في هذا الحوار المهم حول أحد المفاهيم الأساسية التي طرحها لافيناس، وهو «مفهوم الضيافة» يسعى أحد شراحه للكشف عن مختلف دلالاته. وكيف أن رفض الضيافة، يبذر الكراهية والحرب. ويطرح إنسانا بلا أخلاق أيثيقا، ويعرف أن الأيثيقا نادرة الوجود، لأنها مموهة بعائق قوي للغاية وكوني: الحياة ذاتها الإغلاق، الحرب.

أخلاقيات مفهوم «الضيافة» عند لافيناس

فريدريك وورم

ترجمة: الحسن علاج

 

ملحا على دور المسكن في الوجود الإنساني، مهد ليفيناس Levinas  الطريق من أجل التفكير في سياسة للضيافة. وهكذا ينبغي للبيت أن يكون، في تصوره، مكانا للاستقبال اللامشروط للغير. دون نكران خاصيته الإشكالية، شدد الفيلسوف فريدريك وورم Frédéric Worms) ( على القيمة النقدية لتلك الضرورة.

ولد بليتوانيا قبل الاستقرار بفرنسا، كان ليفيناس هو ذاته مغتربا. كيف كانت علاقته بالمنفى والاستقبال؟
فريدريك وورم:
مما لاشك فيه أن ليفيناس يمتلك تجربة للانتقال، على أنه يتوجب التمييز بين لحظتين في مساره. أولا، مجيئه إلى فرنسا عبر ألمانيا، التي لم تكن منفى مفروضا: فهو ليس مطرودا من مسكنه، إنه اختيار طوعي وحر، تبرره رغبة عميقة في فرنسا، تمر بخاصة عبر تاريخ قضية دريفوس Dreyfus) ( وعبر فلسفة برغسون.
بالمقابل، ففي سنة 1940، شكل سقوط الأراضي الفرنسية، التي كان الكل يعتقد في صلابتها، لحظة إملاق حقيقية بالنسبة إليه ـ تم العثور على أهمية ذلك في المجلدات غير المنشورة. إنه يتحدث عن ضيق، تخلٍ كلي. إنها تجربة مروعة، ذات مغزى، خاصة وأن ليفيناس كان يثق في تلك الفرنسا التي أكرمت وفادته. هذا هو السبب حينما انهار كل شيء، سنة 1940، ثم لما كان شاهدا على الاضطهادات ـ في أن شيئا ما تهشم بداخله. تتشكل علاقته بفرنسا من هذه الازدواجية: ثقة، لكن اهتزاز أيضا، من دون هيمنة إحداهما على الأخرى.

ينظر ليفيناس إلى فرنسا مثل أرض استقبال، وبخاصة مثل ثقافة. "تحملنا الكتب أكثر عمقا مما تحملنا الأرض"1، يقول ليفيناس. فيما بعد، سوف يصبح لديه نوع من الارتياب تُجاه تقديس أرض إسرائيل ثم إنه لن يقوم أبدا بالهجرة إليها. هل بإمكانكم تفسير هذا الحذر فيما يتعلق بالارتباط بالأرض؟ ما هو المعنى الذي تقدمونه لتلك الحقيقة الهائمة على وجهها"2 كما سماها موريس بلانشو؟
فريدريك وورم:
لقد استعاد من فرانز روزنزويغ (franz Rosenzweig)3 فكرة أنه في الكتاب [التوراة]، كان الشعب اليهودي يحمل جذوره معه. ثمة جذور أخرى غير الأرض: جذور متحركة، محمولة. غير أن تكوين الذات، لدى ليفيناس، يترافق مع ارتباط بالعالم الذي يمر كذلك عبر الحياة. فإذا اهتزت أرضها تماما، فإن الحياة لن تصبح ممكنة بعد. لا وجود إذن لتأمثل للترحل، خارج الأرض. يسمح المسكن بـ"عبور" بالنسبة إلى "ترحُّل يجعله ممكنا"4ـ إنه بهذا المعنى، "مناقض تماما لجذر ما"5، يضيف ليفيناس. إن العلاقة بالكتاب، بالكتب، بالثقافة، لا تبطل، في اعتقادي، ضرورة مسكن ما. من جهة أخرى، إن ذلك يعتبر واحدا من التباسات علاقة ليفيناس بإسرائيل. من غير الممكن أن يعيش المرء في غياب العلاقة بالعالم وبالأرض ـ حتى وإن توجب على هذه العلاقة أن تتعالى بواسطة الأخلاق. "لا يكمن الدور المتميز للبيت في كونه يشكل نهاية للنشاط البشري، بل إنه يعتبر شرطا من شروطه."6

