يبدأ الباحث مقالته بضرورة «استرداد طه حسين». حيث تزداد الحاجة في الواقع الراهن لمشروعه التنويريّ، وإعادة قراءة مؤلفاته المرتبطة بحاضرنا لا بماض منقض. لأن واقع الحال يُنبئنا أنّنا نستنسخ الماضي ذاته، ولا فكاك إلا بالعثور على مفاتيح العبور التي تبدأ بطه حسين: قراءته وإعادة قراءته وفهمه ونقده ومساجلته.

سجالات طه حسين: شعبويّة؟ لا، شكرًا!

يـزن الحـاج

 

«قد يبدو العدد الأول من كتابنا الدوريّ "قضايا وشهادات" لهاثًا وراء الاحتفال الذي تماوجت ضوضاؤه على مدار السنة المئويّة لميلاد طه حسين [1989]، ولكنّ الأمر محض صدفة. فلو صدر هذا الكتاب منذ فكّرنا فيه منذ سنتين لكان طه حسين موضوع ذلك العدد، وكذلك الأمر لو تأخّرنا في إصداره سنة أو سنتين أخريين. لأنّ كتابًا دوريًا يتوخّى الدّفاع عن العقل، وحلم المجتمع المدنيّ، والفكر التاريخيّ والاستقلال والتقدّم، ويحلم فوق ذلك بإحياء محاولات التّنوير العربيّ، وربطها في سياق متلاحم وفعّال، لا يمكن إلا أن يبدأ بطه حسين. وهل عرف تاريخنا المعاصر مشروعًا تنويريًا جذريًا شاملًا كذلك الذي صاغه طه حسين، وقضى حياته في بنائه والدّفاع عنه؟»

تلك كلمات سعد الله ونّوس في العدد الأول من "قضايا وشهادات" (شتاء 1990)، وهو كتاب دوريّ صدرت منه أعداد قليلة قبل أن يُوأد كما وُئد مشروع طه حسين. كان الوأد كاملًا تقريبًا في حالة مشروع ونّوس وعبد الرحمن منيف وفيصل درّاج، إذ اختفت الأعداد باستثناء مقالات متفرّقة هرّبها أصحابها في كتب لاحقة. وقد كان من حسن حظي أنّي قرأت تلك الأعداد قبل خمسة عشر عامًا وبقي أثرها موشومًا في عقلي، على الأخص ذلك الكتاب الذي خُصّص لطه حسين. الاقتباس أعلاه من المقالة الافتتاحيّة التي كتبها ونّوس تحت عنوان لافت: «استرداد طه حسين»؛ والاسترداد لدى ونّوس مرتبط دومًا بقضايا جوهريّة ضائعة، كأن يسترد كلمة «لا» المقموعة التي دفنتها مستنقعات «نعم»، وأن يسترد روح طه حسين ومشروعه التنويريّ الذي نجا من محاولات وأده المتلاحقة منذ خمسينيّات القرن الماضي، إلى أن باتت أعماله كلّها متوفّرة اليوم ولكن الوفرة وأد آخر، إذ اكتفينا بالتّهليل لتوفّر أعماله ولم نقرأها لأسباب عديدة لعلّ أهمّها غرورنا التّافه الذي يُصوِّر لنا أنّ طه حسين ومشروعه مرتبطان بماضٍ بعيد لا يربطه بحاصرنا رابط، ولكنّ واقع الحال يُنبئنا أنّنا نعيش ذلك الماضي ذاته، بل ربما نعيش ماضيًا أزليًا لا فكاك منه إلا بالعثور على مفاتيح العبور التي تبدأ بطه حسين حتمًا: قراءته وإعادة قراءته وفهمه ونقده ومساجلته. والنقطة الأخيرة هي محور مشروع طه حسين: أن تُساجل وأن تُحرّض وأن تُقلق دومًا، لا أن تركن إلى أيّ بدهيّات لأنّ الركون يعني الثّبات والركود بالضرورة.

