تقرير من المغرب
الإبداع والترجمة والنقد الأدبي تواصل حضاري
نظم مشروع البحث النقدي ونظرية الترجمة بروتارس3 بفضاء مدرج ابا حنيني بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بظهر المهراز بفاس، وعلى مدى يومين 10 و 11 يونيو، ندوة وطنية في موضوع: "الإبداع والترجمة والنقد الأدبي تواصل حضاري" بمشاركة ماستر الكتابة ومهن الكتاب لمناقشة خمسة إصدارات. واستهلت الجلسة الافتتاحية بكلمة عميد الكلية عبد الرحمان طنكول الذي شكر كل الفعاليات المشاركة، وبخاصة رئيس المشروع الدكتور حميد لحمداني، معتبرا أن موضوع الندوة يخدم الطلاب بالدرجة الأولى. أما كلمة رئيس شعبة اللغة العربية الدكتور عبد الرحيم الرحموني فقد انطلقت من عنوان الندوة لكونها تحمل بعدا حضاريا وثقافيا كبيرا، مشيرا إلى الدور الهام الذي تلعبه مثل هذه الندوات في تحقيق التواصل الحضاري وبناء علاقات على مستوى الكليات. وانصبت كلمة الدكتور محمد أوراغ على الروابط التي تجمع بين مشروع البحث النقدي ونظرية الترجمة وماستر الكتابة ومهن الكتاب بحكم التقاطع من حيث الأهداف والاهتمامات الكبرى، إذ يسعى هذا الأخير إلى ترسيخ ثقافة الكتاب في عالم يعرف تحولا في التقاليد والأعراف المتعلقة بإنتاج النص والمعلومة والولوج إليها والاستفادة منها، عن طريق التقدم السريع والهائل الذي يفرضه عالم المعلوميات وتكنولوجيات الاتصال الحديثة، بالرغم مما قد يثيره هذا التحول من تساؤلات أنطولوجية حول الكتابة والكتاب، حيث سيظل الحامل الورقي للمعرفة في اعتقاده الأسلوب المفضل للكتاب يقومون به في مواجهة عمل صناعي يراد له أن يكون شموليا. في حين ذكرت مداخلة مدير مشروع بروتارس الدكتور حميد لحمداني بأهداف المشروع ومراحله، مشيرا إلى سياق الندوة وأهدافها وآفاقها، كما ركز على الجانبين العلمي والتنظيمي، وثمن مجهودات كل الفاعلين من أجل إنجاح هذه الندوة من أطر إدارية وتربوية وطلبة، مجددا الشكر لرئاسة جامعة سيدي محمد بن عبد الله وعمادة كلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز وماستر الكتابة ومهن الكتاب والأساتذة المشاركين في الندوة والطلبة الباحثين. الجلسة الأولى ترأسها الدكتور عبد العالي بوطيب مبديا سعادته بإصدارات الندوة التي جمعت مؤلفات لمؤلفين من خارج شعبة اللغة العربية، ليقدم الدكتور الأستاذ محمد مشبال مداخلة انصبت حول ترجمته لكتاب "صورة الآخر في الخيال الأدبي" لطوني موريسون، وسمها بـ "الخيال الأدبي والإيديولوجية العرقية"، متحدثا عن السياق الذي جاءت فيه ترجمة الكتاب، ونافيا أن تكون هذه الترجمة انسياقا وراء الموضة من الدراسات النقدية والثقافية اللاتينية، موضحا أهمية كتاب طوني موريسون الذي يقترح مقاربة أفلحت في أن تحقق التكامل المنشود في الدراسات الأدبية، والذي تجلى في الاستجابة لجوهر الأعمال الأدبية بوصفها مجالا يتلازم فيه التخييل والإيديولوجية. كما أبرز المترجم محمد مشبال موقف البيض من السود أثناء الكتابة ومكانة السود في المجتمع الأمريكي، مؤكدا في ذات الوقت على أن السود يمكن أن يدل على نقيضين عكس البياض فلا قيمة لديه، وبالتالي فإن تأثير الإيديولوجية العرقية في بناء الرواية يبرز تعاطي النقد الأدبي مع النصوص الأدبية بدأ يعرف صعود اتجاهات نقدية ونصية مخالفة أعادت إلى الواجهة النص بوصفه تجربة تاريخية. وفي معرض تحليل الدكتور عبد الرحيم مودن لكتاب "صورة الآخر في الخيال الأدبي" أكد قيمة هذا العمل الذي سيغني الخزانة المغربية، منطلقا من أطروحته المركزية التي تقوم على استقصاء خصيصة مركزية في الأدب الأمريكي، مجسدة في ما أسماه بـ "الأفريقانية" africamisme، أي الحضور الأفريقي في الأدب الأمريكي. والكتاب بمقالاته الثلاث تحليل لهذا الحضور من خلال السرد الروائي حيث تلح الكاتبة على غياب أو تغييب هذه الخصيصة؛ لأسباب عديدة منها ما تعلق بنزعة الهيمنة البيضاء، وكذا ما يتعلق بالعمى النقدي، وفي الحالتين نتج عن ذلك نفي السُّود وعزلهم من الحياة الأدبية بالرغم من المفارقة الواضحة بين النصوص القانونية والدستور الأمريكي التي تعترف بالسود اجتماعيا وسياسيا أيضا، ولكنها لا تترد في تهميشهم إبداعيا، مما يشوش على "الخارطة الموضوعية" للأدب الأمريكي، والتي اقتصرت على البيض من دون السُّود، تبعا لذلك تطرح الكاتبة أسئلة مركزية: ما علاقة الأفريقانية بالخيال الأدبي؟ كيف اشتغلت هذه الأفريقانية داخل هذا الخيال؟ ألا تؤدي النظرة الدقيقة إلى السّواد الأدبي بها لضرورة إلى اكتشاف طبيعة "البياض الأدبي"؟ الجواب عن هذه الأسئلة جاء من خلال تفكيك النصوص البيضاء لكبار كتاب أمريكا(بُّو، همنجواي، هنري جيمس، مارك توس، ملفيل. وقدم الدكتور سعيد العمري كتابه "الرواية من منظور جمالية التلقي" منطلقا من طرح ظاهرة أدبية محيرة في تاريخ الدراسات الأدبية النقدية، هي استئثار عمل أدبي واحد باهتمام تيارات نقدية متعددة رغم تعارضها وتباينها. ووجد في رواية "أولاد حارتنا" لنجيب محفوظ نموذجا، كما وجد في نظرية جمالية التلقي عند "هانس روبيرت ياوس" منهجا قادرا على معالجة تلك الظاهرة وذلك بإعادة كتابة تاريخ "أولاد حارتنا" بدءا بالوقوف عند الطريقة التي فهمت بها من قبل القراء الأوائل مرورا بالقراء اللاحقين وصولا إلى تقديم قراءة خاصة به. والغاية من ذلك ربط الحاضر بالماضي، والاطلاع على التجارب القرائية السابقة للاستفادة منها والاحتكاك بها، والقراءة الخاصة تهدف إلى البرهنة على مدى قابلية الرواية للإجابة عن سؤال يخص الباحث أي عن تأويل خاص ينضاف إلى الفهم التاريخي، وخلص الباحث في النهاية إلى أن نظرية التلقي تدعو إلى التحلي بالمرونة في التحليل ونهج مقاربة تفاعلية تشاركية تقوم على تقاسم بناء المعنى بين النص والمتلقي. وكذا أن رواية "أولاد حارتنا" خيبت أفق انتظار جمهورها الأول لكنها أصبحت مألوفة بفضل القراء المتأخرين. في حين يظل منهج جمالية التلقي صورة حية للواقع الأوروبي المتميز بالديمقراطية والحريات العامة، ولذلك اعتمد النسبية في الطريقة التي يعالج بها الظاهرة الأدبية. أما الواقع المغربي مثلا؛ فالسنوات الأخيرة من التسعينيات باتت تربة خصبة لاستقبال منهج جمالية التلقي بفضل هامش الديمقراطية والحريات العامة. لينتهي إلى استحالة منهج جمالية التلقي في جوٍّ تسوده الديكتاتورية والظلامية. لأنه يعطي الحرية للناقد لتأويل النص؛ شرط أن تكون مقاربته تشاركية تستحضر الحدود التي يجوز إجراء التأويل فيها. أي الاحتكام إلى النص. أما مداخلة الدكتور محمد مساعدي فقد انصبت على تحليل كتاب "الرواية من منظور جمالية التلقي" لسعيد العمري، متطرقا إلى أهمية نظرية التلقي باعتبارها مشروعا يرتكز على أسس فلسفية متعددة المشارب، وعلى جهاز مفاهيمي متماسك، جعل منها إبدالا نظريا جديدا يعتمد على التفاعل والاعتراف بالدور الفعال للمتلقي في المساهمة في إنتاج المعنى، متحدثا عن ضرورة إثبات اشتغال مفاهيم جمالية التلقي من خلال حرص الدكتور سعيد لعمري على تتبع ردود أفعال القراء المتعاقبين على نص أولاد حارتنا لنجيب محفوظ، ثم بعد ذلك تقديمه لقراءته الخاصة التي وأجابت فيها الرواية عن سؤال التكامل بين العلم والقيم الإنسانية الروحية والعقدية للدين. في حين اعتبر الدكتور عبد النبي ذاكر إصداره الجديد "مدارات الترجمة" يدخل ضمن قضايا نظرية الترجمة ونقدها وممارستها، ويطمح من خلاله إلى مجاذبة بودلير، متوقفا عند المشاكل التي قد تعترض عملية العبور نحو الترجمة بخاصة عند ترجمة النص المقدس، والنصوص الإبداعية. ليناقش بعد ذلك الدكتور محمد القاسمي كتاب "مدارات الترجمة" لعبد النبي ذاكر، مبديا أهمية المشروع العلمي الذي انخرط فيه مشروع بروتارس 3 بوصفه مشروعا سيثري الثقافة المغربية من جانبها الرصين، مقدما قراءة أولية في "مدارات الترجمة" الذي يتأطر ضمن سياق الندوة: ترجمة الأعمال الأدبية والفلسفية باعتبارهما ضرورة ثقافية، وتواصل بين الحضارات والثقافات المختلفة، مشيرا إلى قيمة الكتاب التي تتجلى من جانبين: الأول يرتبط بطبيعة النص المترجم، والثاني يتعلق بدربة الذات بالفعل الترجمي، ومحاولة هذه الذات التفاعل مع هذا الفعل الذي يختلف من النص الحقوقي والنص المقدس. ليتحدث بعد ذلك عن عنوان الكتاب، وأهمية الحوار بين النص الأصلي والنص المترجم والمقارنة بينهما، والكشف عن الآليات الحقوقية المراعاة في الحفاظ على النص الأصلي والنص العربي، وتطويع الفرنسي ليستجيب للمصطلحات المأخوذة من الحضارة الإسلامية، متوقفا عند فصل "الإشهار" الذي اقتحم موضوع الترجمة الإشهارية وتعلقها بطبيعة المتلقي للنصوص الإشهارية الخطيرة، منتهيا إلى أن الخطاب الإشهاري يتخذ من الشرق موضوعا له خطاب إيديولوجي، له أهدافه. أشغال اليوم الدراسي الثاني أطرها الدكتور الأستاذ محمد مشبال، وافتتحت بمداخلة المترجم الجيلالي الكدية حول إصداره "مختارات من روائع القصة العالمية"، الذي أثار في تقديمه لكتابه مجموعة من الاستفهامات من قبيل: كيف تشكلت هذه المجموعة؟ ما هي المراحل التي مرت منها؟ هل من معايير معتمدة في الانتقاء؟ ليجيب الباحث أن المعيار الذاتي تحكم فيه الذوق الشخصية، ومراعاة المكونات القصصية أثناء عملية الاختيار. رغم اختلاف النصوص وتنوعها بفعل خصوصية كل كاتب على حدة، ومن ثمة المساهمة في تطوير وبلورة القصة القصيرة وتطورها، متوقفا عند التطور الذي عرفته القصة سواء على مستوى الرؤية أو المنهج، حيث حقب كرنولوجيا فن القص الذي ظهر في القرن التاسع عشر مع موبسان وإدغار ألان بُّو وكافكا، حيث حقق استقلاليته كجنس أدبي دخل في تنافس مع الشعر والرواية. أما في القرن العشرين فقد انكب الكتّاب على إبداع استراتيجيات جديدة، والنزوع إلى استعمال الحوار، واللحظة، مؤكدا سمة التطور التي تميز القصة على مستوى الأساليب، وصعوبة تحديد هذا الجنس المتسم بالحربائية. ليطرح بعد ذلك سؤالا: هل هناك رؤية أو فلسفة تؤطر العمل؟ مبينا أن فعل الترجمة يروم ردم الهوة وانصهار الثقافات. وهذا ما يمكن أن تحققه ترجمة الأعمال الأدبية، وليس إقصاء حضارة على حساب أخرى، داعيا في الوقت نفسه إلى تزكية الحوار المثمر بين مبدعين همهم الوحيد التواصل والحوار عبر الفن. فالنصوص التي قام بترجمتها تكوِّن نسيجا واحدا، وتشكل فسيفساء واحدا. كما أنها تتغيا الدفاع عن القيم الإنسانية التي تسمو عن القيم الدينية والعرقية، إن هذه النصوص ـ بحسب المترجم ـ لا تشكل إلا صورة لمعاناة الإنسان ومحيطه. لنستنتج أن الأستاذ الكدية يحمل تصورا نقديا جماليا للقصة. وانصبت مداخلة الدكتور عبد العالي بوطيب في مناقشته لكتاب الجيلالي الكدية على تجاوز مسألة تقويم الترجمة في ظل غياب النص الأصلي، مكتفيا بإيراد ثلاث نقط رسخت في ذهنه أثناء عملية القراءة. المسألة الأولى تتعلق بكلمة مختارات التي تقتضي الإحاطة بالعمل الأدبي، والإلمام الكبير بكل التجارب القصصية العالمية، وهذا لايتأتى ـ بحسب بوطيب ـ إلا لباحث متمكن، متوقفا عند القصص التي يتضمنها الكتاب، والتي وصلت إلى أربع وعشرين قصة تعود لخمس قارات، وأربعة عشرة دولة، وأيضا لأبع وعشرين تجربة قصصية تغطي كال التجارب. أما المسألة الثانية فترتبط بمسألة الترجمة، والتي اعتبرها تأتي من الرغبة في تعميم المتعة وإشراك أكبر عدد من القراء من لدن باحث متخصص في القصة العالمية. أما المسألة الأخيرة فتخص القيمة المعرفية والأدبية التي قدمها العمل، والتي لخصها في قراءة ومتعة قراءة أشهر كتاب القصة العالمية. وكذا تقديم صورة مصغرة عن تاريخ كتابة القصة القصيرة في أبرز تجاربها العالمية. في حين أشار الدكتور حميد لحمداني في معرض تقديم لكتابه "الفكر النقدي الأدبي المعاصر" إلى الطموح الذي يصدر عنه؛ لأنه يتناول أهم المشاريع النقدية في التنظير الأدبي من جهة، ونزوعه نحو التعليم من جهة أخرى، متحدثا عن الاتجاهات الأدبية التي استطاعت توجيه الأدب ونظرياته، متوقفا عند كل من نظرية الالتزام لسارتر، ونظرية التفكيكة عند دريدا بوصفهما نظريتين مؤثرتين في الدراسات الأدبية والنقدية المعاصرة، مؤكدا أصول النظرية العالمية التي بدأت مع اليونان والعرب، وإبرازه لبعض خصوصيات النقد العربي القديم المرتبطة بالتركيب، الذي يقول بوجوده في الفكر النقدي العربي؛ انطلاقا من أن كل النظريات النقدية العالمية لها طبيعة تركيبية؛ مستشهدا بالتفكيكية. لينتقل إلى الحديث عن بعض المسائل المنهجية في الكتاب، بدءا من مرتكزاته المتمثلة في إعادة النظر في تاريخ الفكر النقدي، وضرورة ربط الصلة بين الماضي والحاضر، وكذا اعتماد منظور تطوري شامل لتاريخ النقد الأدبي وخلفياته المنهجية الممتدة بين الماضي إلى الحاضر، ودراسة تطور النظريات والمناهج