سجين بمعسكر ألماني طيلة الحرب، فقد صرح قائلا: "لقد تعلمنا الفرق بين الملكية والوجود. لقد تعلمنا القليل من الحيز المكاني والقليل من الأشياء التي ينبغي توفرها من أجل العيش. لقد تعلمنا الحرية."7 هل تعتقدون أن ثمة نوعا ما من التحرر في حرمان المنفى؟
فريدريك وورم: بالتأكيد، لكن أن تحيا، هو "أن تحيا ب.." باستمرار وهو ما يفكر فيه ليفيناس، في صيغة المتعة: يتمتع الإنسان بالأغذية، بمسكن، بحريته. مما لا ريب فيه أنه ليس في حاجة إلى الكثير من الأشياء من أجل العيش؛ لكن وعلى أي حال لا بد من التوفر على حد أدنى. إن كائنا منفيا بشكل جذري، مضطهدا، هو كائن يعيش في شقاء، في ضيق. إذا كان هناك بعد أخلاقي لشرط المنفي، فهو فقط من أجل من يستقبله، من أجل ذلك الذي يرى في المنفي شخصا آخر ينبغي غوثه. "إن تعالي الوجه يعتبر، في الوقت نفسه، غيابا له من هذا العالم حيث يلجه، تغريبا لكائن ما، شرطه كغريب، كمسلوب أو كصعلوك."8  

لا بد من وجود مسكن، من أجل الاستقبال. كيف يتمفصل هذا المفهوم مع الضيافة؟ 
فريدريك وورم: يمكن القول تقريبا أن الدور الأول للمسكن هو الاستقبال: فلا يتعلق الأمر بادئ ذي بدء، بالتوفر على مسكن و، بعد ذلك الاقتصار على الاستقبال فقط. فمن وجهة نظر من يملك بيتا، يصبح المسكن استلابا، سجنا، جريمة تقريبا، اغتصابا، إن لم يكن مفتوحا في وجه من لا بيت له. امتلاك بيت، هو القدرة على الاستقبال.
ومع ذلك، وعلى وجه التحديد، لأنه أساسا، يعتبر إمكانية للاستقبال، كما يمكن للمسكن أن يكون مكانا لنقيضه، لرفض الاستقبال، مكان لعنف هائل. فبين الاستقبال والحرب، لا وجود لحل وسط لدى ليفيناس ... لقد استعار ذلك من برغسون، ولو أنه نادرا ما يستشهد به: مجتمع مغلق أو مفتوح9. لا يكون البيت أقل انفتاحا أو أقل إغلاقا. يحتاج الإنسان إلى أرض، إلى مسكن، بل إلى مسكن مفتوح تكوينيا على استقبال الآخر.

على أنه إذا كانت الضيافة ضرورة أخلاقية، فثمة إغراء أيضا بعدم الاستقبال؟
فريدريك وورم:
إنها مفارقة ضمنية لكنها عميقة لدى ليفيناس، الذي يحس بنفسه ضمن البنية ذاتها للكلية واللانهاية. إن أول لحظة تم وصفها هي لحظة تكوين الذات. إن تماهي الأنا مع نفسها يمر عبر عودة إلى الذات في قلب مسكنها. إن التعالي الأخلاقي ـ اللقاء مع وجه الغير ـ يحدث في المرة الثانية. إذا كان المسكن، والحالة هذه، لحظة تكوينية للذات، وإذا كانت مغادرته تفترض اقتحام تعال، فإن ذلك يشير بشكل جيد إلى أنه ليس من السهل جدا الانفتاح على الآخر ومكاشفته! إنه جهد حقيقي؛ ينبغي على المرء أن يُكره نفسه كي لا يعيش بطريقة أنانية، منغلقا على ذاته. ويبدو لي أن ليفيناس بقي جزئيا ضمنيا حول هذا الإغراء، عائق الانطواء على الذات ـ الذي ينبغي انتقاده على أنه ينبغي كذلك فهمه، وهو ما قام بفعله.

