على حافة العالم، يولد الشعر، مثل قصيدة إميلي ديكنسون: سوف أعرف لماذا؟ بعد فوات الأوان، أو إليوت، حيث يسقط الظل ما بين الرغبة و تحقيقها أما جيليك، فهي تغمض عينيها حتى لا ترى الضوء، تراها صديقتها تغمض عيني الله، يولد الشعر حين يغمض الإله عينيه.

قصائد لشاعرة نوبل 2020

لويز جليك

ترجمة: أسماء يس

 

البِرْكة

الظلامُ يغطي البِرْكة

تحت القمر المستدير أرى وجهكَ
يسبحُ بين الأسماك والنجوم الصغيرة

في نسيم الليل يمسي سطح البركة معدنيًّا

عيناك مفتوحتان
أتعرَّفُ فيهما على ذاكرتك

وكأننا نشأنا معًا

كانت المهور ترعى في التلال

رمادية مرقطة بالأبيض

الآن ترعى مع الموتى
الذين ينتظرون مثل الأطفال في دروعهم الجرانيت

رائقين.. عاجزين

والتلال بعيدة

صارت أغمق مما كانت في الطفولة

ما رأيك بالاستلقاء بهدوء قرب الماء؟

أريدُ أن ألمسك، لكن لا تفعل، لأننا في حياة سابقة كنا من دم واحد

 

حديقة الصيف

1

منذ عدة أسابيع عثرتُ على صورةٍ لأمي
جالسة في الشمس، وجهها متورد بعظمة وتحقق
كانت الشمسُ مشرقة، والكلاب نائمة عند قدميها
والزمن كذلك، هادئ ونائم، مثلما في كل الصور
مسحتُ التراب عن وجه أمي
في الواقع، كان التراب يغطي كل شيء؛
وكأنه غشاوة النوستالجيا الصلبة التي تحمي آثار الطفولة
على خلفية الصورة، وعلى أثاث الحديقة، وعلى الأشجار والشجيرات

انخفضت الشمس في السماء، فأمسى الظل أطول وأغمق
كلما أزلتُ الترابَ، كلما استطال الظل
حلَّ الصيف
وأخذَ الأطفال يميلون على الزهور
حتى اختلطت ظلالهم بظلالها
خطرت ببالي كلمة تعني التبدل والتغير
كان هذا المحو جليًّا الآن
ظهرت سريعًا ثم اختفت
أكانت عمى أو ظلمة أو خطرًا أو ارتباكًا؟
حلَّ الصيف، ثم الخريف،

تساقطت الأوراق
وأضحى الأطفال نقاطًا لامعة من مزيج البرونز والتراب

2

حين استعدتُ نفسي لوهلة من هذه الأحداث
أعدتُ الصورة إلى مكانها؛
بين صفحتي كتاب قديم

كان الكثير من تفاصيل الصفحة مشروحًا في هوامش جانبية

أحيانًا بالكلمات، لكن غالبًا بأسئلة، وجمل متعجبة
مثل "أوافق"، "لست متأكدة"، "أنا حائرة"

كان الحبر باهتًا في بعض المواضع؛

لم أستطع معرفة الأفكار التي خطرت لقارئها

لكن من خلال تلك البقع التي تشبه الكدمات

راودني شعور بالاستعجال
بينما انهمرت دموعي

حملتُ الكتاب للحظة

كان كتاب "الموت في فينيسيا" مُترجمًا

تأملتُ الصفحة،

وكما يعتقد فرويد،

ليس ثمة مصادفات

دفنتُ الصورة الصغيرة مجددًا
كما يُدفن الماضي في المستقبل
في الهامش كانت هناك كلمتان
موصولتان بسهم
"عُقْم"، وإلى الأسفل منها "نسيان"

"وبدا له المُحْضِر الشاحب اللطيف واقفًا هناك، فابتسمَ وأومأ".

 

3

كم هي هادئة الحديقة

لا نسيم حتى يهز الكرز الكورنيلي!