النقدية، والقول بعدم إقامة الحدود الصارمة بين الثقافات. ثم تطرق إلى مجال الفكر النقدي العربي معتبرا أن البلاغة قد شكلت بمختلف فروعها ومباحثها قمة ما وصل إليه الدرس النقدي في تاريخ الثقافة العربية، وأن النقد الإخباري مثَّل فرعا مهما من الدراسات النقدية للأدب بكل ما كان يتميز به من موسوعية وشمولية، كما أنه كان الحاضن لجميع المناهج الأدبية الممكنة التي تبلورت في ما بعد. كما توقف لحمداني عند كل من إشكالية اللسانيات وانفتاح آفاق الفكر النقدي، وأهداف تطويره والتي أجملها في تجاوز النظرة المعيارية التي هيمنت على البلاغة القديمة، وتوسيع دائرة وصف البنيات النصية، والاهتمام المضاعف بالقارئ وأنماط القراءات. لينتهي في عرضه إلى الأساس الإبستمولوجي في الكتاب انطلاقا من استخدام الوصف، والتحليل، وأيضا اعتماد الكفاءتين النظرية والعلمية. الأولى تنبني على الانسجام، وعدم التناقض، والشمول وليس الإطلاق، أما الثانية فتقوم على المردودية معرفيا وإنسانيا. ليخلص إلى تقويم طرح فيه سؤالا مركزيا: ما القيمة المعرفية والعملية التي يمكن أن يجنيها الإنسان عند تطبيق المناهج النقدية؟ إن البحث إبستومولوجيا في المناهج هو النقيض التام لما يسمى بـ " المنهج التكاملي" الذي اعتبره لحمداني من أخطر المناهج لأن الهدف منه هو إعفاء الذات من مهمة البحث المعرفي، وإرضاء النقاد جميعا أو "إصلاح ذات البين بينهم"، كما أكد أن المنهج التكاملي لا تقف خلفه أي مبادئ معرفة إبستمولوجية ولا معرفة إنسانية أو سيميائية. مداخلة الدكتور محمد أمنصور تناولت بالدرس والتحليل كتاب "الفكر النقدي الأدبي المعاصر" للباحث حميد لحمداني انطلاقا من كونه عملا يتأطر ضمن نقد النقد. كما أنه يشكل مدونة نقدية لرسم معالم الخريطة النقدية الغربية بهدف التعريف بها؛ انطلاقا من الأرضية الإبستمولوجية التي يقف عليها لحمداني باعتبارها أرضية متجذرة موضوعية؛ تتسم بالصلابة، وكذا وجود المسافة، وانعدام التشيع المنهجي، بدءا من إبرازه لجوانب القصور والتهافت دون الخضوع إلى ميل أيديولوجي أو عقدي، كما أبرز الباحث موقف لحمداني الصريح من التفكيكية بوصفها تتسم بالعبثية.إنها مقاربة إدخال الجانب الإنساني ومجمل القيم. يضيف ـ الباحث أمنصور ـ هناك نقطة تحسب للحمداني لأنه لا ينطلق من مركب النقص أو وهم التخوف؟ وإنما من منظور متوازن ورؤية شمولية لتطور تاريخ الفكر النقدي العالمي ترى أن "المعرفة المعاصرة ليست غريبة بشكل مطلق وأن الإرث العربي الإسلامي وثقافات جميع حضارات الأمم السالفة تشكل فيها مكونا أساسيا". وإذا جاز لي تكثيف أقوى مفاصل الكتاب فإنني أوجزها في نقاط: صهر ثلاث أبعاد في نسيج واحد:البعد التاريخي، والبعد الإبستمولوجي، والبعد البيداغوجي، وكذا تحرير الظاهرة الأدبية من النظرة الأحادية ووضعها في قلب تعددية زوايا النظرة المنهجية، ونبذ التعصب لأي منهج على حساب منهج آخر، وضع النقد في سياق إشكالية الإنسان والقيم، القطع نهائيا مع ما يسمى بالمنهج التكاملي. وعنون الدكتور عبد الواحد المرابط في الجلسة التي ترأسها الدكتور عبد الرحيم المودن مداخلة بـ "تحليل الخطاب من مدارج التجريد إلى قيم التواصل" منطلقا من إشكال تخلص مناهج التحليل من العبء الإبستمولوجي، وإبرازه للجوانب التي تميزها عن الخطاب التواصلي، مشيرا في الوقت نفسه للتحول الذي بدأ في ما يخص مناهج التحليل المتمثلة في توقف الإبستمولوجيا عن اعتبار الرياضبات مرادفا للعلم، والتي تحولت إلى رياضيات خالصة، وإلى مبحث إنساني خالص، مركزا على مبحثين: الأول يتعلق باللغة، توقف فيه عند المسار الذي قطعته فلسفة اللغة من مطلب التجريد إلى مطلب القيم. والثاني يتعلق بمبحث الدراسة الأدبية يرتبط بالمسار الذي قطعه النقد الأدبي من البنيوية إلى ما بعدها. كما تطرق الباحث إلى تحول البنيات الكونية المجردة إلى قضايا الثقافة، نافيا أن يكون هناك أدبا ما بدون قيم إنسانية، لينتهي غي مداخلته إلى ثلاث مقاربات تتصل الأولى بالنقد الحواري الذي أعاد الاعتبار إلى السوسيولوجيا، أما الثانية فترتبط بالنقد الثقافي الذي يعترف بالخصوصيات الثقافية الملحة، وأخيرا جمالية التلقي التي أعادت الاعتبار إلى النصوص والمتلقي.
