رغم دعوة بول فين Paul Veyne، في تأبين جميل، تضمنته دراسته الصادرة مؤخراً: "فوكو، فكره وشخصيته" (2008)، أن لا نخطئ دلالة المشروع الذي خلفه صديقه وزميله في الدراسة، مع ذلك، ينبغي التذكير، كيف كان المجد وسوء الفهم في زمانه متآلفان.
مع استهزائه في قيرورة نفسه، فإن الفيلسوف فوكو الذي أغضب المؤرخين بوقاحته، وأزعج علماء الاجتماع بقوة ابتكاره، انتقل لدراسة لباب فكر 1968 المتمرد. وقد امتلك ما يجعله لكي يغتر.
حينما بين فوكو، بين طيات كتابه: "تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي". بأنه، انطلاقاً من الرؤية العلمية حول المجانين، يتأتى احتجازهم. ثم، مع أعماله الأخرى، مثل: "أنا، بيير ريفيير..."، "المراقبة والعقاب"، يدحض مجتمعاً تترصده ديكتاتورية التلصص، حيث يعيش كل فرد داخله تحت مراقبة الجميع، كما لو أنه في سجن بنتهام La Panoptique de Bentham أيضاً، وحيال الصخب الكبير للماركسيين الأرثوذوكسيين، اعتبر فوكو بأن السلطة تسود كل شيء، وبالتالي لم يعتد في نهاية المطاف باقتحام السلطة السياسية. كيف، مع كل هذا، لا يعرف المجد وسط مناخ من النقمة الزائدة، المهيمنة؟ علينا، أن نستحضر في الذاكرة، هذا السياق، كيف نفهم سبب الرعب الذي أثاره تأريخه للجنس، حيث أصدر جزأه الأول "إرادة المعرفة" سنة 1976.
إذن، ونحن ننتظر من فوكو، أن يعيد ثانية صياغة أنيقة للفكرة المتداولة عن الجنس المحاصر، وبأن الأمر يدعو أكثر من المستعجل إلى "التمتع دون عوائق"، نجده يجزئ في شكل مقاطع ما سماه "الفرضية القمعية"، ويسخر من الذين يعتقدون، بأن موضوع الجنس صلب كالحديد، بالتالي فهو "طابو": "إخفاء الجنس؟ أو تتستر عليه، محظورات جديدة تعضدها المقتضيات الكئيبة للمجتمع البورجوازي؟ بل هائج على العكس من ذلك. لقد، ظل متموضعاً طيلة مئات السنين، باطن إقرار معرفي رهيب. دعوة ثنائية، أجبرتنا على إدراك ما تحدده عنه، بينما يرتاب في هذا الجنس كي يعرف ما نضمره له".
نستشف، من خلال التأكيد الأخير، بأنه يقصد التحليل النفسي، وقد قال عن تطبيقه متهكما: "تُسدد تكاليف، بشكل خفي وصامت، كي يحدثوه عن ممارسته الجنسية ويعرف حقيقتها". لكن، شيئاً مؤكداً، إذا أخذنا بالمقلوب، الثنائية الشائعة عن الجنس المقموع والفرويدية، فقد اتجه ميشيل فوكو بحرية مدهشة نحو البحث، في جنس ضائع. غير، أن موته المبكر سيحرمنا من زمان اهتدينا إليه معه.
مراكش/ المغرب