ينسج الشاعر الفلسطيني، في هذا الديوان القصير، ثنائية تجمع الكتابة بالمرأة حيث صيغة التأنيث هي المهيمنة والذات في حلول بينهما سفر مستعاد بينهما بين صيغة النص الشعري وصورة المرأة في النص وفي حيوات مستعادة أو عابرة، لذلك ينسج الشاعر ما يراه ترتيبا لفوضى وهي هنا مرآته على حروف وكلمات يخيط بها النص.

نساءٌ يرتِّبنَ فوضى النهار

نمر سعدي

 

شجرٌ أنا، شجرٌ قديمٌ طاعنٌ في الحبِّ أو في اليأسِ، أبحثُ في الحياةِ عن القصيدةِ، والقصيدةُ وردةٌ مائيَّةٌ في القلبِ، تلمعُ كلَّما اشتعلتْ رمالُ الروحِ من عطشٍ، أُريدكِ... فاحتويني، قالها رجلٌ لسيَّدةٍ تُربِّي حزنها الرعويَّ كي ينمو كلبلابٍ على الشرفاتِ أو كالوعلِ في تيهِ الفلاةِ... وكيْ يخطَّ على البحيرةِ شاعرٌ مرثيَّةً لغبارِ قبلتهِ..

 

ويبحثَ فيكِ عن معنى القصيدةِ

والقصيدةُ عن سرابِ الحبِّ تبحثُ..

لن أُضيءَ الليلَ بالكلماتِ

أو قمرِ الكنايةِ

لن أضيءَ دمي بعينيْ من أُحبُّ

ولن أُسوِّرَ بالفراشةِ نهدها وفمي

أنا فقط المُغنِّي

عازفُ الجيتارِ في أوجِ الخريفِ

سليلُ أوجاعِ الكمانِ

أقولُ للمعنى: أنا شجرٌ..

أقولُ لبائعِ الأحلامِ: خذ حبقَ الظهيرةِ وانصرفْ عنيِّ

ولامرأةٍ يرفرفُ وجهها الشتويُّ في وجهي وأطرافِ الأصابعِ:

جنَّتي كوني لأهبطَ مثلَ آدمَ من سمائي.. واحتويني

من تلهُّفِ كلِّ أُمٍّ

أو توقُّفِ رغبتي في المنتصفْ

لا تُطلقي ناراً على فرحي فلستُ أنا الهدفْ

أنا نجمةٌ في الماءِ

عصفُ فراشةٍ منسيَّةٍ في النثرِ

صيفُ قصيدةٍ بحريَّةٍ بقميصِ نومكِ

لوحةٌ ينسلُّ منها عاشقانِ ملوَّعانِ

ويذهبانِ إلى حدودِ العطرِ بالليمونِ أو أقصى الشغفْ

لكِ ما أُريدُ من الحديقةِ أو تعاليمِ المسيحِ..

من الخريفِ.. ومن تأمُّلِ قطَّةٍ أو وردةٍ وحدي

ومن عبثِ الكآبةِ والكتابةِ

واستحالاتِ الأنوثةِ

وانصبابِ ندائكِ الأبديِّ في قلبي

كما ينصبُّ صوتُ البحرِ في جوفِ الصدفْ

وليَ اشتهاءٌ كانَ من عدمِ التملُّكِ

واحتراقِ مجرَّةِ الليمونِ في جسدي

ومن ندمِ الكلامِ عن الحياةِ

عن التفاصيلِ الصغيرةِ للكنايةِ

والحنينِ إلى احتمالاتِ الجمالِ أو التألُّمِ في المراثي

أو مزاميرِ الترفْ

في القلبِ متسَّعٌ لقطرةِ مائكِ الأولى

ومتَّسعٌ لرائحةِ الخريفِ

لأوَّلِ المعنى

لآخرِ صرخةٍ في البحرِ والجسدينِ

متَّسعٌ لأمطارٍ تضيءُ كلامنا وغموضنا

أو رغبةَ الندمِ الإباحي

صُبِّي خطاكِ على طريقِ اللازوردِ

وشَعرَكِ المضفورَ بالأحلامِ أو بالقُبَّراتِ على يديَّ

لكي أُزوِّجَ غيمةً لترابِ صوتكِ

أو أُسيِّجَ بالغناءِ صدى رياحي

أنسلُّ من ضلعِ الأنوثةِ كلَّما احترقتْ مَحارةُ رغبتي في الليلِ

كي أنجو من التأويلِ أو تشفى تماماً من زنابقها جراحي

*

أهوى أنوثةَ نثركِ الزرقاءَ تجرحني وتأخذني وحيداً

لا أُحبُّ شتاءَكِ الحافي ولكني أُحبُّ غناءَكِ المائيَّ

يحملني على موجِ القصيدةِ

أو يُفتِّحُ وردةً عذراءَ في لغتي ونافذتي..