نظم مشروع البحث النقدي ونظرية الترجمة بروتارس3 بفضاء مدرج ابا حنيني بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بظهر المهراز بفاس، وعلى مدى يومين 10 و 11 يونيو، ندوة وطنية في موضوع: "الإبداع والترجمة والنقد الأدبي تواصل حضاري" بمشاركة ماستر الكتابة ومهن الكتاب لمناقشة خمسة إصدارات.
واستهلت الجلسة الافتتاحية بكلمة عميد الكلية عبد الرحمان طنكول الذي شكر كل الفعاليات المشاركة، وبخاصة رئيس المشروع الدكتور حميد لحمداني، معتبرا أن موضوع الندوة يخدم الطلاب بالدرجة الأولى. أما كلمة رئيس شعبة اللغة العربية الدكتور عبد الرحيم الرحموني فقد انطلقت من عنوان الندوة لكونها تحمل بعدا حضاريا وثقافيا كبيرا، مشيرا إلى الدور الهام الذي تلعبه مثل هذه الندوات في تحقيق التواصل الحضاري وبناء علاقات على مستوى الكليات. وانصبت كلمة الدكتور محمد أوراغ على الروابط التي تجمع بين مشروع البحث النقدي ونظرية الترجمة وماستر الكتابة ومهن الكتاب بحكم التقاطع من حيث الأهداف والاهتمامات الكبرى، إذ يسعى هذا الأخير إلى ترسيخ ثقافة الكتاب في عالم يعرف تحولا في التقاليد والأعراف المتعلقة بإنتاج النص والمعلومة والولوج إليها والاستفادة منها، عن طريق التقدم السريع والهائل الذي يفرضه عالم المعلوميات وتكنولوجيات الاتصال الحديثة، بالرغم مما قد يثيره هذا التحول من تساؤلات أنطولوجية حول الكتابة والكتاب، حيث سيظل الحامل الورقي للمعرفة في اعتقاده الأسلوب المفضل للكتاب يقومون به في مواجهة عمل صناعي يراد له أن يكون شموليا. في حين ذكرت مداخلة مدير مشروع بروتارس الدكتور حميد لحمداني بأهداف المشروع ومراحله، مشيرا إلى سياق الندوة وأهدافها وآفاقها، كما ركز على الجانبين العلمي والتنظيمي، وثمن مجهودات كل الفاعلين من أجل إنجاح هذه الندوة من أطر إدارية وتربوية وطلبة، مجددا الشكر لرئاسة جامعة سيدي محمد بن عبد الله وعمادة كلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز وماستر الكتابة ومهن الكتاب والأساتذة المشاركين في الندوة والطلبة الباحثين.
الجلسة الأولى ترأسها الدكتور عبد العالي بوطيب مبديا سعادته بإصدارات الندوة التي جمعت مؤلفات لمؤلفين من خارج شعبة اللغة العربية، ليقدم الدكتور الأستاذ محمد مشبال مداخلة انصبت حول ترجمته لكتاب "صورة الآخر في الخيال الأدبي" لطوني موريسون، وسمها بـ "الخيال الأدبي والإيديولوجية العرقية"، متحدثا عن السياق الذي جاءت فيه ترجمة الكتاب، ونافيا أن تكون هذه الترجمة انسياقا وراء الموضة من الدراسات النقدية والثقافية اللاتينية، موضحا أهمية كتاب طوني موريسون الذي يقترح مقاربة أفلحت في أن تحقق التكامل المنشود في الدراسات الأدبية، والذي تجلى في الاستجابة لجوهر الأعمال الأدبية بوصفها مجالا يتلازم فيه التخييل والإيديولوجية. كما أبرز المترجم محمد مشبال موقف البيض من السود أثناء الكتابة ومكانة السود في المجتمع الأمريكي، مؤكدا في ذات الوقت على أن السود يمكن أن يدل على نقيضين عكس البياض فلا قيمة لديه، وبالتالي فإن تأثير الإيديولوجية العرقية في بناء الرواية يبرز تعاطي النقد الأدبي مع النصوص الأدبية بدأ يعرف صعود اتجاهات نقدية ونصية مخالفة أعادت إلى الواجهة النص بوصفه تجربة تاريخية. وفي معرض تحليل الدكتور عبد الرحيم مودن لكتاب "صورة الآخر في الخيال الأدبي" أكد قيمة هذا العمل الذي سيغني الخزانة المغربية، منطلقا من أطروحته المركزية التي تقوم على استقصاء خصيصة مركزية في الأدب الأمريكي، مجسدة في ما أسماه بـ "الأفريقانية" africamisme، أي الحضور الأفريقي في الأدب الأمريكي. والكتاب بمقالاته الثلاث تحليل لهذا الحضور من خلال السرد الروائي حيث تلح الكاتبة على غياب أو تغييب هذه الخصيصة؛ لأسباب عديدة منها ما تعلق بنزعة الهيمنة البيضاء، وكذا ما يتعلق بالعمى النقدي، وفي الحالتين نتج عن ذلك نفي السُّود وعزلهم من الحياة الأدبية بالرغم من المفارقة الواضحة بين النصوص القانونية والدستور الأمريكي التي تعترف بالسود اجتماعيا وسياسيا أيضا، ولكنها لا تترد في تهميشهم إبداعيا، مما يشوش على "الخارطة الموضوعية" للأدب الأمريكي، والتي اقتصرت على البيض من دون السُّود، تبعا لذلك تطرح الكاتبة أسئلة مركزية: ما علاقة الأفريقانية بالخيال الأدبي؟ كيف اشتغلت هذه الأفريقانية داخل هذا الخيال؟ ألا تؤدي النظرة الدقيقة إلى السّواد الأدبي بها لضرورة إلى اكتشاف طبيعة "البياض الأدبي"؟ الجواب عن هذه الأسئلة جاء من خلال تفكيك النصوص البيضاء لكبار كتاب أمريكا(بُّو، همنجواي، هنري جيمس، مارك توس، ملفيل. وقدم الدكتور سعيد العمري كتابه "الرواية من منظور جمالية التلقي" منطلقا من طرح ظاهرة أدبية محيرة في تاريخ الدراسات الأدبية النقدية، هي استئثار عمل أدبي واحد باهتمام تيارات نقدية متعددة رغم تعارضها وتباينها. ووجد في رواية "أولاد حارتنا" لنجيب محفوظ نموذجا، كما وجد في نظرية جمالية التلقي عند "هانس روبيرت ياوس" منهجا قادرا على معالجة تلك الظاهرة وذلك بإعادة كتابة تاريخ "أولاد حارتنا" بدءا بالوقوف عند الطريقة التي فهمت بها من قبل القراء الأوائل مرورا بالقراء اللاحقين وصولا إلى تقديم قراءة خاصة به. والغاية من ذلك ربط الحاضر بالماضي، والاطلاع على التجارب القرائية السابقة للاستفادة منها والاحتكاك بها، والقراءة الخاصة تهدف إلى البرهنة على مدى قابلية الرواية للإجابة عن سؤال يخص الباحث أي عن تأويل خاص ينضاف إلى الفهم التاريخي، وخلص الباحث في النهاية إلى أن نظرية التلقي تدعو إلى التحلي بالمرونة في التحليل ونهج مقاربة تفاعلية تشاركية تقوم على تقاسم بناء المعنى بين النص والمتلقي. وكذا أن رواية "أولاد حارتنا" خيبت أفق انتظار جمهورها الأول لكنها أصبحت مألوفة بفضل القراء المتأخرين. في حين يظل منهج جمالية التلقي صورة حية للواقع الأوروبي المتميز بالديمقراطية والحريات العامة، ولذلك اعتمد النسبية في الطريقة التي يعالج بها الظاهرة الأدبية. أما الواقع المغربي مثلا؛ فالسنوات الأخيرة من التسعينيات باتت تربة خصبة لاستقبال منهج جمالية التلقي بفضل هامش الديمقراطية والحريات العامة. لينتهي إلى استحالة منهج جمالية التلقي في جوٍّ تسوده الديكتاتورية والظلامية. لأنه يعطي الحرية للناقد لتأويل النص؛ شرط أن تكون مقاربته تشاركية تستحضر الحدود التي يجوز إجراء التأويل فيها. أي الاحتكام إلى النص. أما مداخلة الدكتور محمد مساعدي فقد انصبت على تحليل كتاب "الرواية من منظور جمالية التلقي" لسعيد العمري، متطرقا إلى أهمية نظرية التلقي باعتبارها مشروعا يرتكز على أسس فلسفية متعددة المشارب، وعلى جهاز مفاهيمي متماسك، جعل منها إبدالا نظريا جديدا يعتمد على التفاعل والاعتراف بالدور الفعال للمتلقي في المساهمة في إنتاج المعنى، متحدثا عن ضرورة إثبات اشتغال مفاهيم جمالية التلقي من خلال حرص الدكتور سعيد لعمري على تتبع ردود أفعال القراء المتعاقبين على نص أولاد حارتنا لنجيب محفوظ، ثم بعد ذلك تقديمه لقراءته الخاصة التي وأجابت فيها الرواية عن سؤال التكامل بين العلم والقيم الإنسانية الروحية والعقدية للدين. في حين اعتبر الدكتور عبد النبي ذاكر إصداره الجديد "مدارات الترجمة" يدخل ضمن قضايا نظرية الترجمة ونقدها وممارستها، ويطمح من خلاله إلى مجاذبة بودلير، متوقفا عند المشاكل التي قد تعترض عملية العبور نحو الترجمة بخاصة عند ترجمة النص المقدس، والنصوص الإبداعية. ليناقش بعد ذلك الدكتور محمد القاسمي كتاب "مدارات الترجمة" لعبد النبي ذاكر، مبديا أهمية المشروع العلمي الذي انخرط فيه مشروع بروتارس 3 بوصفه مشروعا سيثري الثقافة المغربية من جانبها الرصين، مقدما قراءة أولية في "مدارات الترجمة" الذي يتأطر ضمن سياق الندوة: ترجمة الأعمال الأدبية والفلسفية باعتبارهما ضرورة ثقافية، وتواصل بين الحضارات والثقافات المختلفة، مشيرا إلى قيمة الكتاب التي تتجلى من جانبين: الأول يرتبط بطبيعة النص المترجم، والثاني يتعلق بدربة الذات بالفعل الترجمي، ومحاولة هذه الذات التفاعل مع هذا الفعل الذي يختلف من النص الحقوقي والنص المقدس. ليتحدث بعد ذلك عن عنوان الكتاب، وأهمية الحوار بين النص الأصلي والنص المترجم والمقارنة بينهما، والكشف عن الآليات الحقوقية المراعاة في الحفاظ على النص الأصلي والنص العربي، وتطويع الفرنسي ليستجيب للمصطلحات المأخوذة من الحضارة الإسلامية، متوقفا عند فصل "الإشهار" الذي اقتحم موضوع الترجمة الإشهارية وتعلقها بطبيعة المتلقي للنصوص الإشهارية الخطيرة، منتهيا إلى أن الخطاب الإشهاري يتخذ من الشرق موضوعا له خطاب إيديولوجي، له أهدافه.