حلَّ الصيف

كم هي هادئة

الآن بعد أن انتصرت الحياة

أعمدة الجميز الخشنة تحمل أوراق الشجر الثابتة

والعشب من تحتها

خصب، قزحي اللون

والإله المختال في وسط السماء

يقول هو إن الأشياء كما هي

لا تتغيَّر

والإجابات لا تتغيَّر

كم هو صامت المسرح

وكذلك الجمهور

حتى إن التنفس يبدو تدخُّلاً!

لا بد وأنه قريب للغاية

والعشب بلا ظل

كم هو هادئ

كم هو صامت

تمامًا مثل ظهيرة في بومبي!

4

صَحبتْ بياتريس الأطفال إلى حديقة سيدارهيرست
كانت الشمسُ مشرقة

مرت الطائرات جيئة وذهابًا
سلميَّة

لأن الحرب انتهت

هذا هو العالم في خيالها؛
حيث الصواب والخطأ ليس لهما أهمية

عالم لامعٌ ومصقولٌ

لم يهبُّ الغبار بعد على سطح الأشياء فيه

مرَّت الطائرات ذهابًا وإيابًا

متجهة إلى روما وباريس؛

لا يمكنك الوصول إلى هناك

إلا إذا كنت تحلق فوق الحديقة

كل شيء يجب أن يمر

ليس في إمكان شيء أن يتوقف

يُشَبِّكُ الأطفال أياديهم معًا

ثم يميلون ليشموا الورد

كانوا خمسة وسبعة

بلا نهاية، بلا نهاية

هكذا كان تصوُّرها للزمن

جلستْ على مقعد مُخبأ بين أشجار البلوط

بعيدًا

اقترب الخوف ثم ذهب

ومن محطة القطار جاء الصوت

كانت السماءُ وردية برتقالية

عجوزًا

لأن النهار انتهى

لم يكن هناك رياح

والنهار الصيفي يلقي بظلال بلوطية الشكل على العشب الأخضر.
 

موسيقى سماوية
عندي صديقةٌ لا تزالُ تؤمن بالسماء

ليستْ غبيةً، ومع كل ما تعرفه،

لا تزالُ تتحدث إلى الله

تعتقد أن هناك، في السماء، من يستمع

وهي على الأرض،
مؤهلة بشكل غير عادي
، وشجاعة، قادرة على مواجهة الكراهية

على التراب وجدنا يرقةً ميتةً

والنمل الجشع يزحف فوقها

دائمًا تؤثِّر الكارثة بي،

أحرصُ على مقاومة الحيوية

لكني خجولة أيضًا

أغلق عينيَّ بسرعة

بينما صديقتي قادرة على المشاهدة

على السماح للأحداث بالانتهاء كما تريد الطبيعة

ومن أجلي، أبعدتْ النمل عن اليرقة الممزقة

ووضعتها بعيدًا على الطريق

تقول صديقتي إنني أغمضت عيني على الله

نفورًا من الواقع
لا يوجد تفسير آخر

وإنني مثل طفلةٍ تدفن رأسها في الوسادة

كي لا ترى شيئًا

الطفلة التي تعتقد أن الضوء يسبب الحزن

صديقتي تتصرف كأم؛ تشجعني،

لأكبر مثلها، وأصير شخصًا شجاعًا

لتنبيه شخص ناضج مثلها

شخص شجاع في أحلامي

تلومني صديقتي

ونحن نسير على الطريق نفسها

لكننا في الشتاء الآن

وقد أخبرتني أنني إن أحببتُ العالم

أستطيع سماع موسيقاه السماوية

تقول: انظري

وعندما أنظرُ لا أجدُ شيئًا؛

أجدُ غيومًا، وجليدًا، وأشجارًا بيضاء

مثلما تقفز العرائس في الهواء

أخشى عليها

أراها عالقةً في شبكة محكمة

ملقاة على الأرض

في الواقع، نجلسُ إلى جانب الطريق

من وقت إلى آخر نشاهدُ غروب الشمس

يخترق صوتُ العصافير الصمت

هذه هي اللحظة التي نحاول فيها شرح الحقيقة؛

أننا مرتاحتان لفكرة الموت، للعزلة.

