هناك تشويش مضاعف كل ما تعلق الأمر ببعض المصطلحات المرتبطة بالمسرح خصوصا عندما يتعلق الأمر بالوسائطية والمسرح التفاعلي والرقمي وقد يمتد الأمر الى بناء تصورات مختلفة لأنها أساسا تنطلق من افتراضات مغلوطة، هنا تقرير عن تجربة سورية وفريق عمل فني يشتغل ضمن سياق "مسرح تفاعلي" غرضه الأساسي تجسير العلاقة مع جمهوره وتحقيق رهانات التغيير بكتابة إخراجية مختلفة.

المسرح التفاعلي: فريق سوري يسلط الضوء على قضايا مجتمعية

 

تشترط تجربة المسرح التفاعلي جمهورا قليل العدد ليحقق رهانه في التغيير، ولعل تجربة "كبريتة"، فريق سوري يسلط الضوء على قضايا مجتمعية حساسة بطريقة تمثيلية جذابة، تقربنا من تحديد سمات هذا المسرح وطرقه في الاشتغال.

مسرح اجتماعي غير مقيد بخشبة

شكل المسرح التفاعلي رغم سنوات انتشاره القليلة في سوريا نافذة مميزة لعرض قضايا الناس من خلال إدخال المتفرج في اللعبة المسرحية وتكريس الارتجال في أداء الممثلين بطريقة تشاركية تنتج عنها حلول للمواضيع المطروحة.

وبشكل عام فإن المسرح التفاعلي يعتبر من الفنون الحديثة نسبيا، حيث نشأ في ستينات القرن الماضي واعتمد في فكرته على الخروج من القالب التقليدي والعرض في أماكن مختلفة.

ولقي هذا النمط المسرحي إقبالا كبيرا خاصة من المبدعين الشباب الذين يحاولون الثورة على الأساليب المعتادة وانتهاج طرق فنية جديدة تضمن للمسرح تواجدا أعمق ومواكبة فعلية للعصر الحالي الذي انعكست فيه التكنولوجيا على مختلف جوانب الحياة وعلى الفنون بشكل خاص.

في هذا الإطار يسلط فريق سوري اسمه “كبريتة” للمسرح التفاعلي الضوء على قضايا مجتمعية حساسة بطريقة تمثيلية جذابة مستثمرا طاقات الشباب وإبداعاتهم الفنية لعرض المشكلات ونقاشها عبر المسرح ولكن بطرق جديدة ومبتكرة.

المسرح التفاعلي أداة تسلط الضوء على القضايا المجتمعية وتعزز ثقافة الحوار والجدال الدائم بدلا من التلقي

الفريق الذي تأسس منذ سنوات يحتضن عشرة من الشباب الجامعيين من اختصاصات مختلفة، إذ ليسوا كلهم خريجوا المعهد العالي للفن المسرحي، واختار لسلسلة عروضه المسرحية عنوان “بث مباشر” ليطرح عبرها المشكلة ويتم الحوار مع الجمهور المستهدف بهدف دراسة تأثير كل ما هو مقروء ومسموع على سلوكيات وتوجهات المجتمع.

تشير أريج صالح، طالبة هندسة اتصالات بجامعة البعث ومؤسسة الفريق، في تصريح لها إلى أن عملها التطوعي المجتمعي الذي بدأ منذ ست سنوات، دفعها للتعرف على أداة المسرح التفاعلي كونها تسلط الضوء على القضايا المجتمعية وتعزز ثقافة الحوار بدلا من التلقي والجدال الدائم.

وتلفت إلى أنه تم إجراء استبيان أولي بين الشباب المحيط والأصدقاء حول القضايا التي تهمهم وتؤثر فيهم وتم اختيار العروض التي قدمت في المركز الثقافي ومدرسة الغسانية وفقا للاستبيان.

وتضيف صالح إن العرض الأول للفريق “بث مباشر” تضمن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي وآثارها السلبية على المجتمع من تنمر وخلافات بين الأفراد بينما تحدث العرض الثاني “بث مباشر 2” عن الآثار السلبية للعلاقات بين أفراد العائلة الواحدة من أفراد الأسرة ومدى تأثيرها في خلق فجوة بين الأولاد والأهل في حين بحث “بث مباشر 3” عن القنوات الإعلامية وطريقة نقلها للخبر حسب توجهها وكيف نكون على مستوى الوعي لهذا الاختلاف في نقل الخبر دون التأثير على توجهاتنا سلبيا.

غزل الدروبي خريجة اقتصاد ومن أعضاء الفريق تبين أن شغفها بالتمثيل والظهور على المسرح دفعها للانضمام إلى الفريق مع وعيها باختلاف المسرح عن المسرح التفاعلي لكونه يطرح عبر القصة التمثيلية مشكلات حقيقية وظواهر سلبية تحتاج لحل وتقويم سلوك وأفكار ويستهدف جمهورا قليلا لضمان فاعلية إجراء الحوار، لافتة إلى أن أداة المسرح التفاعلي تتيح للجمهور الحوار وإبداء الرأي فهي أداة فعالة بطريقة التأثير الإيجابي والدعم النفسي غير المباشر والإضاءة على القضايا المجتمعية.

المسرح التفاعلي في سوريا ظهر على شكل عروض منفصلة وبرامج رعتها مؤسسات أهلية حتى انتشرت فرق جديدة تهتم بهذا النمط المسرحي

ويخلط بعض المسرحيين والكتّاب العرب بين فرضيتين جرى تداولهما في الثقافة المسرحية خلال السنوات الأخيرة، هما فرضيتا “المسرح التفاعلي” و”المسرح الرقمي”، على الرغم من ندرة تحقّقهما في الممارسة المسرحية العربية مقارنة مع الأنماط الشائعة التي عرفتها.

و"المسرح التفاعلي" (الذي سُمّي بالمسرح التحفيزي أيضا) يختلف عن "المسرح الرقمي"، فهو يشير إلى العرض المسرحي الذي يُقدّم في فضاءات مختلفة ويتفاعل فيه المتلقي والممثل على أساس ما يُعرف بـ"التغذية الراجعة" (Feed BacK)، أي أن العرض يُشرك المتلقي في الفعل المسرحي ويستجيب لردود أفعاله.

أما هاني فرجاني، طالب هندسة ميكاترونك، فيذكر أن انضمامه للفريق بداية كان بدافع التسلية وتجربة ما هو جديد إلا أنه سرعان ما أدرك دور وأهمية الإعلام في إيصال رسائل معينة وبالتالي خلق حالة من الوعي الجمعي المرادفة لوجهات نظر وسياسات الوسائل الإعلامية المعادية، وخاصة في الوقت الحالي حيث تزداد خطورة الإعلام ومسؤوليته في دفع الشباب لتبني معتقدات وأفكار تتبع غالبا لأجندات الممولين أو الراعين.

ونذكر أنه في سوريا ظهر المسرح التفاعلي على شكل عروض منفصلة وبرامج رعتها مؤسسات أهلية حتى انتشرت فرق جديدة تهتم بهذا النمط المسرحي الذي لا ينفك يتطور رغم ما يلاقيه من جدل ورفض أحيانا، وقد أصبح له مهرجان سنوي مخصص لعروضه وتشارك فيه فرق مسرحية وشباب هواة يعملون على تطويره.