خُذيني من يديَّ إلى إيثاكا جسمكِ البحريِّ

صُبِّي شهوةً كالصندلِ البريِّ رائحةً

على جسدِ الغريب

*

كانَ اسمها بالألفِ يبدأُ أو بأسماءِ القصائدِ أو عذاباتِ الحريرْ

كانَ اسمها بالنونِ يبدأُ..

نورسٌ يصلُ الندى بمعلَّقاتِ الحُبِّ والزمنِ المطيرْ

كانَ اسمها بالواوِ يبدأُ..

آهِ يا وجعَ الكمنجةِ أو نداءاتِ البنفسجِ في السريرْ

كانَ اسمها بالسينِ.. أو بالحاءِ.. أو بالباءِ.. أو بالراءِ يبدأُ..

ناوليني الكأسَ كيْ أنسى

فرأسي متخمٌ بالبُنِّ أو بالتبغِ والأحلامُ حولَ دمي تدورْ

قولي لموسيقاكِ أن ترتاحَ بعدَ اليومِ

قلبكِ مرهقٌ.. ويداكِ آنيتانِ يانعتانِ من وجعِ العبيرْ

وأنا أُربِّي الريحَ في قارورةٍ فضيَّةٍ

وأُشيرُ للقمرِ السرابيِّ الأخيرِ

ولاسمها بالألفِ يبدأُ..

كالقصيدةِ في المنامِ

كخفقِ أسرابِ الحمامِ

لعلَّني بيدي أطيرْ

*

لي أن أشبِّهَ طوقَ زهرِ اللوزِ حولَ الخصرِ

بالقلقِ الجميلِ وبالغيومِ المستحيلةِ

وهيَ تمشي كالعرائسِ في أساطيرِ الرعاةِ

وفي أغاني البدوِ من بيتٍ إلى بيتٍ

ولي أن أشتهي أنثى الحمامِ ونومَها في ربلةِ الساقِ..

الحديقةَ وهي تنهضُ في الظهيرةِ من صدى الأحلامِ

رائحةَ الأُنوثةِ والشتاءِ وزهرةِ الليمونِ

لي أن أقتفي أثرَ الطيورِ

وهجرةَ النيلوفرِ النهريِّ من أقصى دمِ امرأةٍ

إلى أرضِ المجاز

*

ستكبُ شاعرةٌ: لا تخفْ يا صديقي العزيزَ ولا ترتبكْ

إن أضعتَ مفاتيحَ قلعتيَ المغلقةْ

ربَّما لم أُقدِّم لكَ التوتَ في لوحةِ الماءِ

أو عطرَ تفَّاحتي البكرِ يوماً على طبقِ الليلِ..

أو ربَّما أنتَ لا تستحقُّ الدخولَ إلى رغبتي الضيِّقةْ

*

أُريدُ كلاماً بسيطاً من القطنِ

أو عرقِ الحاصداتِ المضيءِ

كلاماً من اللهفةِ الساحليَّةِ أو زبدِ الماءِ والرملِ

أغزلُ منهُ وشاحاً من الأُقحوانِ الخفيفِ

وهمسَ قميصٍ لمن يستحمُّ بصلصالها

وجهُ شمسِ الخريفِ..

أُريدُ كلاماً قليلاً ولو كانَ طلعَ غبارِ الشتاءِ

فقلبي بضحكةِ إحدى الجميلاتِ ينبضُ

مثلَ الحديقةِ تنهضُ من نومها في أكفِّ النساءِ

*

الصبايا كبرنَ

البناتُ الصغيراتُ من كنَّ مثلَ العصافيرِ في الأمسِ صرنَ نساءً

قبائلَ من فضَّةٍ وينابيعَ، أشجارَ دفلى، حدائقَ ضوءٍ

نوافيرَ من زنبقِ الليلِ، أو أُغنياتٍ عن القمحِ والحُبِّ والاشتهاءِ

الصغيراتُ صرنَ عرائسَ..