أشغال اليوم الدراسي الثاني أطرها الدكتور الأستاذ محمد مشبال، وافتتحت بمداخلة المترجم الجيلالي الكدية حول إصداره "مختارات من روائع القصة العالمية"، الذي أثار في تقديمه لكتابه مجموعة من الاستفهامات من قبيل: كيف تشكلت هذه المجموعة؟ ما هي المراحل التي مرت منها؟ هل من معايير معتمدة في الانتقاء؟ ليجيب الباحث أن المعيار الذاتي تحكم فيه الذوق الشخصية، ومراعاة المكونات القصصية أثناء عملية الاختيار. رغم اختلاف النصوص وتنوعها بفعل خصوصية كل كاتب على حدة، ومن ثمة المساهمة في تطوير وبلورة القصة القصيرة وتطورها، متوقفا عند التطور الذي عرفته القصة سواء على مستوى الرؤية أو المنهج، حيث حقب كرنولوجيا فن القص الذي ظهر في القرن التاسع عشر مع موبسان وإدغار ألان بُّو وكافكا، حيث حقق استقلاليته كجنس أدبي دخل في تنافس مع الشعر والرواية. أما في القرن العشرين فقد انكب الكتّاب على إبداع استراتيجيات جديدة، والنزوع إلى استعمال الحوار، واللحظة، مؤكدا سمة التطور التي تميز القصة على مستوى الأساليب، وصعوبة تحديد هذا الجنس المتسم بالحربائية. ليطرح بعد ذلك سؤالا: هل هناك رؤية أو فلسفة تؤطر العمل؟ مبينا أن فعل الترجمة يروم ردم الهوة وانصهار الثقافات. وهذا ما يمكن أن تحققه ترجمة الأعمال الأدبية، وليس إقصاء حضارة على حساب أخرى، داعيا في الوقت نفسه إلى تزكية الحوار المثمر بين مبدعين همهم الوحيد التواصل والحوار عبر الفن. فالنصوص التي قام بترجمتها تكوِّن نسيجا واحدا، وتشكل فسيفساء واحدا. كما أنها تتغيا الدفاع عن القيم الإنسانية التي تسمو عن القيم الدينية والعرقية، إن هذه النصوص ـ بحسب المترجم ـ لا تشكل إلا صورة لمعاناة الإنسان ومحيطه. لنستنتج أن الأستاذ الكدية يحمل تصورا نقديا جماليا للقصة. وانصبت مداخلة الدكتور عبد العالي بوطيب في مناقشته لكتاب الجيلالي الكدية على تجاوز مسألة تقويم الترجمة في ظل غياب النص الأصلي، مكتفيا بإيراد ثلاث نقط رسخت في ذهنه أثناء عملية القراءة. المسألة الأولى تتعلق بكلمة مختارات التي تقتضي الإحاطة بالعمل الأدبي، والإلمام الكبير بكل التجارب القصصية العالمية، وهذا لايتأتى ـ بحسب بوطيب ـ إلا لباحث متمكن، متوقفا عند القصص التي يتضمنها الكتاب، والتي وصلت إلى أربع وعشرين قصة تعود لخمس قارات، وأربعة عشرة دولة، وأيضا لأبع وعشرين تجربة قصصية تغطي كال التجارب. أما المسألة الثانية فترتبط بمسألة الترجمة، والتي اعتبرها تأتي من الرغبة في تعميم المتعة وإشراك أكبر عدد من القراء من لدن باحث متخصص في القصة العالمية. أما المسألة الأخيرة فتخص القيمة المعرفية والأدبية التي قدمها العمل، والتي لخصها في قراءة ومتعة قراءة أشهر كتاب القصة العالمية. وكذا تقديم صورة مصغرة عن تاريخ كتابة القصة القصيرة في أبرز تجاربها العالمية. في حين أشار الدكتور حميد لحمداني في معرض تقديم لكتابه "الفكر النقدي الأدبي المعاصر" إلى الطموح الذي يصدر عنه؛ لأنه يتناول أهم المشاريع النقدية في التنظير الأدبي من جهة، ونزوعه نحو التعليم من جهة أخرى، متحدثا عن الاتجاهات الأدبية التي استطاعت توجيه الأدب ونظرياته، متوقفا عند كل من نظرية الالتزام لسارتر، ونظرية التفكيكة عند دريدا بوصفهما نظريتين مؤثرتين في الدراسات الأدبية والنقدية المعاصرة، مؤكدا أصول النظرية العالمية التي بدأت مع اليونان والعرب، وإبرازه لبعض خصوصيات النقد العربي القديم المرتبطة بالتركيب، الذي يقول بوجوده في الفكر النقدي العربي؛ انطلاقا من أن كل النظريات النقدية العالمية لها طبيعة تركيبية؛ مستشهدا بالتفكيكية. لينتقل إلى الحديث عن بعض المسائل المنهجية في الكتاب، بدءا من مرتكزاته المتمثلة في إعادة النظر في تاريخ الفكر النقدي، وضرورة ربط الصلة بين الماضي والحاضر، وكذا اعتماد منظور تطوري شامل لتاريخ النقد الأدبي وخلفياته المنهجية الممتدة بين الماضي إلى الحاضر، ودراسة تطور النظريات والمناهج النقدية، والقول بعدم إقامة الحدود الصارمة بين الثقافات. ثم تطرق إلى مجال الفكر النقدي العربي معتبرا أن البلاغة قد