مشروع طه حسين دائريّ يمكن لنا أن نبدأ فيه من حيث نشاء: أبو العلاء المعريّ، المتنبّي، الشعر الجاهليّ، ابن خلدون، التاريخ الإسلاميّ، الإغريق، الأدب الفرنسيّ، السيرة الذاتيّة، والمقالات. الجوهر واحد وإنْ اختلفت مظاهره واتّجاهاته: عقلانيّة تبدأ بالشك، ولا تركن إلى أيّ يقين. سأختار المقالات هذه المرة، وسأركّز على كتاب منسيّ تقريبًا: "خصام ونقد" (1955). التاريخ مهم لأنّه تزامن مع بدايات صعود أفكار ثورة يوليو التي خاصمت العميد ومشروعه الذي ينهض بالحريّة وعليها فيما كانت ثورة الضبّاط –على أهميتها- ثورة عسكريّة وسياسيّة واقتصاديّة، تتبرّم من الحريّات ومن الديمقراطيّة، وتحاول تغيير نظام قائم لتكرّس نظامًا قائمًا آخر. هُمّش العميد واكتفى بمقالات في جريدة «الجمهوريّة»، ولكنّه باغت الجميع بإصراره على إكمال معركته من الخاصرة الأضعف لنظام الثورة، ولمناصريه من المثقفين الجدد: الجانب الثقافيّ والأدبيّ. ولنا أن نُفاجأ بأنّ سجالات العميد راهنة ومهمة اليوم كما كانت مهمّة قبل أكثر من ستين عامًا، بل ربما أهم بكثير، لأنّ العميد شهد أولى لحظات إغراق الفن بالنظريّات حين كانت تلك النظريّات يساريّة فقط، قبل زمن الصوابيّة السياسيّة وجحيم النقد الثقافيّ الذين يخنقنا اليوم. لم يكن ذلك الزمن ورديًا إذن، ولكنّه مشرقٌ بالمقارنة مع زمننا الكامد هذا. المهم هنا هو أنّ طروحات العميد كُتبت من أجل الآن وهنا.

* * *

الحرية فالحرية ثم الحرية
تتعاظم المفاجأة حين يفتتح العميد كتابه بالإشارة إلى «محنة الأدب» حيث يرى أنّها «راكدة خامدة ما في ذلك شك». ماذا عن حياتنا الأدبيّة اليوم إذن، إنْ كانت الخمسينيّات راكدة؟ يجيبنا العميد بأنّ سبب هذا الركود هو ركودنا نحن لأنّنا «قوم مترفون لا نريد أن نشق على أنفسنا حين نكتب، ولا نريد أن نشق على أنفسنا حين نقرأ، وأحبّ شيء إلينا أن نقرأ المقال ثم ننساه». ستون عامًا وأكثر لم تغيّر المعادلات برغم مرور انقلابات وحروب وانتفاضات، بل تضاعفت بلّة الطين أضعافًا مع اجتياح مواقع التواصل حياتنا اليوميّة بتفاصيلها كلّها. ما الداعي لقراءة كتاب إنْ قرأنا الاقتباسات أو – لو أتعبنا أنفسنا قليلًا – قرأنا ويكيپيديا؟ أين المجلات التي تنشر دراسات وبحوثًا؟ ما من داعٍ لها لأنّ القرّاء اعتادوا على المقالات السريعة! أستدعي هنا تجربة شخصيّة حين كتبتُ في مواقع إلكترونيّة عديدة من تلك التي تكاثرت كالفطر بعد عام 2011، وكان الشرط الأهم (قبل جودة المقالات أو أصالتها) عدم تجاوز 400 أو 500 كلمة. تبرمجت عقولنا على القراءات السريعة، ولا أقصد القرّاء فقط هنا، إذ يسري الأمر على الكتّاب أكثر. البلاغة في الإيجاز، لا شك ولا ريب، ولكن لا ينبغي لنا تصوُّر أنّ الإيجاز الذي يدفن حياتنا الثقافيّة اليوم يومئ إلى بلاغة حقًا، بل العكس تمامًا: نكتب بإيجاز ونقرأ بإيجاز لأنّنا –بكل بساطة– لا نتقن الكتابة والقراءة. أميّة من نوع آخر: أميّة تحويل الثقافة إلى كبسولات مقالات قصيرة أو منشورات فيسبوكيّة، تنتهي آثارها بانتهاء قراءتها.

