مُقَدِّمَةٌ
تَمتَدُّ كَنَدَا مِنَ المُحِيطِ إِلَى المُحِيطِ، وَلَقَد أُطلِقَ عَلَيهَا (أَرضُ الأَحلاَمِ)، وَأَصبَحَت (لاَحِقًا) مَنفٍ لِلمَطرُودِينَ وَالغُرَبَاءِ وَالأَجَانِبِ. وَلَكِنَّهَا بَاتَت (الآَنَ) دَولَةً مُتَقَدِّمَةً لِلغَايَةِ فِي الاقتِصَادِ وَالتِّكنُولُوجيَا. فَإِنَّ سِيَاسَةَ التَّعَدُّدِيَّةَ الثَّقَافِيَّةَ الكَنَدِيَّةَ، تَحتَضِنُ: السُّكَّانَ الأَصلِيِّينَ، وَالدِّمَاءَ المُختَلِطَةَ، وَالثَّقَافَاتِ الأَجنَبِيَّةَ.
تَطَوَّرَ الأدب الكندي تدريجيا؛ حتى وصل إلى مرحلة التفوق والتميز، في منتصف عام (1850م)، ومن الموضوعات الأولى التي ناقشها الأدب الكندي، الآتي بيانه: صور الطبيعة، والبرية، ووعي الأطفال، وحضور الشمال/ أمريكا هناك. ولقد تميزت المرحلة الثانية بالاستكشافات البحرية، وكان للشتاء دور مهم، في التأثير على الحياة الكندية. وبسبب علاقة كندا الوثيقة بالعصر الأوروبي للتصنيع والآلة والمَدَنِيَّةِ؛ فإنَّ أدب القرنين التاسع عشر والعشرين، يعكس (بصِدقٍ جَم) هذه الحقائق الاقتصادية والاجتماعية، ويلعب كل من الأنماط الآتية: السكان الأوائل، والفرنسيين، والإنكليزيين، والهيمنة الأمريكية، دورا مهما في تشكيل، وصبغ الحياة والأدب الكندي.
هناك عامل فريد، ساعد في تميز الأدب الكندي؛ ألا وهو حضور الكتابة النسائية منذ عام (1840م)، فلقد تميزت الكتابات النسائية (في المراحل الأولى) بوفرة الرموز المتكررة، خاصة السيدة الكندية، التي تصارع من أجل المحافظة على هويتها؛ حتى في ظل: القُيُودِ الاجتِمَاعِيَّةِ الحَاكِمَةِ، والإِحسَاسِ الفَظِّ بالامتِلاَكِ. وتصور هذه الكاتبات مقاومة السرد الذكوري، للحياة في المشهد الأدبي الأمريكي. إنَّ الحرب العالمية الأولى، وحق المرأة في الانتخاب؛ مَيَّزَا فترة (ما بعد العصر الفيكتوري)؛ إذ إن الأدب يُقَدِّمُ صورا للمرأة معصوبة العينين، والمرتبكة (التي يهاجمها المجتمع والأسرة بضراوة)، إضافة إلى المُثُلِ العُليَا للنساء. وتكتشف كاتبات الحرب العالمية الثانية: موضوعات خاصة بالمرأة التَعِيسَةِ والمُحبَطَةِ، وَتَحَرُّرَهَا الذي تعوقه وتكبله القيود الاجتماعية الضاغطة.
تُرَكِّزُ كاتبات (فترة ما بعد الخَمسِينِيَّات) على موضوعات، مثل: النجاة، ودور المرأة، والقائم والمحتمل، وعلاقة الأم بابنتها، وكذلك مفهوم المرأة القوية. وتصور هذه الكاتبات المرأة الكندية بوصفها حرة وعاطفية؛ ليس فقط في شبابها، وإنما في خريف عمرها، أو في مرحلة متقدمة من العمر. ومن هؤلاء الكاتبات: مارجريت آتود [انظر كتابي عن مارجريت آتود، مكتبة الآداب، عام 2012م/ المترجم]، وأليس مونرو،[1] ومارجريت لورانس.
تعد (أليس مونرو) كاتبة ذات مكانة متميزة ورفيعة في الأدب الكندي المعاصر (حصلت على جائزة نوبل في الآداب، عام 2013م/ المترجم). وُلِدَت في وينجهام (أونتاريو) عام 1931م؛ ودرست في جامعة أونتاريو الغربية؛ وتزوجت من جيمس مونرو عام (1951م)، وانتقلت إلى فَانكُوفَر، ولاحقا انتقلت إلى فيكتوريا عام (1963م). وبعد ولادة بناتها الثلاث؛ آَبَت[2] ثانية إلى موطنها الأصلي بأونتاريو. وفي عام (1972م) طَلَّقَت/ خَلَعَت زوجها، وتزوجت بــــ (جِيرَالد فِريملِن) عام (1976م). إنَّ حياتها في الريف (بوصفها ابنة مُزَارِعٍ) قد تأثرت بفترة الكَسَادِ العالمي، وكذا إقامتها في فانكوفر. كلا الأمرين الآنفين، تَرَكَا بصمتهما عليها (إِنسَانَةً/ كَاتِبَةً).
تركز هذه المقالة على مدى تطور مفهوم السرد عند أليس مونرو، وانتقالها من الشكل التقليدي، إلى ما بعد الحداثي. ومن أهم سمات ما بعد الحداثة، الآتي بيانه: تفكيك الثوابت الأدبية، والتناص بكافة أنواعه وأشكاله، ووجود السارد غير الموثوق به، وطريقة عرض الشخصيات، وتفكيك اللغة، والانحراف في الزمان والمكان...إلخ. ومن أهم مجموعاتها القصصية: رقص الظلال السعيدة (1968م)، وحيوات البنات والنساء (1971م)، وشيء أنوي إخبارك به (1974م)، ومَن تَرَى نَفسَكَ؟ (1978م)، وأقمار المُشتَرَى (1982م)، وتطور العشق (1986م)، وصديق الشباب (1990م)، وأسرار عامة (1996م)، ومواطن نيويورك الجديد (1997م).
السمات العامة لما بعد الحداثة:
"كَان يَامَا كَان، فِي إِحدَى البِلدَانِ، عَاشَ مَلِكٌ مَعَ [...]". هكذا يبدأ الرواي (المُتَجَوِّلُ) عادة، سرد قصته وحكايته البسيطة، على الحضور، والمُستَمِعِينَ المَشغُوفِينَ[3]، وهو جالس قرب المدفأة؛ يصف شخصيات روايته (وقت شاء)، ويعطي (أيضا) بعض التفاصيل عن: أفكارهم، ومشاعرهم، وأفعالهم. ويضيف تعليقاته وملاحظاته وأفكاره. وفي روايتها: (الأحذية الصفراء)، تُعَلِّق (فيرا إيسنكو) على أهمية تغيير طبقات ومقامات (الصوت)، التي كان يستخدمها الراوي قديما، قائلة: "ويتسم الصوت البدائي بميزة خاصة -للأسف لم تعد موجودة الآن في ظل المدنية والحضارة المعاصرة- وهي انتقاله الملحوظ من المقام العالي إلى المنخفض، إضافة إلى سيطرته على التجانس والتآلف الصوتي -توافق سمات الكلام من إيقاع، ونبر، واختيار للألفاظ؛ والإيقاع الموسيقي موجود في الحكي، وهو بقية وأثر مما تركه الأجداد، حين كانوا يرقصون ويغنون في سياق الجوقة -مجموعة من المنشدين- إنه تَنَاغُمُ العُمَّالُ في الأرض، وتناغم المواسم الفصلية، وأخيرا تناغم الرياح والسحب" (173-4). لم ينشغل الراوي بأسلوب وشكل قصته، ولكن كان شغله الشاغل تسلية وتَسرِيَة[4] الحاضرين. وكان مسار الحكي يعتمد على استجابات الجمهور. ويلاحظ (سَلمَان رُشدِي) أن السرد الشفاهي، لم يكن سردا خَطِّيًّا (ينتقل من: البداية، إلى الوسط، إلى النهاية)، وإنما كان يشبه الانقضاض والتحليق والطيران؛ وخاصة عند محاولة لفت أنظار الجمهور إلى أحداث وَلَّت، أو تقديم تلخيص لقصته، أو سرد قصة جديدة، ثم عودة القَهقَرَى[5] إلى القِصَّة الأَصلِيَّة والأَسَاسِيَّة (مَلاَك 113-4). لذا؛ فإن السَّارِدَ يفتح صندوق حَكَايَا الجِنِّيَّات والخُرَافَات، أمام جمهوره المستغرق والمُنتَشِي في الحكاية. وتطير الحكايات العربية بخيالنا؛ رغبة في تحقيق منتهى السعادة الأبدية والنعيم المُقِيمِ، ومنها: (علي بابا)، و(علاء الدين)، و(ألف ليلة وليلة)، [والقَصَص القُرآَنِي/ المترجم]. وكذا الحال (نفسها) مع أساطير: الإغريقيين، والرومانيين، وقصص الإنجيل، والغرب بعامة، تلك الأساطير التي أثارت اهتمام الملايين وأسعدتهم.
كانت هذه الحكايات (التي كانت تصاحبها بعض النغمات الموسيقية) ليست أَدَاةً للتسلية فحسب، وإنما لزرع بعض القيم الأخلاقية، التي لا يستطيع القاريء العادي استنباطها من واقع الحياة اليومي، ومنها قيم: العدل، والحق، والمعرفة، والإحسان، والتراحم، وبعض الفضائل التي تسحر انتباه المستمعين. فإن قصص الملوك والأشخاص العاديين (التي تعكس الحياة الاجتماعية في هذه الفترات، وتعبر عن التفكير الرَّغبَوِي وهو: اعتقاد يقر بصحة أمر ما؛ لمجرد رغبة الفرد/ المترجم). نماذج لهذه الحكايات والقَصَص.
تشكل روايات العُصُور الوُسطَى (قَصَص الفِرسَان، والصَّنَادِيد من القُرَى، وقُطَّاع الطُّرقِ/ المترجم) نمطا جديدا من أنواع السرد. تلك الحكايات مَلآَنَةٌ بالرُّومَانسِ والفُرُوسِيَّةِ، والتي مازالت تُحَرِّكُ مشاعرَ القُرَّاءِ حتى الآن، ومنها: حكايات الملك آرثر وفرسانه، وحكاية لورنا دوون [قصة رومانسية (1869م)، كتبها الكاتب الإنكليزي آر. دي. بلاكمور (1825-1900م)، وتدور أحداثها في أكسور (منطقة تابعة لمقاطعة سمرست وديفون الآن) في القرن السابع الميلادي، وتحكي قصة شاب، وقع في غرام بنت تُدعَى لورنا دوون، قَتَلَت عائلتُها والد هذا الشاب؛ وتَحكي القصة بعض الأحداث التاريخية في أثناء الفترة المذكورة/المترجم]. ومن الموضوعات الرئيسية التي تناقشها هذه الروايات: الفروسية والحب. فإنه (قبل القرن التاسع عشر الميلادي) كانت هذه القصص عبارة عن سرد (استطرادي) بلا شكل محدد، ينقصه الاقتصاد والسيطرة. فإن كتاب القصة القصيرة (قبل منتصف القرن التاسع عشر الميلادي) كانوا قد تجاهلوا وضع حدود ثابتة، لتكنيك وفنون الكتابة القصصية.
شهد الغرب تغييرات رَادِيكَالِيَّة كَاسِحَة، وذلك في القرنين الثامن والتاسع عشر الميلادي؛ فيما يَخُصُّ المرأة، واتساع نطاق جمهور القراء ليشمل جميع الطوائف. إنَّ عديدا من نساء الطبقات الغنية، قد نِلنَ حقوقهن في التعليم. قارن بين وضع المرأة الأوروبية (التي كانت محرومة من التعليم وحق الانتخاب، أو حتى حق اختيار الزوج؛ فإنه باختصار بسيط كانت تعد قطعة من الأثاث يحركها الوالد/ الزوج/ الأخ كما يشاء)، وبين النساء في الشرق في هذه الفترة؛ لتدرك مدى تعمد الغرب تشويه الشرق والشرقيين (وتدرك -أيضا- كيف وصل بنا الحكام في الشرق إلى مراحل مشينة/ المترجم). وكتبت بعض نساء الطبقات العليا والمتوسطة الرواية: (جورج إليوت، والأخوات برونتي، وغيرهن)؛ لشَغلِ أوقات فراغهن (وبخاصة بعد ارتفاع حالات الطلاق؛ بسبب حرية المرأة في اختيار شريك حياتها. ما أدى إلى الشعور بالندم، والإحساس بالذنب، وتأنيب الضمير). لذا؛ فلقد قررت العديدات مِنهُنَّ، عدم الزواج والتفرغ للكتابة (وبخاصة مناقشة الأمور النسائية التي كان الرجل يسردها من وجهة نظره البطريركية) وعطشهن المتزايد إلى المعرفة، وليس للربح المادي.
