم الحطب، ثم يأمر زبانية القايد نسوة بكنس حلبة الرقص من الجمر الملتهب، ويرغمن على الرقص بين لهيب السياط ولهيب النار المنبعث من الأرض فيُسمع آهات الراقصات المحترقات، وترتفع حمى الضحكات والكلمات الساقطة. ويبرز التقابل أيضا في الدار الخالية، عندما كانت عامرة يسكنها الفقيه السي موحا، الذي اختار الرحيل إلى الغرب إماما، بعدما خيره القايد الكبير بين الرحيل أو التنكيل بأسرته، لأنه عارض الاتفاق والتحالف الذي عقده مع المستعمر الاسباني. وكانت هذه الدار دار العلم حيث كان يقدم هذا الفقيه دروسا في التعليم والعلم للصبية وللنساء.

تقابل الشخصيات:
هناك شخصيات كثيرة ورد ذكرها في ثنايا هذه الرواية، تجاوز عددها ستون شخصية شكل العنصر النسوي منها النصف تقريبا مما يعد تقابلا. وقد تحتم عليّ كي أبنيَ توصيفا واضحا لشخصيات هذه الرواية أن أقوم بتمييزها عن بعضها، ونظرا للعدد الهائل من الشخصيات الواردة في الرواية فقد كان تركيزي على أهم الشخصيات والتي شكلت من خلال أوصافها وأفعالها تقابلا مع غيرها من الشخصيات. وقد بدا لي بعد قراءة الرواية أن شخصياتها قد انقسمت إلى فئتين:

- الفئة الأولى: جسدت القيم النبيلة والمتمتعة بالحس الوطني والنضالي والمحافظة على شرفها، وهذه الشخصيات تمثلت في: العدل ـ سي العلمي ـ ميمونة ـ لايتماس ـ حمادي ـ الفقيه السي موحا ـ حرية ـ فاطمة ـ عايشة ـ العجوز التي تحكم دشر النسا ـ المجذوب سيدي العربي وأخته للامحجوبة ـ موسى.

ـ- الفئة الثانية: شخصيات جسدت القيم السلبية والمتصفة بالخيانة والسادية: وتمثلت هذه الشخصيات في: القايد الكبير والصغير ـ الأعور ـ الأقرع ـ طامة ـ عياد ـ احمامو ـ الذيب ـ للاهلالية ـ الفقيه السي بوشتى ـ ضحى ـ الضابط خوسي.

والملاحظة العامة على شخصيات هذه الرواية أن هناك عدد كبير من الشخصيات السيئة، ورغم بشاعة ما اقترفوه من أفعال وتصرفات، ورغم حدة وشدة الصراع بينها وبين الفئة الأولى فقد كانت الغلبة في النهاية لقيم الخير والعدل. أما الشخصيات المرجعية والأسطورية والشعبية مثل المجذوب، وعبد الكريم الخطابي، والسلطان محمد الخامس، والجن الأحمر، والغول، فجاءت في مجملها لتلعب دور المساعد إما للفئة الأولى أو الثانية.

وينبغي الإشارة هنا إلى أن الشخصية لا يحدث بينها وبين الشخصيات الأخرى صراع أو تكامل إلا بتدخل عوامل أخرى تعمل على إبراز هذا الصراع أو التكامل منها: مزاج الشخصيات ثم الوضعية الاجتماعية والاقتصادية والطبقية، وعامل الاستعمار، ويبدو أن استثمار الروائية للظهير البربري في خلق شرخ في المجتمع عموما وبين سكان مناطق الريف خير دليل على ذلك.

لقد استطاعت الكاتبة أن تقابل بين الشخصيات على اختلاف طبقاتهم وأصنافهم، فالقايد مثلا صاحب نفوذ ومال وسلطة، لكنه يتعامل مع المستعمر، بينهما تحالف ومصالح مشتركة، فالمستعمر يسعى إلى توظيفه لسحق المقاومة من جهة، ثم من أجل استتباب الأمن وضمان رضوخ سكان القرية لهم، كما يعمل على توفير المجندين من الأطفال والشباب البالغين في صفوف الجيش الاسباني، مقابل ذلك فهو يتمتع بالحماية، وله سلطة مطلقة في تدبير شؤون الدشر.