هل السبب ذاتيٌّ فقط يرتبط بخوائنا وضحالتنا؟ لا طبعًا، إذ يتناول العميد قضيّة أخطر تتّصل بالحريّة وبالرقابة. يبدو طه حسين بادئ الأمر وكأنّه يحاول التهرّب من اتّهام سُلطة يوليو مباشرة، ولكنّ الأمر –كما يعلّمنا التاريخ والعميد– أكبر من حصره في سُلطةٍ بعينها. يرى العميد أنّ «الحريّة الحرة» جزءٌ جوهريٌّ من أجزاء الثقافة ومكوّناتها. لا ثقافة بلا حريّة، ويقول إنّ المصريّين حُرموا الحريّة أكثر من خمس عشرة سنة خلال ربع القرن الذي يفصل بين أواسط العشرينيّات وبين ثورة يوليو. ولنا أن نمدّ فترة القحط تلك إلى يومنا هذا، على الأخص حين ننظر إلى عصر العميد بوصفه أحد أزهى العصور الثقافيّة العربيّة. وبما أنّ العميد يأبى إلا أن يؤثر «سخط العقول على رضاها»، نراه يمدّ حدود الحريّة المطلوبة إذ يوقن أنّ مَنْ يمسك سوط القمع ليس الحكومات وحدها، بل الشّعوب أيضًا، بل إنّ القمع الشعبيّ أقسى، إذ «ربما كانت الحكومات في هذا العصر أقل خطرًا على حرية الأدباء والفلاسفة والعلماء وأصحاب الفن من الجماعات». وهذا بالطبع ليس تنزيهًا للحكومات بل إشارة واضحة إلى توازي القمعين أو اتّحادهما أحيانًا بحيث يدفع الأديب الثمن كما رأينا ونرى في حالات لا حصر لها، كان العميد بنفسه أحد ضحاياها مرارًا. أظنّ أنّ ما يقصده العميد هنا هو أنّ قمع الحكومات هيّن حين يكون مُسلَّطًا بدوافع سياسيّة محضة، ولكنّه يتغوّل إلى درجات خطيرة حين يرتدي لبوس التابو الاجتماعيّ بحيث يصبح الأديب عدوًا للمجتمع وللشعب لا عدوًا للحكومة. ولكنْ لا يأس ولا تيئيس في دنيا طه حسين إذ تومئ حياته الفكريّة ضمنًا إلى أنّ مقارعة القمع لا تكون في الإشارة إلى مواطنه وحسب، بل في العمل الدؤوب في محايلة السّلطتين الحكوميّة والشعبيّة معًا، وهذا درس هام لم يفهمه مثقّفو الانتفاضات والربيع الذين ركّزوا جهودهم على الهجوم واستنزفوا طاقتهم في مقارعة السُّلطة، ونسوا أنّ الناس قد يتحمّسون للخطاب التحريضيّ برهةً، ولكنّ آثاره ستتلاشى بتلاشي الصراخ ما لم يكن ذلك الصراخ موازيًا لعمل صامت دائم يؤسّس للمراحل القادمة. لو تأملنا مسيرة العميد سنجد أنّ أعظم مؤلّفاته المتنوّعة كانت في فترة القحط تلك، ابتداء بالجزء الأول من كتاب "حديث الأربعاء" (1925) وليس انتهاءً بالجزء الثاني من "الفتنة الكبرى" (1953)، ومرورًا بكتب عظيمة تستحق إعادة قراءة اليوم أكثر من أيّ وقت مضى: "في الشعر الجاهليّ" (1926)، "على هامش السيرة"(1933-1943)، "مستقبل الثقافة في مصر" (1938)، مثالًا لا حصرًا.