يعتبر ذلك إلى حد ما ملائكيا، لو شاء المرء قول ذلك؟
فريدريك وورم: لقد ظل ليفيناس ظاهراتيا، في سعيه إلى إبراز أمر الاستقبال الذي يتجلى لنا: في الوجه. من الطبيعي أنه يقدمه في صيغة واضحة، إنه مرتبط بالمنهج الذي يستعمله. غير أن هذا الوضوح البين في الانفتاح على الغير، يعمل على تقنيع شبه استحالة! كما يتم العثور على ذلك عند برغسون، الذي يرى في السياج قوة حيوية، ولن يستطيع التفكير في الانفتاح إلا مثل قوة أخرى، ليست أقل حيوية، اجتذاب. غير أن الغير يعتبر، لدى ليفيناس، مثل تجل، وقول. وهو ما سوف يلومه عليه دريدا: كونه صغَّر من الصعوبة، إن لم تكن استحالة بلوغ تلك الغيرية.

ومع ذلك، فقد اغترف دريدا من ليفيناس من أجل التفكير في مفهومه للضيافة؟
فريدريك وورم:
لقد أفاد دريدا من ليفيناس كي يفكر في ضيافة غير مشروطة، بدون قيد أو شرط،10 لكنه رفض ضده فكرة تعال مطلق للغير سوف تكون سهلة المنال بالنسبة إلينا، واضحة، منفذ في ما وراء "كلية"، "أنا" ما مشكلة ومعززة من قبل "ميتافيزيقا" كاملة. هل بالإمكان مغادرتها؟ هل يعتبر ذلك سهلا للغاية؟ من جانبه، فإنه يلح على استحالة مغادرتها، متصلة بضرورة النقد. وهو ما يطلق عليه "تفكيك"، من الداخل (دون ادعاء الانقلاب أو مغادرتها بالرغم من ذلك) إرادة مراقبة الغيرية، اختزالها إلى المطابق ـ ما لا يتوقف عن صنع الميتافيزيقا وبشكل عام جدا اللغة، التي تحدد دائما ما تراه أولا كغريب. إن الأخلاق إذن هي من خلال وجهة نظر خاصة، مستحيلة التحقق. وبالمقابل، فهي تمتلك قيمة نقدية، تفكيكية.
سوف تصبح الضيافة إذن لا مشروطة، ما أن تتم الرغبة في ممارستها. لا بد من امتلاك القدرة على الاحتفاظ بالفكرة الأساسية للاستقبال بدون قيد، بالضبط، لأن كل استقبال ملموس ستكون له قيود. يتصور دريدا الصفح بطريقة مماثلة، في الوقت نفسه كلامشروط ومستحيل: فلا يمكن بالنسبة إليه، في الحقيقة، أن يصفح المرء إلا على ما لا يُغتفر. لن تتحقق الضيافة اللامشروطة أبدا ؛ إنها أولا، أداة نقدية لرفض الاستقبال. وهي ضرورية حتى: ينبغي انتقاد أولئك الذين لا يرغبون في الاستقبال بلا قيد ولا شرط.

