تهدي (الكلمة) للقراء ديوانا ثانيا فشهر مارس شهر الاحتفاء بالشعر، في يومه العالمي. يظل الشعر وحيدا هذه المرة، في ظل إغلاق الجائحة لفضاءاته، ولعلها مناسبة كي نقترب من هذا التمرين التناصي من خلال كتابة تتأمل مفارقات تعبر الزمن، بلغة تتهكم أحيانا وتنتقد أخرى، هي نصوص شاعر تحاور ذاكرة الشعر.

ديوان

صحف إبراهيم وليلى

إبراهيـم العاقـل

 

"إن هو إلا تمرينٌ في التّناصّ

مع أعمال الله الكاملة

وأعمال بعضٍ من عباده المبدعين"

 

إذا لم تكن ذئبـًا

أكلتكَ الخرافُ

أو لم تكن ليلى

أكلتكَ الذئابُ

 

إهداء

ولقد خدعتكَ يا أبي

أنا الذئبُ

لكنْ

إخوتي ليسوا خِرافا

 

الشمسُ ما عانقت وجهي

ولم يؤوني جبُّ

ومصرُ

حديثها كان خُرافة

 

أنا الذئبُ يا أبي

وبين يديكَ أعترفُ

ولقد راودتها عن نفسِها

وقطعتُ أيديها

ورفضت أعطيها

الزيت

والخبزَ الكفافا

 

سأغيّرُ الأحداثَ يا أبتي

وأحرقُ كلّ قمصاني

وأنصرفُ

فأنا لا أطيقُ السنينَ العجافا

وأنا لا أطيقُ السنينَ العجافا

 

رؤيا

سيّدتي  

عندما تأتين  

سوف أقول لكِ     

كم من الوقت مرّ وأنا

على قارعة الطريق

الريح تبحث في جيوبي

عن بقايا الدفء

والقطط اطمأنّت إليَّ

والسكارى العابرون ترنّحوا قربي

وسكّوا دفعةً واحدة

نخب الرفيق 

           

تسعٌ وعشرون زهرةً ذابلة

وثلاثمائة وخمسٌ وستّون شاهدة

انتظرت معي

ومعـًا أحصينا النجوم

هذه كانت لأبي

وله ثلاثٌ غيرها

وتلك لأمّي

ولها السماء كلّها

وتلك الهناك على التخوم

كانت لصديق

           

سيّدتي

هل جئتُ قبل الموعدِ

أنا دائمـًا هكذا

روحي مبعثرةٌ

ويُسقطُ في يدي

ومنذ ولدتُ

أحاول أن أكبرا  

سيّدتي

هل يعطى موعدٌ في مقبرةْ  

           

أفتّش في عيون الناس عني

وهم يغمضون

وأطلبُ كالكبار نبيذًا

وأشرب كالصغار اليانسون

وأركضُ خلف الفراشات كطفلٍ

أعطوه بالأمس حذاءً جديدا

سيّدتي

هذا المساء طويلٌ  

وأنا أخاف الظلام

وأن أكون وحيدا

وأنا ...

سيّدتي

هل كان موعدنا هنا

           

عندما تأتينَ

سوف أقول لكِ   

كم من الوقت مرّ 

وأنا في الآخرة

يحاسبني البردُ

سيّدتي

هل كان بيننا وعدُ

           

 

تأويل

هنا

تحت السّماء

انتظرتكِ

منذ مريم

وبعد نخلتين

أتيتِ

نورًا على نور

كان وجهكِ

كما اشتهيت

وله الأسماء كلّها

وقام وجهيَ من جانب الطور

وحوله الشمس والقمر

وكواكبٌ أحدَ عشر

ردّدتُ أوراد سواي 

ولم أقصص على أحدٍ رؤاي

           

 

وما جنيتُ على أحد

أنا العاشق الثالث عشر

على أسوار ليلكِ علّقتُ روحي

نجمةً نجمة

ورفعتُ كأسكِ عاليا

وبلا خطيئةٍ

حرّاسكِ رجموني

وألقوني في غيابت الجبِّ

بغير قميصٍ

وعلى خشبةٍ علّقوني

وهم صلبوني

           