في مقابل هذه الشخصية نجد شخصية العدل، صاحب نسب وحسب، وضعه الاجتماعي جيد، يحظى بالاحترام والتقدير من قبل الساكنة، مساند للمقاومة وله مواقف مشرفة تبرز وطنيته وتدينه.

نموذج آخر لهذا التقابل بين الشخصيات نجده بارزا بين الفقيهين: الأول هو السي موحا الذي كانت خطبته ليوم الجمعة تأجج مشاعر الناس وتستفزهم وتثير فيهم الحماس لمقاومة المستعمر، عارض تحالف القايد الكبير مع الاسبان، فكان مصيره النفي. في المقابل نجد الفقيه السي بوشتى الذي يدعو الناس في خطبه إلى طاعة أولياء أمورهم، ويعتبر هؤلاء النصارى ضيوفا عندنا، وبالتالي وجب إكرامهم وإظهار الجود لهم. وأن الإسبان جاؤوا لإصلاح أحوالنا وحمايتنا، ويدعوهم إلى ترك السلاح والقتال والتزام الزهد في الدنيا.

وإذا كانت بعض شخصيات الرواية اتصفت بالتخاذل والجبن والتقاعس والتآمر أحيانا في مواجهة المستعمر أمثال: احساين زوج عائشة الذي يرفض الالتحاق بالمقاومة لأنه يحب زوجته ولا يقدر على فراقها "اسمع آسي العدل. هذه آخر مرة. ابعث إلى زميلك العدل. طلّقاني منه. إني أكرهه. إنه "اشماتة" الرجال ذهبوا للجهاد. وهو لا يبرح الجلوس معي في الدار" ص: 86.

ثم شخصية المكي زوج الضاوية الذي زفّ زوجته إلى القايد ليلة زفافها قبل أن يزفها إلى نفسه " صرخت الضاوية في زوجها صرخة مدوية: كرهتك آلشماتة وأنا عروس بعد فعلة القايد بي، زففت إليه قبلك، حينها كرهت نفسي، شعرت أني جثة، جيفة، هالني الذعر." في مقابل هذه الشخصيات نجد شخصية حمادي أحد أبرز المقاومين والمجاهدين ترك زوجته وأبناءه وأمه، والتحق بالجبال كي يحارب المستعمر.

وفي صفوف المرأة نجد الأمر نفسه، فمنهن من باعت شرفها وجسدها مقابل الوهم مثل طامة التي ارتبطت بعلاقة غير شرعية مع الأقرع، رغم أنها متزوجة بحمادي أحد أبرز المقاومين، ثم "ضحى" ابنة القايد التي فض الضابط الاسباني خوسي بكارتها في عقر دار أبيها، عن طيب خاطرها. و"الضاوية" التي استسلمت لذئاب القايد "هبت واقفة يتملكها الرعب، حاولت أن تصرخ، أن تقاوم لكنها لم تدر لم يستبد بها الذعر إلى حد الخرس كلما حضر هذا الوغد. ص: 48

في مقابل هذه النماذج من النسوة اللواتي لطخن شرفهن، نجد نساء شريفات عفيفات صنعن التاريخ كما قالت الكاتبة في إهدائها، وفي مقدمتهن نجد "ميمونة" التي فضلت أن تُحرق هي وأولادها بالنار، على أن ترضخ لنزوات زبانية القايد وعساكر الاسبان، بل قتلت منهم ما استطاعت بفضل شجاعتها وجرأتها، ثم لايتماس التي تهرب أسلحة المقاومين إلى داخل الدشر، بين أكوام من الحطب الذي تحمله على ظهرها رغم كبر سنها، وكانت تعتبر أن حملها هذا يشبه حمل الاستقلال لبلادها. و"حرية" الفتاة اليتيمة العمياء المرابطة أمام الصفصافة تحرس نفقا يستعمله المقاومون والمجاهدون. كانت هذه بعض النماذج من الشخصيات الواردة في الرواية والتي شكلت محور الفعل السردي.