كيف الخروج من هذا الطريق المسدود؟
فريدريك وورم: لا يمكن الخروج، بالنسبة لدريدا، من هذا التناقض الذي يكوِّن الأخلاق. ومع ذلك، ثمة سبل للخروج منه من دون الادعاء، مع ذلك، التواجد في المطلق واللا"نهائي". أعتقد أنه ينبغي تحديد مستويات للاستقبال اللامشروط، التي ينبغي إدراجها في القانون. من جهة أخرى، يتعلق الأمر بمحظورات مطلقة: لا تدع أحدا يموت، لا تدع أحدا جائعا، لا تدع أحدا في البرد، لكن أيضا لا تتركه جاهلا، لا تدعه بدون عناية. فإذا ما قيل عن لاجئ أنه يكفي ألا يتم تركه يموت، فإن المرء يكون في وضع إنساني يكتفي بـ"غوث الأبدان". على أنه عندما يتعلق الأمر بغوث كائن بشري، فلا ينبغي كذلك تركه بدون لغة، بلا أسرة، بلا هوية، بلا عمل .. هل الضيافة اللامشروطة هي فقط، مثلما هي عليه في التوراة: "ادخلوا وكلوا في بيتي"؟ أميل إلى عناية غاية في الاكتمال؛ فإذا ما تم استقبال شخص ما، فإنه لابد من منحه الحد الأدنى، قدرات للتصرف: اللغة، العمل، المساهمة في الاتحاد الاقتصادي والوطني والدولي، إلخ. أن يتم توفير وسائل لكل شخص كي يكون ذاتا.

يتصور ليفيناس العلاقة الأخلاقية مثل لغة، قول سابق على الكلمات. ألا يوجد مبرر لواجب للضيافة أمام لاجئ، وحتى عندما لا يتم التحدث بنفس اللغة؟
فريدريك وورم:
بطبيعة الحال. فليس محتوى خطاب ما هو ما يرغمنا، بل الحقيقة البسيطة التي يتحدث عنها شخص ما، يعبر عنها، مهما يقول هذا الشخص.إن ما يرغمنا، ليس سلطة مجردة، مثل حقوق الإنسان. إنها كائنات ناطقة أمامنا. إنها نقطة عميقة للغاية لفكر ليفيناس.

بصفتي الشخصية، سوف أضيف، أنه من أجل أن نكون قادرين على الإصغاء لكلام الآخر، ينبغي أولا أن أناسا قد تحدثوا إلينا لما كنا رُضَّعا. لابد أننا تشكَّلنا مثل ذوات إيثيقية، بواسطة البراعة البدائية للآخرين من أجل الإحساس بالآخر مثل غير. يتحدث ليفيناس بشكل أكثر عمقا في [كتاب] الكينونة بوجه آخر أو الحب الأمومي، لكنه يتحدث دائما من وجهة نظر الأم، التي يعبرها قلق مطلق من أجل الطفل، على استعداد على التضحية من أجله ـ إنها إذن نموذج للإيثيقا. يشكل هذا القلق، والحالة هذه، الرضيع، فهي تسعى جاهدة لإنقاذ حياته. لكي يكون المرء قادرا على استقبال كلام وجه آخر، ينبغي أن يتم التوجه إلى أنفسنا كوجه؛ فقبل أن نكون ذاتا تقدر الآخرين، لقد كنا نشكل غيرا بالنسبة لذوات أخرى. إن ليفيناس على صواب، بخصوص الجنون الأمومي البدائي، الذي يجعل من أن أمًّا تكون على استعداد من أجل أن تموت لصالح أطفالها. وهذا هو ما يجعل من النوع يمتلك القدرة على النجاة من الموت. على أنه كان ينبغي أيضا أن يتوقف هذا الجنون، أن تتمكن الأم من العودة إلى الحياة في استقلال عن وليدها. إن ما يعتبر مبالغا فيه لدى ليفيناس ودريدا، هو هذا الموقف المشبع بالغلو، الذي يتضمن تقريبا نكرانا لذات عينها من أجل الآخر.

مع جرم التضامن، بإمكان العدالة معاقبة هذه الضرورة الأخلاقية للتضامن. ماذا سيقول ليفيناس عن ذلك؟
فريدريك وورم:
إذا كان القانون يطلب منا، ألا نقدم المساعدة، لمن يموت في الجانب الآخر، من حدودنا، فإنه يتوجب انتهاك هذا القانون، من أجل تذكيره بأساسه الأخلاقي. بالنسبة لليفيناس، فإن العبور من الإيثيقا إلى العدالة يعتبر ضروريا. ومع ذلك فإن الأخلاق ينبغي أن تقودنا في الحالات التي لا يتدخل فيها القانون لنجدة الغير الذي يعتبر أمرا مطلقا، عندما تصبح العدالة ظالمة. من الخطير جدا سن "جريمة للتضامن". أضف إلى ذلك، أنه يتوجب علينا معارضة تضامن غير مشروط. إن هذا المعنى النقدي لللامشروط، الذي تحدثت بخصوصه، بالنسبة لدريدا، يوجد لدى ليفيناس، فيما يتعلق بالسياسي.

