احتضنت قاعة مسرح مدينة الثقافة والفنون بآسفي ليلة الأربعاء 11 رمضان 1443 الموافق ل13 أبريل 2022 عرضا مسرحيا احتفاليا تحت عنوان «قصة لوزان» لفرقة "ورشة المسرح والفرجات التراثية" بأسفي مقتبسا عن النص المسرحي "الخليل في أسواق الخلاخيل" للكاتب محمد أبو سيف. جسدت لوحات هذا العرض المسرحي 14 عشرة شخصية أعادت كاتبة النص بجسدها على الركح ، وست شخصيات اشتغلت في الكواليس للإشراف على المؤثرات الصوتية والعناء والمحافظة العامة ، كل تلك الشخصيات العشرين تحركت باقتدار تحت الإدارة السنوغرافية والإخراج المسرحي لرشيد ولد العبار
انطلقت المسرحية بمشهد لسوق شعبي يحوي مختلف المهن والحرف الشعبية (إسكافي، حلاق، كواي، خياط ، مقّاص، قهوجي بمقهى شعبي، نقاشة، نكافة ومتسوِّلات) وراوٍ يحكي تفاصيل قصة لوزان على أنغام فن الملحون، لتنسج حكايات وعلاقات وتسبح المسرحية بالجمهور- الذي غصت به جنبات القاعة - في أجواء الملحون كفن شعبي متأصل في تربة هذا الوطن من خلال مقاطع وإحالات على قصائد مشهورة كأغنية خلخال عويشة، الزردة، حمان، الشمعة، فاظمة وغيرها من الأغاني الخالدة... وتنفتح المسرحية على مقاربة فن الملحون ومقارنته بالشعر الفصيح من حيث المواضيع ومكامن تفوقه على الشعر العربي في بعض الأغراض خاصة الغزل والخمريات ووصف الطبيعة كل ذلك بحضور الخليل بن أحمد الفراهيدي الذي كان له موقف من كل من يتجرأ على تخطى قواعده العروضية وأصول الشعر العمودي، قبل أن يتعرف على الملحون ويعجب به ك"كلام جميل ممتع وإن كان على غير أوزان العرب" ويعود من حيث أتى محملا بقصائد شعر الملحون بعدما أهدته عويشة قصيدة ملحونية كنموذج متحرر من القيود يوازي تحرر النساء وانخراطهن في أنشطة الحياة اليومية. مثلما تغلغلت قصيدة الملحون في الهوية الثقافية المغربية فعدت عنصرا من هذه الهوية، وعلى الجميع الحفاظ عليها والتصدي لكل من سولت له نفسه طمس مكونات هذه الهوية كما تصدى سكان الحي والسوق في نهاية المسرحية للمتسولة (كنزة الشحاذة) التي جمعت النقود من التسول وقررت شراء الحي وتغيير ملامحة ببناء بار وبيار وقاعة ألعاب ، لتنتهي المسرحية بلوحة يتوحد فيها سكان الحي من أجل بناء الحي من جديد، وفق رؤية مستلهمة من التراث... لتكون رسالة المسرحية واضحة.
وعلى الرغم من نخبوية الموضوع، وغياب الدعم، والاعتماد على التمويل الذاتي وقيام العمل على شباب ليس لهم باع طويل في التمثيل... فقد نجحت المسرحية في شد انتباه الجمهور الذي كان يقاطع العرض بين الحين والآخر بالتصفيق والتنويه بإدارة الممثلين ملء الفضاء المسرحي وحسن توظيف بعض الفنانين ذوي التجربة كالراوي (أحمد فوناس) و المنشد عبد اللطيف الشروقي ، وغناء الأستاذة حسيبة منصت.
كما نجحت المسرحية في أن تكون مسرحية احتفالية بامتياز متحت من التراث ، واستدعت أدبا شعبيا وشخصيات تاريخية وتحيينها لرصد واقع ومجتمع متفاعل مع فن، أساسه القول والكلام المنظوم، قادر على التعبير على كلما يختلج الجوانح ، وممتد إلى كل المواضيع القضايا ليكون احتفالا يتجاوز الاقتصار عليه كظاهرة فنية مرتبطة بشوط اجتماعية معينة، إلى ظاهرة اجتماعية مرتبطة بالإنسان أينما وجد متحررة من الزمن فكانت كل الشخصيات واعية بتحرر قصيدة الملحون وربط المسرح بما بقع "هنا" وما يحدث "الآن" وتحرير الفن المسرحي من كل القيود الموروثة أو المؤسساتية التي تحاول تنميطه، أو ربطه بجغرافية معينة تجعل هم المهتمين به اقتباس نصوص من الآخر هناك.
هكذا كانت مسرحية "قصة لوزان" مسرحية احتفالية متمردة على الابتذال والاستيلاب وتنقيبا عن الممكن والأفضل... ويمكن للمسرحية أن تكون أفضل لو أتيح لها دعم ساهم في إثراء الديكور والملابس والماكياج.