صديقتي ترسم دائرة على التراب

وفي داخلها، اليرقة لا تتحرك

تحاولُ دائمًا أن تصنع شيئًا كاملاً

شيئًا جميلاً، صورة قادرة على الحياة بعيدًا عنها

نحن هادئتان للغاية، نجلس في سلام

لا نتحدث

هدأتْ الأمور، وأظلمتْ الطريق فجأة

وهبَّ الهواء

من الرائع أن نذهب والصخور لامعة
ومصقولة حولنا

إنه هذا السكون الذي نحبه

حب الشكل

هو حب النهايات

 

شجرة الدردار
حاولتُ طول اليوم أن أُميِّز

بين الحاجة والرغبة

الآن، وفي الظلام،

أشعرُ بحزنٍ مريرٍ من أجلنا

نحن البنائين، ونحاتي الخشب،

لأنني كنت أتأمل شجر الدردار

ورأيت كيف تُخلق شجرة ملتوية راسخة

إنه عذاب

وفهمتُ لم لا تصنع إلا أشكالاً ملتوية

 

قصيدة حب
دومًا ما يصنعُ الألمُ شيئًا

من أجل عيد الميلاد
وبكل درجات الأحمر

تنسجُ أمكَ أوشحة تُبقيكَ دافئًا
ولما تزوجَتْ مرارًا وتكرارًا

صحبتكَ معها

كيف ادخرتْ قلبها المُترمِّل كل هذه السنوات

وكأن الموتى يعودون!

لا عجبَ أنكَ ما أنتَ عليه
تخافُ الدم
نساؤك جدار من طوب؛ واحدة تلو الأخرى

 

برتقال وهمي
أقول لكَ إنه ليس القمر

إنها تلك الزهور التي تضيء الفناء

أنا أكرهها

كما أكره الجنس
يطبق فم الرجل على فمي
الجسد المتشنج

الصرخات التي تفلت دومًا
الضعف
فرضية الاتحاد

أمر مهين!
في عقلي هذه الليلة
أسمعُ السؤال وأنتظر الإجابة
تنصهرُ في صوت واحد
يتصاعدُ ويتصاعدُ
ثم ينقسمُ إلى ذوات قديمة
ألا ترى الأحقاد المتعبة؟
ورائحة البرتقال الوهمي تنجرف تجاه النافذة
كيف يمكنني أن أستريح؟
كيف يمكنني أن أكون سعيدة
وهذه الرائحة لا تزال موجودة في العالم؟

 

قصيدة
في وقتٍ مبكرٍ من المساء،
الآن، بينما رجل ينحني على طاولة الكتابة

ويرفع رأسه ببطء

تظهرُ امرأةٌ تحمل الورود.

يطفو وجهها على سطح المرآة،

مظللاً بالأخضر الزاهي كسيقان الورود.

إنه شكلٌ من المعاناة: الصفحة دومًا شفافة

ارتفعت إلى النافذة حتى ظهرت عروقها

وامتلأت الكلمات بالحبر في النهاية

وأنا من المفترض أن أفهم

ما يربطهما معا

أو بالبيت الرمادي الذي يبقى ثابتًا في مكانه عند الغسق

لأنني يجب أن أدخل حياتهم:
حلَّ الربيع،
وشجرة الكمثرى مغطاة بزهورها البيضاء الرقيقة

 

بورتريه
ترسم الطفلة إطارًا لجسد

ترسم ما تستطيع أن ترسمه
وتترك الباقي أبيض تمامًا

لا يمكنها أن تملأ ما تعلم أنه موجود هناك

تعرف أمها أنه داخل هذه الخطوط الهشة
لا توجد حياة.

فصلتْ خلفية عن أخرى

وكطفلةٍ، استدارت إلى أمها

وأنتِ ترسمين قلبًا
في الفراغ الذي خلقَته

 

في المقهى
عندما تموتُ هذه المدة الطويلة
فمن الطبيعي أن تتعب من الأرض
،

من المحتمل أن تكون قد سئمتَ الجنة
تفعل ما يمكنك القيام به في مكان ما

وبعد فترة تستنفد هذا المكان
وتتوق إلى النجاة.

