هرمَ الغريبُ الراهبُ
... ... ...
والبحرُ موحشةٌ شواطئهُ
وأرجاءُ الرحيلِ مغاربُ !
فبأيِّ إيقاعٍ جريحٍ سوفَ ترحلُ في المساءِ قواربُ ؟
وبأيِّ إيقاعٍ كئيبٍ سوفَ ترجعُ يا قلوبُ مراكبُ ؟
هرمَ الغريبُ الراهبُ .
وعلى السطوحِ
أمامَ موجِ البحرِ والأفقِ البعيدِ
ومغربِ الشمسِ الكئيبِ
أنا الشريدُ الغائبُ .
أرنو إلى رتلِ المراكبِ في المغيبِ مفكِّراً بأواخرِ الأيّامِ
تملؤني بعاطفةِ الأسى روحي
وتغرقني المواجعُ والعيونُ الدامعه
أرنو ضريراً ضائعاً
لعوائلِ الغيمِ المكفّنِ كالمآتمِ في المغيبِ
لآخرِ الأسرابِ تخفقُ كالقوافي السودِ
في أفقِ المنافي الجائعه !
رحلَ الغريبُ
فيا غريبَ فراقنا المهجورَ فكّرْ بعدَ غربتنا
بمن قتلوا القلوبَ وعذّبوا !
فهناكَ عند تصاعدِ الأوجاعِ في طرقِ الضياعِ
.. على طريقِ ضياعنا
تعلو المواويلُ الشجيَّةُ من مجاريحِ القلوبِ المُوجعه !
وهناكَ في دنيا الوداعِ .. على دروبِ دموعنا
تبكي كمنجاتُ الفراقِ الضائعه !
وتغيبُ في الموجِ البعيدِ مراكبٌ
وتغوصُ في بحرِ الضياعِ مراكبُ !
فترقرقي يا ريحُ بالصوتِ الجريحِ
ويا غيومُ تقطّري بمرارةٍ فوقَ البيوتِ الهاجعه !
فاليومَ يدركُنَا الشتاءُ
وفي فراغِ الدارِ
تقطرُ شجرةُ الحزنِ العجوزُ دموعَهَا
فوقَ الجراحِ المُوجعه !
واليومَ أنظرُ كالضريرِ إلى غروبِ البحرِ ،
للغيماتِ في تحليقها العالي
ويملأُ مغربي النائي هلالُ الأمسياتِ الشاحبُ .
هرمَ الغريبُ الراهبُ .
... ... ...
يا جارحينَ القلبَ ما أقسى فراقكمُ المريرُ
وما أمرَّ ترقرقَ العبراتِ
في توديعِ من بكتِ العيونُ السودُ
أو رثتِ الجراحُ !
في الليلِ نبصرُ طيفهم في مطلعِ القمرِ الوحيدِ
وفي غروبِ الشمسِ نبصرُ حزنَ من رحلوا وراحوا .
راحوا .. وداعاً للذين تعلّموا ذرفَ الدموعِ
وحينما ارتحلوا استراحوا !
طقسُ الوداعِ مبلَّلٌ بالدمعِ
والمقلُ الكليلةُ مرهقات ٌ
والمهاجرُ لايُرَاحُ !
ومعذَّبٌ يا روحُ في هذا الشتاتِ
مجرَّحٌ يا قلبُ يغرقُكَ البكاءُ المستباحُ !
يا بحرُ يا منفى الغريبِ
بأيِّ أمواجٍ ستدفعُ وحشةَ الأيّامِ
إنْ شاخَ الشتاءُ وظلَّ حورُ الدّارِ يملؤهُ النواحُ ؟
هرمَ الخريفُ فأيُّ أغنيةٍ
أيا غيَّابُ نعزفها
وأوراقُ الكهولةِ فوقَ قبركَ يا زمانَ الحزنِ
تُسقطُهَا الرياحُ ؟
وبأيِّ قلبٍ سوفَ ترحلُ يا غريبُ مراكبٌ ؟
وبأيِّ يأسٍ سوفَ ترجعُ في المغيبِ قواربُ ؟
والبحرُ موحشةٌ شواطئهُ
وأرجاءُ الرحيلِ مغاربُ !
هرمَ الخريف ُالراهبُ
... ... ...
سورية حمص