ودونما نديم

شربتُ نخبكِ حتى انتشيتْ

وأقسمتُ بكلّ بلدْ

أنّي عشقتكِ

مثنى وثلاثـًا ورباعا

وهو القلبُ أحدْ

           

 

في البدء كانت ليلى

لا تسأليني من أنا

أنا باختصار

أشلاء إلهٍ مزّقه الكفـّار

أنا ليلٌ أبديٌّ يا قمري

وصيامٌ لا يدرك إفطار

أنا قمرٌ نبذته جميع الأفلاك

وجحده كلّ السّمّار

يا نار أنا إبراهيم

فكوني بردًا وسلامًا

يا نار

           

أنا ابن البطّة السوداء

وأبي كان ثورًا أبيضا

لم يدركوه فمزّقوه

في جيدي طوق حمامةٍ

وعلى جبيني كتاب

لم يدركوه فمزّقوه

           

ظهري انحنى وأنا

أساعدهم كي يصعدوا

بحّ صوتي لطول ما

علّمتهم أن يصمتوا

حضرتُ فبدوا

بدوتُ فعدوا

عدوتُ فطالهم سبتُ

           

وأنتِ

في البدء كنتِ

وكنتُ أوّل العاشقين

ثم جاؤوا عنّا يتساءلون

فمنهم ضلّ صاحبه

ومنهم قال ننتظر

وثالثهم باسطٌ قلبه

في حبّنا مجنون

           

 

وليلى هكذا أوحت

ذات ياسمين

كان وجهكِ ما يزال عنيدا

وأنا ابن المسافات البعيدة

أحار مع أيّ قافلةٍ

أروح

ذات صباحٍ

عانقتني الحقيقة

وأوصتني بها

ألا أبوح

           

 

واصطفتني على العاشقين

لخطوكِ فوق صراط البنفسج ِ

رائحة الأرض من بعد المطر

ولي ما ليس لي

من صلاة الياسمين

يا أنتِ

الصّدى الذي ليس يأتي

هبيني رعشةً أخرى

لأتلو من جديد القدر

وظلـّي كما تشتهين

تبارك هذا المساء الذي

تنزّل وجهك فيه عليّ

وحيّ على الحائرين

غداً سوف أحبك أكثر

أنا المضرّج بالخطو الثـّقيل

بالزّحف المكسّر

وأنتِ أنت

وفي كلّ حين

           

 

ثمّ اهتدى قلبي

ريقكِ من ماء زمزم

خداك تفاح آدم

صدركِ

كجنّة عدنٍ جميلٌ

ودافئٌ كجهنم

وأنا عاشقٌ جاهليٌّ

دعاه نبيّ هواك فأسلم

كرّم الحبُّ وجهكِ

يا حبيبة عمري

وصلى على عينيك

وسلم

           

 

يميني وما ملكت

أقسمُ بالله العظيم

ـ وليس لكنَّ عليَّ يمين ـ

أنني لم أقلْ بيتـًا خالصًا لوجه النساء

وأنّ شعريَ كلّـه

نذورٌ وقرابين

جميع قصائدي نثرتها للأرض

فما ذنبي،  

إذا كانت جميع أجساد الجميلات من ماءٍ وطين ؟

ثم ما ذنبي، إذا كان وجه حبيبتي

كالشام شامخٌ

وباذخٌ كفلسطين ؟

إذا شفتاها التين والزيتون

وصدرها طور سينين !

يا معشر العشاق

ساووا صفوفكم

وتعالوا نصلّي

على ملّـة ليلى ركعتين

           

 

حدّث قلبي قال

يقولون : "صرّح باسمِ من تهوى"

ومن أهوى

تعالى

فما تحيط بسرّه المكنون كلماتي

ألا تراني حلوَ الكلام

ذاك لأنني

ذوّبت اسمه في عباراتي

           

 

والموت واحد

شاعرٌ أنا

قادمٌ من بعد إلا

ولكن  

مثلي لا يجوز له ثوابُ

ما ضلّ قلبيَ .. كلا

وما نطقتُ عن الهوى

لكنّهُ الدهر هوى

ببناتهِ

وتعدّدت أسبابُ

           