التقابل الزمني:
- ثنائية الواقع الحلم في رواية «الدار الخالية»

شكل الحلم في رواية (الدار الخالية) فضاء تجلى من خلاله المستقبل، فقد تضمنت حوارات وتداعيات الشخصيات إشارات كثيرة عبرت من خلالها هذه الشخصيات عن صورة المستقبل الذي تنشده. فأغلب الشخصيات تعاني وتشتكي من سوء الواقع، فلا تجد إلا الهروب إلى لغة التمني كتنفيس لما تعانيه من ضيق وانسداد، ف"حرية" مثلا تحلم بعودة أبيها الذي استُشهد كي يعود بصرها، و"موسى" يحلم بمطاردة الاسبان والجن الأحمر، و"طامة" تحلم بالزواج من الأقرع الذي وعدها بأن يُسكنها قصرا بمدينة طنجة، ويُلبسها أجمل الثياب والحلي والفضة، وهي التي لازالت على ذمة زوجها، و"فاطمة" بنت الخماس كانت تحلم بأن تتزوج ابن العدل صاحب النسب والحسب، وسليل أسرة عريقة، وحلم "اللاشعى" في أن تتزوج الشاب الذي أحبته، فيما كان حلم المجاهدين والمقاومين في النصر والحصول على الاستقلال.

كل هذه الشخصيات كانت تعيش واقعا أليما وهشا، تميز بالظلم والقهر والعبودية ونظام السخرة والاستغلال والفقر. إذا فحضور ثنائيتي الحاضر والمستقبل تجلى في كثير من الصور، وخلق حركية داخل النص السردي، فقد حضر المستقبل جنبا إلى جنب في نفوس الشخصيات، مما أسهم في رفع حدة التوتر، وأثرى الحبكة في الرواية، وأنار الكثير من النقاط والبؤر المتعلقة بالشخصيات والأمكنة.

كما أن أغلب الأحلام المُعبّر عنها لم يكتب لها التحقق، فالشخصيات تعيش واقعا تسوده مسحة من التشاؤم، وفي كل مرة تزداد الأمور سوءا، فأغلب الحوادث ساقها الراوي ليعمق صورة قاتمة تلُفّ جميع الشخصيات، ففاطمة بنت الخماس التي تحلم بالزواج من ابن العدل تعرضت للاغتصاب من طرف "الذيب"، وعندما استدعاها العدل إلى بيته تجدّد الأمل في نفسها، واعتقدت أن حلمها بات قريبا من التحقق، فظنت أن العدل سيعرض عليها الزواج من ابنه، لتفاجأ أن العدل يقترح عليها الزواج من "الزيزون" الذي يعمل عنده راعيا، حتى يداري عن فضيحته وخطئه، لأن العدل لم يستطع حماية فاطمة بنت الخماس وأمها، اللتين كانتا تعملان عنده.

ويتجدّد حلمها مرة أخرى عندما عاد "المجاهد ابن العدل" إلى القرية بعدما تدخل القايد لدى الاسبان كي يطلقوا سراحه إثر اعتقاله، ضمن من اعتقل من طلبة جامعة القرويين بفاس، واعتقدت هذه المرة أن حلمها قد تحقق ليخيب أملها، ويُعدم حُلمها مرة أخرى، بعدما علمت أن سبب تدخل القايد لاطلاق سراح ابن العدل هو رغبته في أن يزوجه ابنته "ضحى" التي فرطت في شرفها وفقدت عذريتها مع الضابط الاسباني خوسيه. "طامة" بدورها لم تحقق حلمها عندما غدر بها الأقرع وقدمها قربانا للعساكر الاسبان الذين اغتصبوها ونكلّوا بها وعبثوا بها، كما استغلها كي ينفذ خطته في القبض على زوجها بمساعدتها، وتسليمه للإسبان الذين ذبحوه.