صديقي يقع في الحب بسهولة.

كل عام تقريبًا يتعرَّف إلى فتاة جديدة

لا يهمه إن كان لديها أطفال

يمكنه أن يقعَ في حبِ الأطفال أيضًا.

لذلك يتعكرُ مِزاج بقيتنا ويبقى هو على حاله

مليئًا بالمغامرة؛ يحقق اكتشافات جديدة دومًا

لكنه يكرهُ الانتقال
لذلك يتعيَّن على النساء القدوم إلى هنا
أو بالقرب من هنا

كل شهر، أو نحو ذلك، نلتقي لتناول القهوة.

في الصيف، نتجوَّل في الحديقة، أحيانًا حتى نصل إلى الجبل

حتى عندما يحلُّ التعبُ به، يظل متألقًا سعيد الجسد

إنهن النساء، جزئيًّا بالطبع، لكن ليس هن فقط

ينتقل إلى بيوتهن، ويتعلم أن يحب الأفلام التي يحبننها.

ليس تظاهرًا؛ إنه يتعلم فعلاً،

تمامًا كما يذهب شخص ما إلى مدرسة لتعلم الطهو.

يرى كل شيء بأعينهن

لا يصبح ما هن عليه، ولكن ما يمكن أن يكن عليه،

إن لم يكن ذوات شخصيات محاصرة.

بالنسبة له، ذاته الجديدة هذه متحررة تمامًا
لأنها مُخترعة.

يستوعب الحاجات الأساسية المتأصلة في أرواحهن،

يختبر طقوسه وتفضيلاته، وإلام يؤدي هذا

وعندما يعيش مع كل امرأة
فإنه يعيش بنسخةٍ من نفسه

بشكلٍ كامل

لأنه لا يتنازل عن الخجل الطبيعي والقلق

لذلك حين يغادر، تُدمر نساؤه

لقد التقين أخيرًا رجلاً لبى جميع احتياجاتهن

لم يكن هناك شيء لا يمكنهن إخباره به

لكنهن حين يقابلنه الآن، يجدنه مُشفَّرًا

فالشخص الذي عرفنه لم يعد موجودًا

لقد وُجد حين التقوا

واختفى عندما انتهى
عندما ابتعد

وبعد بضع سنوات يتجاوزنه

ويخبرن عشاقهن الجدد كم كان رائعًا،

كأن تعيش مع امرأة أخرى، ولكن دون حقد، وحسد،

بقوة رجل، وصفاء عقل رجل.

ويتسامح عشاقهن مع ذلك،

بل إنهم يبتسمون

يلاطفون نساءهم

وهم يعرفون أن هذا الرجل غير موجود

لذا فلا مجال لشعورهم بالمنافسة

 

ومع ذلك، لا يمكنك أن تنشد صديقًا أفضل
فهو شديد الملاحظة

صريح ومتفتح حين نتحدث

لقد حافظ على القوة التي كانت لدينا جميعًا عندما كنا صغارًا

يتحدث بصراحة عن الخوف

عن الصفات التي يكرهها في نفسه

وهو بالغُ الكرم
يعرف ماذا بي بمجرد النظر

إذا شعرتُ بالإحباط أو الغضب

فسوف يستمع إليَّ لساعات

لا يجبر نفسه على ذلك، يهتم بالفعل.

أعتقد أن هذا هو حاله مع النساء

لكن عندما يكون مع أصدقاء عمره

يحاول الوقوف خارج حياته
ليراها بوضوح

هو اليوم يريد الجلوس
هناك الكثير ليقوله
وأن يذهب إلى الحديقة
يريد أن يتحدث وجهًا لوجه

إلى شخص يعرفه إلى الأبد

إنه على وشك بدء حياة جديدة.

تلمع عيناه. فهو لا يفضل المقهى

وعلى الرغم من غروب الشمس

تشرق من أجله مجددًا
وتغمر الحقول بضوء الفجر
وزهور صغيرة ملونة

 

في هذه اللحظات، هو نفسه تمامًا

ليس قطعة من النساء

اللاتي نام معهن

يدخل حياتهن كما تدخل حلمًا

دون إرادة،
ويعيش هناك، كما تعيش في حلم،

مهما طال استمراره، لا تتذكر منه شيئًا

لا شيء من الحلم على الإطلاق
لا شيء على الإطلاق.