حزني تيعقبَ

والأحبّةً يوسفٌ

صبري تأيّبَ

والعذابُ عذابُ

أمّاهُ

هل لي بوجهكِ العُلوي يحيدرني

وقد تخيبرت في وجهيَ الأبوابُ

           

 

ما حاجتي للمعرفة

كذئبٍ شاردٍ في روما

يزفر نهدٌ لها

فتشهقُ في الأنا

شهوةُ الحليب

وأعرفُ ـ بعد ثلاثين حربًا ـ عدوّي

مدّةٌ تكفي

لكي لا أسألَ بعد هذا الكشفِ

عن الحبيب

           

 

حنانكَ نيرونُ

وامنح روحنا

صمتـًا ثالثـًا فوق الصليبْ

ويا دار ليلى في العراقِ تكلّمي

وقفي مساءً ـ أمُّ ليلى ـ والطمي

"سئمتُ تكاليف الحياة ومن يعش

(ثلاثين) حولاً لا أبا لك يسأمِ"

           

 

اشتباه

أمام المرآة

ثمّة رجلٌ ليس غريبـًا

يتأمل عينيّ بإشفاق !

ـ صباحُ الخير.

ـ صباحُ الخير.

وانحنيتُ

فانحنى

كأنه أنا

           

 

التباس

قهوتي

من دون عينيكِ

سادة

مع الفيروز

سكّـرها زيادة

حبيبتي اسمها سلمى

ولكن

لضرورة الشعر

أصبحت ميادة

           

 

استراتيجية

والكعب العالي اخترعته

امرأةٌ

قبّـلها رجلٌ يهواها

قبّـلها فجاءت قبلته

في أعلى جبهة أعلاها

ما أحلاها

لما طالت

لما صارت

في موضع جبهتها شفتاها

           

 

الصورة والمثال

ولدتُ مثل كلّ الناس

لي ظلٌّ

هو بعض كلي

أطارده أو يطاردني

ثمّ يأتي في المساء على هواي

           

ومشينا نحن الاثنان معـًا

رجلي على رجله

ولم تمسسه يداي

كلانا لم يستطع عن بعضنا التخلي

           

قلبي عليه

وقلبه على الحجر

ثمّ ذات وشايةٍ

وقال قومٌ : "بل قدر"  

صار لي ظلان

ثمّ فقدتُ ظلي

           

يا أيّها الإنسان

في طور التجلي

أنا ظلّ ظلي

ولست أتّبع سواي

           

 

ليلة قبضوا عليَّ

حين اقتحموا أحلامي

لم يجدوا عطرًا

فاقتادوني

رغم دموع الأيقونة

وهناك انهرتُ

وصرتُ

كمثل الشعراء

قبّـلت يدًا لا تعرف كتفي

أقدامًا لا تؤمن بالسفن

ثمّ ترجّـل صوت الصبح

أفق

يا هذا الكوفيُّ كفاك رحيلا

وارسم على الجدار الوطن

نصفه

أو زد عليه قليلا

وافرد جناحيك وسع الكفن

           

 

بالجرم المشهود

متلـبّسًا

أمسكوا بي

في حديقة القصر

أضاجع الأميرة

جلدوني ثمانين جلدةً

ثمّ

أسموني وزيرا

           

 

وجاؤوهم بنبأي

في المقهى

همس موظف :

"في بلدي الصدفة تصنع مسؤولا"

ردّ المثقفُ :

"الصوابُ أن تقولَ مصادفة"

سأل التاجر :

"هل تصلح هذي السلعة للتصدير ؟"

الرجل الجالس بالقربِ

لم يقلْ شيئـًا

تناول الجريدة

وقام

وبعد أيام

وبمحض الصدفة

لم يطلب أحدٌ قهوة

           

 

استجواب

قال : "لا"،

فاستجوبوه

عن اسمه واسم أبيه ؟  

وعن جدّه وستّه وأخته وعن أخيه ؟

وتابعوا استجوابه عن سائر العمّات والخالات والأعمام والأخوالِ ؟  

وأين يعملون ؟

وماذا يشربون ؟

وهل يقرأون  قبل أن يناموا ؟  

أو عندهم معارفٌ في الخارج ؟  

وأردفوا السؤال بالسؤالِ

           