وهذا (بدوره) أَدَّى إلى ظهور الروايات الطويلة. ومن الموضوعات المفضلة للرواية في هذه الفترة: الصراع بين الآباء والأبناء بخصوص الزواج؛ فإن الآباء يختارون الزوج (المُوسِر[6])، ولَكِنَّ البنت، تنشد الزواج القائم على الحب والمشاعر: تعد روايات هنري فليدنج، وصاموئيل ريتشاردسون، وجين أوستن خير نماذج لما سبق الحديث عنه. فإنه في العقود الأولى من القرن التاسع عشر الميلادي، طَوَّرَت مجموعة صغيرة من الكتاب، في: أمريكا، وروسيا، وفرنسا، القصة (القصيرة)؛ عن طريق: تضييق نطاق الحبكة، وتجريد السرد من الزوائد والتفاصيل غير المهمة؛ ليصبح الشكل أكثر تركيزا. فإن (ناثانيال هوثورن) على سبيل المثال، قد ساهم كثيرا في تطور القصة الأمريكية؛ بحكاياته ومناقشته لــــ (أزمة الأخلاق)؛ مستخدما الرمزية والمجاز. وعلى أثر (هنري جيمس)، و(إدجار آلان بوو)؛ أعطى هوثورن أهمية خاصة للقضايا والشخصيات، على حساب الحبكة السردية. ولقد تعامل هؤلاء العمالقة (جميعا) مع القضايا: المبالغ فيها، وغير العادية، والفظيعة. ولكن كتاب القصة اللاحقين، قد اهتموا (بدرجة كبيرة) بمسرحة الأمور العادية للتجارب الإنسانية؛ وذلك بتقديم الإنسان (العادي) في مواقفه الواقعية. لذا؛ فلقد سَادَتِ الواقعية، بوصفها المرحلة الأدبية المهيمنة، على النصف الأخير من القرن التاسع عشر الميلادي، وهيأت أرضا مُعَبَّدَةً ومُمَهَّدَةً وخَصبَةً، لتطور القصة التي أولت اهتماما أساسيا للتصوير (الداخلي والخارجي) في آن معًا؛ ومن أهم الرواد: تشارلز ديكنز، وثاكري، وهاردي، وآخرون.
إنَّ قَصص القرن التاسع عشر الميلادي ليست معقدة، ويتسم سردها بالواقعية؛ إذ إنه يحدد الحدثَ المَعنِيَّ والموضوعات، بصورة صريحة ومباشرة. ويختلف كُتَّاب هذه الفترة عن الكتاب الحداثيين، كالآتي: ينتقل السرد إلى الأمام (بسلاسة ونعومة)، والحبكة مُحكَمَة البناء، وخاتمة الرواية مهمة، والسارد عالم بكل شئ (هِيُوجْز، ص: 8). ولقد لعبت الصحف والدوريات، دورا مهما في زيادة شعبية الرواية (بعامة)، والقصة القصيرة (بخاصة)، في أوروبا وأمريكا (ولكنها أَثَّرَت سلبا على الجانب الفني/ المترجم). لقد تأثر القرن العشرين بالعديد من القضايا العَوِيصَة[7]؛ التي بَدَّلَت وغَيَّرَت أنماط ومفاهيم حياة الناس، ومنها: الثورة الصناعية، والحربان العالميتان (الأولى والثانية)، وتطور علوم الكُوزمُولُوجيَا (الدراسة العلمية للكون وأصله وتطوره). وفي أعقاب الثورة الصناعية؛ بدأت المرأة تشارك الرجل العمل في المصانع لساعات طويلة، وهو ما أَثَّرَ (بدوره) في زيادة شعبية (القصة القصيرة) على وجه الخصوص؛ نظرا لضيق الوقت المستغرق في عملية القراءة. ومن أهم كتاب هذه الفترة: جورج أورويل، وجيمس جويس، وجوزيف كونراد، وآخرون.
تبدأ فترة الأدب الحداثي (من عام 1890، إلى عام 1910م)، والتي تَفَكَّكَ (في أثنائها) معظم ممارسات أدب (ما قبل القرن العشرين)؛ إضافة إلى أشكال الفنون الأخرى. وتعتبر (فيينا) مركز هذا الزلازل الأدبي، الذي امتَدَّ أثره إلى: فرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، وأخيرا بريطانيا. وذلك عن طريق الحركات الفنية الأخرى، ومنها: التكعيبية، والدادية، والسُّريالية، والمستقبلية. تنبذ الحداثة مباديء الممارسات الأدبية، إضافة إلى الأشكال الفنية الأخرى؛ لذا فإنها ترفض الواقعية التقليدية: (تسلسل الأحداث، والسرد المستمر باستخدام الراوي العالم بكل شيء، والنهايات المغلقة...إلخ). وذلك لصالح الأشكال التجريبية. ولقد وصلت الحداثة إلى أَوجِ مَجدِهَا (في الفترة من عام 1910، إلى عام 1930م)، ويُطلَقُ عليها (الحداثة القَيِّمة). ومن جملة أنصارها: تُومَاس ستِيرنِز إِليُوت، وجِيمس جُويِس، وعِزرَا بَاوِند، وَوِيندِهَام لُويِس، وفِيرجِينيَا وُولف، وجِيرترُود شتَايِن، وفرَانز كَافكَا، وآخرون. مِمَّن تركوا بصماتهم، وآثار شخصياتهم عليها. ومن سمات الحداثة، الآتي بيانه:
- التأكيد على الانطباعية والذاتية: كيف نرى؟! (وليس) ماذا نرى؟! (التأكيد على استخدام تيار الوعي).
- حَرَكِيَّة (الرواية)، التي تبتعد عن الموضوعية الظاهرية، ومن جُملَةِ سِمَاتِهَا: سرد خارجي شامل، ووجهات نظر سردية ثابتة، ومواقف أخلاقية محددة ومباشرة.
- طمس الفروق النوعية بين الأنواع الأدبية؛ لذا فإننا نجد الرواية أكثر شاعرية وغنائية، بينما نجد القصيدة أكثر وثائقية ونثرية.
- ولع جديد بــــــ: الأشكال (المُتَنَاثِرَة والمُتَشَظِّية)، والسرد المتقطع، والفن الإلصاقي لمواد منفصلة ومتباعدة.
- التوجه نحو استقلالية النصوص (Reflexivity)، إذ إنها: (القصيدة، والمسرحية، والرواية)، تثير القضايا التي تخص طبيعتها، ووضعها، ودورها المنوط بها (باري، ص: 83).
ومع منتصف القرن العشرين؛ تَنَامَى نوع من الخوف، وشعور بعدم الأمان، وإحساس بالضياع، وغياب العقيدة بين الناس؛ لذا فقد ساد اتجاهان، الأول: يتعلق بالحنين إلى الماضي، والثاني: يسعى إلى البحث عن أشياء جديدة (تماما)؛ توفر للإنسان الخلاص من هَولِ تلك الفظائع.
مع حُلُول عام 1960م؛ ظهر اتجاه جديد في الكتابة، إنها الكتابة المبنية على أساس نظرية (ما بعد الحداثة)، التي تم استيرادها من فرنسا. واعتُمِدت (على الفور) من قبل الأكاديميين الأمريكيين (فريدريك جيمسون)، وارتبطت بالنقد الثقافي؛ ومن أهم سماتها العامة:
- ظهرت نظرية (ما بعد الحداثة)، لمراجعة وفحص (روائع وأُمَّهَات) النصوص التاريخية؛ رغبةً في استنطاق أسباب تميزها وتفردها، ومحاولةً منها لدراسة التاريخ؛ بوصفه (مُنتَجًا بَشَريًّا)، لا يختلف عن عالم الروايات في شيء (ماك روبي، ص: 2). وبناءً عليه؛ تؤكد (رُوبي) أنَّ هذه النظرية لا تمثل غيابا (للجدية)، أو عدم المسئولية السياسية، وتُعَرِّفُها بوصفها طريقة لفهم التغير الاجتماعي، قائلة: "إنها تسعى لتفكيك الثوابت المتعارف عليها؛ لخلق مساحة من التعددية والاختلاف والتهميش، وهي نفس المباديء التي تركز عليها النسوية". وأخيرا يؤكد (فِرِيدرن) أنَّ: "النص في زمن ما بعد الحداثة (بلا) سلطة" (ص: 149). وبطريقة أخرى، تسعى هذه النظرية (أيضا) إلى استجواب واستنطاق المسكوت عنه في الثقافة المعاصرة.
- تعطي نظرية (ما بعد الحداثة) أهمية خاصة للأسطورة والفنون الشعبية: قوة الكلمة المنطوقة؛ حتى بعد ظهور المسيحية.
- وتهتم (أيضا) بالتفاعل بين النصوص، إذ إن السارد يبدو كأنه المؤلف.
- تُفِسِّرُ النظريةُ الكتابةَ بوصفها نوعا من القراءة؛ إذ إن الكاتب يستولي (وفقا لها) على النصوص المكتوبة سلفا.
- تعد (الميتا-رواية)، هي الممارسة الأكثر رسمية لهذه النظرية؛ إذ إنها تحطم الفروق بين الخيال والواقع، وتسمح للعالم الخارجي، أن يقتحم ويدخل عنوة إلى عالم القصة. وحين تؤكد الرواية أنها خيال، فإنها تُلقب بـ(التَّمثِيل النَّرجِسِيِّ)؛ وهو أن يُدرِكَ بطل الرواية، أنه كاتب (كما هو الحال مع القاريء) لأنه يُعَدُّ مبدعا. لذا، فإنها تمنحه (نظرية ما بعد الحداثة) مَسَاحَةً لِلخَيَالِ، أي أن يَصُولَ وَيَجُولَ[8].
- يتسم الأدب بالتعقيد، ويُعَرَّفُ بأنه مرآة تعكس الحياة (التي لها أكثر من وجه)؛ لذا فإنه من العسير، أن يقدم حقيقة واحدة (متفق عليها من الناس كافة). إنَّ الوصف الواقعي يعبر (فقط) عن وجهة نظر واحدة، ولكن الأدب يقدم الطبيعة المعقدة للواقعية، ويعطي مجالا لوجهات نظر متعددة، يمكن (من خلالها): شرح، وتحليل، وتفنيد هذا الواقع. ويعرف هذا بــــــ (السُّخرِية/ Irony)، التي تختلف عن (التَّهَكُّمِ/ Sarcasm). فإنه في التهكم يوجد (معنيان): أحدهما ممكن ومحتمل فقط. ولكن السخرية مثلها مثل الطيف، الذي ينتج أشكالا مختلفة من المعاني، لشعاع واحد من الحقيقة. إذ إن السخرية، تعني أنَّ الحقيقة لها أكثر من (وجه/ تعريف)، وكلها مقبولة (مارش، ص: 86). ومن ثم، فإن هذه النظرية تَتَبَنَّىَ مَفهُومَ (السُّخرِيَةِ)؛ لتشكك في فكرة السلطة والمعنى الواحد (أو الحقيقة الواحدة). إنَّ السخرية (بلا أدنى رَيبٍ) سلاح، يَحُطُّ من شأن طبقية وهرمية الأشياء؛ بُغيَةَ خلق نظام جديد يفسر الواقع المَعِيش، بطريقة أكثر: عدلا، وإنصافا، وموضوعية (هاتسون، ص: 11). ويرى (كان) أنَّ السخرية عند مونرو: "تفكك، وتدمر، وتحط من شأن المفهوم الراهن للحقيقة، والأوضاع الطبيعية" (ص: 46). وتعني كلمة (تُدَمِّرُ) معاني: الإطاحة، والهدم، والانقلاب على الدولة والقانون، ومجموعة من المباديء والأفكار. إنَّها نوع من الحركات الشعبية الفَعَّالَة. ومن هذه الأمثلة، في أعمال مونرو القصصية:
(a) انخراط دِل وأمها في مناقشة مفهوم تحمل (المسئولية/ الأعباء).