 

هجرات الليل
هذه هي اللحظةُ التي ترى فيها مجددًا

التوت الأحمر على شجيرات الجبل

وهجرات الطيور الليلية

في السماء المظلمة

يحزنني التفكير في أن الموتى لن يروها

هذه الأشياء التي نعتمد عليها

تختفي.

ماذا ستفعل الروح من أجل العزاء إذن؟

أقول لنفسي ربما لن أحتاج

إلى هذه الملذات بعد الآن.

ربما مجرد عدم الوجود يكفي

من الصعب تخيُّل ذلك

 

أصداء
1

عندما أتمكنُ من تخيِّل روحي
سأتمكن من تخيُّل موتي
عندما تخيَّلت موتي
ماتت روحي
أتذكرُ هذا بوضوح
قاوم جسدي؛
صحيح أنه لم يزدهر
لكنه قاوم


2

عندما كنتُ صغيرة جدًّا
انتقل والداي إلى وادٍ صغير

محاط بالجبال

كانت تسمى بقرية البحيرة

من حديقة مطبخنا
تستطيع أن ترى الجبال

مغطاةً بالثلج، حتى في الصيف

أتذكرُ نوعًا من السلام
لم أعرفه ثانية

لاحقًا؛ عاهدتُ نفسي أن أصير فنانة

لأمنح هذا الانطباع صوتًا
3
الباقي، سبق وأن أخبرتُك به

بعد بضع سنوات من الفصاحة
والصمت المديد

مثل ذاك الصمت في الوادي

وقبل أن تُبعثَ الجبال مجددًا
تغيَّر صوتك

ليصير صوت الطبيعة

إذا كانت روحك قد ماتت،

فحياة من التي تحياها الآن
ومتى صرتَ ذاك الشخص؟

 

نجمة المساء
الليلة، وللمرة الأولى منذ سنوات،

ظهرتْ لي مجددًا رؤى لبهاء الأرض

في سماء المساء

بدت النجمة الأولى متألقة بشدة

بينما كانت الأرض تظلم

حتى لم يعد من الممكن أن تصبح أكثر ظُلمة

 

وبدا النور، الذي كان نور الموت،

وكأنه يعيدُ إلى الأرض

قدرتها على التحكم

لم تكن هناك نجوم أخرى

نجمة واحدة فقط

عرفتُ اسمها

كما في حياتي الأخرى التي أفسدتها

فينوس،

نجمة المساء المبكر

إليكِ أهدي رؤاي
لأنك ألقيت على هذا السطح الفارغ

ما يكفي من الضوء

ليجعل أفكاري مرئية مرة أخرى

 

أسطورة الفناء
عندما قرر هاديس أن يحب هذه الفتاة

بنى لها نسخةً من الأرض

كل شيء كما هو

حتى الحديقة، التي أضاف إليها سريرًا

كل شيء كما هو

بما في ذلك ضوء الشمس

لأنه سيكون صعبًا على فتاة صغيرة

أن تنتقل بسرعة من الضوء الساطع إلى الظلام الحالك

شيئًا فشيئًا، فكَّر أن يقدمَ لها الليل أولاً
كظلال أوراق ترفرف

ثم القمر، ثم النجوم

ثم لا قمر، ولا نجوم

ليدع بيرسيفوني تعتاد على الليل ببطء

لقد اعتقدَ أنها ستجد ذلك مريحًا

نسخة طبق الأصل من الأرض

لكن يوجد حب هنا؛

ألا يريد الجميع الحب؟

لقد انتظر سنوات عديدة

وهو يبني العالم، ويراقب بيرسيفوني في الحديقة

بيرسيفوني، الرائحة، والمذاق.