ومع ذلك، هل يعتبر ذلك التضامن اللامشروط واقعيا؟
فريدريك وورم:
شأنه في ذلك شأن كل كبار الغلاة، مثل كامو أو جانكلفيتش، لم يقل ليفيناس أنه ممكن التحقق، على أنه ضروري من أجل انتقاد التعسفات البينة. من الضروري له كذلك، أن يجعل أوضاع المعضلة مأساوية لا مفر منها أحيانا. ففي وضع "فرز" ضروري، خلال كارثة مثلا، عليكم أن تختاروا، ثم إيجاد المعايير المناسبة الممكنة. لكن فحتى وإن تم تبريره، فإن هذا الاختيار يظل على الدوام، متعذرا تبريره في المطلق. فلو قمتم بالاختيار، دون أن يكون لديكم الإحساس، بأن هذا الاختيار هو اختيار مأساوي، دون شعوركم بالذنب، فأنت شخص قذر. قد لا يغير ذلك شيئا في الممارسة: سوف يكون المرء مرغما على ألا يحترم اللامشروط، وعليه البحث عن الحجج الممكنة الأقل سوءا. على أنه ينبغي الإبقاء على هذه الضرورة في الذهن. إن من لم يتألم بواسطة الاختيار، الذي ينبغي القيام به، يكون قد تخلى عن ذلك. إن ذلك الجرم الضروري، هو أثر الأخلاق في استحالتها ذاتها. ففي لجان الأخلاق، أقول أحيانا، لو أن شخصاما كان متألما، فهو يوجد قبلئذ في الأخلاق ؛ فإن لم يكن هناك ومهما فعل، فلن يكون هناك أبدا.

فإذا كانت أخلاقه مستحيلة التحقق، ماذا سوف تكون تطبيقات ليفيناس السياسية؟
فريدريك وورم:
إن فكرة برنامج بسيط، سهلة التحقق، مستوحاة من ليفيناس هي وهم طبعا. إن ذلك يغذي ليفانيسية سهلة إلى حد ما، غير كافية وخادعة حتى. وبالرغم من ذلك، ثمة عدد معين من الأمثلة الملموسة، لروابط بين إيثيقاه والسياسة. فهو يشدد، على الخصوص، بوجود فخ، انحراف ممكن في قلب حقوق الإنسان. إن قوتها هي بالتأكيد تكون عالمية، أن تطبق على الغير بقدر ما تطبق عليَّ. ومع ذلك، فأنا أميل إلى اعتبارها أولا مثل حقوقي. يذكرنا ليفيناس عن صواب أنها بادئ ذي بدء، قوانين الإنسان الآخر. علاوة على ذلك، فإن البعض يعتقد مثل سيمون فيل Simone Weil))، أنه لا يجب التكلم عن حقوق بل عن واجبات11. بيد أن صيغة ليفيناس دقيقة جدا: "حقوق الإنسان الآخر" 12. فليست الواجبات فقط هي ما يجب/ تجب علي تجاه الآخر: فللغير حقوق.

أولوية الغير هذه هل هي كافية من أجل تشييد برنامج سياسي؟
فريدريك وورم:
أعتقد أن برنامجا سياسيا تبسيطيا، يشجع على التضحية من أجل الغير، ويقود إلى نكران الذات تماما، فهو ليس مفرطا فقط، بل متناقضا. لا يمكن الاهتمام بالغير إذا لم يكن المرء ذاتا. سوف أضيف فلسفة سياسية حقيقية، ينبغي أن تمر عبر نقد للسلط، ذلك ما ينبغي أن يكمل ليفيناس بواسطة فوكو. إن طبيبا يسيء استعمال وزرته البيضاء ليس ذاتا فقط، منغلقة على نفسها. فهو خاضع، كذلك، إلى بنية اجتماعية تمنحه وسائل الهيمنة على الغير. في فرنسا، ثمة مظهران متعارضان للأخلاق الطبية: ليفيناس وفوكو؛ الإخلاص تجاه الغير ونقد السلطة.