منتشياً بالجمالِ أعودُ من الفرحِ العائليِّ

كأني على موجةٍ من ظلالِ التلهفِّ للأمسِ

ترقصُ بي رقصةَ امرأةٍ

يدها قدحٌ من عبيرِ الندى

فمها برعمٌ في شقوقِ الغناءْ

*

كلُّ شيءٍ على ما يرامُ

أُعلِّقُ في وحدتي قمراً ذابلاً كيْ أنامْ

الجراءُ الصغيرةُ تركضُ في ساحةِ البيتِ..

والذكرياتُ على حالها ما تزالُ

وبائعُ غيمِ المساءِ استقالْ

كلُّ شيءٍ على ما يرامُ

الظلالُ.. الحديقةُ.. رائحةُ الحُبِّ.. برجُ الحمامْ

قميصُكِ مُلقىً على وجهِ من يشتهيكِ

وعيناكِ من سَهَرٍ صارتا حبقاً هائجاً في دمائيَ

أو مطراً عاشقاً في الكلامْ

خاصميني لأكتبَ أو عانقيني لأنساكِ عن ظهرِ قلبٍ

فمن عادةِ الحالمينَ التشاجرُ مع شجرٍ عابرٍ في الخريفِ

إذا كانَ من نسلِ إحدى النساءْ

ومن عادةِ الحالمينَ تتبُّعُ رائحةِ العشبِ في الصيفِ

حتى أقاصي الغناءْ

والتململُ عندَ الظهيرةِ من وجعٍ في الروايةِ

والرقصُ مع ذئبةٍ بورجوازيَّةٍ في المساءْ

*

كي تنزلَ امرأةٌ من الرؤيا أمدُّ يدي إلى المرآةِ

كي نتبادلَ الأفواهَ أرسمُ زهرةً بريَّةً بيضاءَ فوقَ الماءِ

كي نشفى من الأمطارِ نصلحُ رغبةً معطوبةً فينا

ونكتبُ جملةً شعريَّةً رعويَّةً تصفُ انسكابَ فراشةٍ في الريحِ..

أو تكفي لنشربَ قبلةً سريَّةً أو نعبرَ الصحراءَ

جسمكِ يوجعُ الصلصالَ في جسمي

يضيءُ بحيرةً في القلبِ

لا تمشي على أمواجها امرأةٌ سواكِ

*

لستُ ظلَّاً ولا حجراً يا بنفسجةً في النساءْ

عانقيني لأُولدَ ثانيةً أو لأُصبحَ مزولةً للغناءْ

حبقاً في يدي

كنتِ من قبلِ أن تولدي

وكنتُ أُربِّي بساتينكِ العاليةْ

كنتُ عرَّابَ عينيكِ..

كانتْ موسيقى الغجرْ

تهبُّ علينا من البحرِ

كانَ القميصُ المشجَّرُ تنهيدةً في فمي..

في حياةٍ خلتْ كنتِ أُنشودةً.. فرساً.. قوسَ ماءْ

وأنا غيمةً كنتُ.. هجرةَ سربِ الحمامِ إلى قمرٍ للبكاءْ

دمي مثقلٌ بالعناقيدِ.. يقطرُ منهُ الحُداءْ

*

خريفٌ سليلُ الخرافةِ

يهذي بأسماءِ من عبروا في الرواياتِ

نهرٌ تعلَّقَ بامرأةٍ نطقتْ باسمهِ

حالمٌ لا يفكِّرُ إلَّا بتغييرِ مجرى مصبِّ الكمنجاتِ...

لا شيءَ يُلفتُ قلبي هنا

في ممرِّ الأغاني وسهدِ الرعاةْ

غريبٌ يحدِّقُ في عدمٍ واضحٍ..

ونساءٌ يرتِّبنَ فوضى النهارِ على مهلهنَّ..

هنا ندمٌ جارحٌ كالقبَلْ

لن أُجيدَ الكتابةَ عن ساعةِ الشمسِ

أو حزنِ جلجامشَ الأبديِّ

ولن أستطيعَ مغازلةَ امرأةٍ

والحمامُ يطيرُ خفيضاً على السهلِ

والذئبُ يعوي إلى آخرِ الليلِ كي لا يصلْ

بكاءُ العجائزِ من ألمٍ

أو صراخُ السكارى الأخيرُ...

*

أُريدُ رغبةَ كافكا في الصراخِ

وفي فوضى التفاصيلِ، وحدي كي أُرتِّبها

على هوايَ..

أُريدُ النايَ يأخذني

إلى الخريفِ..