(b) موضوع علاقة الرجال بالنساء في قصة: (صديق الشباب).
(c) المفاهيم المَغلُوطَة التي قَادَت ماريتا، في قصة: (تطور العشق).
(d) وأخيرا، مفهوم العلاقة خارج إطار الزواج، في قصة: (زيارة الأطفال). تناقش دِل وأمها التغيرات التي طَرَأَت على حَيَواتِ البَنَاتِ والنِّسَاءِ؛ وتنصح الأم ابنتها بالاستماع إلى صوت العقل والحكمة؛ لتجنب الإِلهَاء، والحِيرَة، والارتِبَاك: "إنكِ لن تستطيعي السيطرة على حياتكِ؛ بمجرد أن ترتكبي خطأ مع رجل. ستتحملي العبء كما هو حال النساء دائما" (مونرو، 1971م، ص: 147). وتُصدَمُ الأم؛ عندما ترد دِل (ببرود شديد)، قائلة إنَّ هناك العديد من وسائل منع الحمل، وتقول أيضا: "ليس كافيا، مع أنها بالطبع نعمة كبيرة، والدين عدو كل شيء يخففُ من آلام البشر؛ ما أقصده احترام الذات" (مونرو، 1971م، ص: 147). تهاجم الكاتبة قضية العقيدة بشراسة، وذلك في قصة: (تطور العشق)، وتفكر دِل جيدا في نصيحة أمها، إذ إنه يجب عليها أخذ: الحِيطَة، والجدية، والحماية الذاتية. ولكن (في المقابل) نجد الرجال يفعلون كل المنكرات، ويتباهون بذلك (للأسف الشديد). لذا؛ فإن البطلة تقرر أن: "تفعل نفس الأفعال التي يرتكبها الذكور" (مونرو، 1971م، ص: 147). تعرض مونرو مناظرة ومناقشة الأم بطريقة واهنة؛ لتكشف: عيوب منظورها، وتهافت حججها، وقلة بيانها. ولكنها (في المقابل) تُعلِي من شأن أفكار دِل القوية والقاطعة؛ وذلك لتبين الفرق بين تفكير الجِيلَين.
7- تعتبر النسوية إحدى سمات (ما بعد الحداثة)؛ إذ إن الكاتبات، قد رَكَّزنَ على قضايا التمييز بين الجنسين، والتي تعد سلاحا فتاكا لاضطهاد المرأة. وتتلاقى نظريتا: النسوية، وما بعد الحداثة، في النُّقَاطِ الآتية: (أولا) كلتاهما تهتم بتعطيل الفروق التقليدية بين: الفن والحياة، والمذكر والمؤنث، والثقافة الراقية والأخرى الشعبية، والسيد والمَسُود...إلخ. (ثانيا) كلتاهما تؤكد غياب الإحساس بالذاتية الراسخة؛ نتيجة اعتماد نظرية تعدد الأصوات، وتهشمات البنية والتراكيب. (ثالثا) النظريتان تناقشان تأثير الاستهلاك والتقنية، ما يضع البشر في موضع مخيف؛ لأنها لا تتناسب مع النماذج الأخلاقية التقليدية. فإن مُنَظِّرَاتِ النسوية، تستخدمن (اختصارا) كلا من: نظرية (ما بعد البنيوية/ التفكيكية) لتفكيك الثوابت الأدبية المتعارف عليها، والتي صكها مجتمع الرجال، ونظرية (ما بعد الحداثة) لتحديد موقع النساء وتحررهن من كل القيود. (رابعا) النظريتان تتجهان صوب النهايات المفتوحة، وتتجنبان النهاية المغلقة، وتعتنقان عدم الترتيب.
- يعتمدُ بعض الكتاب آليات القصص القصيرة (المرتبطة ببعضها، والتي تعتبر مُكَلِّمَة لبعضها) بدلا من الرواية الطويلة؛ بوصفها نوعا من التمرد، إذ إن الرواية كانت الفتى المدلل لفترات طويلة (كودشكتار، ص: 248). وفي هذه المرحلة، يمكن أن نقبل مكانة (أليس مونرو)؛ بوصفها كاتبة نسائية وما بعد حداثية، ولكن هذا التصنيف، يثير كثيرا من التحدي، إذ إن الكاتبة تُعلِنُ (في جَلاَء) أنها تقليدية في كتاباتها. إنَّ مجموعاتها القصصية، ومنها: (رقص الظلال السعيدة)، و(حيوات البنات والنساء)، مرتبطة ببعضها، أو أنها عبارة عن سلسلة مُتَعَاقِبَةٍ من الأحداث: "إنها قصص قصيرة، ومع ذلك تتمدد في العقل حتى تصبح روايات كبيرة" (كودشكتار، ص: 249). إنَّ هاتين المجموعتين، تعدان سِيَرة ذاتية للمؤلفة. إن المؤلفة وبطلة قصتها (هيلين لويس)، بنت لمزارعين. وعلى غرار أليس؛ تكتب البطلةُ القصص القصيرة؛ ويجمع الإحباط مصيرهما. وتُصور قصصها الأخرى علاقاتها مع أمها وأبيها، والآخرين من سكان مدينتها الصغيرة. ومن ثم؛ فإنها تعتبر (أيضا) سيرة ذاتية. وكذا الحال مع القصص التي تعيد قراءة ماضيها، وتتأمل زيارة مواقفها الحياتية الجديدة. وتأخذ القصص الآتية: (سلام أوتريخت)، و(تطور العشق)، و(رياح الشتاء)، و(وادي أوتاوا)، و(زيارة الأطفال) الكاتبة بعيدا جدا، في مسار (ما بعد الحداثة)، والنسوية. تقدم الكاتبة موضوعاتها الأنثوية، مع استجلاب: مِحَنِهِنَّ، وخيبة آمالهن، وخُطَطِهِنَّ للنجاة؛ لكي تصل إلى الهدف الأسمى من تحرير المرأة. وذلك في نطاق أساليب (ما بعد الحداثة). فإنه في قصة: (سلام أوترخت)، تستخدم الكاتبة صيغا جديدة للسرد (السرد المزدوج)؛ لتتأمل شكل الأم. وفي قصة: (زيارة الأطفال)، تُستخدم الصيغ الجديدة، بوصفها سلاحا ضد نظام الأخلاق الخاص بالزواج والأسرة. وفي قصة: (قمة الإثارة) تتحرك القصة مثل مَكَابِح الدَّرَّاجَةِ، وتركز على وفاة (جاك أجنو)، وعلاقته بالبطلة (تختلف تماما عن نمط المرأة التقليدية، التي تقيم حياتها بطريقة فظة). لذا؛ فإنها تُسهِبُ في شرح تفاصيل حياة أجنو. وفي كل قصة، تراجع وتتأمل مواقف النساء بصورة متكررة، وفقا لطبقات المجتمع المختلفة.
- إن أليس مونرو، تتبنى (مجاز الرثاء)، وهو أحد أساليب (ما بعد الحداثة) في الرواية؛ ويظهر المجاز المذكور بوضوح، في القصتين الآتيتين: (سلام أوترخت)، و(Meneseteung). وتظهر علاقة الأم بابنتها في قصتي: (صديق الشباب)، و(تطور العشق). تواجه شخصيات مونرو (بطريقة متناغمة) قضية الموت. فإنه دائما ما نجد الحداد على الوالدين، كما هو الحال في قصص: (سلام أوترخت، وانطباعات ذهنية، وإخوان ووكر رعاة البقر، ووادي أوتاوا...إلخ). ودائما ما يتكرر النُّوَاحُ على الحب المفقود. وبالنسبة إلى مونرو، فإنها تقدم العاطفة لفظيا، وتبعد نفسها (تماما) عن المشهد؛ بُغيَةَ تحقيق المواساة، التي تُنَفِّسُ عن العواطف وتُطَهِّرُهَا. إنَّ أعمال مونرو الرِّثَائِيَّةِ، يُعَرِّفُهَا (إِنجِل بيرد) بقوله: "إنَّ الإحساس الحديث بـــــ: الخَسَارَةِ الشخصية ونزع الملكية، لهو نوع خاص من الحزن، الذي شَرَعنَ فيه؛ مؤكدات الاعتقاد القائل: إن حياة الفرد، تعد سلسلة من الفرص الضائعة" (سميز، ص: 5). إن طمس الفروق النوعية بين التاريخ والرواية، يبدو (واضحا) في أعمال مونرو، وإنَّ الحدث التاريخي الأكثر أهمية في كندا، هو (فترة الكساد)، عام (1930م). فإن شخصية هيلين لويس، في قصة: (أخي راعي البقر)، لَتُدرِكُ (تمام الإدراك) هذه الأزمة؛ بسبب: انخفاض الأسعار، وعدم تَمَكُّنِ والدها من الاستمرار في حِرفَتِهِ. إذ إنه يُجبَرُ على العمل بائعا متجولا؛ يطرق أبواب مطابخ الغابات البعيدة (ص: 4). ويُلِحُّ بشدة، موضوع (الهجرة) من فرنسا وإنكلترا، على حدس الكاتبة مونرو، ويظهر ذلك بوضوح في قصة: (الروابط). وتستخدم الكاتبة (مرة أخرى) التاريخ والأسطورة؛ بوصفهما أسلوبين مهمين، في قصص: (شيء كنت أنوي إخبارك به)، و(أقمار المشترى)، و(تطور العشق). ويرجع خلط هذه الأنواع الأدبية في نص واحد؛ إلى ضَبَابِيَّةِ الفروق بين الواقع والخيال. تُصَنَّفُ مونرو على أنها كاتبة (ما بعد حداثية)، ليس (فقط) بسبب الخلط بين الأنواع الأدبية في نص واحد، وإنما بفضل استخدامها المجاز.
- مجاز (Buildungsroman)، الذي يعني (دخول السارد إلى النص ليصبح أحد شخصياته)؛ ويظهر ذلك التِّكنِيك بوضوح في القصص الآتية: إذ يُصور الفنانُ فيها بوصفه بنتا وامرأة: (حيوات البنات والنساء)، و(من تَرَى نَفسَكَ؟!). فإن (دِل) بطلة القصة الأولى، هي مَن تؤرخ وتحكي قصتها. وتظل وجهة نظر السارد، تحت هيمنة وسيطرة الشخصية النسائية (المحورية/ الساردة)، في أثناء تتبع تاريخ تطور البطلة؛ لتؤكد المسافة الساخرة بين (الصوت والحدث). وتستخدم القصة الثانية أسلوب (الراوي العالم بكل شيء) ليحكي قصة تطور البطلة.
- تعد روايات الرعب إحدى الأنواع الأدبية، التي تفككها مونرو في أعمالها القصصية. وهذا النوع من القصص كانت تسيطر عليه المرأة في العصر الفيكتوري، وتكتبه النساء، وتختار فتاة شابة لتلعب دور البطولة. إنَّ النموذج التقليدي لروايات الرعب الشعبية؛ يؤكد أهمية العلاقة بين رجل وامرأة، والتي هدفها الحب فقط. وتعد قصة: (أولاد وبنات) خير مثال، إذ إن البطلة المراهقة تساعد وتنقذ الآخرين في أحلامها. ولكن يتغير هذا الشكل؛ وقت تدرك أنَّ الآخرين هم من ينقذونها. إنَّ هذا التحول؛ نَجَمَ نتيجة انتقالها من مجرد (بنت بضفائر صغيرة)، إلى (امرأة ناضجة). وفي القصص التالية، تعالج مونرو الموضوع نفسه، بطريقة مختلفة تماما، وهي: (قمة الإثارة، وزيارة الأطفال، والوقاية). فإن أبطال القَصَصِ، يَتَّسِمنَ بالقوة والنشاط، والقدرة على التأثير في المجتمع. على عكس بطلات العصر الفيكتوري (العاجزات). إن هذا النوع الجديد من روايات الرعب، يناقش علاقة الأم بابنتها، إضافة إلى النقاط الآتية: جنون بطلات العصر الفيكتوري (بوصفه رد فعلها لدورها في المجتمع) تمت السيطرة عليه وهزيمته، واستخدام (الخيال) بوصفه سلاحا للنجاة والبقاء، وأخيرا استبدال (القهقهة) بدلا من (الصراخ). وإن السَّابق ليؤكد (بدوره)، أصالة تصنيف مونرو، بـ(الكاتبة ما بعد الحداثية). تكتب مونرو هذا النوع الأدبي؛ احتفالا بقوة المرأة، نتيجة تحالف النساء وتضامنهن.