"حرية" أيضا لن يتحقق حلمها بعودة أبيها الذي استشهد، وبصرها لن يعود بعدما تأثرت بالغازات السامة التي استعملتها الطائرات الاسبانية للقضاء على المقاومة الريفية. وحدهم المقاومون والمجاهدون استطاعوا تحقيق حلمهم في الانتصار على المستعمر وإلحاق الهزيمة به.

ويبدو أن رواية "الدار الخالية" ركزت على المستقبل باعتباره حلما جميلا تريد الوصول إليه، وذلك من خلال الالحاح عليه، وتكراره في أكثر من موضع، وفي وعي أكثر من شخصية، وذلك بهدف التخلص من تعاسة الواقع، وقد رسمت تلك الأحلام الكثير من الصراعات النفسية في دواخل الشخصيات وفيما بينها.

التقابل المكاني:
يشكل المكان في هذه الرواية أهمية تضاهي بقية العناصر في توجيه وتركيز الدلالة، حيث غدت المشاهد الوصفية للمكان محملة بالمعاني، ناطقة بالدلالات، فالمكان في "الدار الخالية" أضحى عنصرا شكليا فاعلا فيها لما يتوفر عليه من أهمية كبرى في تأطير المادة الحكائية، وتنظيم الأحداث والحوافز. وكذلك بفضل بنيته الخاصة والعلائق التي يقيمها مع الشخصيات والأزمنة. والحكاية في هذه الرواية لا يعيش منعزلا عن باقي عناصر السرد، وإنما يدخل في علاقات متعددة مع باقي المقومات الحكائية، التي لا يمكن إغفال دورها وتأثيرها في بناء وتوجيه الدلالة، وخلق المعاني داخل النصوص القصصية والروائية. وسنحاول في رواية "الدار الخالية" أن نتلمس بعض مظاهر التقابل المكاني لكن في علاقتها بالشخصيات والزمن، لأن وجود المكان لا يكون غالبا إلا بوجود الشخصيات والزمن.

ثنائية المدينة والقرية:
تبرز هذه الثنائية في رواية "الدار الخالية" من خلال شخصيات أولاد القايد، وابن العدل. فأبناؤهم توجهوا للمدينة للدراسة والتحصيل العلمي "فضحى" و"للاشعى" تتابعان دراستهما بمدينة تطوان بمدرسة اسبنيول، فيما ابن العدل ذهب إلى مدينة فاس وإلى جامعة القرويين. فالمدينة هنا فضاء للعلم وخاصة الدراسات العليا عكس القرية، فالتحصيل العلمي فيها يقتصر على حفظ القرآن الكريم. "سيمكث امجاهد طويلا بفاس .. يقولون إن الدراسة في القرويين طويلة لا حد لها"، ص: 19.

والمدينة تعالج مرضاها اعتمادا على الطب وبها مستشفيات، في حين يعتمد أهل القرية والدشر على ما توفر من أعشاب. وتبدو المدينة في رواية "الدار الخالية" فضاءا مفتوحا، واسعا، كبيرا يسمح للغرباء بدخولها دون أن تفضحهم، لذلك نجد أن كل من ضاقت به السبل في القرية، أو وقع في فضيحة أصبحت المدينة ملاذا له، ويفكر في الهروب إليها. فها هي "الضاوية" بعدما تعرضت للتعذيب والاهانة والاغتصاب والاجهاض من طرف زبانية القايد، وأمام جبن زوجها وتخاذله في الدفاع عن زوجته وعرضه، ها هو يفكر في الهروب من الفضيحة إلى مدينة طنجة، يقول: "سآوي بك إلى جبل بعيد. لا..لا.. بل سنهرب حبيبتي إلى طنجة. أجل طنجة. يقال إنها مدينة كبيرة لا تفضح الغرباء. سنهرب من هذا الجحيم." ص: 51. ونفس الأمر حصل بالنسبة لفاطمة بنت الخماس بعدما اغتصبها "الذيب" قالت: "إنها الفضيحة يا أمي.. فلنهرب بعيدا.

