تقترح الكلمة على القراء ديوان لشاعر أمريكي من أصل افريقي، في قصائد هايكو قصيرة تتقصى المعرفة قام بترجمتها الشاعر الفلسطيني محمد حلمي الريشة، قصائد تستقصي الجزئيات الصغيرة والتفاصيل بلمسة أخاذة شعرية. تتجلي فيها الثقافة الأصيلة الدفينة والقادمة من أدغال افريقيا وكأنها نداء الروح الدفين.

كرزٌ أَسودُ (ديوان العدد)

ريتشارد رايت

ترجمة: محمَّد حلمي الرِّيشة

تقديم:

محيي الدِّين إِبراهيم

"هكذا يطل علينا من جديد الشاعر والأديب الكبير محمد حلمي الريشة برائعته المترجمة "كرز أسود" عن (ريتشارد رايت) الشاعر الأمريكي من أصل أفريقي، ولا شك أن الريشة له فلسفة خاصة في اختيار الأعمال التي يقوم بترجمتها، فهي أعمال منتقاة بدقة وتبحث في مسائل تتعلق بالإنسان والحرية، وحيث يقدمها لنا الريشة في شكل صوفي بديع وكأنه قدس الفضيلة أو هكذا هو. وأظن أن محمد حلمي الريشة يتمتع بوجدان صوفي من نوع خاص، فهو عندما ينتقي نصًّا صينيًّا تجده يتقارب في نفس المذهب مع نص آخر انتقاه من البيئة الأمريكية أو الفرنسية، إنها نزعة الأديب المتصوف الذي يتحول بعبقرية أدائه إلى نقطة نور تكافح في محو ظلمة الجهل والخوف والاستعباد، فتتساوى فيها القيمة حتى وإن اختلفت جنسيتها واللغة التي انطلقت منها.

محمد حلمي الريشة نقطة نور. وربما من أشد ما نلاحظه بتقدير شديد في ترجمة الريشة لهذا النص "كرز أسود" هو حفاظه على منهج "الثلاثيات" أو الأبيات الثلاثة المتدفقة حتى نهاية ترجمة النص، وهو حفاظ ذكي استطاع من خلاله جعل النص متحركًا خاليًا من كل جمود، وهو ما أضاف- في تقديري- روحًا جديدة هي روح المترجم الثوري المرهف الحس إلى جانب روح كاتب النص الأصلي، فاندمجت الروحان (ريتشارد – الريشة) ليلتقيا في روح جديدة خاصة تحمل في باطنها المضيء؛ روح وثابة شابة استوجبتها حتمية الجمل القصيرة السريعة، لتتناسب والوجود في ميدان صراع الإنسان مع ذاته للحفاظ على نقطة النور. ولا شك أن محمد حلمي الريشة، وهو قامة كبيرة في سماء ثقافتنا العربية، يحاول في هذا النص أن يقفز فوق الخطوط العازلة ويبحث عن الإنسان الواحد؛ الإنسان الحر، القيمة الأولى في هذا العالم، أميبا الوجود المخلص في ضمير البشر، ويكافح بثقة المتصوف في بلوغ تلك الحكمة، أو كما شاءت روحة وتصوفه حين أنهى ترجمته بثلاثية:

لماذا غابةُ الرَّبيعِ هذهِ

نَمتْ بصمتٍ شديدٍ عندما أَقبَلْتُ؟

ماذا كانَ يَحدثُ؟"

 

1
أَنا لا أَحد:
شمسٌ خريفيَّةٌ حمراءُ تَغرَقُ
أَخَذتِ اسْمِي بعيدًا.

3
استمرْ باستقامةٍ هابطًا هذا الحيَّ،
ثمَّ اتَّجهْ يمينًا حيثُ ستجِدُ
شجرةَ خوخٍ تُزهرُ.

7
الحلزونُ يشكِّلُ عقلَكَ!
أَنتَ نِصفٌ داخلَ بيتِكَ،
ونِصفٌ في الخارجِ!

11
أَيها العَثثُ عليكَ أَن تُغادرَ الآنَ؛
أَنا أُحوِّلُ الضَّوءَ
وذاهبٌ إِلى النَّومِ.

16
حسنًا، أَيتها العصافيرُ الدُّوريَّةُ؛
الشَّمسُ غربتْ ويُمكنكِ الآنَ
وَقْفَ ثرثرتكِ!

18
بُرازُ الدُّوريِّ
يصبحُ بسرعةٍ مَسحوقًا
على الأَرصفةِ الحارَّةِ جدًّا.

20
عطسةُ الكلبِ العنيفةُ
تَفشلُ بإثارةِ ذبابةٍ واحدةٍ
على ظَهرهِ الأَجربِ.

21
في صباحاتِ الشِّتاءِ

تُظهر الشَّمعةُ آثارًا باهتةً
لأَسنانِ الجُرذانِ.