كان يعتقد أنه إذا كانت لديك شهية واحدة
فلديك كل شيء

ألا يريدُ الجميعُ أن يشعروا في الليل بجسد الحبيب، البوصلة، النجم القطبي،
لسماع التنفس الهادئ الذي يقول: أنا على قيد الحياة

وهذا يعني أيضًا

أنكَ حي لأنك تسمعني

وأنكَ هنا معي

وعندما يلتفتُ أحدهما، يلتفتُ الآخر

هذا ما شعر به إله العالم السفلي،

وهو ينظر إلى العالم الذي شيده لبيرسيفوني

لم يخطر بباله قط أنه لن توجد المزيد من الرائحة هنا

وبالتأكيد لا مزيد من الأكل

ذنب؟ إرهاب؟ خوف من الحب؟

هذه أشياء لم يتخيلها

لم يتخيلها أي عاشق

إنه يحلم، ويتساءل ماذا يسمي هذا المكان

يفكر أولاً: الجحيم الجديد

ثم: الحديقة

وفي النهاية أسماه: بنات بيرسيفوني.

ضوءٌ خافتٌ يرتفعُ فوق الحديقة خلف السرير

يأخذها بين ذراعيه

يريد أن يقول أحبك.. لا يمكن لشيء أن يؤذيك

ثم فكَّر أن هذه كذبة

لذا قال لها: أنتِ ميتة، لا يمكن لشيءٍ أن يؤذيك

وهو ما بدا له بدايةً مُبشِّرةً أكثر، وصادقةً أكثر.

 

زائر من الخارج
1

أحيانًا، بعد أن وصلتُ إلى هذه المرحلة من الزمن
يفضل الناس أن يشيروا إلى الآخرين

لا إلى أنفسهم

في منتصف الليل، رنَّ الهاتف
رنَّ، ورنَّ؛ وكأن العالم كله يحتاجني
مع أن العكس هو الصحيح

مستلقية على السرير

أحاول تحليل ذاك الرنين

كان له إصرار أمي
ومثابرة أبي المؤلمة المحرجة

عندما التقطتُ السماعة

كان الخط ميتًا
أو ربما ماتَ المتصل؟
وربما لم يكنْ الهاتف أصلاً، وكان الباب!

2

في الصقيع،
وقفت أمي وأبي على الدرجات الأمامية الباردة

حدَّقت أمي إليَّ

كابنةٍ

كرفيقةٍ

ثم قالت: لم تفكري بنا قط

نقرأُ كتبكِ حين تصل إلى السماء
بالكاد تذكريننا
بالكاد تذكرين أختكِ
وأشارا إلى أختي الميتة
الغريبة تمامًا
الملفوفة بإحكامٍ في حضن أمي

لم تكوني موجودة بالنسبة لنا
لكِ روح أختك

وبعدها اختفيا مثل رُسُل المرمون

3

ابيضَّ الشارعُ مجددًا،

كل الشجيرات مغطاة بالثلوج الكثيفة

والأشجارُ متلألئة يكسوها الجليد.

استلقيتُ في الظلام أنتظر انتهاء الليل.

بدت وكأنها أطول ليلة عرفتها على الإطلاق؛

أطول من ليلة ولادتي.

قلتُ بصوت مرتفع: أكتبُ عنكَ طول الوقت

كل مرة أقول "أنا"، فهذا يشيرُ إليك.

4

ساد الصمتُ الشارع

ألقيتُ السماعة بين الأغطية المطوية

كان الرنينُ الغاضب قد توقَّفَ قبل بضع ساعات

تركتها كما كانت..

سلكها الطويل ينزلقُ تحت الأثاث

شاهدتُ الثلج يتساقط
لا يحجبُ الأشياء،
بقدر ما يجعلها تبدو أكبر مما هي عليه

 

من سيتصلُ في منتصف الليل؟

مكالمات اضطراب، مكالمات يأس

بينما الفرحُ نائم مثل طفل.

 

الصيف
أ
تذكرُ أيام سعادتنا الأولى،

كيف كنا قويين.. مبهورين شغفًا،

مستلقيين طول اليوم،
ثم طول الليل،

في السريرِ الضيق،

ننام هناك، ونأكل هناك أيضًا
كنا في الصيف

يبدو أن كل شيء قد نضج
بينما نجلس ساخنين، عاريين تمامًا

في بعض الأحيان تهب الرياح
فيميلُ الصفصافُ على النافذة.