- إن العلاقة بين أعمال مونرو الفنية والحياة، تتسم بالشمولية والعمق؛ إذ إنها تقدم صورة تفصيلية عن حيوات البطلة في المدن الصغيرة، في وادي أوتاوا، وتبرز العلاقة بين: الماضي والحاضر، ومرارة ورضى الحب الأسري، وغموض الحيوات الشخصية، وأخيرا، القضايا المُستَعصِية في مِضمَار العلاقات الاجتماعية (ليس فقط) في المدن الخيالية، في: (جوبيلي، وهانراتي، وتورونتو، وفانكوفر)، وإنما في الضواحي الغنية، وزواج الطبقات الوسطى (ميريام مارتي كلارك، ص: 49). إنَّ قصص مونرو تقدم قراءة واقعية، ومع ذلك؛ فإنها تنتقل بعيدا إلى عالم الواقعية السحرية، كما هو الحال في الأعمال الآتية: (عذراء ألبانيا، وفندق جاك رانده، ومحطة مقفرة، وهبطت سفن الفضاء). تُصَعِّبُ الكاتبة أسلوب السرد؛ عن طريق تَبَنِّي الإستراتيجية المعقدة، القائمة على أساس: العوالم السردية غير المستقرة، واستدعاءات الذاكرة، ومحنة الكتابة نفسها. إن مونرو تستخدم: التلميحات، والاستعارة، والرمز، والمجاز. إذ إنها تكتشف الصور العقلية المكبوتة، وتفسر الطبيعة المزدوجة للغة، بوصفها شكلا من أشكال التمثيل. فمن خلال هذه الطرق المتعددة؛ تُزَوِّدُ (مونرو) القُرَّاء والجمهور، بمتعة التَّعَرُّف النهائية، ألا وهي الوجود الطاغي للحياة في الفن.
- من جملة السمات، التي تشكل أعمال مونرو؛ بوصفها كاتبة (ما بعد حداثية)، الآتي: استخدام أساليب سردية مختلفة، مثل: (التغريب، والتناص، وتحولات الزمان والمكان، والأصوات المختلفة، والسارد المخادع). ولقد ناقش كُتَّابُ الرومانسية العظام، مفهوم (التغريب)، إذ إن (ويليام وردزورث) قد جعل غير المألوف يبدو عاديا طبيعيا، وجعل (كوليردج) الطبيعي خياليا. ويرى الكاتب الروسي (فِيكتُور شِلُوفِيسكِي) أنَّ هدف الأدب، أن يعطي أهمية قُصوَى لحَيِّزِهِ اللُّغَوِيِّ عبر التغريب. وهو ما يمكن تحقيقه من خلال (تشويش) طرائق الخطاب اللغوي العادي. وهذا (بدوره) يجعل الإدراك اليومي للحياة غريبا وجديدا. ومن ثم؛ يجدد (أفق) القاريء، نحو أحاسيس جديدة: "تلتهم الأمور العادية: الأعمال، والملابس، والأثاث، وزوجة ألفرد، والخوف من الحرب [...]. إنَّ هدف الأدب استعادةُ الإحساس [المتجدد] بالحياة. إنَّ هدف الأدب منح الإحساس بالأشياء كما ندركها وليست كما هي" (ديفيد لودج، ص: 53). ويبدو هذا التغريب واضحا في قصة: (حيوات البنات والنساء)؛ إذ إن مونرو، تقدم الجانب الآخر من الحياة اليومية: "حقيقتان توجدان في نفس الحياة اليومية: إنَّ (طريق الفلاتس/ Flats) علامة دالة بين المدينة والضواحي، والناس التي تعيش على طول هذا الطريق يبدو أنهم مخيفون للناس العاديين". ولكن (مونرو) بقلبها الرحيم، تنقلهم من أماكنهم الحقيقية، وتضعهم في عالم الفن؛ فإنه من خلال الساردة (في قصة: النَّسِيج)، نعرف أنهم نُقِلُوا إلى عالم السرد؛ بوصفهم فيرن دوجتري (Fern Dogherty) المفعمة بالحيوية والنشاط. وفي قصة (Weneseteung) يفصل بيت (أولميدا روث) بين: الحياة المعقدة للمدينة، والأحياء الفقيرة. وهنا (أيضا) نجد هذه المرأة (المجنونة)، تسير برفقة الشاعرة الفيكتورية (أولميدا روينت روث).
- يقصد بالتناص (في الأدب) وجود تشابه بين نص وآخر، أو بين عدة نصوص. وفي حال الكاتبة (مونرو)، نجد أن معظم قصصها، تشير إلى قصصها الماضية؛ لأنَّ أفكارها تسير وتنتقل تدريجيا من القصص الماضية إلى القصص الأخيرة؛ وبخاصة تلك المتعلقة بالقضايا الحياتية للمرأة، ومنها: الجنس، والحب، والزواج. وتسميها مونرو: (الكوارث المنزلية). وهناك بعض الأساليب الأخرى للتناص، مثل: الباروديا (Parody) [أثر أدبي أو موسيقي، يحاكي فيه أسلوب أحد المؤلفين، على نحو يثير الضحك والهُزء/ المترجم]، والمعارضة الأدبية (Pastiche) [عمل فني يستخدم أساليب مختلفة عن النص الذي تمت مُحَاكَتُهُ/ المترجم]، والتكرار [رأي أو فكرة تتفق مع أخرى أو تكررها/ المترجم]، والتلميح، والاستشهاد المباشر، والتوازي أو التشابه التراكيبي...إلخ. وغالبا ما تحاكي مونرو بعض النصوص الكلاسيكية، وتراوغ بعض الكتب السابقة مثل (الإنجيل)، وتكرر بعض حكايات الجن؛ وبخاصة قَصَص: (هانز كريستيان أندرسون)، وتعيد سرد بعض النصوص والنوادر السابقة؛ لتقدم (قراءة) جديدة لها. وتبدو العلاقة بين هذه النصوص (الأدبية غالبا) بوضوح، في الأعمال الآتية: (سلام أوترخت، والأميرة أيدا، وزيارة الأطفال، ومِينيسِتِيُونج).
تثبت مونرو أنها لا تقل مكانة عن: (مارجريت آتود، ودوريس ليسنج)، اللتين عالجتا العلاقات الجنسية، بطريقة مختلفة تماما عن معالجة الكتاب الذكور الذين يركزون فقط على الجنس، بوصفه لقاءات بدنية. إذ إنهما قد فَسَّرَا الجنس والعلاقات الجنسية، بالتركيز على الأسباب والقوى النفسية والاجتماعية، التي تشكل الرغبة الجنسية في مُجمَلِهَا (راسبورك، ص: 86). إن مونرو تجعل القاريء، يدرك أن الجنس ليس شيئا يجب أن يكون سرا، أو أن يتم تجنبه بوصفه (عَارًا، أو شَنَارًا[9]). ولكنه (بخلاف ذلك) شيء طبيعي للبشر. تُمَزِّقُ هذه النظرة الجديدة للجنس؛ نفاق وازدواجية الأجيال السابقة، التي ترددت في قبول الجنس بوصفه غريزة جسدية طبيعية. ولكنهم (في الوقت نفسه) استسلموا للقهر والاضطهاد الجنسي. إن هذه المعالجة لقضية الجنس، تُعَدُّ إحدى الوسائل الحاسمة، لمحاربة الأنظمة التقليدية أحادية الجانب، وكذا تَابُوهَات المُجتَمَعِ الذُّكُورِي. إنَّ أي اتهام تعرضت له المرأة من قبل المجتمع البطريركي، سَيُرَدُّ في نحر الرجال، الذين ساهموا في نشر هذه النماذج، والقوالب النمطية الجاهزة. إنَّ كتابات مونرو القَصَصِيَّة، لَتَقتَرِحُ وَعيًا جديدا للرجال والنساء.
- إنَّ أسهل طريقة لتحكي قصة ما، هو أن تبدأ من البداية. ولكن التأثير يزداد؛ كلما انحرف السرد عن الترتيب الزمني للأحداث. إنَّ القَصَصَ الأولى لمونرو خَطِّيَّة، وَلَكِن هناك تغير بسيط في قصة: (بيوت مُشرِقَة)؛ إذ إننا نجد القصة مرتبطة بماضي السيدة (فُولرتُون). ويعد ذلك تغيرا جوهريا في أسلوب الكاتبة السردي؛ بسبب وجود صوتين اثنين، هما: ثرثرة ونميمة (فُولرتُون)، واستيلاء (ماري) عليها. وفي المقابل نجد القَصَصَ السِّتَّ (في المرحلة المشار إليها)، مرتبطة بسارد واحد. وفي قصة: (سلام أوترخت)، يُستخدم أسلوب استعادي للأحداث على نطاق واسع. ويُعَلِّقُ (جون أورينج) على أسلوب مونرو، قائلا: "لقد تطورت طريقة مونرو في سردها للأحداث؛ إذ إنها انتقلت من السرد المباشر والتقليدي (نسبيا)، عن طريق توظيف الراوي العالم بكل شيء، إلى أسلوب سردي تجريبي غامض ومُعَقَّد؛ وذلك باستخدام ضمير الغائب (المُقَيَّد)، كما هو الحال في قصة: ما كنت أنوي أن أخبرك به، ومن تَرَى نَفسَكَ؟!، وأقمار المُشتَرَى (نصفها فقط)؛ إضافة إلى خلق مسافة بين المؤلف والراوي (بطريقة تدريجية). استطاعت مونرو أن تُحكِمَ سيطرتها على استخدام الزمن السردي، بوصفه وسيلة تراكيبية في حكي القصص [...]. إنَّ هذا الانحراف يمكنها من اكتشاف مجموعة مختلفة من الموضوعات؛ دون أن تُفقِدَهَا نُقَاطَ قُوَّتِهَا واهتماماتها باعتبارها كاتبة" (ماكندريك، ص: 83). إنَّ هذا الانزياح في: الزمان والمكان، والربط بين الذكريات والأفكار (داخل عقل الشخصية)؛ ليعطي انطباعا، مُؤَدَّاهُ يقول: إنَّ التجارب البشرية، لا يمكن فهمها بطريقة مكتملة ونهائية؛ لأنَّها جزئية، ومؤقتة، ومُضَلِّلَة (بين الفَينَةِ والفَينَةِ).