قال : "نعم"،  

فأعطوه رقمًا رباعيًّا

ونادوا على التالي

           

 

محاكمة

ذات مساءٍ

سوف أحبّـكِ

فانتظري الحوت

يقولون :

"إنّـا نمُـوت"

ذات مساءٍ

هربت أمّي إلى الآخرة

وأنا نمَوت

كآخر سيفٍ

أقـلّبُ في المرايا

وعن أمّه

أقطف وجهـًا

لألقي بظلّـي عليه

يا أيّها الرغيف

أتكفي عشرة

في انتظار التابوت

           

 

كلمة السرّ

هنا الرّبذة

ترجّل يا أبا ذرّْ

هم عبيدٌ إذ نفوكَ

وأنت حرّْ

وهذي الجموع التي لم تجد قوتـًا

قد حطها الفقر في قفرْ

           

عجبتَ لمن لم يجد

فخاف منك الواجدون

وقال كبيرهم : "منه فاحترزوا"  

من مبلغٍ عنّا الألى كنزوا

بأنّا جائعون

وأنّا حين لا نلقى طعامًا

نشهرُ أرواحنا  

ونكرّْ ؟ !

           

هنا الربذة

يا أبا ذرّْ فاركبْ

هذي الجموع قد خرجتْ إليكَ 

وإلى حقّها ترغبْ

قلْ : بعد هذا اليوم لن تعجبْ

وإنّا راجعون

           

 

وداع

كمثلِ الفراشة

حين للضوء تصلّـي

يركع الحبُّ على جسد القصيدة

وحيدًا

وعاد المساء يفتّـش عن قافية

أطفؤوا هذا الصراخ

فثمّة موتٌ سيأتي

لذيذٌ كجرحٍ قديمٍ

كظلّ الرياح البعيدة

وسدّوا جميع الجهات بعطرٍ

قبيل هطول القدر

غدًا

حين نودّع بعض الأصدقاء

تعالوا إلى صفحةٍ جديدة

           

 

سنّة الحياة

الثـلاثةُ للواحدِ كنّا

وحين مات واحدٌ منّا

بكيناهُ كثيرًا

ثمّ اقتسمنا الثـلث

           

 

بعض الحقائق

أما زال نهدا عبلةٍ حكرًا لعنتر ؟

أم أصبحا للدافعين غداة تزايدوا أكثر ؟

عبلة الحرّة التي

ما غادرت مضارب القبيلة

اليوم تأكلُ بثدييها على المنبر

           

عبلة كانت أجمل امرأة منّا

وكنّا منها نغار

هذي العذراء البدويّة

ما أسعد يوسفها النجّار

           

ولادة بنت المستكفي

يستجوبها بوليس الآداب

والمعتصم بحبل الله

عضوٌ في شبكة إرهاب

من كان توقع ما يحدث ؟

من كان يصدّق واقعنا الكذّاب ؟

           

لم يخبرنا ضرب الرمل

ولا أخبرنا التنجيم

وقراءة كفّ الحسناوات

لم تذكر هذا التقويم

فلماذا يحدث هذا ! 

ونحن

منذ القرن السابع على الصراط المستقيم ؟

           

إنّ بعض الحقائق قذرة

"يا قومُ فالمعذرة"  

           

شهريار يذبحنا كلّ صباح

وفي كلّ ليلةٍ شهرزاد تُغتصبْ

وليس فينا ديكٌ واحدٌ

من تطوان إلى شطّ العربْ

           

عدوّنا يضاجع نساءنا علانية

ونحن لا نفعل إلا

أن نرجم الزانية

           

إنّ بعض الحقائق فيها العجب

وبعضها فيه ـ إن قيل ـ قلّة أدب

"يا قومُ فالمعذرة"

           

ذكروا والله أعلمْ بغيبه وأحكمْ

فيما مضى وتقدّمْ من أحاديث الأممْ

ومنذ سالف العصور

أنّ العين تستطيع أن تقاوم المخرز

حين لا تشتري بذلّها النور

وأنّها تدور

           