أُريدُ الليلَ نرجسةً

موشومةً في كتابِ الحُبِّ.. ذابلةً

على يدِ امرأةٍ بيضاءَ هاربةٍ

من المزاميرِ لا أقوى على فمها

المزمومِ كالزنبقِ الناريِّ فوقَ يدي

أُريدُ هصرَ عناقيدِ الصبابةِ في

روضِ ابنِ زيدونَ..

يا ولَّادةُ ابتعدي

عمَّن سواهُ..

أُريدُ الشمسَ تشربُ من

فنجانِ قهوةِ لوركا في الصباحِ.. ولا

تمضي إلى ما وراءِ البحرِ أُغنيةً

عن الشتاءِ..

سراباً.. غيمةً.. أرقاً..

فراشةً أنشبتْ في الروحِ مخلبها

أُريدُ نزوةَ عصفورٍ يحاولُ أن

يُغري القصائدَ بالتحليقِ.. وامرأةً

بالحلمِ أو ذهبِ الرؤيا ليكتبها

*

بعينيَّ أُبصرُ ما لا يرى شاعرٌ في امرأةْ

وشمتْ خصرها بالسمندلِ

أو صدرها بالوشقْ

لها جسدٌ كالرمالِ التي لا تجيدُ الرثاءَ

ولا تقتفي مطرَ الليلِ في النايِ

أو أثرَ العطرِ في الثوبِ أو في بقايا العرقْ

أُعانقُ صلصالها كالغريبِ

سرابٌ يضيءُ دمائي ويطفئُ ماءَ الحبقْ

أُنادي على نجمةٍ..

أتحسَّسُ ما سيرقِّصُ سيِّدةً أربعينيَّةً في شتاءِ القرى..

ويفتِّحُ من صمتها غابةً لطيورِ تسقسقُ في أسفلِ النهرِ

أو شهوةً للأرقْ

*

أُفكِّرُ في غيركِ الآنَ..

أعرفُ أنكِ مشغولةٌ بالحديثِ عن الطقسِ والدورةِ القمريَّةِ

أعرفُ أنكِ مهتاجةٌ لا لأنَّ حياتكِ تشبهُ سجنَ المعريِّ

أو قمقمَ الساحراتِ

وليسَ لأنَّ الشتاءَ قليلاً تأخَّرَ عن وردةِ النافذةْ

مهتاجةٌ هكذا.. دائماً.. دونما سببٍ

لا تحبِّينَ فان غوخَ

لا تذهبينَ إلى النومِ وحدكِ

أو تفهمينَ لغاتِ الأيائلِ..

أو تتركينَ رواياتِ يوسا وأدويةَ الاكتئابِ الخريفيِّ..

أعرفُ أني أُفكِّرُ في غيركِ الآنَ من دونِ جدوى

وأكتبُ هذي القصيدةَ من دونِ جدوى

وأقرأُ من دونِ جدوى

وأحلمُ من دونِ نومٍ إلى أبدِ الآبدينْ

*

أُعانقُ الأرضَ وحدي.. إنها امرأةٌ

نقشتُ زرقةَ عينيها على العنبِ

أُعانقُ القلقَ الفضيَّ.. أشربهُ

من خصرها البحرِ.. أو من شَعرها الذهبِ

لا أستطيعُ ولو تفسيرَ مُفردةٍ

فهل يُفسِّرني ما بي من التعبِ؟

يصبُّ آدمُ بي صلصالَ رغبتهِ

كمن يصبُّ على ماءٍ شظى اللهبِ

حتى تشفَّ اخضراراً ناعماً عبقاً

أشجارُ حوَّاءَ في قلبي وفي عصبي

لا ترفعي الغيمَ عن عينيكِ.. لا قمرٌ

على الثيابِ.. ولا شمسٌ على الهدُبِ

لا تتبعي شغفي الضلِّيلَ.. أو حلُماً

أعمى يقايضُ شوقَ النايِ بالقصبِ

*

سجنوا وجهَ امرأةٍ في أسفلِ بحرِ الأشواقْ

بعدَ توهُّجهِ كالنجمِ الآفلِ في الأعماقْ

حملَ البحرَ كحبَّةِ قمحِ الحُبِّ

بمنقارِ العنقاءِ وطارْ

*

ثمَّةَ حبرٌ خفيٌّ.. نُسمِّيهِ فصلَ الخريفَ

يذكِّرني بالأغاني التي لا تُغنَّى على عجلٍ في مهبِّ القطارِ

يحمِّلني مطراً زاجلاً لضفيرةِ احدى النساءِ اللواتي هربنَ

من الاستعارةِ في مسرحيَّاتِ اسخيليوس..