- يطلق على روايات مونرو أنها ذكريات واعترافات وتأملات؛ فإن المجموعات القصصية الأولى، تُصَنَّفُ على أنها ذكريات، ومنها: (رقص الظلال السعيدة، وحيوات البنات والنساء، وشيء كنت أنوي أن أخبرك به). وتعد القصص الآتية اعترافات، لأنها حين تُقَوَّى العاطفة التي تشحن وتشحذ[10] الذكريات؛ فإنها تتحول إلى اعترافات، ومنها: (تطور العشق، وصديق الشباب). فإنه في هذه المجموعات، نجد السارد يتحدث بصوت واثق وصادق، وبدافع من ضرورة داخلية، ينشد الراوي الفهم، ومشاركة الأعباء مع المستمعين، لربما أراد حلولا أو تصالحا مع الماضي. وتصنف المجموعة القصصية: (أسرار عامة) بوصفها تأملات، وتعد تحديا جريئا للمجتمع. إنها رغبة (من جانب الراوي): للتأمل، ومعرفة الحقيقة، ومحاولة فهم الذات. فإنه هاهنا تثار الأفكار والكلمات؛ عن طريق رغبة الساردة الذاتية في الحصول على تفسير معين، وعادة ما تستهدف نفسها أو جمهورها الخيالي. وأخيرا، تفضل الكاتبة استخدام ضمير المتكلم؛ لتؤكد للجمهور أنه يقرأ: ذكريات، واعترافات، وتأملات خاصة بالسارد، وليست أمورها الشخصية. إنَّ ما يتابعه القاريء محض خيال، وليس سيرة ذاتية. عندما نتأمل قضايا الرواة غير الموثوق فيهم؛ ندرك أنَّهم شخصيات خيالية، وأنَّهم أجزاء من شخصيات العمل. والهدف من ذلك، هو أن نكشف (بطريقة ممتعة) الفجوة بين المظهر والحقيقة، وأن نُبَيِّنَ كيف أنَّ البشر يشوهون، أو يخفون الحقيقة. ويمكن رؤية (السارد/ الشخصية) غير الموثوق فيه، في أعمال مونرو القَصَصِيَّة، على النحو الآتي: فإن (دِل) في قصة: (حيوات البنات)، والعَمَّة في قصة: (حجر في الحقل)، (وفيم/ الشهرة؟) في قصة: (تطور العشق)، وساردة قصة (المادة)، ينتمون إلى هذا النوع. وبما أن قصص مونرو تستقصي المسكوت عنه، أو الجانب المخفي من الحقيقة، وتسعى إلى كشف الجانب الآخر من الحياة اليومية، وتحاول أن تُعَرِّيَ زيف المجتمع؛ فإنَّ استخدام أسلوب (السارد/ الشخصية) مبررٌ. إنَّ مونرو تؤكد باستمرار، غموض وتعقيدات الحياة العادية؛ عن طريق دَمجِ الرعب برَتَابَةِ وضَجرِ (مَوَاقِفِ) الحياة الواقعية. إنَّها تقارن بين الماضي والحاضر: فإن الأول غَاشِم ولكنه مُنَظَّم ومُرَتَّب، والثاني متسامح ولكنه فوضوي؛ وهذا (بدوره) يُظهِرُ مهارتها باعتبارها كاتبة (ميتا-رواية). تبدو مونرو (دائما) على خلاف مع النظريات الفكرية (السطحية) عن الأشياء. وهذا الإحساس بعدم الرضى؛ يخلق رواة يتفاعلون ضد منهج الحياة ككل. فإن أدبها (وإن كان أدب احتجاج) له أصوله في تفكير فتاة تقليدية جدا، ويثبت ذلك (أيضا) أنَّه (رغم أن النساء تبدو؛ وبخاصة التقليديات منهن) أدب مختلف ظاهريا. فإن عقولهن تحمل قوة رد فعل عنيفة وهائجة، وتظل صامتة؛ بسبب هيمنة المجتمع الذكوري. فإن مونرو (عن طريق التعبير عن مشاعر المرأة الداخلية تُجَاه الرجال بخاصة، والمجتمع بعامة) تعطي صوتا لعقل المرأة الصامت (دائما). ولهذا السبب؛ فإنها لا تستخدم العالم كله باعتباره (خيمة)، ولكنها تلزم مدينتها الصغيرة (وينجهام)، وتقيم الحياة (بدقة)، وبخاصة في مكان مألوف. وتستخدم وصفا (مُعَقًّدا، ومُفَصَّلاً) للحياة الداخلية؛ لكي تعطي المرأة الفرصة لتعرف شخصيتها بطريقة واضحة ودقيقة. تؤكد مونرو أنَّ السرد ميزة نسائية؛ وذلك عن طريق تقديم شخصيات نسائية (مثل: الجدة، أو الأم، أو العمة) لتَقُصَّ على النساء الأخريات (كالبنت، أو الحفيدة) العديد من القصص. وعندما تفعل ذلك؛ تتعرف المرأة، وتبين للعالم أنها (رغم تهميشها)، لها دور فعَّال في تشكيل وعي الجيل الجديد والشاب، الذي سيستمر في تغيير، ونقل المعرفة.
- تستخدم مونرو العديد من الأساليب؛ لتلفت أنظار القراء، وتأخذهم بعيدا إلى باحة الأحداث الخيالية. ومن ذلك: الكوميديا أو تقديم الشخصيات الكوميدية. إنَّ الكوميديا لها أصولها وجذورها في الأدب اليوناني؛ وبخاصة الأعمال المسرحية لــــ (أرسطوفانيس)، الذي يرى أنَّ البطل الكوميدي: "شخصية ذات مكانة دنيا، ويلقي نظرة عامة على العالم من حوله؛ لذا فإنه يسيطر على المجتمع أجمع، ويهيمن (أحيانا) على (الآلهة) ذاتها" (تُورِنس، ص: vii). فإنه في الأدب الكندي، تجد مثل هذا البطل الذي يَكتَسِحُ العالم من أمامه، في: (نَبَابُوش، وكراوي، ومينك). إنها (روح) تنتشر في الفضاء الكندي طولا وعرضا. تنطلق لتصحح سوء وفساد وشُرُور المجتمع، وقلة عقل البشر وشَطَطِهِم وحماقتهم (التي أَعيَت من يُدَاوِيهَا). تستخدم مونرو: اللغة الرسمية، ولغة المهمشين، وحتى لغة البشر المجهولين. وإليك عزيزي القاريء، بعض الأمثلة من المجموعة القصصية، المُعَنوَنَة: (حيوات البنات والنساء)؛ إذ إن (دِل)، تسكن في نهاية منطقة الرودفلاتس، ويعطيها ذلك فرصة أن تنظر بحذر ومكر، إلى حيوات النساء على طول هذه المنطقة، إضافة إلى المدينة (مونرو 1971م، ص: 7). تختلف اللغة، وأساليب الحياة، والسلوكيات في (رودفلاتس) عن المدينة اختلافا تاما؛ فإن أم (دِل) لا تحب العيش في الفلاتس: "فإنه بمجرد أن لمست قدماه رصيف المدينة؛ رفعت رأسها ممتنة لظلال المدينة بعد حرارة الفلاتس. شعور غامر بالارتياح، وإحساس جديد بالأهمية، اندفعا وانسابا داخلها" (مونرو، 1971م، ص: 6). وذلك لأنها تبغض وتشمئز من: السُّكر، والانحطاط الجنسي، وبذاءة اللغة، والحيوات العشوائية، والجَهَالَة المُطبِقة المركبة. إنها لا تسامح: (ميتش بيلم، وبوتر بويز) لعملهما المريب في التهريب، ولا تتسامح (أيضا) مع الأبلهين المَعتُوهَين: (فرانكي هول، وإيرين بولكس). فإن الأول بدين وضعيف، مثل شيء قُطِعَ من صابونة العاج (مونرو، 1971م، ص: 6). والثانية ليست مهذبة تماما (أو معتوهة)، ولكنها تطارد الأطفال على الطريق، وتتسلق بواباتها؛ محدثة صياحا وتلاطما مثل الديك السكران. ومع أنَّ الكاتبة تضع المهربين، والمعتوهين، و(أُم ِدل) في مواقف كوميدية؛ فإنها تخترق نياط قلوب الطبقات المتوسطة، الملآنة بالنفاق والرياء، والتي تحاول أن تتجنب الفقر والإحباط. فإنه في الأيام الغَابِرَةِ، كانت الكوميديا تعد مَيلاً وانحرافًا عن الأعراف الخاصة بطبائع وأفعال البشر. ولكن في قصص مونرو، نجد أنَّ هذه الأفعال التقليدية يتم تشريحها وفحصها؛ لتُبين وتُظهر (بغتة): الظلام الدامس، والنفاق الدفين، الكامن وراء هذه الأفعال. فإنه في قصة: (الروابط)، من مجموعة: (أقمار المشترى)، تصور مونرو شخصية الجد، الذي يسخر من النساء لضعفهن في النحو. ومع أنَّه يدعي تَركَهُ الدراسة في جامعة (أوكسفورد) قبل الحصول على الشهادة. فلقد تَبيَّن أنه كان يعمل (قَصَّابًا[11]). وتصور الكاتبة الناس (وخاصة أهل القبيلة)، في قصة: (كولا)، من مجموعة: (عذراء ألبانيا)، بطريقة خاصة ومعينة؛ لتبرز مواقف سادة المجتمع (المِرَاء/ الغُمُوض). يُعَرِّفُ (فراي) الكوميديا، أنها شيء يظل معلقا بين السخرية والرومانس، إذ إنه يتشابه معهما في: الحَطِّ من الاختيارات البطولية (وإن لم يستبعدها)، وكون البطل شخصا ساخرا (بطريقة نمطية). إذ إن كاتب المسرحية، ينوي أن يُقلل من شأنه، ويجعله محايدا وذا شخصية شَوهَاء (تورنس، ص: viii). وفي قصص مونرو، نجد أنَّ الأبطال ليسوا شخصيات كوميدية، وإنَّما نساء ناضجات، وأطفال يتسمون بالملاحظة الحادة والفَظَّة. فإن كل بطلات أعمالها: مراقبات، ومشاهدات حاسمات، وبارعات في نقد الحياة. ويزود (التحليل الآنف) المنظور النقدي للقاريء، بفُيُوضَاتٍ من المشاهد الكوميدية. إنَّ شخصيات مونرو ليست مشوهة؛ وليس ذلك لأنها (فقط) تدخل البهجة والضحك على الجمهور، وإنما تستخدم بوصفها متباينة؛ لتسلط الضوء على الميادين الخفية للمجتمع. وبهذه الطريقة، تعبر مونرو عن القرارات والأساليب الأساسية للطبيعة المفعمة بالحياة. فإن الرجال المبتهجين، يتلقون هداياهم العقلية المميزة، التي تجعلهم أسياد العالم (تورنس، ص: 10). إنَّ شخصية (ملتون هومر)، في المجموعة القصصية: (مَن تَرَى نَفسَكَ؟!)، تحاكي (على سبيل السخرية)، أو تفكك وتحط من شأن الشاعرين العظيمين (هومر، وملتون). إن إعطاء هذا الاسم لشخصية فكاهية، لهو نوع من المقاومة لقوانين الأدب العظيمة. فإن هذه الشخصية لها وظائف عامة تؤديها. إنها شخصية تتردد على كل منزل؛ متمنيا حظا سعيدا للأطفال الجُدُدِ. وفي ذلك تقليدٌ لمناسبة طقس التَّعمِيدِ؛ ويظهر ذلك (أيضا) في العروض العسكرية، بوصفه مهرجًا، لديه الحرية أن يمشي خلف أية شخصية جادة تشارك في العرض. ويُشهِرُ وجها صارما، ويمسك رأسه كما لو أن قبعة رسمية تمتطيه؛ وخلف النساء يُهَزهِزُ أَورَاكَهُ (مونرو، 1978م، ص: 257). إنَّ مشاركة ملتون في هذه المناسبات سلبي، ويجعلها (الشخصية المذكورة) سخيفة ومضحكة: إنه يحتفل بالحياة بطريقته الخاصة (وإنَّ الكاتب الفكاهي لا يسخر فقط، وإنما يسعى إلى إصلاح عيوب المجتمع). إنَّه نوع من تطهير عقول القراء. وفي بعض أعمال مونرو، نجد أن (القبيح والسيء) يُعَامَلاَنِ بتعاطف، وليس باحتقار كما هو الحال في قصة: (حيوات البنات والنساء)، وقصة: (شكرا للتوصيلة). وفي المقابل، نجد أن بعض الشخصيات تُعَامَلُ بازدراء؛ لكشف زيف ونفاق هذه الشخصيات، ومنها: مستر مالي في قصة: (المكتب)، والجَد في قصة: (الروابط)، وقبيلة/عائلة كولا في قصة: (عذراء ألبانيا).