 

السيرة الصغرى

أمضيتُ نصفَ عمري

كلّما رأيتُ جميلةً

كتبتُ قصيدةْ

وقضيتُ نصفه الباقي

كلّما قرأتُ قصيدةً

تذكّرتُ جميلةْ

           

 

السيرة الكبرى

اسمي إبراهيم 

آلافٌ قبلي حملت هذا الاسم

وسيحملهُ من بعدي الآلاف

           

حين ولدتُ

ترجّل جدّي إبراهيم

عن السرير الأبيضِ

وأمّي لم تعطِ فرحتها لأحد

           

قرأتُ الكتب والمصنّفات

والحكمة وكتب الطبّيّات

وحفظتُ الأشعار وطالعت الأخبار

وعلمتُ أقوال النّاس

وكلام الحكماءِ والملوك

           

والآن

حين أفتّشُ عن اسمي في "الغوغل"

تلقاني بضعة أبحاثٍ وقصائد

أنا أوّل من ينساها من النّاس

           

غدًا

بعد خمسين عام

قد يذكرني أحفادي

وربّما

يقرأون على روحي الفاتحة

أو يرسمون الصّليبْ

أو ربّما

لن أرجمَ بالغيبْ

           

وبعد غدٍ

بعد قرنٍ أو يزيد

قد يأتي

من يبحثُ في تاريخ الأمّةِ

فيكتبُ عنّي

كما يكتبُ أيضـًا

عن خليل وعن إسماعيل

... إلخ !

ثمّ ينسى قبل جميع النّاس كتابته

وينتظرُ

قرنـًا أو يزيد

           

وعلى رأس ألف عام

قد أحظى من جديدٍ باهتمام

فيذكرني قومي

حين يحكون عن آخرين

أو يفردون لجمعي مهرجان 

ويقرأون عليّ السّلام

           

وبعد ألف عامٍ وعام

قد يأتي

من يسرقُ جمجمتي

ويستشهدُ بها على عقل الإنسان

في آواخر الألف الثاني وأوائل الألف الثالث

           

وتمضي الأعوام  

وأصبحُ لؤلؤةً

أو نفطـًا من نوعٍ آخر

يتصارعُ من أجلي النّاس

أو ببساطةٍ هكذا

أعود إلى التراب

طينـةً لإبراهيم جديد

سيترجّلُ حين يولدُ جدُّه

عن السرير الأبيضِ

وأمّهُ

لن تعطيَ فرحتها لأحد

           

 

الصحيفة الأخيرة

« أخاف لندرة الخيل الأصيل

ذات سبق ٍ

أنني أسرج حمارا

واشتهي أن لا أموت وحيدًا

وألا يُملأ صدري غبارا »

           

"لا أبتغي غيرَ وجهِ صدقكِ"  

قلتُ لها.  

قالت : "فإنّكَ مُعجزي"  

وأسقطتْ عنها النصيفْ

أدركتُ حينها

أنّ للمرأةِ التي أحبّها

حبيبٌ لا أظنّهُ أنا

وأنّ الصدق ضربٌ من التخريفْ

          

لم تعدْ تجدي

سياسةُ البيضة والحجر

فليسقطْ

ولتنكسِرْ

يا أيّها الشيء القذرْ :

"لقد نالتني منكَ فوائدُ

إنّك إذن لنظيفْ"  

          

إنّنا محكومون بالنهايات

يحوكها الوجهُ الآخرُ للقمرْ

هناك حيثُ يتجلّى الخفاءُ

وحيثُ المدُّ ينجزرْ

فما الفضيلةُ إلا رذيلةٌ مضمرةْ

وما الولادةُ إلا موتٌ مستترْ

يا أيّها الذين أحبّهم :  

"فلتخرجوا على نصّ القدر

ولترقصوا معي على الصراط"  

            

قد تشعر بالوحدة

وأنتَ في تظاهرةٍ حاشدة

ثمّ حين تعود إلى عرزالكَ الوحيدْ

تشعرُ بالزحام

إنّها شريعة الترديد

وبذا قضت ما بيننا الأيّام

            