* * *

شعبويّة؟ لا شكرًا!
ومنهم من يقول إنّ الناس جميعًا في حاجةٍ إلى أن يقرأوا ويفهموا ويذوقوا ويستمتعوا بالجمال الأدبيّ، فيجب أن يكون الأدب قريب التّناول يستطيع كل إنسان أن يذوقه ويمتّع به، ... فينبغي أن يكون الأدب شعبيًا يفهمه ذو الثقافة الممتازة وذو الثقافة المتوسطة وذو الثقافة الضئيلة، ولا ينسون إلا شيئًا واحدًا هو أنّ الأدب فنٌّ رفيعٌ. والفن الرفيع لا ينزل، وإنّما يرقى إليه طلّابه ومحبّوه.

لن يعجب هذا الاقتباس معظم مثقّفينا اليوم إذ يرون أنّ الأدب أداة تعبويّة وتحريضيّة لا بدّ أن تكون مفعمةً بالأفكار الثوريّة النضاليّة التحرّريّة، على الأخص لو كانت مكتوبةً بأقلام نسائيّة أو مثليّة أو من أحد أبناء الجماعات المهمّشة، أما الجماليّات فليست إلا نوافل لا تعنينا في شيء، ولا بأس من تجاوزها وتناسيها في سبيل القضيّة الكبرى في أن ننطق بصوت من لا صوت لهم. وكأنّ هذا لا يستقيم مع ذاك! وكأنّ من المعيب أن نناقش جودة العمل قبل مضمونه أو بالتوازي معه، ولم يعد غريبًا أن نقرأ عبارة «فلنترك نقاش مستوى العمل فنيًا لأنّها مسألة ثانويّة»، وهذا لا يكون إلا في الفن وحده، إذ يناقش هؤلاء أدقّ تفاصيل جودة الأثاث أو السيارات أو الموبايلات، بينما نكفر لو طالبنا بالمنطق البسيط: فليكن الفن فنًا أولًا، إذ سنكون حينها من الشكلانيين أو البورجوازيّين أو اليمينيّين أو أصحاب البرج العاجيّ أو أيّة تهمة جاهزة من تلك التّهم التي تملأ قواميس الصوابيّة السياسيّة.

لا يخاف العميد من الجهر برأيه، ولا ينبغي لنا أن نخاف نحن أيضًا، لأنّ مسألة إعادة الفن إلى مكانه الطبيعيّ فنًا ليس مسألة ثانويّة بل جوهريّة لا معنى للفن من دونها. تريد تحريضًا وأفكارًا بمعزل عن الجماليّات؟ اكتب منشورًا أو مقالًا ووفّق الله الجميع! لا يملك أحدنا علم الغيب وسنعجز ربّما عن توقّع مآلات الصوابيّة السياسيّة، ولكنّ المستقبل يُقرأ استنادًا إلى الماضي، ولا نجد في الماضي والحاضر فنًا تجاوز اختبار الزمن من دون أن يكون محقّقًا لشروط الجماليّات قبل الأفكار، وكذا فقد رأينا وسنرى غروبًا لموجات متتالية من النظريّات النقديّة التي تحاول نسف مفهوم الفن وتروّج لأعمال استنادًا إلى مدى اتّساقها مع نظريّاتها القاصرة، ومضت غير مأسوف عليها كما سيمضى غيرها. ربما ستلاقي رواجًا وقتيًا واحتفاء عابرًا، ولكنّ الزمن هو المحك الأول والأخير للفن، وهو الفيصل في ما يكون فنًا يخص عصرًا بعينه أو فنًا عابرًا للعصور ولكلّ العصور.