22
معَ أَنفٍ مُرتعشٍ
يقرأُ كلبٌ برقيةً
على جذعِ شجرةٍ رطبٍ.

24
شِبَاكُ العناكبِ
شائكةٌ على وَجهي المتعرِّقِ
في الغاباتِ المغبرَّةِ.

30
نَصْلُ سكِّينٍ ملطَّخةٌ دَمًا

تَلعقُها هرَّةٌ
في وقتِ نَحرِ الخنازيرِ.

31
في تساقطِ الثَّلجِ
صبيٌّ ضاحكٌ يرفعُ كفَّيهِ
حتَّى تَصِيرا بيضاوينِ.

50
زهرةُ مغنوليا
هبطتْ على أُخرى
نحوَ عُشبِ النَّدى.

51
بينما تغربُ الشَّمسُ،
تتفتَّحُ انشقاقاتُ بطَّيخةٍ خضراءَ
ويسيلُ العصيرُ إِلى الخَارجِ.

53
ريشةُ دوريٍّ
على شوكةِ سِلكٍ صدئٍ
في الحرارةِ الشَّديدةِ.

57
مطرٌ بَرَدِيٌّ في اللَّيلِ
يُتبِّلُ اللِّفتَ المنتفخَ
بمذاقِ نكهةٍ قويةٍ.

58
أَكوامُ الكرزِ الأَسودِ
تتلألأُ بقطراتِ المطرِ
في شمسِ المساءِ.

67
اليومُ طويلٌ جدًّا
حتَّى عصافيرُ الدُّوريِّ المُزعجةُ

ذهبتْ بصمتٍ غريبٍ.

75
يبدأُ الرَّبيعُ خجِلاً
بدبُّوسِ شعرٍ منَ العُشبِ الأَخضرِ
في وعاءِ الزُّهورِ.

78
زهرةُ تفَّاحةٍ
تَرتجفُ على فَرعٍ مُشمسٍ
من ثِقَلِ النَّحلِ.

93
مُغادرًا عُشَّه،
يستغرقُ الدُّوريُّ ثانيةً واحدةً،
ثمَّ يَفتحُ جناحَيْه.

95
مثلَ صنَّارةِ سمكٍ،
ظلُّ عبَّادِ الشَّمسِ الطَّويلُ
يحومُ فوقَ البُحيرةِ.

97
في غروبِ الشَّمسِ،
كلُّ بُرعمِ شجرةٍ يتشبَّثُ سريعًا
بقطراتِ المطرِ التجِفُّ.

101
تتلاشى بسرعةٍ،
قطراتُ مطرِ الصَّيفِ الأُولى
على البابِ الخشبيِّ القديمِ.

117
طارَ الغرابُ سريعًا جدًّا
رغمَ أَنه تركَ بقرتَهُ وحيدةً
خلفَ الحقولِ.

120
بكاءٌ وبكاءٌ،
شَجيُّ أَسرابِ الإِوَزِّ
يعبرُ مَقبرةً.

134
ذاتَ مساءٍ خريفيٍّ
رجلٌ غريبٌ يدخلُ قريةً
ويعبرُ ممرًّا.

142
دوريٌّ جريحٌ
ينهارُ في ماءِ البحيرةِ الباردِ،
لا تزالُ عيناهُ مَفتوحتَيْنِ.

144
وسطَ الزُّهورِ
ساعةٌ صينيَّةٌ تدقُّ
في غرفةِ الرَّجلِ الميِّتِ.

171
بِسُخطٍ
فتاةٌ صغيرةٌ تَصفعُ دميتَها-،
صوتُ مطرِ الرَّبيعِ.

172
قبَّعةُ الفزَّاعةِ القديمةُ
نأَتْ من قِبَلِ ريحِ الشِّتاءِ
نحوَ مَقبرةٍ.

175
قادمٌ منَ الغاباتِ،
ثورٌ لهُ حِليةٌ أَرجوانيَّةٌ
تتدلَّى منْ قرنٍ.

179
ضوءُ قمرِ الصَّيفِ
يومضُ فوقَ كيرِ الحدَّادِ،
ويبرِّدُ الجمرَ الأَحمرَ.

183
جميعُ أَجراسِ المدينةِ
تُقعقِعُ صاخبةً منتصفَ هذا اللَّيلِ،
مُخيفَةٌ السَّنةُ الجديدةُ!

184
لاَ طيورٌ تطيرُ؛
أَوراقُ الشَّجرةِ لاَ تزالُ مثلَ حَجرٍ-،
مَساءٌ خريفيٌّ.

187
في مخزنِ حطبٍ قديمٍ
النُّتوءاتُ الطَّويلةُ لرُقاقاتِ الثَّلجِ
تشحذُ الرِّيحَ.