- إلى أين وعيون القايد تترصد القبيلة، والجبال تحاصرنا، والبحر يحاصرنا؟

- كثيرون هربوا يا أمي.. لنهرب إلى الشاون. أو تطوان .. أو طنجة.

- الشاون محصنة بأسوارها، الغريب فيها كشيْبة نشاز بين الشَّعر الأسود، وتطاون عامرة بأبناء القبيلة، أما طنجة فيقال إنها بعيدة، كبيرة كالغول، تُخفي الغرباء في كرشها" ص: 24

أما في القرية وإن كانت مكانا للصفاء والنقاء والأمن والحياة، فهي تُضيّق الخناق على أصحاب المعاناة ومن تورطوا في فضائح. فها هي "طامة" بعد أن انفضحت علاقتها بالأقرع، ومساعدته على القبض على زوجها المقاوم، سار الصبية خلفها كعادتهم يرمونها بالحجارة. ويُعيّرونها "آطامة.. اَلْهامة. باعتْ حمادي للنصارى" 221.

وإذا كانت القرية تحرص على احترام العادات والتقاليد وتربية أبنائها وفق منظومة من القيم المتفق عليها، فالمدينة تبدو أكثر تحررا وأقلّ التزاما بهذه القيم. فها هما ابنتا القايد بعد عودتهما من مدينة تطوان التي تتابعان فيها دراستهما تلجان القرية بلباس عصريّ، وإحداهما تلبس تنورة قصيرة، اندهش لها النساء قبل الرجال "آيَّوْاا ماذا حدث للاّشعى؟ رأسها عريان، وشعرها حليق كالذكور. ولباسها كلباس النصرانيات، أخفين استغرابهن حين رأين أختها ضحى بفستان قصير فوق الركبتين وشعر منفوش وحاجبين مرققين كالخيط"، ص: 162.

يبدو هذا التقابل واضحا في الرواية على المكان بين الماضي والحاضر، مع التأكيد على أن كل شيء جميل في الماضي على مستوى المكان، تم تخريبه في الحاضر بسبب الاستعمار وعملائه. فالدار الخالية كانت في الأصل دار عامرة غامرة بطلبة العلم، يدرس فيها الصغار والنساء، وكان الفقيه السي موحا هو من يتولى شؤونها، وعندما عارض التحالف الذي أبرم بين الاسبان والقايد الكبير تم نفيه إلى الغرب.

والأرض كذلك لم تعد كما كانت بفعل الدمار الذي لحقها بسبب طائرات العدو "آه أيُّ دمار؟ دمّرت طائراتهم وقنابلهم كل شيء...أذابت تابشر والنبات والحيوان والصخر...كلّ من ولد في ذلك العام إمّا مات، أو عاش مشوّها...قنابلهم سمّ زُعاف...حتى الأرض قتلوها فلم تعد تنبت غير العوسج." بعدما كانت هذه الأرض تزخر بأشجار اللوز والجوز وغيرها من الثمار.

- دار القايد نفسها لم تسلم من التغيير والتحول بي الماضي والحاضر، فالدار توصف بالدار الكبيرة، بها دار النار ودار المزاوكات تقصدها كل النساء اللواتي ترملن أو طلقن أو ... لا ينقطع الدخان ولا النار منها دلالة على وفرة الطعام الذي يقدم للمحتاجين والأطفال والجوعى وكل من قصد الدار الكبيرة، وها هي اليوم تتعرض مؤونتها للنفاد بسبب الحصار من طرف القوات الفرنسية والمقاومين وأيضا بسبب إطعام القايد للعساكر والضباط الاسبان المحاصَرين في الدشر "نفخت اخناثة على النار وسعلت. ثم قالت: يا سيدي القايد "المطامر" نفدت، ولم تبق إلا مطمورتي الشعير والذرة. سنصبح كالطير الذي لا يدخر قوته للغد. انحنى القايد على النار يسخن يديه، وغمغم: كالطير.. يصطاده الجياع والعيال؟ دار القايد الدار الكبيرة دار العز.. دار البارود والخبز.."