- يمكن تعريف اللغة، أنها وسيلة للتواصل بين الناس. وتتسم باستخدام مجموعة من الرموز المحددة (سواء أكانت منطوقة أم مكتوبة)، إضافة إلى المعاني المتفق عليها سلفا. ويعتبرها اللغويون، أنها شكل من أشكال: المعرفة، والفكر، والإدراك. وتعرف اللغة (أيضا) أنها الطريقة الخاصة، التي يتم بها اختيار وتآلف الكلمات؛ بواسطة: الفرد، أو المجموع، أو النوع الأدبي المحدد. إن المقصود باختيار الكلمات وتآلفها، أنه (الأسلوب) المرتبط بعالم البشر، أو كل الذخائر اللغوية التي يؤديها الإنسان. ويرى (ليتش) أن الأسلوب، هو الطريقة التي تستخدم بها اللغة في سياق محدد، وبواسطة شخص معين، ولأجل غرض محدد... إلخ (ص: 10). إن دراسة الأسلوب (في جوهره) لهو دراسة دقيقة للسمات اللغوية، مثل: تنوع الكلمات، وطول الجمل، وتكرار بعض الروابط المعينة، القائمة على فكرة أن بصمة الكاتب الأصلية، من المحتمل أن توجد في عادات عادية، وتكمن خلف السيطرة الفنية الواعية. إنَّ بطلات مونرو الشابات، يتعلمن اللغة بالطريقة التي كانت تستخدم في: البيوت، والمدرسة، والمجتمع أجمع. ولكنهن (في الوقت نفسه) يجدن أنفسهن (أحيانا) رافضات بقوة للأنماط المجتمعية التقليدية، كما هو الحال في الفصل الأول، من القصة المعنونة: (هزائم ملكية)، والمنشورة في المجموعة القصصية: (من ترى نَفسَكَ؟!). إنَّ الهزائم التي تُمنَى بها (روز)، ليست بسبب اللغة العتيقة التي تستخدمها في المدرسة؛ ولكن لأنها تكررها في البيت، ولأنها (أيضا) تعلم أخاها الصغير البريء مثل هذا الهراء. ولاحقا، تواجه كلمة (بذاءةFucking )، التي تستخدمها الأطفال؛ وخاصة الأولاد في المدرسة. ولكنها تتوقف عن تكرارها عندما تنضج. إن الكلمات التي تستخدمها (فلو) لتصف جيرانها في المدينة الصغيرة، مبالغ في جَرسِهَا (ارتفاع الصوت أو انخفاضه). والطريقة التي تحكي بها القصص؛ تجذب (روز) بطريقة مُلفِتَة. تتعلم (روز) اللغة؛ من خلال تواصلها مع الآخرين في المجتمع، وتتصارع مستخدمة لغة الأطفال، والبالغين، ومحادثة الآخرين. ومع الآخرين، أثناء النضج والوصول إلى مرحلة العقلانية، التي تمكنها من اختيار واستخدام الكلمات بحَصَافَةٍ، وتفهم (أيضا) المشاعر المخفية خلف الكلمات. لقد ورثت من فلو (زوجة أبيها) القدرة على: المناقشة، والتحليل، وإدراك الأفكار من خلال اللغة. لقد تعلمت من أبيها كيف تتحايل على اللغة، ولقد تعلمت (أيضا) كيف تبالغ وتُهَوِّل بعض الكلمات، مثل زوجة أبيها. إنَّ القصص الأولى للكاتبة مونرو، تسهب (تمام الإسهاب) في قضية أن الجيندر مشفر، في اللغة التي يستخدمها الأطفال والرجال. ولكنها تتغلب على هذا الشعور بــــ (الدونية/ السمو)؛ إذ إنها تقبل وضعها الأنثوي، وتستخدم إمكانياتها الأنثوية إلى أقصى حد. لقد حققت هذه الجودة (من خلال قصصها) التي تطورت تدريجيا بطرق متعددة، على النحو الآتي: البطلة (تنتقل من الطفولة - الزوجات الشابات الكهلات)، والبنية والفضاء والزمن (خطي - غير خطي)، والمؤلف (من المراهقة إلى النضج)، والمنظور (الشخصي - غير الشخصي)، واللغة (الانتقال من استخدام أساليب مختلفة، وكذا استخدام أساليب طباعة النصوص)، وأخيرا السرد (التقليدي - ما بعد الحداثي). إنَّ هذه السمات المميزة للكاتبة مونرو؛ تجعلها في مَصَافِ رواد كتابة القِصَّة القصيرة، ومنهم: توماس ماك كوليك، وتوماس تشندلر هاليبرتون، وستيفن ليكوك، و(السير) تشارلز دي. جي. روبورت، وإيرنست سيتون، وويليام ألكسندر فريزر، وإدوارد ويليام تومسون، وجيلبرت باركر، وإيزابيلا فالنسي كروفورد، وسوزري فرانسيس هاريسون، ودانكن كامبل سكوت، وسارة جانيت دانكن. تعد كندا (صاحبة المساحة الشاسعة، والتي تمتد إلى أكثر من ثلاثة آلاف ميل، وحدودها الشمالية ما زالت بكرا غير مأهولة بالسكان) ثاني أكبر دولة في المساحة، وقلة عدد السكان. إنَّ غياب المجتمع مترابط النسيج؛ جعل النشاط الثقافي والأدبي مستحيلا في فتراتها المبكرة. ولم يكن الرواد الأوائل (أصحاب العقول العملية)، منشغلين (تماما) بأن تشتمل مواهبهم على الكتابة الإبداعية. فإنَّ الصحراء المُقفِرَة والصمت الكئيب؛ فرضا عقبات في سبيل تقديم وإنتاج جمهور من القُرَّاءِ الحقيقيين. إن القراءة كانت مكلفة؛ لأنَّ هذه الأعمال الأدبية كانت تنشرها مطابع أجنبية. وحتى بعد الحرب العالمية الأولى، نشرت كندا القليل من الروايات المتفرقة والمتباعدة. ومن الأعمال الروائية الكندية المبكرة: (تاريخ إيملي مونتيجيو) لفرانسيس برووك (1769م)، و(واكستا) لجون ريتشاردسون (1832م)، وتكملتها الأخوة الكنديون (1840م)، والكلب الذهبي (1877م) للكاتب ويليام كيربي...إلخ. [انظر الفصل الثاني بعنوان "الرواية الكندية: مسيرة ثلاثة قرون"/ المترجم]. ومن أهم القضايا التي ناقشتها الأعمال الآنفة: الأخلاق، والدين، والحب، وتقاليد التودد، والطبيعة المنسية لصور الطبيعة الكندية، ومطاردة النساء الجامحات، والعداء بين البيض/الهنود. وبما أن الوثائق التاريخية، كانت مختلطة بالخيال والسخرية الاجتماعية، فإنَّ (سوادها الأعظم[12]) كان ينقصه الإحكام، والبراعة الفنية الأسلوبية. في أثناء القرن العشرين، بدأ الكتاب الكنديون في توظيف القصة القصيرة؛ بوصفها نوعا أدبيا له قواعده الثابتة. ومن أهم القصص القصيرة في القرن التاسع عشر: (بيير وقبيلته/ 1892م) للكاتب جيلبرت باركر، و(كعكة العجوز/ 1895م) لإي دبليو تومبسون، و(في قرية فيجر/1896م) لِدِي سِي سكُوت. ولقد وَظَّفَت بعضٌ من هذه الأعمال الحبكاتِ المثيرةَ والعاطفيةَ، ولكن قصص: (دي سي سكوت) مختلفة؛ لأنها: ذات إحساس واقعي بالحياة الاجتماعية، وشخصياتها متكررة، وخلفيتها متناغمة، وذات أجواء عاطفية. وفي أثناء هذا الوقت، ركز كل من: (روبرت، وسيتون) على الموضوعات الخاصة بالحيوانات؛ لأنَّ عالم الحيوانات في الغابات والبرية، غير موجود على الخريطة الأدبية. ولم يؤرخ له أحد قَط. لذا؛ كانت قضايا: الغابات، والبرية، والصمت، محاور أساسية للقصة القصيرة في بداية القرن العشرين. وفي كندا الحديثة، مازالت هذه الموضوعات ذات حضور دائم في الأدب. وظهرت المذكرات الخاصة، التي تتحدى الأنماط السلوكية للمرأة الفيكتورية؛ بوصفها تيمة أساسية في رواية: (المستعمر/ 1904م) للروائية: سارة دانكن. لذا، فقد نالت القصة القصيرة الكندية، حظها من الكمال والنضج الفني؛ بسبب: رؤيتها للحياة، وتصويرها للشخصيات، واستعانتها بأفكار النسوية وما بعد الحداثة. إن تطور القصة القصيرة الكندية، من (توماس ماك كوليك) إلى (أليس مونرو)؛ يعد ازدهارا مستمرا للمشاهد الهزلية (التي تشتمل على: السرد، والحوار، والشخصيات الثانوية)، إلى القصة الطبيعية واللون المحلي، إلى الأعمال التي تستجوب وتشكك في عملية السرد نفسها. تستخدم مونرو (حِسَّ الدُّعَابَةِ)؛ بُغيَة قلب المفاهيم الموجودة. إنها تستخدم (السرد)، الذي يفكك (تدريجيا) العلاقة بين الفن والحياة، وتوظف (الحوار) ليذيب الأشكال التي لا تُحصَى للحياة، وتسرف في استخدام (الموضوعات المحلية)؛ لأنها تعلمها جيدا. إنها قادرة على تحويل الخبرة المحلية إلى أسطورة. تقول هِيلِين، الساردة في قصة: (سلام أوترخت)، عن أمها: "أدرك أنها أصبحت إحدى ممتلكات وعجائب المدينة، وأساطيرها القصيرة" (مونرو، عام 1964م، ص: 194). تؤكد قصص مونرو، حِدَّة العلاقة بين: الخيال، و(المجتمع ما بعد الحداثي)؛ وذلك عبر تقديم شخصيات لها أدوار اجتماعية، وتتفاعل مع الاتجاهات الاجتماعية. فإن كل شخصياتها نساء عاديات، إذ إنهن يُمَثِّلنَ: الأطفال، والمرأة الشابة، والأم، والعمة أو الوصيفة الكبيرة، والأم البديلة (نساء يَقُمنَ بأدوار اجتماعية مختلفة، ويَصِلنَ بطريقتهن الخاصة إلى وظائف اجتماعية مرموقة). إنَّ مونرو لا تكتب الأدب لإرضاء الجمهور، ولكنها تحاول أن تُظهِرَ للقاريء صورا موثقة، لعدد من الحقائق الاجتماعية، التي تَعسُرُ على التأمل والتدبر. وبما أن الأدب ليس لديه مهمات إيديولوجية؛ فإن مونرو لا تسعى إلى أن ترسل لقرائها بعض العبر، أو المذاهب (روكويل، ص: 21). لا دروس/ لا دروس مطلقا (هان كوك، مقابلة، عام 1982م، ص: 222-3). ولا دعاية لدين، أو لسياسة معينة (كيث، ص: 156). لذا؛ فإنه دون بداية، أو نهاية، أو قِيمَة أخلاقية معينة، تخبرنا مونرو بقصصها، مثل سارد القصة الأبدي.
خَاتِمَةٌ:
تجذب مونرو القراء لسببين اثنين، هما: استخدامها للقصة القصيرة (التي كانت مُهَمَّشَة في الماضي)، واختيارها لحيوات البنات والنساء والبشر العاديين، الذين تم الزَّجُّ بهم إلى هوامش وأطراف المجتمع. إنَّ هذه الخطوة الجريئة؛ تعطي أهمية قصوى لهذا النوع الأدبي، وللمهمشين (في الوقت نفسه). إنَّ أعمال مونرو تُذِيبُ الفوارق بين المركز والحرافيش؛ لتُبين أنَّ كل فرد يشغل مكانة أساسية في تخطيط ورسم هذه الحياة.
إنَّها تتحدى فكرة: (الطيب/ الشرير)، وتؤكد على لسان شخصياتها أنَّ هذه التصنيفات تَعَسُّفِيَّة. إنَّها تتلاعب بالانقسامات التي يحددها المجتمع البطريركي؛ لتجلب لحظات التجلي المتأصلة في اللحظة الراهنة، والتي يمكن رؤيتها في علاقتها بــــ: الناس، والأماكن، وإدراك الماضي. وذلك عن طريق استخدام لغة متميزة؛ تعبر (من خلالها) عن الحياة، بطريقة مُفعَمَة بالحيوية والتدفق. ولأجل أن تلتقط لحظات التَّجَلِّي السابقة؛ تستخدم مونرو في قصصها مفاهيم ثنائية، مثل: (الحياة/ الموت)، و(الطبيعي/ غير الطبيعي)، و(السعادة/ الحزن)، و(الكرامة/ العار)، و(النور/ الظلام)، و(هذا العالم/ العالم الآخر)، و(الحاضر/ الماضي)؛ وذلك لتبرز الآراء المختلفة، للمواقف الحياتية اليومية، التي تنتقل من الطفولة إلى الشيخوخة، في ألوان لا حصر لها، وممرات مُنحَرِفَة للعوالم البدنية والنفسية؛ خاصة الوجود البشري.
