كنا طفلين ِ
أو كلبين ْ
لكني حتى اليوم
لا أعرف من أين ْ
جاء الي َ هذا الجرو ُ
فتدحرجنا ٠٠
فوق السنوات ِ المسرعة ِ
كصديقين ِ
أو أخوين ْ
ولذلك َ ٠٠صارَ الكلب ُ إنساناً ٠٠ مثلي
نوعا ًما !
وأنا صرت ُ كلبا ً ٠٠مثلَه
من هذي الزاوية ِ ٠٠ أو تلك ْ ٠
كم كان رقيقاً وأليفا ً ٠٠
مرحاً ٠٠ ولطيفاً وذكيا٠٠!
لكني ، مع هذا كلِه ٠٠
مذُ قاربت ُ أسوارَ جحيم ِ مراهقتي
ناديت ُ ، لتشطرَنا ، ذات ُ البين ْ !
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
،،،،،،،،،،،،،،،
كانت جارتنا الحسناءُ ٠٠ ليلى
تومئ لي، كلَ صباح ٍ
أن أصعدَ مفتوناً
سطح َ الدار ِ
كي تخبزَني ، حياً
في تنور ِ مسجورٍ تحت َ أنوثتها
وأنا مأخوذ ٌ ٠٠ مسحور ٌ
أتقلب ُ فوق َ لهاثي ودواري !
فاذا بالكلب ِ بن ِالكلب ِ
يتسلل ُ كالذئب ِ
ويفاجئ ليلى ، مبهوراً مثلي
وهِي َ تطوي دشداشتَها
حتى الصدر ِ العاري
فتناثر من عينيها الغارقتين ِ ٠٠ في المكر ِ
خجل ٌ دَبِق ٌ !
قالت : إسمع ْ ٠٠ مادام ابن ُ الكلب ِ هذا ،
وقحا ً و( أدب سزٍ ) ٠٠ وجريئاً من دون حياءٍ
فعليك َ معاقبته ! ٠٠
إطردْه ُ ٠٠ وإلا لن ترى بعد اليوم ِ
حتى ساقي !!
يا الله ٠٠ صاحت ْ
لم أرَ كلبا ً ذا عينين ِساقطتين ِ ، مثلَه !
يا الله !! أرأيتَهما ؟ كالصقر ِ على عُريي هبطا !؟
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
يا الله ٠٠ ليلى لا تخجل ُ مني
لكن ٠٠ تخجل ُ من كلبي !
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
كان سطحانا متجاورين
وكنت اقف على صفيحة سمن ٍ فارغة ٍ
مرخيا ً ساعدي َ على السياج الفاصل ِ بين البيتين ِ
مأخوذاً بعالم ِ ليلى الساحر ِ العجيب ِ المثير !
فصعدت ُ الى السطح ، في اليوم التالي
وانتظرت ُ في الشمس ِ الى الظهر ِ
ولم تطلع ليلى !
فعزمت ُ على أمر ٍ
،،،،،،،،،،،،،،،،
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
أومأت ُ الى الكلب ِ ٠٠ أن يتبعني
من أقصى بغداد الجديدة ، سرنا
فتوقفت ُ قليلا في ظل دائرة البريد ِ
ثم متوسطة دار السلام ِ
كنت ُ أحاول ُ أن أشغلَ نفسي عن غايتها المرة ِ
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
الآن َوصلنا منطقة َ ( تل محمد )
كانت مدرسة ( الفلاح ) ، على يمين الشارع
حيث ُ انهيت ُ فيها دراستي الابتدائية
فوقفت ُ على السدة الترابية التي تشرف عليها
وتقطع بغداد الجديدة عن منطقة ( كمب سارة )
فنظرت ُ الى ساحتها ، وعادت بي الذكرى
الى بضع ِ سنين ماضية ٍ
فقفزتْ الى ذهني ذكرى ، لم تخب ُ أبدا !
كنت في الصف الاول
وكان الامتحان النهائي لدرس الرياضة ِ
كانت المعلمة ُ قد طلبت ْ منا الهرولة َ
ثم الاستدارة الى اليسارِ
كنت أهرول محدقا في الارض ، ولم اسمع نداءها
فالتف َ الطلاب ُ جميعا ً ، ومضيت أنا اركض وحدي
فنطحت ُ عمودَ كرة ِ السلة ِ ، وسقطت ُ مغشيا ً علي
ثم جاءت نتيجة الامتحان النهائي :
عشراتٍ في الدروس جميعا، وخمسا ً في درس الرياضة !
( ما زلت ُ محتفظا بهذه الوثيقة الموجعة ِ )
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
كنا منحدرين ِ الى ( كمب سارة )
وعلى يسارنا ، يمتد ُ ( معسكر ُ الرشيد ) العريق ٠
فقصدت ُ الزقاق َ الذي سكنّا فيه ، بضع َسنين ٍ
قبل الانتقال الى بغداد الجديدة ٠٠
فتذكرت ُ ، جارَنا التاجر السمين
وهو يرمي علينا الدراهمَ ، في العيد ِ
فيما تقف ُ خلفَه ، عند الباب ِ ، زوجتُه المتبرجة ُ
فكان لمعان زنديها ، وساقيها ، يطغى على لمعان ِ دراهمه ِ !
،،،،،،،،،،،،،
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
مشينا وسط َ معامل المشروبات ِالغازية ِ
ومناطق َ لم أرها من قبل ُ ، ولا أعرفُها
فوصلنا نهر َ دجلة َ متعبين ، ظامئين ٠٠
جلست ُ على رمل الشاطئ
ودار الكلب ُ حولي مرة ً أو مرتين
كأنه يستطلع المكان َ ، ثم بسط ذراعيه ِ
ملتصقا ً بي ، برغم حرارة الجو ، وغضب الرطوبة !
