حين ترجل قبل عامين الشاعر المغربي، عبدالحميد بن داود صاحب ديوان التشظي، في صمت مخلفا حسرة وأسى عميقا في نفوس الشعراء، تذكره الجميع بقدرته على أن إعطاء ميسم خاص لقصيدته، في قدرة خلاقة على التكثيف وصياغة شذرياته وهي تصوغ بتهكم وسخرية سوداء مرة، نظرته للعالم وصدى لحالات التشظي التي يراها، رحل الشاعر وترك خلفه منجزا شعريا يرسم بلغة شعرية بليغة هذا السواد العارم الذي لم يترك هامشا للأمل.

سأضع شمسي رهن إشارة الأغبياء

عبد الحميد بن داود

 

عربة الحقراء

الحمار الذي كشف لي

الليلة أذنيه

كان يريد مديحا في نفسه.

لكني أغمضت عيني كي لا

أرى أوصافه التي تتجاوز

حدود إستعاراتي

لذلك أوقفت الليلة

بكل وقارها إحتراما

كي تمر عربة الحقراء!

 

كلاب

كلاب تجر عربة

في قطب بارد.

ثمة حقائب فارغة

خشب يذوب قلبه الأبيض

طريق يغار عرضه من طوله.

الكلاب هي دوما كلاب

والعربة دوما كلاب

والعربة دوما عربة...

لكن الدب كان يخشى رياحا

طائشة تأتي بالرصاص!

 

رد

في الوقت ذاته

كان لي رد صغير:

الزجاجة التي أحب

كافية لصدكم جميعا...

إلا من رحم ربك!

شمس الغياب

لأن الغياب كأس معدة للأموال

بأسنان من ضحك.

ولأن القبلات الخائنة تمر

خفيفة فوق التوقيعات كي تسقط

المدراء من فوق مكاتبهم.

سأضع شمسي رهن إشارة الأغبياء

لأن لساني تعلم النطح

قبل أن يظهر قرناه

ولأن قلبي دائما أوسع نمن السماء.

 

ـــــــــــــــــ

عن صاحب التشظي، قال الشاعر والإعلامي لحسن لعسيبي: «لن أكمل رمضان»، ذلك كان يقينه الذي أطلقه في وجه بعض من أحبته وصحبه.. وها قد وفى وعده بالرحيل.. عبد الحميد بنداوود يغادرنا يوم آخر جمعة من رمضان 1440 هجرية، قبل ليلة القدر بقليل.. ذلك الطفل المشاكس فتح باب الأرض وغاص فيها، حيث ينتظره أحب الناس إليه «والده».. كانت بينهما علاقة وفاء لا وصف لها، هي من طينة الصوفية.. كان عبد الحميد بنداوود بقلب طفل يمشي فوق سواد الإسفلت، فكان دوما في خصومة معه، ومع سطوة المؤسسات كيفما كانت سلطتها عليه. ووحده ظل يقاوم بقلب الطين الذي جاء به من تراب بادية تازة، هناك حيث خرير الماء قصة حياة، وحيث الزيتون ثروة الروح، وحيث خبز الأمهات طازج في الفجر، ظل يقاوم سواد الإسفلت ويصرخ عاليا: «لن أستسلم لسوادك أبدا». وداعا أخي عبد الحميد، كم كنت وحدك وكم كنت ممتلئا بك، مكتفيا. لقد أكملت قصتك كما أردت لها بإصرار، بذات النخوة، بربطة عنق دائمة، بأناقة في اللباس، بملامحك الإغريقية، تلك التي ظلت تؤمن بحكمة سقراط: «سقراط ليس الطبيب،/ الموت هو الطبيب،/ سقراط كان فقط المريض».