هي صورة مقربة للشاعر كما يراه الشاعر اليمني، في نص يتقاطع مع السؤال الفلسفي، يمضي وحيدا اتجاه العالم متأبطا أثر الخدلان فاتحا ليأسه كوة على الأسئلة، كما يليق بفيلسوف ولأنه كذلك يحاول أن يجد صدى للتيه في البحث عن مآل للخروج، وبين الحضور والغياب، يترك للحياة نصا فريدا لعله يحرك تلك البحيرة الراكدة.

كفيلسوفٍ خذلتهُ الحَقيقة

عـماد البريهي

 

في كلّ صَباحٍ يَخرجُ منْ غُرفَتهِ المُمَزقةِ

يجرُّ وراءَه الكرةَ الأرْضيّة

فاتِحا عَيْنيهِ على صُراخِ الأراملِ والكَلماتِ

أمامَ ظِلالِه القَديمَةِ

يظلُّ يَهذي

يهذي كَثيرا

حتّى ينْسى

يتنفسُ داخلَ جمجمةِ نَمْلة

قارئا عَلى القَمرِ فاتحتَهُ الأخيرَة

وَيَتلاشى

يتلاشى أمَامَه كلُّ شَيء

حتّى هُو

ليغدو ظِلّا مُفْرَغا

يقفُ الآنَ خارجَ دائرةِ الوقت

كفيلسوفٍ خذلتهُ الحَقيقة

مُتْعلقا بأذيالِ الخَوف

يُحصي للشمْسِ أخْطَاءَها الأبَديّة

يُغري العَصَافِير بفنِّ الصّمت

كَعابدٍ إفريقيٍّ

أرهقَه الذُبولُ فوقَ قافلةِ الصّلاة

هو الآنَ ظلٌ مُؤقتْ

لم يمنَحْه الخَوفُ فرصةَ الدخولِ في الحياة

متى ستباركُ العصافيرُ قدومَه؟

متى ستحملُهُ الفراشاتُ إلى كل عشب؟

متى ستُؤويهِ الآلهةُ بينَ أثداءِ الغيم؟

متى سَتكتملُ الأرضُ به ؟

أسئلةٌ كثيرةٌ

تتأرجحُ في ذهنِه

لم يتركْ شجرةً إلاّ ودسَّ تحتَها رأسَه

لم يتركْ عرّافا إلا وسأله عن اسمه

لم يترك فيلسوفا إلا ورافقَه إلى مَوته

لكنّه

يخرجُ عاريا منْ كلِّ شيء

لم تعد تغريه العصافيرُ بالغناء

لم تعانقه الحياة

حتى يشعرَ بالسّعادة

للساعةِ الأخيرةِ من الليلِ

يتسكعُ عندَ أبوابِ المدينة

يقاسمُ المجانينَ شؤونَ الرب

يتلو عليهم

آياتٍ من (الأوبنشاد)

وسفرا من (قواعد العشق الأربعون)

وأخرى من (إشراقات أوشو)

مؤخّرا

يَعود حاملا على كتفهِ جثةَ ميّت

ليضعَها في بَطنِ شَجرة

يُرافقُ أحَلامَه إلى مقبرةِ النسيان

ليقرأ فاتحةً للذبولِ

عَلى جنازةِ الحَياة

 

شاعر يمني مقيم في المغرب