هل الفن للفن أم للمجتمع؟ السؤال غير دقيق، كما يعلّمنا طه حسين، لأنّ هذا الفصل الحاسم لا معنى له. فالفن حين يكون فنًا حقًا سيكون للفن وللمجتمع في آن. ولكن لا ينبغي لنا تسخير الأدب قصديًا لأيّة غاية من الغايات لأنّه غاية في ذاته، أو كما يعبّر العميد بدقّة: «الأديب يكتب لأنّه لا يستطيع إلا أن يكتب»، وهذا يتوازى مع مثال أوسكر وايلد الشهير عن الزهرة التي تُزهر لتبتهج بنفسها، بصرف النظر عن بهجتنا بإزهارها أو عن الاستفادة التي قد تطال أحدنا من تلك الزهرة. ولذا يكرّس العميد جهدًا كبيرًا في التّنظير لـ «الحياة في سبيل الأدب»، حين يربط بين مسألتين متوازيتين لا معنى ولا سبيل إلا فصلهما: حرية الأديب في أن يكتب ما شاء بلا رقابة سلطويّة أو مجتمعيّة، وحريّة الأدب في أن يكون غايةً في ذاته. وبذا ينسف طه حسين ضمنيًا تلك المدرسة النقديّة المدرسيّة التي تركّز على مناسبة هذا العمل الأدبيّ أو ذاك، لأنّ الفن لا مناسبة له إلا في أن يكون قد أُنتج برغبةٍ من صاحبه بصرف النّظر عن الغاية الوقتيّة المرادة منه، فمديح المتنبّي لسيف الدولة ليس غاية للقصائد التي كانت وستبقى أكبر من سيف الدولة، ومعلّقة امرئ القيس أكبر من مجرّد دلالة جغرافيّة على أطلال هذا الموضع أو ذاك، أو رغبةٍ عابرة في الإفصاح عن حبٍّ لمحبوبة بذاتها. ولذا ينتقل العميد إلى تمييز جوهريّ يهمّنا اليوم أيضًا بين «الأدب الثائر» و«الأدب الثوريّ»، إذ يرى محقًّا أنّ ما بين أيدينا من أدب يولد بولادة الثورة، أيّة ثورة، ليس إلا أدبًا ثائرًا ينتهي بانتهاء أصداء صرخات الثورة الأولى، بينما الأدب الثوريّ «ليس هو الأدب الذي أنتجنا أو الذي ننتجه الآن، إنّما هو الأدب الذي سينتجه أبناؤنا وأحفادنا حين يُتاح للثورة أن تبلغ غايتها وتحقّق أغراضها». وبذا يزيل العميد جميع الالتباسات التي قد نُسبغها على الأدب كي يكون لأيّ شيء باستثناء أن يكون أدبًا أُنتج لذاته ومن أجل ذاته، من دون أن يعني هذا نخبويّة جوفاء ينفر منها العميد نفوره من الشعبويّة الجوفاء؛ فالفنّ ليس طلسمات وألغاز من جهة وليس بيانات تحريضيّة من جهة أخرى.

لن يُستنفد كتاب "خصام ونقد"، أو أيّ كتاب من كتب طه حسين في مقالتي هنا أو في مقالة لغيري، بل هي مناسبة لإعادة قراءة أعمال أعظم عقل فكريّ عربيّ في القرن العشرين (لغيري أن يضع مرشّحيه لو شاء) عاش حياته من دون أدنى اكتراث ليقينٍ زائلٍ في أن يكون فردًا من أفراد جماعةٍ بعينها، بل إنّه يرى (محقًا مرةً أخرى) بأنّ وجوده في جزيرة لا تعترف بها أيّ ساحل أحد أهم المزايا التي أتاحت له الإبداع من دون محاولةٍ لإرضاء هذا أو ذاك، ويعلّمنا دومًا بأنّ أوّل تمرّد ينبغي أن يكون على جماعتك ذاتها، وبأنّ الكتابة تعني بالضرورة النّفور من الدعة والاطمئنان بصرف النظر عن الاتّهامات التي قد تطالنا. رحل متّهمو العميد ونسيهم التاريخ، وبقي هو لعصره ولعصرنا وللعصور القادمة طالما أنّ الشوّاغل والمشكلات التي تناولها ما تزال هي ذاتها اليوم. علّمنا طه حسين ويعلّمنا أنّ العقل النقديّ هو الشرط اللازم والكافي لأيّة قراءة أو كتابة أو إنتاج بما فيه إنتاجه هو الذي يتجدّد بتجدّد القراءات والانتقادات.

 

(نقلًا عن جدلية)