 

لكننا ضعنا بطريقة ما، ألم تشعر بذلك؟

كان السرير مثل طوف
وشعرتُ بأننا ننجرف

بعيدًا عن طبيعتنا

نحو مكان لا نكتشف فيه شيئًا

أولاً الشمس

ثم القمر

وشظايا حجرية صغيرة في شجر الصفصاف

أشياء يمكن لأي شخص رؤيتها

 

ثم أُغلقتْ الدوائر

وشيئًا فشيئًا تسلَّل البرد إلى الليالي

واصفرَّت أوراق الصفصاف المتدلية
وسقطتْ

وبدأ كلانا يشعر بعزلة عميقة
مع أننا لم نتحدث عن هذا قط؛

عن غياب الندم

عدنا فنانين مجددًا
زوجي..

يمكننا استئنافُ الرحلة

 

نبوءات
قدتُ سيارتي للقائك
وأحلامٌ مثل الكائنات الحية تتجمهرُ حولي

والقمرُ على جانبي الأيمن
يتبعني مشتعلاً

وعدتُ..

وقد تغيَّر كلُّ شيءٍ

روحي حزينةٌ في الحب

والقمرُ على جانبي الأيسر

يتبعني بلا أملٍ

لمثل هذه الانطباعات التي لا نهاية لها، نحن الشعراء؛ نمنح أنفسنا تمامًا

صانعين، في سكون، نبوءات لأحداث تكاد تقع

حتى يعكس العالمُ أعمق احتياجات الروح.

 

إلى ألكسندر بوشكين

 

تليسكوب
في اللحظة التي تنظر فيها بعيدًا
تنسى أين أنت

وكأنك كنت تعيش، على ما يبدو،

في مكان آخر،
في صمتِ سماءِ الليل

لقد توقفتُ عن الوجود هنا في العالم

أنتَ في مكانٍ مختلف

حيث الحياة البشرية بلا معنى

أنتَ لست مخلوقًا في جسد

أنتَ موجود، تمامًا كوجود النجوم

تشاركها سكونها
ضخامتها

أنتَ إذن في العالم مرة أخرى

في الليل

على تلة باردة

تفكِّكُ التلسكوب

بعد ذلك، تدرك

لا، الصورة ليست خاطئة
بل العلاقة هي الخاطئة

ومرة أخرى ترى؛

إلى أي مدى يَبعُد كل شيءٍ عن كل شيء
 

عزلة
الدنيا مظلمة جدًا اليوم
الجبل لا يكاد يبين من خلال المطر

الصوت الوحيد صوت المطر

يُديرُ الحياة تحت الأرض

ومع المطر يأتي البرد

لن يكون هناك قمر الليلة

ولا نجوم

هبَّت الرياح في الليل

كانت في الصباح تعصف بالقمح

انتهتْ الظهيرة

لكن العاصفة استمرت

تُبلِّل الحقول الجافة
ثم تغمرها

اختفتْ الأرض

لا ترى شيئًا سوى المطر

يلمعُ على النوافذ المظلمة

هذا مكان الراحة
حيث لا شيء يتحرك

والآن نعود إلى ما كنا عليه؛

حيوانات تعيش في الظلام

دون لغة، دون رؤية

لا شيء يثبت أنني على قيد الحياة

لا يوجد سوى المطر
والمطرُ لا نهاية له

 

حياة قرية
الموت والشك ينتظرانني

كما ينتظران كل الرجال

الظلال تقيِّمني

لأن تدمير كائن بشري قد يستغرق وقتًا

ينبغي المحافظة على عنصر التشويق

 