إنَّ قراءة مونرو تشبه القيام برحلة من الأماكن المرعبة لفترة ما قبل الستينيات، إلى المناطق الــــ (ما بعد حداثية)، وذلك لفترة ما بعد الستينيات. ولقد تم ذلك من خلال: ترجمة وفهم البنية السردية، والتلاعب بالأساليب السردية، وتصوير الشخصيات النسائية، والاستخدام المميز للغة. فإن أعمالها الأولى والأخيرة، تُظهِرُ تغيرا محددا في: الخلفية البيئية، وأسلوب الحياة، والاتجاهات، والقيم، والبنى الاجتماعية، والظروف الاقتصادية.
لقد تم بناء القصص الأولى للكاتبة مونرو، على هدي (حكايات الجنيات)، حيث تجد الشخص العادي جدا (فجأة ودون مقدمات) مُهِمًّا وذا قيمة عالية، كما هو الحال في القصص الآتية: (رقص الظلال السعيدة)، و(يوم اليرقة). فإن القصص السبعة في هذه الفترة تستخدم بيئة مرعبة، حيث تُقَدَّم شخصية البطلة بوصفها عاجزة. ومع نهاية القصص تتحول هذه الشخصية المهمشة، إلى شخصية (سندريلا)، التي تلفت جميع الأنظار. وتكمن عبقرية وتميز مونرو في الأعمال المذكورة، في إبرازها عبثية التقسيمات التي يفرضها المجتمع، مثل ثنائيات: (الخير/ الشر)، و(الطبيعي/ غير الطبيعي). ومع أنَّ هذه النظرة المختلفة لا تبدو أساسية في القصص الأولى، ولكنها تتأكد رسوخا في أعمالها اللاحقة؛ إذ إنها ترفض (تماما) مثل هذه الانقسامات، وتظهر موهبتها بوصفها كاتبة نسائية، ذات منظور مختلف.
تنتقل مونرو من الاتجاه التقليدي لسرد حادثة واحدة في قصة قصيرة، إلى تصوير حادثة يمكن رؤيتها من أماكن مختلفة، ويتم سردها من قبل أصوات سردية متعددة. والأكثر من ذلك، أنَّ السرد ليس خطيًّا، إذ إنه ينتقل إلىى الخلف مرة لإعادة رؤية الماضي من منظور جديد، ثم يتقدم للأمام (مرة أخرى). إن السرد يسير في حركة حلزونية، ثم يتأرجح متشعبا بين الفضاء والزمن والأحداث. إنَّ نهاية قصصها الأخيرة مفتوحة، إذ إنها تعطي القاريء الفرصة الكافية للتفسير: إنَّ دور القُرَّاء لا يمكن تجاهله كما كان يحدث في الماضي. فإنه في قصة (أسرار عامة)، تقدم مونرو نهايات متعددة، ومن خلالها، يختار القاريء ما يتوافق مع مبادئه وظروف مجتمعه، أو يرفضها تماما، أو يخلق في ذهنه نهاية جديدة. ولقد تخلت الكاتبة عن مفهوم الحبكة، كما في قصص: (نوبات، وفندق جاك رانده). وهنا يجبر القاريء على أن يجهد تفكيره في فك شفرات الغموض خلف الأحداث. إنَّ هذا الهروب من (الحبكة) المحددة؛ ليحدث من خلال البنية السردية المعقدة للقصص اللاحقة.
تجمع مهارة مونرو الفنية (المتقنة) بين: القوة والبساطة، والتعاطف والذكاء. إنها تركز على العالم غير المكتوب للنساء، وهذا ما يعلل تصنيف أعمالها القصصية بــــــ (ما بعد الحداثية). وإن ما يلفت النظر إلى أعمالها؛ أنَّها تقدم الأحداث المؤثرة للقراءة، إذ إن الشخص يلعب دورًا؛ لكن دون أن يسيطر عليه سيطرة كاملة. إنَّ الانفتاح على مواقف حياتية أكثر؛ ليصدم وعي القراء بخصوص وجود ووظيفة هذه الحقيقة. فمن خلال بنيتها السردية، ونهاية رواياتها المزعجة؛ تقلق مونرو توازن القاريء. وإنَّ الانتقالات في بنية وموضوع السرد في العالم الروائي المونروِّي، ليجعل خط القصة مفتوحا على العديد من الأسئلة، وعدم الترتيب يطالب بأحكام جديدة. وإنَّ تميز مونرو، بوصفها مؤرخة للأحداث، ليظهر بوضوح في قصص: (رقص الظلال السعيدة)، و(الأسرار العامة)، و(زيارة الأطفال).
يشغل حضور الكاتبة في أعمال مونرو، في هيئة سردية مزدوجة بين ذاتها المحكية وذاتها الحقيقية. إنَّ (التأخير، والتأجيل، والاختلاف) واضح في أعمالها، وتحقق مونرو هذه المَزِيَّة؛ عن طريق تأجيل أي نوع من المصالحة أو التوافق مع المواقف في نصوصها. إنَّ تكنيك مونرو الخاص بالتأجيل والاختلاف، ليصل ذروته في (الأسرار العامة). وإنَّ أسلوب مونرو السردي في أعمالها المبكرة، ليسعى (سَعيًا حَثِيثًا) إلى النهاية الطبيعية والبارزة، التي تُسعِدُ القَارِيءَ؛ حين تكتمل سلسلة الأحداث التي تسبقه. وفي المقابل، نجد قَصَصَ مونرو اللاحقة، تشتمل على حلقات مُبَعثَرَة، ويجب على القاريء الحصيف تجميعها؛ بُغيَة إعادة ترتيبها وفقا لمِزَاجِهِ الخاص.
تُصَنَّفُ أعمال مونرو أنها ميتا-روائية (قصص عن آلية سرد الحكاية). بعض القصص من (سلام أوترخت) تعد قصصا تعكس ذاتها، أو قصصا عن كيفية كتابة القصة. فمن خلال قصصها؛ ترسل مونرو شعورا معينا، بأنَّ العودة إلى الماضي مستحيلة، وأنَّ الطريقة الوحيدة لذلك تكون عبر التذكر. لذا؛ فإن مونرو تستخدم (الذاكرة) لتعطي شعورا محددا، بأنَّ قيود العادات والتقاليد، تنتقل من جيل إلى آخر. إنَّ إدراك مونرو لعملية السرد، تعبر عنه (روز) في المجموعة القصصية المعنونة (مَن تَرَى نَفسَكَ؟!)، والتي تدرك أنَّ كل حكاية تلقي الضوء على موقفٍ حياتي معين؛ تشعر القاريء بأنَّ كل قراءة لمونرو، تعطي تجربة جديدة. وعندما يصل القاريء إلى: (تطور العشق)، و(الأسرار العامة)؛ يدرك أنَّ مونرو تستجوب مصداقية الذاكرة، وتتبنى أساليب جديدة، مثل: المُفَكِّرَات اليَومِية، والخِطَابَات؛ لتتحدي وتحرض القاريء.
تتحدى أعمال مونرو المفهوم التقليدي، القائل إنَّ القصة القصيرة (بعكس الرواية)، عاجزة أن تأوي عالما خياليا متطورا تماما. لذا؛ فإنه يجب أن تركز على حادثة أو حادثتين؛ كي تجعلها مؤثرة. إنها غالبا ما تسلط الضوء على حادثة معينة، ولكنها تتسع لتشمل أحداثا أخرى، مرتبطة بالحادثة الرئيسية. إن مونرو توسع عالمها؛ ليضم جيلين أو ثلاثة أجيال من النساء، وكذا التغيرات التي تحدث في المدن الصغيرة مع مرور الزمن. إنها (أيضا) تبسط سجادتها السحرية عبر الفضاء؛ لتغطي أماكن متعددة داخل إطار القصة الواحدة. وهناك سمة أخرى مُمَيِّزَة لأعمالها؛ ألا وهي الزهد في المفهوم التقليدي للتعاطف، أو التعرف على القاريء داخل النص. فإن مونرو لتقفز عبر الزمن؛ لتهييء القاريء لتقلبات وصدمات أحداث القراءة المؤثرة. إنها تدخل (بالقوة) إلى رأس القاريء، لدرجة أنَّ كل جملة تضعها تصبح حقيقية وغير حقيقية. إنَّ قصصها تُطوِرُ تدريجيا الأبعادَ الميتاروائية في تقديمها: للشخصيات، والأحداث، وفي إدارتها (أيضا) للزمان والمكان.
إنَّ عالم مونرو القصصي، يتميز بأنه يعطي إحساسا بأن القصص تغطي جميع الأمكنة. فعلى سبيل المثال؛ يجد القاريء في مجموعة: (من ترى نَفسَكَ؟!) أن شخصية (روز) تحكي قصة (فِيلُو)، الذي يحكي (بدوره) قصصا عن حياة والدة روز المتوفاة...إلخ. إنَّ كل قصة تؤدي إلى شخصية جديدة، وعبر الشخصية الجديدة المذكورة؛ توجد قصة تسردها. إنَّ خبرة قراءة قصص مونرو، يصل بالقاريء إلى أماكن أحداث القَصَصِ، حيث لا يوجد مفر. إنَّ مونرو وشخصياتها الساردة لا تحكي قصصا فحسب؛ وإنما تخبرنا هذه القصص عنهم. لذا؛ فإن القاريء يَدلُفُ[13] إلى قلوب الشخصيات، وسط مَعمَعَةِ[14] الأحداث التي يَسرُدُونَهَا لنا.
لا تعطي مونرو نصائح مثل القدماء، ولكنها توحي بنوع جديد من الحكمة، يناسب عصر (ما بعد الحداثة). فإن البشر يواجهون (الآن) عديدا من التحديات، ومن ثم، فإن ضرورة وجود حكمة جديدة؛ تُمَكِّنُهُم من التَّغَلُّب على لحظة وجود هذه الأزمات. تَعرِضُ مونرو أمام القاريء ثُلَّةً من المشكلات، وتقدم له أكثر من حل، وتترك الخيط له؛ لينسجه على منواله وفكره الخاص. تفسر مونرو المجالات العادية للحياة بطريقة رائعة، وفوق العادة مع دقة متناهية لا تخذلها، وتسمح (أيضا) للقاريء أن يفسرها كما يفهمها.
كما أن مونرو تُوَّظِّفُ المفهوم التقليدي للموت؛ إنَّها تزيد من طرق وكيفيات تأمل الحياة وإبراز قيمها، والرغبة في عيش الحياة، والصراع في فهم الموت، الذي يوجد في معظم القصص: (رياح الشتاء/ وادي أوتاوا). إنها تذهب بعيدا، في الإشارة إلى مفهوم مختلف تماما للموت؛ مع أنها تدرك أنه من المستحيل (أو ليس من السهل) أن تسيطر على الموت، كما هو الحال مع الحقيقة. لذا؛ فإنها تقدم في قصة: (أسرار عامة) منظورات مختلفة للموت؛ من خلال شخصيات مختلفة. فإنه على غِرَارِ كل كتاب الميتارواية الــــ (ما بعد الحداثية)، تُدرِكُ مونرو أنَّ الموت والحقيقة، يمكن فهمهما فقط على هيئة جُزئِيَّاتٍ، وليس على هيئة شكل كامل. إنها تتعامل مع الموت بوصفه شيئا مرتبطا بالألم والذنب، كما هو الحال في قصة: (شيء أنوي إخبارك به)، وفي: (تطور العشق)، و(صديق الشباب) تقارن مونرو الموت بالمواقف الحياتية، التي تقدم وعيا بقيمة الحياة؛ ولكن قصة: (أسرار عامة)، تتعامل مع هذا الموضوع بطريقة مُفَكَّكَة وتحليلية، وتثبت (في الوقت نفسه) حقيقة أنَّ مونرو قد تغلبت على الألم، أو أنها على الأقل، قللت من أهمية هذا الموقف المؤلم.
