هنا معجم شعري مصغر، للشاعر الفلسطيني، في تعريفات مسكونة براهنها. شاعر يسكن الى نفسه محاولا الإجابة على أسئلة غامضة. وبنزق الشاعر المسكون بالاستعارة، يستقصي متاهات الكلمة وتدرجها العميق في الحياة وفي آثون الذاكرة، في تفاصيل الذات وفي الكائن، في من يبحث عن معنى "للمعنى ذاته".

قصائد

نمر سعدي

تعريفُ معنى البكاءْ

عندما طالبتني بتعريفِ معنى البكاءْ

قلتُ أنَّ البكاءَ سماءٌ من الوردِ قزحيَّةٌ...

وينابيعُ من فرحٍ مالحٍ

خفقانٌ لأجنحةِ القلبِ

طلٌّ خفيفُ على ذرَّةٍ من رمالِ العظامِ

رذاذٌ أليفٌ يحطُّ على ما يخطُّ الغريبُ

من الذكرياتِ على صفحةِ الماءِ

عشقٌ خفيُّ الإشارةِ

شلاَّلُ ضوءٍ على ألفِ هاويةٍ من ظلامٍ

وأشياءُ أخرى مجرَّدةٌ في الحياةِ وحسِّيةٌ.

 

 

ملكٌ صعلوك

دائماً أحلمُ أني فارسٌ

ملكٌ لا ينحني إلاَّ لمجدِ الملكةْ

صولجانُ الغيمِ في كفِّي وفي

أفقِ عينيَّ رياحٌ مُهلكةْ

ما الذي أوقعني في التَهلُكة؟

بعدما كنتُ بقفَّازينِ بيضاوينِ مثلَ النبلاءْ

ألمسُ الوردةَ أو ما ذابَ في الوهمِ

على جلديَ من شمعِ النساءْ

.....................

عندما استيقظتُ من نوميَ

كانَ جسدي المسكينُ في هيئةِ ثورينِ عظيمينِ

يجرَّانِ على الأسفلتِ مجدَ الصعلكةْ.

 

 

بماذا سوفَ تحلمُ؟

بماذا سوفَ تحلمُ هذهِ الليلةْ؟

بحفنةِ أنجمٍ في الصيفِ مخضلَّةْ؟

بنافذةٍ معلَّقةٍ على قمرٍ حجازيٍّ

وخصلةِ ليلكٍ بالضوءِ مبتلَّة؟

بخفقةِ طائرٍ في الليلِ معتلَّةْ؟

بماذا سوفَ تحلمُ أيُّها المنفيُّ والمرميُّ

فوقَ وسادةِ السيَّابْ..؟

وغيلانُ الفناءِ يطاردونكَ أينَما

وجَّهتَ قلبكَ في السرابِ يسمِّمونَ النابْ

بماذا سوفَ تحلمُ في الصباحِ...

بطفلةٍ فُلَّةْ؟

بخصلةِ ليلكٍ وبهمسِ أنهارٍ مُعلَّقةٍ على قُبلةْ؟

بماذا سوفَ تحلمُ هذهِ الليلةْ؟

 

 

ما ظلَّ من شهرِ آذار

لحظاتٌ رماديَّةٌ وجبالٌ من الغيمِ

بحرٌ من الصمتِ والثرثراتِ الفقيرةِ مثلَ الطيورِ

مشاعرُ من غضبٍ

فسحةٌ من عبيرٍ

هلالٌ وحيدٌ

وبستانُ موزٍ يذَّكرني بالسواحلِ

شمسٌ رخاميَّةٌ وعصافيرُ ليستْ تُرى

تمتماتٌ بلا أيِّ معنى

قصائدُ محروقةُ الريشِ

وادٍ فسيحٌ

وأشجارُ قطنٍ وراءَ ظلالِ الغبارْ

كلُّ ما ظلَّ من شهرِ آذارَ فيَّ...

وهذا النهارْ.

 

 

تفكيرٌ عشوائيٌّ

أحياناً عندما أسكنُ إلى نفسي

أفكِّرُ طويلاً بطريقةٍ عشوائيَّة..

فأرى الثلجَ الأسودَ الذي يهطلُ

في فضاءِ عينيكِ الصافيتينْ

والذي يُثيرُ فضولي إلى أبعدِ حدْ

ويُداويني بالموسيقى العذبةِ

وبأنفاسِ الجنائنِ والأنهارْ

ولكنَّهُ أيضاً يقتلني

بإطلاقهِ إحدى وعشرينَ

رصاصةً على قلبي

بينما أنا أفكِّرُ بفلسفةِ الحبِّ

التي أظنُّها أعظمَ فلسفةٍ في الوجودْ

والتي تحتاجُ إلى ألفِ أفلاطون

لا لشرحها لنا

فقط يكفي ملامسةُ جباههم العاليةِ

وقلوبنا الخفيضةِ أعتابَ كعبيها.