إن هذه الصورة المتقابلة لواقع المكان بين الماضي والحاضر، جاءت في مجملها عن طريق الجمع بين المتضادات، لتبرز الرواية كيف أفسد رماد الاستعمار ماء الحياة، ورماد الحاضر ماء الماضي المتمثل في العديد من الأمكنة. كما أن الأماكن في الرواية تصير لها دلالة تراتبية تكرس الطبقية، كالتقابل بين دار القايد والعدل وباقي الدور، وحتى الأبواب ترمز لنفس الدلالة، فالباب الرئيسي لدار القايد لا يدخل منه إلا الضيوف وكبار القوم، في حين أن البويبة لا يدخل منها إلا الخدم والعسس والجوعى وطالبي الاحسان لذلك كانت "حرية" ترفض الذهاب الى دار القايد:

"أمسكت لايتماس بكف حرية لعبور الخندق نحو دار القايد ... فاستلت حرية كفها معتذرة:

- لن أذهب.. علي أن أنحني أمام البويبة وإلا اصطدم رأسي بالسقف .. وأنا لا أحب الانحناء.

- ستكرمك يا بنتي الحاجة اخناتة بدل خبز عشبة "آيرنا" الذي يلهب الفم..

- لم تعقب حرية وابتعدت في صمت.

إن قيام الرواية على فكرة التضاد والتقابل أسهم بشكل كبير في تفجير الدلالات، وإيضاح الرؤية القائمة على الصراع والجدل الذي هو جوهر الوجود وقانونه الذي لا يمكن غيابه عن أي عمل إنسانيّ.

التعدد اللغوي في رواية «الدار الخالية»
عندما نتلمس لغة هذه الرواية، نجد أنها اكتسبت تميزا وذلك للتنوع الكبير والثري في خطاباتها، وانفتاح لغتها على روافد عدة جمعت فيها أصنافا من المفردات والرموز والمعاني، حيث جمعت بين لغة التراث المغربي الحكائي، ولغة الرمز والأسطورة، ولغة الكرامات، وأيضا تداخلت فيها اللغة العربية الفصحى باللغة المجازية ثم اللهجة المغربية والأمازيغية كما استثمرت أيضا المواويل والأزجال والأمثال الشعبية. إضافة إلى كل هذا، فقد اعتمدت الرواية على تعدد الرواة، حيث تولت كل شخصية تقريبا الحديث عن نفسها وعن هواجسها، مما عمّق وأثرى التعدد اللغويّ، حيث تعبر الشخصية عن لغتها الخاصة، وبذلك تتميز بخطابها عن بقية الشخصيات.

ومن خلال لغة السرد والوصف والحوار نجد أن الرواية زاوجت بين مستويين من اللغة هما اللغة الفصحى، واللغة العامية الدارجة، حيث غلبت اللغة الفصحى على السرد والوصف بينما انفردت لغة الحوار بالجمع بين اللغتين. وهذا أمر مشروع في الكتابة الروائية التي تريد أن تنتصر لواقعية الفن، وتريد أن تنطق الشخصيات باللغة التي تتلاءم مع مستواهم الاجتماعي والثقافي والفكري. وهذا التوظيف للغتين يجعل الرواية أكثر تعبيرا وأكثر انفتاحا، وتعطي للراوي مجالا أوسع للخلق والابداع، لأنه بهذا يبتعد كثيرا عن اللغة المعيارية، ويستطيع أن يتوارى خلف الشخصيات ويتركها تتجابه فيما بينها، وتنسجم مع ما يصدر عنها، وتعبر فعلا عن جوهرها، فتتميز وتتحدد وتتباين. ومن هنا يتجلى الدور الفعال لهذا البناء القائم على التقابل بين اللغات، والذي يعد بعدا أساسيا في تحقيق جمالية الرواية.