يعلِّمني كيفَ أجعلُ من حجرٍ في ممرِّ الرعاةِ

صدىً للحنينِ ورائحةً لاشتهاءٍ طفيفْ

*

أبحثُ عن جسدي في جسدِ غريبةٍ

في كلامها المقتضبِ عن الصداقةِ والأمكنةِ والحظوظ

في تنهيداتها الضيِّقةِ كرغبةٍ في الصباحِ

في قميصها المستعارِ من فراشةٍ استوائيَّةٍ

مرَّةً تحوَّلتْ يدُها لعصفورٍ من مطرٍ أزرقَ

ينقرُ خاصرتي كما تنقرُ أسماكٌ صغيرةٌ

طحلبَ البحرِ داكنَ الخضرةِ

حينَ لامستها عمداً متعلِّلاً بحاسةِ الاحتكاكِ بالضوءِ

في أوجِ الليلِ

أبحثُ عن قصيدتي في ثوبِ غريبةٍ

علَّني أشفى من الندمِ

من الوقوفِ على أطلالِ العلاقاتِ العابرةِ

كشاعرٍ لم يعثر بعدُ على النسيانِ

*

كيْ أخطَّ توقيعتي اليوميَّةَ على الريحِ

أحتاجُ أحياناً مسامرةَ السروةِ

حتى مطلعِ الفجرِ

أو محاكاةَ التماثيلِ

وهي تبتسمُ من غيرِ ايماءاتٍ

أحتاجُ أن أقرأَ ابنَ عربي أو شوبنهاور وحيداً

ومزجَ أبي تمَّام في غزليَّاتِ ريلكة

*

أبحثُ عن صورتي في الطفولةِ

عينانِ حالمتانِ بسربِ أيائلَ

لا تعرفانِ طريقَ السعادةِ..

أبحثُ عن صورةٍ كنتُ ضيَّعتها في الدهاليزِ

لا أذكرُ الآنَ كيفَ.. ولا أينَ خبَّأتها؟

بقميصٍ مُنشَّى لهُ زرقةُ البحرِ

كنتُ أُراوغُ بالحدسِ حقلَ فخاخِ الأملْ

*

هل غيمةٌ تتشظَّى في دمي

وسراديبٌ من الضوءِ في عينيَّ تحترقُ؟

تنأى الكنايةُ بي..

هل صرختي شجرٌ

في البحرِ؟ أم نسوةٌ؟

هل رغبتي طُرُقُ

لا شيءَ..

مرَّتْ ظلالٌ كنتُ أعرفها باللمسِ..

وامرأةٌ أوحى بها القلقُ

حبري غبارُ غناءِ الريحِ.. لستُ أنا

ضلِّيلَ أوزارها..

لستُ الوصيَّ على أسرارها وعذابي

كلَّما الحبقُ

أصابها بوحامٍ لا يزولُ ولا

يشفي أنوثتها من سحرهِ نزقُ

*

أضبطُ ايقاعَ قلبي على نقرِ طيرِ الشتاءِ لنافذتي

وعلى وقعِ خطوِ الخريفِ على شجرِ الحورِ

في البيتِ يسكنني اثنانِ: شخصٌ يؤوِّلُ معنىً غريباً برائحةِ امرأةٍ كانَ ضيَّعها في سرابِ القرى أو دخانِ المدينةِ.. يسكنني اثنانِ شخصٌ...

وآخرُ يحلمُ كيفَ سيجعلُ من هذهِ الأرضِ يوتوبيا..

أضبطُ ايقاعَ قلبي وأحلمُ كيفَ سأجعلُ من جسدي سلَّماً لطيورِ الشمالِ

وكيفَ ستحرسني شهوتي من جنودِ الظلالِ؟

وكيفَ أُخلِّصُ شاعرةً من فخاخِ المجازِ؟

وهل لأُعلَّمَ جيتارةً كيفَ تنبضُ في جسدٍ أُنثويٍّ على الرملِ

تلزمني لغةٌ كالمياهِ

وينقصني سمكٌ في الأصابعِ يعرفُ كيفَ يقلِّمُ أزهارَ هذي الحياةِ؟!

*

القبلةُ الزرقاءُ سرُّ شفاهنا الأبديُّ

ناياتٌ مؤرَّقةُ الصدى

حبقٌ على وجهينِ..

قبَّرةٌ من المطرِ الخفيفِ

ولمسةُ امرأةٍ على حجرٍ شحيحِ الضوءِ

طلعُ فراشةٍ في ليلكِ المعنى

وليلِ الاشتهاءِ

*

فلسطين