 

 

الكائنُ الزنبقيُّ

أفكِّرُ عندَ انتباهي بأشياءَ غامضةٍ

أتأمَّلُ فيلمَ حياتي

بشبهِ حياديَّةٍ فأغصُّ بملحِ السنينِ وطعمِ الربيعِ

وأفرحُ في لحظةٍ دونما سببٍ مُقنعٍ

كنتُ طفلاً يتيمَ السرابِ

وقطعةُ حلوايَ كانت بحجمِ الوطنْ

أفكِّرُ عندَ انتباهي بنفسي

بما لا أطيقُ من البشرِ الحالمينَ أو البشرِ القاتلينْ

أفكِّرُ بالكائنِ الزنبقيِّ الذي افترستهُ النساءُ..

الذي افترستهُ المدُنْ.

 

 

إطراقةُ السهرَورديِّ

يُطرقُ السهرورديُّ في خَلقها

ثمَّ تسندهُ حكمةٌ مثلَ خيطٍ من الماءِ

تُرشدهُ نحوَ أعلى إلى فسحةٍ في السماءْ

يقلِّبُ أوراقَ أيامهِ بانكسارٍ قليلٍ

ويُوغلُ في غابةٍ من ضياءْ

هنالكَ لا شيءَ يُسعفهُ...

والمزاميرُ أروعُها يتراقصُ مثلَ الفراشاتِ

في روحهِ.. بألذِّ انتشاءْ.

 

 

فمي خاتمٌ لعناة

هنالكَ في المطرِ الاصطناعيِّ

ضيَّعتُ وجهي وقافيتي

في مرايا الشتاتْ

هنالكَ في المدنِ الاصطناعيَّةِ

انكسرَ الظلُّ في شفقِ القلبِ

وانهمرتْ من يدي المفرداتْ

قبلتي لا تضيءُ ملامحَ من قتلتني

بسيفٍ من الماءِ يبرقُ في دمعها

نورسٌ ميِّتٌ شبقي

وفمي خاتمٌ ناعمٌ لعناةْ.

 

 

قصيدة إلى رسول حمزاتوف

هل تعلَّمتَ صمتكَ قبلَ رحيلكَ

في نحوِ ستِّينَ عاماً مدوِّخةٍ يا رسولْ؟

يا نبيَّ الترابِ القتيلْ

إنَّ بي حاجةً لتعلُّمِ صمتكَ

دونَ الكلامِ الذليلْ

إنَّ بي حاجةً لأُتمِّمَ مجدَ طريقكَ...

هذا المعلَّقِ في قدمِ الريحِ...

يا شاعرَ الأرضِ

يا أيُّها الجبليُّ المكابرُ

يا أيُّها الأقحوانُ الجريح

قُبلةُ امرأةٍ خيرُ زادكَ في برزخٍ قاحلٍ..

وثمانونَ عاماً من الحبِّ تكفي لكي تستريحْ.

 

 

رُبَّما

رُبَّما في الجبالِ البعيدةِ

تحتَ الظلامِ القديمِ

وراءَ البحارِ الغريبةِ

في نقطةٍ من ضياءٍ

تنامينَ وحدكِ في قاعِ قبركِ

كالشعراءِ المساكينَ

تفترشينَ الرياحَ وعطرَ الرياحينِ

أو لعنةَ الطينِ

وحدي سأبصرُ شعلةَ روحكِ

في الزرقةِ الصافيةْ

ووحدي سأمشي بلا وطنٍ

نحوَ نوركِ في نشوةٍ

ثُمَّ أُلقي بنفسي إلى الهاوية.

 

 

يبحثُ عن قلبهِ

غيرَ مكترثٍ بالغمامِ الأليفِ

بسربِ النوارسِ فوقَ السماءِ الوحيدةِ

بالوردِ في عُهدةِ العاشقينَ

وبالقُبلاتِ مجفَّفةً فوقَ منديلِ غيمِ الصباحِ الأنيقِ

بوقتٍ يضيقُ بكاملِ أحزانهِ

وبنقصانِ رغبتهِ في العشاءِ

ملاكٌ بريءٌ

ومختلفٌ في القصيدةِ مع نفسهِ..

واختلاجاتِ شيطانهِ

غيرَ مكترثٍ بالحمامِ العنيفِ

ويبحثُ في زحمةِ الناسِ

عن قلبهِ في السرابْ.

 

شاعر من فلسطين