التقابل في لغة الوصف والحوار:
لعب الوصف في رواية "الدار الخالية" دورا مهما في بناء معمار الرواية، فقد اعتمد عليه الراوي لنقل عالمه التخييلي إلى المتلقي، كما يكشف عن العلاقات التي تحكم الشخصيات فيما بينها، ويكشف عن مواقفها ونظرتها لبعضها البعض، ويمكن أن يكون وسيلة لكشف المفارقات. وللكشف عن التقابل في لغة الوصف نسوق مثالين نجد فيهما الراوي وهو يصف أجواء الطبيعة في الدشر، يقول: "أسدل الليل سواده القاتم على الدشر، نجمات بعيدة تومض هنا وهناك .. تتردد أصداء أصوات الوحوش والهوام والرياح والبحر والأشجار بين الجبال ... وعلى التلة قبالة الجبل، نار خافتة تومض بالدار الخالية، ورائحة شواء تتشبث بتلابيب الرياح ... يبدو أن الجن الأحمر قد غط في نوم عميق بعد سهرة ملتهبة."

وفي النهار تتحول الطبيعة إلى النقيض: "جلست فاطمة على صخرة .. قدماها تلهوان في الماء المنسكب من الجداول المنحدرة من الجبل، بعد انصهار الثلج تحت أشعة الشمس يَطرب قلب فاطمة بين الألق .. ينساب الماء رقراقا وديعا .. يغازل الأعشاب والأغصان المتدلية على حافتي الخندق .. تنعكس أشعة الشمس على صفحة الماء ... يشع بداخل فاطمة ألق يومض أملا .. تغني الطيور حبورا .. تلامس أجنحتها الماء الصافي في قاع الخندق، يسبح سمك ملون وهو يشق طريقه بين الصخور والأعشاب."

ويؤدي الوصف في هذه الرواية دورا في إبراز علاقات الاختلاف والتنافر بين الشخصية في نظرتها إلى المكان، فقد تعبر الشخصيات عن اختلافها في حب أو كره أمكنة بعينها، ويظهر ذلك من خلال الأوصاف التي تطلقها على المكان نفسه، فالدار الخالية بالنسبة للأقرع هي دار يشدّه الحنين إليها ... وإلى نارها ... ونسائها ... ولياليها الصاخبة .. وتبدو له من بعيد مشرعة الباب.

في حين تنظر النسوة إلى الدار الخالية نظرة مختلفة: "تنوء النسوة راكعات تحت حُزم الحطب الثقيلة نحو الدار الخالية ... أمرهنّ الأعور أن يبدأن طقوس احتراق قرابين الدار الخالية ... أشعلن النار، فتأججت تلتهم الحطب كوحش ضار يسبقها الشرر والدخان." 47 ومن خلال المشهدين السابقين يتضح لنا ما يحققه الوصف من إبراز للاختلافات في وجهات النظر بين الشخصيات في الحكم على الأشياء، والمواقف منها.

وبالنسبة للتقابل في لغة الحوار، فالمشهد الحواري في الرواية يمثل وقفة تُجنّب القارئ الاحساس بالضجر الناتج عن هيمنة السارد على إدارة الحكاية، مما يثير لديه بعض التشويق. هذا وقد لعب الحوار في هذه الرواية أيضا دورا مهما في إفساح المجال أمام الشخصيات للتعبير بمفرداتها الخاصة ولهجاتها ومستوياتها، وبذلك تظهر من خلال جمعه لعدد من الشخصيات التي تتولى التحاور، وتداول الكلام توافقا، أو اختلافها أو تناقضها في مواقفها وأفكارها وميولها، وطبائعها وانفعالاتها، إضافة إلى إبراز أساليبها في الكلام وطرقها في التعبير.

وقد جرت على طول فقرات ومشاهد "الدار الخالية" حوارات جمعت بين شخصيات كشفت صراعا بينها، وكان أبرز هذه الحوارات ما دار بين الأعور من جهة، وميمونة وحماتها من جهة أخرى: " تجأرُ العجوز بصوت متحشرج: أنا بالله والشرع ابتعد عنا..ما نحن سوى امرأتين .. ستعيّرك القبائل بنا.