شكلت بمختلف فروعها ومباحثها قمة ما وصل إليه الدرس النقدي في تاريخ الثقافة العربية، وأن النقد الإخباري مثَّل فرعا مهما من الدراسات النقدية للأدب بكل ما كان يتميز به من موسوعية وشمولية، كما أنه كان الحاضن لجميع المناهج الأدبية الممكنة التي تبلورت في ما بعد. كما توقف لحمداني عند كل من إشكالية اللسانيات وانفتاح آفاق الفكر النقدي، وأهداف تطويره والتي أجملها في تجاوز النظرة المعيارية التي هيمنت على البلاغة القديمة، وتوسيع دائرة وصف البنيات النصية، والاهتمام المضاعف بالقارئ وأنماط القراءات. لينتهي في عرضه إلى الأساس الإبستمولوجي في الكتاب انطلاقا من استخدام الوصف، والتحليل، وأيضا اعتماد الكفاءتين النظرية والعلمية. الأولى تنبني على الانسجام، وعدم التناقض، والشمول وليس الإطلاق، أما الثانية فتقوم على المردودية معرفيا وإنسانيا. ليخلص إلى تقويم طرح فيه سؤالا مركزيا: ما القيمة المعرفية والعملية التي يمكن أن يجنيها الإنسان عند تطبيق المناهج النقدية؟ إن البحث إبستومولوجيا في المناهج هو النقيض التام لما يسمى بـ " المنهج التكاملي" الذي اعتبره لحمداني من أخطر المناهج لأن الهدف منه هو إعفاء الذات من مهمة البحث المعرفي، وإرضاء النقاد جميعا أو "إصلاح ذات البين بينهم"، كما أكد أن المنهج التكاملي لا تقف خلفه أي مبادئ معرفة إبستمولوجية ولا معرفة إنسانية أو سيميائية. مداخلة الدكتور محمد أمنصور تناولت بالدرس والتحليل كتاب "الفكر النقدي الأدبي المعاصر" للباحث حميد لحمداني انطلاقا من كونه عملا يتأطر ضمن نقد النقد. كما أنه يشكل مدونة نقدية لرسم معالم الخريطة النقدية الغربية بهدف التعريف بها؛ انطلاقا من الأرضية الإبستمولوجية التي يقف عليها لحمداني باعتبارها أرضية متجذرة موضوعية؛ تتسم بالصلابة، وكذا وجود المسافة، وانعدام التشيع المنهجي، بدءا من إبرازه لجوانب القصور والتهافت دون الخضوع إلى ميل أيديولوجي أو عقدي، كما أبرز الباحث موقف لحمداني الصريح من التفكيكية بوصفها تتسم بالعبثية.إنها مقاربة إدخال الجانب الإنساني ومجمل القيم. يضيف ـ الباحث أمنصور ـ هناك نقطة تحسب للحمداني لأنه لا ينطلق من مركب النقص أو وهم التخوف؟ وإنما من منظور متوازن ورؤية شمولية لتطور تاريخ الفكر النقدي العالمي ترى أن "المعرفة المعاصرة ليست غريبة بشكل مطلق وأن الإرث العربي الإسلامي وثقافات جميع حضارات الأمم السالفة تشكل فيها مكونا أساسيا". وإذا جاز لي تكثيف أقوى مفاصل الكتاب فإنني أوجزها في نقاط: صهر ثلاث أبعاد في نسيج واحد:البعد التاريخي، والبعد الإبستمولوجي، والبعد البيداغوجي، وكذا تحرير الظاهرة الأدبية من النظرة الأحادية ووضعها في قلب تعددية زوايا النظرة المنهجية، ونبذ التعصب لأي منهج على حساب منهج آخر، وضع النقد في سياق إشكالية الإنسان والقيم، القطع نهائيا مع ما يسمى بالمنهج التكاملي.
وعنون الدكتور عبد الواحد المرابط في الجلسة التي ترأسها الدكتور عبد الرحيم المودن مداخلة بـ "تحليل الخطاب من مدارج التجريد إلى قيم التواصل" منطلقا من إشكال تخلص مناهج التحليل من العبء الإبستمولوجي، وإبرازه للجوانب التي تميزها عن الخطاب التواصلي، مشيرا في الوقت نفسه للتحول الذي بدأ في ما يخص مناهج التحليل المتمثلة في توقف الإبستمولوجيا عن اعتبار الرياضبات مرادفا للعلم، والتي تحولت إلى رياضيات خالصة، وإلى مبحث إنساني خالص، مركزا على مبحثين: الأول يتعلق باللغة، توقف فيه عند المسار الذي قطعته فلسفة اللغة من مطلب التجريد إلى مطلب القيم. والثاني يتعلق بمبحث الدراسة الأدبية يرتبط بالمسار الذي قطعه النقد الأدبي من البنيوية إلى ما بعدها. كما تطرق الباحث إلى تحول البنيات الكونية المجردة إلى قضايا الثقافة، نافيا أن يكون هناك أدبا ما بدون قيم إنسانية، لينتهي غي مداخلته إلى ثلاث مقاربات تتصل الأولى بالنقد الحواري الذي أعاد الاعتبار إلى السوسيولوجيا، أما الثانية فترتبط بالنقد الثقافي الذي يعترف بالخصوصيات الثقافية الملحة، وأخيرا جمالية التلقي التي أعادت الاعتبار إلى النصوص والمتلقي.