أنتَ لستَ نبيّـًا

فاغفرْ للألى ليسوا من مريديك

وأمّا الجميلة

فلا يُغْـلِكَ مهرُها

وبنعمة وصلها خبّرْ

إنّكَ بالدبلوماسيّة

وبالدبلوماسيّة وحدها

ستخرجُ الأفعى من جحرها

ومن أحبّك سيحبُّ كلبكَ معك

ويعطيك ما لقيصرْ

وما لله

وإذا فسد الهواءْ

فامسحْ أنفكَ بالزيتِ المعطّرْ

فلن تشمَّ سواه

            

وحين عدوّكَ يختالُ في ثوب صديق

يقبّلكَ ثلاثـًا

ويمشي على الماءْ

كلا لا تطعهُ واقتربْ

فقد تاهَ

ثمَّ تاهّ

وليس تدركهُ المراكبْ

            

أعداؤك في الجاهليّة

سوف يصافونك في الهجرة

ويدخلون في هواكَ أفواجا  

ويرمي فراتكَ بحجرٍ

نديمُك حينَ صار أجاجا

ومن عرفكَ في دمشق

سوف ينكركَ في باريس

إنّها 

إيديولوجيا الشعرة والخندق المواكبْ

قابيل لم يقتل أخاه

كلا

ولأبيهما سجد مسايرًا إبليس

            

ربّما استهوتني السياسة

ولكن

ليس يغريني أن أكون

أمّةً في الناس

أنا ابن الإنسانِ

سيّدُ مكاني

وعبد الزمان

            

وقرأتْ في البدء ليلى

عليها الغرام

لكي تكون نفسك

ينبغي أن تعرفها

وحتّى تعرفها

عليك أن تملكها

وإلى أن تملكها

قد تخسر العالم

وأنا قد قبلت الرهان

            

الحقّ الحقّ أقول لكم :  

"لا تحزنوا إذا ما افترقنا

فما مكتوبٌ علينا اللقاءْ

أنا من زمن الخبز والماءْ

وأنتم من زمن اللامائدة

أنا ليلى حبيبتي

وقلبي لواحدة

وليلتكم أنتم حبيبتكم

وسريركم لكل النساء

أنا ـ سرّ أبي ـ

من هناك ومن هنا

وأنتم

ـ لم تلدكم أمٌّ ـ

من هنا وهناك

فلكم دربكم

ولي دربي

وليس لنا كلمةٌ سواءْ"  

           

 

إبراهيم العاقل: ولد في دمشق عام 1978 ودرس في مدارسها، وفي عام 2000 تحصل من جامعتها على درجة الإجازة في علوم اللغة العربية وآدابها، لينال بعدها وعلى التوالي الدرجات العلمية الآتية : دبلوم الدراسات العليا الأدبية (2001م) ؛ دبلوم التأهيل التربوي (2002م) ؛ دبلوم الدراسات العليا في التخطيط التربوي (2003) ثم الإجازة في الدراسات المسرحية (2005م). ليسافر بعد ذلك إلى باريس لمتابعة دراساته العليا في المعهد الوطني للغات والحضارات الشرقية حيث نال شهادتي الماجستير فالدكتوراه (2016). وقد ظل دأبه أثناء ذلك كله الانهمام بأسئلة الأدب العربي ومساءلة مصادره الأولى وتتبع أصدائها الحديثة والمعاصرة يدرسها ويدرِّسها. شارك في مؤتمرات عديدة وألقى عدة محاضرات في جامعات باريس وتونس وفاس وإيرلنغن ولايبزغ وكوبنهاغن وروما وكامبردج وهارفارد وليل ونانسي وزوريخ. وأصدر عدّة دراسات حول المخطوطات العربية وحركة التأليف والترجمة والنشر حول ألف ليلة وليلة والأدب العربي الشعبي، كان آخرها تحرير كتاب جماعي بالاشتراك مع وليم غرانارا مدير برنامج اللغة العربيّة في جامعة هارفارد وقد صدر العام الماضي عن دار نشر بريل الهولنديّة: يدرّس حالياً اللغة العربيّة وآدابها في المعهد الوطني للغات والحضارات الشرقية وفي معهد العلوم السياسية بباريس.