- قهقه ونهرها: اخرسي آلشارفة يا وجه جهنم. أتعرفين الله والشرع. وماذا فعل عندك العسكر اسبانيول؟

- صرخت ميمونة من أعلى: اخرس أيها الذئب، ألم تعرف ماذا فعلنا مع العسكر النصارى؟ أقسم أمام كلابك الضالة، وأمام الملأ: لن أستسلم .. النار ولا وجوهكم."

يكشف هذا المقطع عن مستوى الصراع والتوتر بين زبانية القايد المتعاونين مع الاحتلال وبين باقي سكان الدشر، وخاصة زوجات المقاومين والمجاهدين. وفي الأخير نقول: إن التقابل كان حاضرا في لغة الوصف، وكذا في لغة الحوار، من خلال خلق التعدد والتضاد بين الشخصيات الشيء الذي زاد من ثراء النص وجماليته.

وعلى مستوى المحاور التي تتضمنها الرواية، فهي أيضا تخضع في بنائها للتقابل والتعدد، وأسوق هنا على سبيل المثال مبدأ الحرية الذي تمثله كل من "حرية" الفتاة اليتيمة والعمياء التي ترفض الذهاب إلى دار القايد، لأن المرور إليه يبدأ بالانحناء عند ولوج البويبة لقصر طولها، وهي التي ترفض الانحناء مطلقا، لأنه يُشعرها بالذل والمهانة. في مقابل الحرية تحضر العبودية في الرواية ممثلة في الحاجة "اخناتة" التي قبلت على نفسها أن تعيش عبدة بدار القايد، وبالضبط بدار النار، تقابل الكوانين والنار والدخان. ونجد في الرواية أن قيمة الحرية يمكنها أن تُمحور إما كهروب مكاني نحو المدينة، أو ما وراء الجبال والبحار، وإما كهروب زمني باستحضار المستقبل في صورة الاستقلال.

نجد أيضا موضوع "البؤس" ويقابله "الحلم". فالواقع المر والبئيس لأغلب شخصيات الرواية تجعلها دائما تحلم بواقع أفضل، فأغلب شخصيات الرواية تحلم، وقد شكل الحلم أهم محاور الرواية، ف"حرية" تحلم بعودة أبيها وبصرها، فيما "طامة" تحلم بالزواج بالأقرع الذي سيسكنها في إحدى الفيلات بطنجة ويوفر لها العيش الكريم، "الأعور" بدوره يحلم أن يصير باشا، فيما باقي الشخصيات المنتمية لمعسكر المقاومة يحلمون بالنصر والاستقلال. وتتعدد المحاور والموضوعات المتقابلة في الرواية، وسنكتفي بالاشارة إلى موضوع الشرف الذي يقابله في الرواية الاغتصاب والعيش الذليل، ثم موضوع المقاومة وصورة عبد الكريم الخطابي ويقابله الخنوع والاستسلام والعمالة ممثلة في صورة القايد وزبانيته.

خاتمة:
بعد هذه الجولة التي قادتني إلى تتبع التقابل وأثره في رواية "الدار الخالية" للكاتبة نبيلة عزوزي وصلت إلى أن الرواية خضعت في بنائها إلى مبدأ الجدل أو حوار الحدود المتقابلة، وقد ساهم هذا القانون في ثراء هذا النص ومعناه، وفي صياغة التراكيب الجميلة والبليغة. ومن خلال تحليلي للمكونين السرديين "الحدث والشخصيات" وتتبع مساراتهما في الرواية خلصت إلى أن التقابل شكل عاملا مهما في بناء هذين المكونين خاصة، فالحدث والشخصية لا يقدّمان إلا وفق علاقات تقابلية، مما أكسب الرواية بلاغة وجمالية. ومهما حاولتْ أن تخرج هذه القراءة في أحسن صورة، فإن هذا العمل يبقى ناقصا وما أتمناه هو أن تكون هذه المساهمة إضافة مفيدة لما قيل وسيقال عن الرواية.