في أيام الأحاد أصحب كلب جارتي للتمشية

لتستطيع الذهاب إلى الكنيسة
للصلاة من أجل أمها المريضة

الكلب ينتظرني عند المدخل صيفًا وشتاءً

نسير في الطريق نفسها

في الصباح الباكر عند حافة الجُرف

أحيانا يبتعد الكلب عني

للحظة أو اثنتين

فلا أستطيع رؤيته خلف الأشجار
إنه فخور جدًا بهذا

بهذه الحيلة التي يفعلها من حين إلى آخر

ثم يستسلم مرة أخرى من أجلي

بعد ذلك، أعود إلى منزلي لجمع الحطب

أضع في ذهني صورًا من كل تمشية:
زهور المونردة التي تنمو على جانب الطريق أول الربيع

الكلب وهو يطارد الفئران الرمادية الصغيرة

يبدو من الممكن لبعض الوقت

عدم التفكير في ضعف الجسد

في نسبة الجسد إلى الفراغ المتحرك

وتصبح الصلاة صلاةً من أجل الميت

في منتصف النهار، تدق آخر أجراس الكنيسة

والضوء لا يزال ساطعًا

الضباب يغطي الحدائق

لذا لا يمكنك رؤية الجبل من بعيد

الجبل مكسوٌّ بالثلج والجليد

لذا عندما يظهر مرة أخرى

تعتقدُ جارتي أن صلاتها مستجابة

الضوءُ ساطعٌ
وهي لا تستطيع التحكم في سعادتها

يجب أن تنفجر في اللغة
تصيح: مرحبًا.. كما لو كانت هذه أفضل ترجمة لها

هي تؤمن بالعذراء، كما أومن بالجبل

مع أن الضباب لا يعُم إلا في حالة واحدة

لكن كل شخص يخبِّئ أمله في مكان مختلف


أعدُ حسائي، أسكبُ كأسًا من النبيذ

متوترة، مثل طفل يقترب من سن المراهقة

قريبًا سيتقررُ ما أنت عليه حقًا

شيء واحد؛ ولدًا أم بنتًا
لا كليهما بعد الآن

يفكر الطفل: أريد أن يكون لي رأي فيما يحدث

لكن الطفل ليس له رأيٌ على الإطلاق

عندما كنتُ طفلة، لم أتوقعُ ذلك

بعد غروب الشمس، تتجمعُ الظلال

حفيفُ الشجيرات يشبه الحيوانات التي تستيقظُ ليلاً

في الداخل، نورُ مدفأة

يتلاشى ببطء

الآن، ترتعش أثقل قطع خشب تستخدم رفًّا للأدوات

أحيانًا أسمع موسيقى تنساب منها

حتى وهي محبوسة في خزانتها

عندما كنتُ طائرًا

اعتقدتُ أنني سأكون رجلاً

ها هو ذا الفلوت

يجيبُ البوق

عندما كنتُ رجلاً

صرختُ لأكون طائرًا

ثم تختفي الموسيقى

والسرُّ الذي تأتمنني عليه يختفي كذلك

في النافذة، القمر معلقٌ فوق الأرض

بلا معنى، ولكنه مليءٌ بالرسائل

إنه ميتٌ، كان ميتًا على الدوام

لكنه يتظاهرُ بأنه شيء آخر

يحترق كنجم، وبشكلٍ مُقنع
حتى لتشعر أحيانًا أن في إمكانه أن يجعل شيئًا ما ينمو على الأرض

إذا كانت هناك صورة للروح

أعتقدُ أن هذا ما هو عليه

أتحرُّكُ في الظلام
كما لو كان ذلك طبيعيًّا بالنسبة لي

كما لو كنتُ بالفعل عنصرًا فيه

ساعة الفجر، هادئة ولا تزال

يوم السوق،

أذهبُ إلى السوق مع نقودي.
 

أسماء يس: شاعرة ومترجمة مصرية. من مواليد ١٩٧٩.

صدر لها: كرسي أزرق في نهاية البهو، قصص، ٢٠٠٦. البحر سر العازف، شعر، ٢٠١٣. البعد الرابع، قصص، ٢٠١٧. صندوق الأحجار الملونة،٢٠١٧. جورج أورويل: اليوميات، ٢٠١٩. ومن سلسلة أحداث مؤسفة: البداية السيئة، ٢٠١٩، غرفة الزواحف، ٢٠٢٠، النافذة العريضة ٢٠٢٠.