وبعد حين ٍ ، نهضت ُ فنهض َ ، فأشرت اليه بقسوة ٍ
أن يبقى متمددا على الرمل ِ ٠٠
ثم تقدمت ُ باتجاه مئات الشباب والصبية ، السابحين في النهر ِ
ونزلت ُ الى الماء بملابسي ، قريبا من الجرف ِ ، لاني لا اعرف السباحة َ
وأخشى الانهار والبحار ، حتى اليوم !
كنت ُ أتلفت ُ اليه ، بين الحين والحين ،
فأجدُه يتابعني بعينيه الوقحتين ، مثلما وصفتهما ليلى !
فجازفت ُ في الابتعاد قليلا عن الجرف ِ ،
والدخول الى المنطقة المزدحمة جدا بالسابحين ، واللاعبين كرة َ الماء ،
حتى وصل الماء الى صدري ، ثم الى رقبتي
ولم يبق َ مني خارجه ، الا رأسي ،
وخلال َ ذلك كلِه ، كنت أقبض ُ على جيب بنطلوني
خشية ً على العشرة ِ فلوس ، من الغرق ِ ، وهي كل ما أملك ُ ،
فنجح هذا الامر ُ في تشتيت ِ نظره ، فرأيته واقفا ً ،
متلفتاً الى أكثر من جهة ٍ ، بقلق ٍ وحيرة ٍ !
فواصلت ُ خوضي في الماء ، كأني سابح ٌ
وأنا في حقيقة الامر ، كنت ُ أسبح كالكلاب ِ ،
باتجاه جسر الجمهورية ، بين مئات السابحين
الذين يضيع بينهم فيل ٌ !
ظل الكلب ُ واقفا ً في مكانه ، ثم إقترب قليلا من جرف النهر ِ ،
فطارده صبية ٌ مشاكسون ، فعاد الى مكانه ، وقد طالت رقبتُه شبرا !
كانت أمامي مسافة ٌ ، ليست قصيرة ً ، حتى أصل الى الجسر ِ ،
فلما تأكدت ُ أنني قد ضللتُه ، وغبت ُ تماما ً عن عينيه
خرجت ُ من الماء ، وسرت ُ باتجاه ( الباب الشرقي )
متباطئا ً ، لأسمح لملابسي بالجفاف ِ ، تحت شمس تموز !
ثم إتجهت ُ الى المرآب القريب من ساحة الطيران ٠٠
وتوقفت ُ قليلا عند سينما غرناطة ، متأملا ً الصور المثيرة لبطلة ِ فلم ٍ فرنسي
أعادتني بقوة الى سطح ليلى ، المشتعل بعريها ، وأنوثتها الفائرة !
وفي المرآب ، انتظرت ُ ( الصاروخ ) الاول ، حتى إكتمل عدد الراكبين فيه ،
ليبدأ سائق ُ ( الصاروخ ) التالي بالنداء ( بغداد الجديدة ، تل محمد ، مشتل )
لأقفز بسرعة الى المقعد المجاور للسائق ، حتى لا يشعر أحد ٌ بما تبقى من بلل ملابسي !
و( الصاروخ ُ ) لمن لا يعرفه ، هو ما يسمى الان ( المكروباص ) او ( الكيا )
وكان من السيارات اليابانية ، غالبا ً ، أو الامريكية ٠
وسمي صاروخا ً، بسبب سرعته الشديدة ، وتهور ِ ساقتِه ِ !
وبعد حوالي ربع ساعة ، غادرت ُ الصاروخ َ ، ومشيت في الشارع المتجه الى بيتنا
وكان يبعد عن الشارع العام ، حوالي مائة متر ٍ ٠٠
ثم توقفت ُ فجأة ً ، بعد أن لمحت ُ من بعيد ٍ ، شيئاً متكورا ً عند عتبة البيت !
أهو الكلب ُ ؟ مستحيل ! يا الله ٠٠ أهو الكلب ُ بن ُ الكلب ِ !؟
فبدأت ُ أدّب ُ كحشرة ٍ متعبة ٍ ، أمشي شبرا ً، ثم أتوقف ٠٠
نعم إنه الكلب ُ ! ولكن ٠٠ كيف عاد الى البيت قبلي ؟
وكيف إستدل عليه ، عبر أربع مناطق سكنية ٍ ؟
وكيف ركض بشكل متواصل ، عدة كيلومترات ٍ ،
ليصل اليه سريعاً !؟
الأمر لا يصدق طبعا ، وما كنت ُ لأصدقه ، لو سمعتُه من غيري !
غير أن ما رويتُه ، هو ما وقع فعلا ، من دون تدخل مخيلتي
في هذه الحكاية كلِها !
وحين أصبحت ُ على بعد خمسين متراً من البيت ، شعر َ بي
فوقف ، وهم بالجري الي َ ، غير أنه تراجع فجأة ً
كأنه تذكر شيئاً ، فعاد الى تمدده عند عتبة البيت ، غيرَ آبهٍ لوجودي ،
وظل هكذا حتى بعد وقوفي على بعد أشبار ٍمنه !
مشيحاً بوجهه عني ٠٠
وقد لوى رقبتَه ، بشدة ٍ، باتجاه بيت ليلى !!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
د٠ ستار عبد الله
شاعر وناقد واستاذ الادب العربي الحديث السابق في الجامعة المستنصرية ٠
من مجموعاته الشعرية: (رذاذ الفصول، مشقة آدم ، تحت خط النزوح ، عزلة مبررة ، ومن الحب ما، بنكهة عراقية ، رباعيات العشق)
من مؤلفاته النقدية: (اشكالية الحداثة / شعرية المكان / لغة الحجارة / تيجان الفضاء الازرق )