191
أَولادٌ صغارٌ يقذفونَ
حجارةً على فزَّاعةٍ مُذْنِبَةٍ
في حقلٍ ثلجيٍّ.

193
واقفًا بصبرٍ،
يَمنحُ الحصانُ رُقاقاتِ الثَّلجِ
بيتًا على ظَهرهِ.

196
تَقاذُفُ موجٍ طوالَ اليومِ،
البحرُ الباردُ ينامُ الآنَ عميقًا
على سريرٍ منَ النُّجومِ.

200
غابةُ الرَّبيعِ صامتةٌ:
غرابٌ يفتحُ مِنقارَهُ الحادَّ
ويَخلِقُ سماءً.

202
صيحةُ غرابٍ حادَّةٌ
تقودُ نجومَ فجرِ الرَّبيعِ
منْ خارجِ السَّماءِ.

212
منْ ناطحةِ السَّحابِ،
تتلاقَى جميعُ الشَّوارعِ الصَّاخبةِ
نحوَ بحرِ الرَّبيعِ.

214
أَثناءَ حَرْثِ الأَرضِ،
جميعُ غِرباني تزورُ
مزرعةً مجاورةً.

217
المؤكَّدُ أَن قمرَ الرَّبيعِ،
شديدُ الاصفرارِ وشديدُ الهشاشةِ،
رغبةُ صَدْعٍ على سَحابةٍ!

222
حاملاً مطرًا غزيرًا،
يَنحني الخُزامى ويسكبُه،
ثمَّ يعتدلُ مرَّةً أُخرى.

226
مثلَ نارٍ تنتشرُ،
تقفزُ الأَزهارُ منْ شجرةٍ إِلى شجرةٍ
في الرَّبيعِ المُتوهِّجِ.

228
الرَّعدُ المُفاجئُ
يباغتُ شجرَ المغنوليا
نحوَ بياضٍ أَعمقَ.

243
مغادرةُ الطَّبيبِ،
العالمُ كلُّه يبدو مختلفًا
صباحَ هذا الخريفِ.

254
فاحتْ مثلَ ورودٍ؛
لكنْ عندما أَضأتُ النُّورَ
كانت أَزهارُ البنفسجِ.

288
صباحٌ مُتجمِّدٌ:
تركتُ قطعةً صغيرةً من جِلدي
على مِقبضِ عَصا المِكنسةِ.

301
سماءُ الرَّبيعِ صافيةٌ جدًّا
لدرجةٍ تشعرُ أَنك تنظرُ
إِلى الغدِ.

303
ريحُ الرَّبيعِ عَطِرةٌ
تُذكِّرني بشيءٍ
لا أَستطيعُ استدعاءَهُ.

307
أَشعرُ أَن مطرَ الخريفِ
يحاولُ شَرْحَ شيءٍ
لا أُريد أَن أَعرفَهُ.

334
سيركُ شاطئِ البحيرةِ:
فيلٌ ينفخُ
أَمواجًا في الماءِ الأَزرقِ.

365
موسمُ عيدِ الميلادِ:
مُومسٌ تصبغُ شفتَيْها
أَكبرَ ممَّا هيَ عليهِ.

368
بينما هيَ عاريةٌ،
قمرُ الرَّبيعِ يلمسُ ثديَيْها
لسَبعِ ثوانٍ.

370
حازوقةُ الطِّفلِ
تنحسرُ، وطنينُ الذُّبابِ
يملأُ الغُرفةَ المشمِسةَ.

371
رجلٌ مقيَّدُ السَّاقَينِ
حولَ جذوعٍ في الحديقةِ،
تشذيبُ الورودِ.

375
اليومُ الأَولُ من فصلِ الرَّبيعِ:
الخادمةُ تَرتدي شعرَها الأَشقرَ
بأُسلوبٍ جديدٍ.

382
وادُ القريةِ
يقعُ في قبضةِ ضَوءِ القمرِ:
كمْ هوَ وحيدٌ.

407
في ضَوءِ مطرِ الرَّبيعِ
امرأَةٌ عجوزٌ تَبصقُ
في منديلٍ.

408
فأْرٌ ميِّتٌ عائمٌ
فوقَ دلوِ قشدةٍ
في ضَوءِ فجرِ الرَّبيعِ.

412
في هذهِ الغرفةِ المستأْجَرةِ
أَكثرُ منْ شتاءٍ يقفُ خارجَ
زجاجِ نافذتِي القذرةِ.

422
تتوقَّدُ سيجارَتي
بدونِ أَن تلمسَها شفتايَ-،
نسيمُ الرَّبيعِ مضطردٌ.

423
سكونٌ على شاشةِ
دارِ السِّينما المزدحمةِ،
فراشةٌ بيضاءُ.