قلتم بأن ليفيناس يعتبر مثاليا؟
فريدريك وورم:
لا، على العكس، من وجهة نظر معينة. فقد أهدى ليفيناس [كتاب] الكينونة بوجه آخر "إلى ذكرى الكائنات الأكثر قربا من بين الملايين الستة التي اغتالها القوميون الاشتراكيون"13. فهو يدرك جيدا أن الاغتيال، رفض الضيافة، الكراهية والحرب ممكنة. لا شيء مثالي يوجد لديه. فهو يذهب، في واقع الحال، إلى الحدود القصوى، دون ذكر ذلك باستمرار. إن تجربة الطيبة، التي استعارها، على الخصوص، من فاسيليه غروسمان Vassili Grossman) تلتقي دائما مع الانبهار، مع الإحساس بالمعجزة. لماذا؟ لأنه ينبغي عليها أن تتواجد هناك في كل وقت، لكن ذلك ليس صحيحا. زد على ذلك، أن [دراسة] كلية ولانهائي تنفتح على هذه الجملة: "سيكون من السهل أن نفهم أنه من المهم أن نعرف إذا لم نكن مخدوعين بالأخلاق."14 في إيثيقاه، قدم وصفا لبنية كونية، يعرف أنها نادرة الوجود، لأنها مموهة بعائق قوي للغاية وكوني هو كذلك: الحياة ذاتها أو (بحسبي) إحدى تلك المظاهر، الحاجة، حقيقة أن يتم الإلحاح دائما على كينونتها الخاصة، الإغلاق، الحرب. العلاقة أو التعارض بين حياة وإيثيقا تضم هذا الوصف، الذي ينبهنا في جميع الأحوال، حول نتائج حياة بدون إيثيقا.

هوامش

مصدر النص: مجلة فلسفة Philosophie magazine  الفرنسية عدد ممتاز، رقم 40، وبها هذا الحوار مع فريدريك وورم أجراه: أوكتاف لارمانياك ـ ماثيرون، إيمانويل لوفين وسيفن أورتوليه.

1. تمت الإحالة عليه في Marie – Anne Lescourret) ( إيمانويل ليفيناس، فلاماريون، ط 2، 2006، ص: 344

2. نفس المرجع، ص: 50.

3. فرانز روزونزويغ، نجمة الخلاص.

4. إمانويل ليفيناس، كلية ولانهاية. بحث حول البرانية، كتاب الجيب، 1990، ص: 187.

5. نفس المرجع.

6. نفسه. ص: 168.

7. إمانويل ليفيناس، دفاتر الأسر، غراسيه / إميك، 2009، ص: 203.

8. إيمانويل ليفيناس، كلية ولانهاية. بحث في البرانية، كتاب الجيب 1990، ص: 73.

9. هنري برغسون، مصدرا الأخلاق والدين، 1932، ألكان فليكس.

10. عن الضيافة. آن دوفورمانتيل Anne Dufourmantelle) ( تدعو دريدا من أجل الإجابة، كالمان ليفي، 1997.

11. سيمون فيل، تجذير. مقدمة في بيان عن الواجبات نحو الكائن البشري، غاليمار، 1949.

12. إيمانويل ليفيناس، " حقوق الإنسان الآخر "، في غيرية وتعال، فاتا مورغانا، 1995، ص: 151 ـ 157.

13. إيمانويل ليفيناس، الكائن بوجه مغاير في ما وراء الماهية، 1974, Martinus Nijhoff , La Haye , 1974 , p. 5.

14. إيمانويل ليفيناس،الكلانية واللامتناهي. بحث في البرانية، كتاب الجيب، 1990، ص: 5