تستحق شخصيات مونرو النسائية اهتمامًا خاصًا؛ إذ إنها تصور (في قصص المرحلة الأولى): حيوات البنات، وتدريجيا تعطي المجال للشابات، ثم الأمهات، والنساء في منتصف العمر، وأخيرا الجدات. عندما تلعب الشابة (دور الأم) نجد نقلة سحرية، تحدث في بنية السرد وأساليب الكاتبة. فإن مرحلة الشباب (الأم نفسها تنظر إلى ماضي والدتها) تعد خطوة جريئة في تطور مانرو كفنانة؛ إنها تصور النساء التي يتطلعن إلي مستقبل أفضل، وكذلك التي انقطعن عن ماضهن؛ ولكنها تُخَطِّطُ حيوات شخصياتها، اللواتي يصارعن للتكيف مع الحاضر. ففي قصصها الأولى، تنتقل البطلات من المنزل، وتعود (لاحقا)، لترى أن حقيقة المكان قد تغيرت. كما في قصة: (سلام أوترخت)، والمجموعة القصصية: (حيوات البنات والنساء). وفي أعمالها اللاحقة، تنتقل الساردات (في الزمان والمكان) وَيَعُدنَ ليرين منازلهنَّ قد تغيرت تماما، كما هو الحال في قصة: (أسرار عامة).
إنَّ أعمال مونرو تدمر وتضرب بعمق، في جذور النظام البطريركي؛ الذي يعطي الرجل السيادة والتفوق على حساب المرأة. إنها تقدم شخصيات يقاومن الهيمنة الذكورية، على حساب مشاعر وأنشطة المرأة الجنسية، وحرية انتقالها. إنها لا تتعامل مع موضوع الملكية أو الثروة. بل إنَّ مانرو تتناغم مع دعاة النسوية المتطرفات، اللواتي يؤكدن أن البطريركية تسبق الملكية. إنها تكرر حقيقة أن التناقض الأساسي حاصل بين الجنسين (وليس بين الطبقات الاقتصادية)، لذا؛ فإنها تعرض (بوضوح وجلاء) العلاقة الاستغلالية والهرمية بين الجنسين. وفي الوقت نفسه، لا تقدم موقفا معاديا للرجل أو حقدا تجاهه. بل إنها تعالج موضوع الذكورة في قصصها الآتي بيانها: (المادة)، و(كنافة البحر)، و(موسم الفشل). وتشير إلى المثليِّين والمعوقين؛ لكي تسهب في المواقف الشريرة للبطريركية باعتبارها نظاما. فمن خلال قصصها: (الأولاد والبنات)، و(التغيرات)، و(المناسبات)، نجد أنَّ الفروق بين الذكورة والأنوثة ليست بيولوجية، وإنما نتيجة ميراث تاريخي طويل. إنَّ مونرو تصور البطريركية بوصفها نظاما، وتحاول أن تفككه في أعمالها اللاحقة.
تثور مونرو متحولة ضد طرق السرد التقليدية؛ عن طريق استخدام فن (الميتا-رواية)؛ وذلك من خلال استخدامها المميز للغة، إذ إن استخدام الاستعارات والتشبيه، أصبح مقيدا في القصص الأخيرة. إن مونرو تحدث تغييرات عنيفة في المفاهيم المقبولة، الخاصة بتركيب الجملة والمعاني؛ لتناسب بنية القصة. وأحيانا، تطمس الفروق بين الأنواع الأدبية؛ عن طريق خلط الشعر بالنثر، والتقارير الصحفية بالمقالات (من المجلات) والحوارات داخل إطار القصة الواحدة.
إنَّ تغيرات الطباعة: (الخط الأسود الثقيل، الخط المائل، والحروف الكبيرة، وقصيدة الحقائق، والصور، والأغاني) تميز (أيضا) تطورها من المفهوم التقليدي إلى (ما بعد الحداثي). ويبدو ذلك بوضوح في مجموعة: (أسرار عامة. وتحديدا في قصة: قمة الإثارة). إنَّ أكثر سمة تميزها (بخصوص استخدامها للغة) هي تبنيها الاتجاه التفكيكي. إذ إنها تفكك كل المفاهيم التقليدية خاصة: المعنى، والزمن، والمكان، والجسد البشري، والعقل، والعالم البدني، والمؤسسات البطريركية (المدرسة/ العائلة/ الكنيسة...إلخ). من خلال اللغة.
إنَّ روايات مونرو تشبه النهر الجاري؛ إذ إنها تنساب باستمرار (دون بداية أو نهاية). وأحيانا تتغير ببطء، وتغير الموضوع بطريقة تجعله مملا أو صعب الفهم؛ وذلك من خلال طرق كثيرة، كلها جديدة وجريئة وجذابة.
(P.K Prabha / 2006م)
Works Cited
Primary Source
Munro, Alice. Dance of the Happy Shades. Toronto: McGraw Hill Ryerson Limited. 1968.
... Lives of Girls and Women .Ontario: McGraw Hill Ryerson Limited.1971.
Secondary Source
Barry, Peter. Beginning Theory.New York: Manchester University Press. 1995.2002.
Beauvouir, Simone De. All Said and Done. Trans. Patrick O'Brien. England: Penguin Books. 1972.
Bennet, Andrew. Readers and Reading. London: Longman. 1995.
Bible, The. Authorised (King James) Version. The Gideon's International: National Publishing Company. 1978.
Clark, Miriam Marty. "Allegories of Reading in Alice Munro's 'Carried Away'." Contemporary Literature xxxvii. 1. Wisconsin: Board of Regents of the University of Wisconsin System. 1996: 49- 61.
Deer, Glenn. Post Modern Canadian Fiction and the Rhetoric of Authority. Montreal and Kingston. McGill - Queens University Press. 1994
Eagleton, Terry "Capitalism, Modernism and Postmodernism. "New Left Review. 152 July I August. 1985: 63-73.
Friedan, Betty. The Feminine Mystique. New York: Penguin. 1962.
Godard, Barbara. "Symposium. Feminism and Postrnodernismin Quebec: The Politics of the Alliance." Quebec Studies. 9lFall. 1989190: 131-141.
... "Heirs of the Living Body: Alice Munro and the Question of Female Aesthetic." Canadian Literature Perspective. Ed. Jameela Beegum. 7. India: Macmillan Ltd. 1994. 65-94.
Hancock, Geoff. "Alice Munro". Canadian Writers at Wbrk. Toronto: Oxford University Press. 1987. 187-224.
Hudson, William Henry. An Introduction to the Study of Literature. New Delhi: Kalyani Publishers,l 913.
Hutcheon, Linda. The Canadian Postmodern- A Study of Contemporary English Canadian Fiction. Toronto: Oxford University Press. 1988.
... "A lightness of Thoughtfulness: The Power of Postmodern Irony." Open Letter: 811. Fall. 1991: 68-82.
... Double -Talking. Essays on Verbal and Visual Ironies in
Contemporary Canadian Art and Literature. Ontario: E C W Press.1992
Keith, W. J. "Alice Munro." A sense of style. Toronto: E C W Press.1989.155-174.
Kudchetkar, Shirin (Ed.). Postmodernism and Feminism- Canadian Contexts. Delhi: Pencraft International. 1995.
Lodge, David. The Art of Fiction. London: Penguin Books. 1992.
Lysenko, Vera. Yellow Boots. Alberta: Newest Press. 19 10.
Macpherson, Jay. "The Boatman." An Anthology of Canadian Literature in English. V.2. Ed. Russel Brown and Donna Bennet. Toronto: Oxford University Press. 1 982. 288-300.
Mackendric, Louis. L. Probable Fictions. Toronto: E C W Press: 1983.
Malak Amin. "The Shaharazadic Tradition: Rohinton Mistry's 'Such A long Journey' And the Art of Story Telling." The Journal of Commonwealth Literature. XXVIIIl2. London: Hans Zell Publishers. 1993: 108-1 14.
Marsh, Nicholas. How to Begin Studying Literature. London: Macmillan Press Ltd. 1987.
Martin, W. R. Paradox and Parallel. Alberta: The University of Alberta Press. 1987.
MCRobbie, Angela. Postmodernism and Popular Culture. New York: Routledge. 1994
Nash, Christopher. World Postmodern Fiction--a guide. London: Longman. 1993.
Rinner, Fridrun. "The Discourse of the Other: Postmodernism and Feminism". Dzerential Multidialogue. Comparative Literatures and National Literatures. Ed.Gurbhagat Singh.Delhi: Ajanta Publications. 1991.149-162.
Rishoi, Christy.from girl to woman. American Women's Coming-of-age Narratives. Albany: State University of New York Press. 2003.
Rockwell, Joan. Fact in Fiction. London: Routledge and Kegan Paul. 1974.
Ross, Catherine Sheldrick. "Calling Back the Ghost of the Old-Time Heroine: Duncan, Montgomery, Atwood, Laurence and Munro." Studies in Canadian Literature. 411. Winter. 1979. 43-58.
Singh, Sushila (Ed). Feminism and Recent Fiction in English. New Delhi: Prestige Books. 1991.
Struthers, J. R. (Tim). "Alice Munro and the American South." The Canadian Novel Here and Now. Ed. John Moss. Toronto: N.C. Press Ltd. 1983. 121-133.
Waugh, Patricia. Feminine Fictions- Revisiting the Postmodern. London: Routledge. 1989.
[1] أَلِيس آَن مُونرُو (Alice Ann Munro)، أديبة وكاتبة قصة قصيرة كندية، وهي ابنة بلدية (وينجهام) شمال مقاطعة (هُورُون)، جنوب غرب (أونتاريو) الكندية. وُلِدَت مونرو في العاشر من تموز يوليو عام واحد وثلاثين وتسعمائة وألف للميلاد. وهي الحاصلة (أيضا) على جائزة (نوبل) في الآداب، وذلك في العاشر من تشرين الأول أكتوبر عام ثلاثة عشر وألفين للميلاد. ولقد وُصِفَ أدب مونرو، بأنه الأدب الذي: "أحدث ثورة في البنية السردية لفن القصة القصيرة"؛ وتحديدا، في ميلها إلى تطوير حدة تدفق الزمان، والتلاعب العبقري بسيرورة الحدث السردي. ولقد عدت لجنة منح الجائزة قصصها القصيرة من بين (الأفضل عالميا). سبق لها أن حصلت على جائزة (البوكر) في الآداب، عام تسعة وألفين للميلاد. وتعد أليس مونرو، السيدة رقم (ثلاثة عشر) التي تحصل على جائزة نوبل. تغوص قصصها في حدة التعقيدات الإنسانية بأسلوب راقٍ وغير معقد. لقد أثبتت مونرو أنها: "واحدة من أعظم أدباء الخيال المعاصرين". أو كما وصفتها سِينِثيَا أُوزِيك: "تشيكوف النسوة!". حصلت أليس مونرو على جوائز أدبية عدة؛ ومنها: جائزة (ماريان إنجل) الأدبية عام ستة وتسعين وتسعمائة وألف للميلاد بكندا، وجائزة (روجرز) الأدبية عام أربعة وألفين للميلاد (المترجم).
[2] آب، أي: عَادَ ورَجَع (المترجم).
[3] المشغوف، أي: المُولع، والمغرم بشيء يهواه (المترجم).
[4] سرَّى عنه: أزال ما به من هَمّ (المترجم).
[5] القَهقَرَى، أي: الرُّجوعُ إِلى الوراء. وقَهقَر الشَّخصُ، أي: رجع إلى الوراء؛ من غير أن يعيد وجهه إلى جهة سَيرِهِ (المترجم).
[6] المُوسِرُ: اسم فاعل من أيسرَ، وهو: ذو اليَسَار والغِنَى (المترجم).
[7] أَمرٌ عَوَصٌ، أي: فِيهِ شِدَّةٌ وَصُعُوبَةٌ. وأَمرٌ عَوِيصٌ، أي: شَائِكٌ، وصَعبٌ (المترجم).
[8] صال وجال، أي: وَثَب، وكَرَّ، وهجم (المترجم).
[9] الشَّنَارُ ، هو: الأمر المشهورُ بالشُّنعَةِ والقُبح (المترجم).
[10] شَحَذَ هِمَّتَهُ، أي: نَشَّطَهَا، وقَوَّاهَا، وأَثَارَهَا (المترجم).
[11] القصاب، أي: الجزار، أو صاحب حانوت بيع اللحوم (المترجم).
[12] السَّوادُ الأعظم من النَّاس، أي: أكثريَّتهم، أو أغلبهم (المترجم).
[13] ودَلَفَ إِليه، أي: أقبل عليه (المترجم).
[14] يُقَالُ فِي مَعمَعَةِ الحَربِ، أي: فِي خِضَمِّهَا وهَيَجَانِهَا (المترجم).