425
سريرُ مَرضٍ فارغٌ:
وسادةٌ بيضاءُ ممزَّقةٌ
في شمسِ الشِّتاءِ الواهنةِ.

427
بينما الغِربانُ تنعقُ،
الخَشخاشُ بإِخلاصٍ
يجعلُ احمرارَهُ قانيًا.

436
امرأَةٌ بَدينةٌ عاريةٌ
تقفُ على موقدِ المطبخِ،
تتذوَّقُ صلصةَ التُّفاحِ.

448
غاسلةُ الملابسِ
تصبغُ حوضَ المياهِ الزَّرقاءِ-،
ريحُ الرَّبيعِ المُشمسِ!

450
في صالونِ حلاقةٍ
رائحةُ الصَّابونِ والشَّعرِ النَّتِنةُ-،
يومٌ صيفيٌّ ساخنٌ!

459
أَدفعُ إِيجارًا
للقَملِ في غُرفتي الباردةِ
ولضَوءِ القمرِ أَيضًا.

461
داخلاً بلدَتي
في سُقوطِ الثَّلجِ الغَزيرِ،
أَشعرُ أَني غَريبٌ.

468
لقدْ فقدتُ طَريقي
في مدينةٍ غريبةٍ في اللَّيلِ-،
سماءُ نجومٍ باردةٍ قديمةٍ.

477
على حِربةٍ،
ووراءَ أَشواكِ السِّياجِ-،
قمرُ الرَّبيعِ عندَ الفَجرِ.

481
محبوسًا في صُندوقِ الجليدِ،
صرصارُ اللَّيل يشقشقُ ناعسًا
في شتاءٍ دخيلٍ.

482
في جَنازةٍ،
جدائلُ شِباكِ العنكبوتِ الغِشائيَّةِ
على زُهورِ النَّعشِ.

500
مدرجُ الأَلعابِ الرِّياضيَّةِ:
مُحتلٌّ كلُّ مَقعدٍ
منْ قِبَلِ رُقاقاتِ الثَّلجِ.

504
عَبْرَ غطاءِ الطَّاولةِ،
يَسحبُ النَّملُ ذُبابةً ميِّتةً
في شَمسِ المساءِ.

518
أَزهارُ البرقوقِ القشديَّةُ:
كانتْ ذاتَ مرَّةٍ
أَميرةً جميلةً ...

521
ثمَّةَ مَا يكْفي منَ الثَّلجِ
لجعلِكَ تنظرُ بعنايةٍ
إِلى الشَّوارعِ المأْلُوفةِ.

526
القطارُ القادمُ
مُزيَّنٌ كلُّه بالثَّلجِ
منْ بلدةٍ أُخرى.

530
ظلِّي كانَ حزينًا
حينَ أَخذْتُهُ منْ رملِ
الشَّاطئِ اللاَّمعِ.

552
جزيرةٌ ربيعيَّةٌ صغيرةٌ
يَجري قِياسُها
بشريطِ دُخانِ السَّفينةِ.

554
عاصفةُ الصَّيفِ الممطِرةُ
تَنقعُ الدَّجاجَ في الحُقولِ،
مَا يَجعلُها أَصغرَ.

555
باردةٌ جدًّا هيَ الآنَ
لدرجةِ أَن القمرَ يتجمَّدُ سريعًا
على فرعِ شجرةِ الصَّنوبرِ.

556
كانَ الضَّوءُ الكبيرُ في الضَّبابِ
لكنَّهُ فانوسٌ صغيرٌ
عندما وَصلْنا إِليهِ.

559
في هذهِ البِركةِ الصَّغيرةِ جدًّا
أَهيَ البُحيرةُ الكبيرةُ الَّتي
سَبحتُ فيها لمَّا كنتُ صبيًّا؟

571
عَبرَ البُحيرةِ،
مَضتْ أَشجارُ الشِّتاءِ السَّوداءِ،
أَصواتَ خافتةً لِفْلُوتْ.

579
وسطَ الأُقحوانِ
حتَّى الصَّبيُّ الغبيُّ
لديهِ كرامةٌ.

580
قَدمي الباردةُ والرَّطبةُ
تشعرُ أَنَّها بعيدةٌ مثلَ القمرِ
في هذهِ اللَّيلةِ الخريفيَّةِ.

582
دُوريٌّ مترنِّحٌ
يتركُ على حافَّةِ نافذةٍ بيضاءَ
شريطَ مَساراتِ الدَّمِ.

587
في عِليَّةٍ رطبةٍ،
تُسفَكُ ذرَّاتُ نِشارةٍ،
دميةٌ من قماشٍ بالٍ جريحةٌ.

588
لستِّ سنواتٍ مُظلمَةٍ رطبةٍ،
دميةٌ بابتسامةِ عيدِ الميلادِ
في علبةِ الحذاءِ القديمِ.

591
هرَّةٌ مريضةