شكرًا لكم أصدقائي القرّاء، فلقد حصلتُعلى تفرّغ أدبيّ خاص لمدّة شهرٍ واحد (مقدارهُ اثنا عشر شهرًا من شهور التّفرغ الأدبيّ العام) لكتابة هذه القصّة الواقعيّة جدًا، ولا شكّ في أنّكمتستمتعون بقراءتها الآن، وتعلّقون عليها في مواقع النّشر،فبعد مخاطباتٍروتينيّة متعدّدة، بين ثلاث جهاتٍ رئيسة، هي: وزارة البيئة وأقاليم السّرد المستجد، حيث أعملُ مسّاحًا بعقدٍ يوميّ في مكبّالنّفايات الثّقافيّة المشعّة في بابلَ الجديدة، وبين اتّحاد القصّاصين الواقعيين، بوصفي كاتبًا غيرَ منحازٍ في موسوعةالفيروسات السّرديّة العابرة للعولمة، وبين وزارة الثّقافة والمحميّات الطّبيعيّة، بوصفي طائرًا وديعًا في عصائبِ الطّير التي ترتادُ المراعي العابرة للأجناس الأدبيّة، وقد كان من المقرّر أنيكون معي في كتاب التّفرّغ،الشّاعر النّابغة الذّبيانيّ، ليس لقدرته على بناءِالقصيدة من خلال السّرد الغنيّ بالأحداث عن ضحايا الفيروس COVID 19؛ بل لأنّه المبتكرُ الأوّل لصورةِ عصائبِ الطّير، ولأنهُ جرّ العصائبَ بالكسرِ، وهي الممنوعةُ من الصّرف، في النّظام النّحوي القائم؛لكنّه ولسبب لا أعلمه (ربما ضحالة مبلغ المكافأة إزاء ما يتسلمه من النّعمان بن المنذر لقصيدته) رفض التّفرّغ الأدبيّ في اللحظات الأخيرة!! قائلًا إنّ الشّاعر موفق محمد هو الأحقّ منه؛ لأنّه أوّل من وظّف صورةَ عصائبِ الطّير في الشّعر العربيّ الحديث في العراق!
وقد اتّفقت الرّئاساتُ الثّلاث (ربما هي المرّة الوحيدة التي تتّفق فيها) على عدّة شروط للتّفرّغ الأدبيّ، هي: أن تتبنى القصّة في ثيمتها موضوع وباء كورونا المستجد، بلا غموض، وأن تنشر القصّة متزامنة في النّشرة الشّهريّة لوزارة البيئة (النّصوصُ النّازفة) وفي مجلّة الاتّحاد (النّصوصُ الصّديقة للبيئة) وفي جريدة وزارة الثّقافة (المذاهبُ النّصيّة النّاجية)وألّا تتعدى كلمات القصّة ستمائة كلمة، أمّا الشّرط الأخير فهو تأجيل مكافأة التّفرّغ، حتّى صعود أسعار النّفط إلى سابق عهدها، أو انتهاء خطر وباء الكورونا في العالم،أيّهما الأوّل!!
ومن الواضح لكم أنّني وافقت على هذه الشّروط بلا تردّد؛ ليس لأنّني أثقُبوعود الرّئاسات الثلّاث (أعزّها الله) الدّاعمة للمكافأة، وهي التي وعدتنا بطبع كتاب (دولة العراق الإلهية) وتوزيعه على مكتبات العالم جميعًا؛وليس لأنّ هذه القصّة ستنتشر سريعًا بين القرّاء في محاجرهم، الطّوعية والمفروضة، وربما سأحصل بسببها على شهرة عالميّة، أو جائزة رصينة؛ لأنّ الصّحف الأنفة الذّكر، تصدر باللغات الإنكليزيّة، والفرنسيّة، والعربيّة، وهي مصنفة ضمن الصّحف الأكثر حياديّة، ومبيعًا في نسخها الورقيّة والرّقميّة، وهي نسخ معقمة وطاهرة وخالية من أيّة جرثومة ما؛وليس لأنّني أستطيع كتابة مثل هذه القصّة في يوم واحدٍ فقط، كما يعلم الأصدقاء الكتبة (حفظهم الله) ممن يعملون في الجهات الثّلاثة المانحة للمكافأة، بل إنّني وافقتُ على شروط التّفرّغ، لسببين: الأوّل، لأنّ محكمة العدل الإلهي الدّولية في لاهاي (نفعنا اللهُ من علمها) قد برّأت زميلنا الطّائر الوديع، الخُفّاش، من تهمة نقل الفيروس؛لعدم كفاية الأدلّة، والثّاني، لأنّ بعض الأصدقاء المصابين وغير المصابين، قد وافقوا على تضمين وتوثيق حالتهم الصحيّة الكورونيّة ـ باستثناء أسمائهم طبعًا ـ في هذه القصّة؛ مما يجعلها أكثر واقعيّة، خاصة أنّ القصّة ستتضمن تفاصيلفحصهم في المستشفيات الجمهوريّة، والمطارات المدنيّة الاستثماريّة، والمكتبات الوطنيّة التّقدّمية، ومراكز الطوارئ، وكذلك طريقة دفنهم، وأماكنها، ومراسيمها.
ولعلّ الشّاعر موفق محمد هو أوّل من أبدى رغبته في دعم هذه القصّة من خلال موافقته على تضمين اسمه، وبعض جمله الشّعرية فيها، على الرّغم من أنّه رفض التّفرّغ الأدبيّ، احترامًا لموقف صديقه الشّاعر، زياد بن مُعاوية. وقال لي مشجّعًا " إنّك تحتاج إلى منحة التّفرّغ الأدبيّ هذه لتسديد بعض مصاريفك المستجدّة" ... لكنّني، لا أتذكر كيف انتهت هذه القصّة، وربما لست أنا الذي أنهى كتابتها، أو نشرها، فليس فيها تفاصيل الفحوصات التي تجرى على المصابين، أو على الجثث، وهل هي مشعّة بالوباء أم لا؟؟ أمّا بعض الحوادث الأخيرة فغامضة ومشوّشة، إذ رفض الأهالي في إحدى قرى بابل الكبرى، أن يدفن القارئ (...) في مقبرة القرية، خوف أن ينتشر وباء الكورونا المستجدّ في قريتهم الصّديقة للبيئة، وعلى الرّغم من حضور قوات فرض النّظام، لم يسمح الأهالي بدفن الجثّة في المقبرة التي خصصها الإله العظيم، شمش بنفسه لدفن الأطفال، والمرضى المتوفين بوباء ما قرب معبده، كي يستطيعوا النجاة، والعبور إلى العالم الآخر بلا محاسبةٍ!!
إنّ ما أتذكره فقط، هو أنّني خسرت منحة التّفرّغ الأدبيّ؛ لأنّني خالفت بعضَ شروط المنحة، ونشرت القصّة في جريدةٍ أخرى، ربما هي التي تقرؤونها الآن.
21/3/2020
بابل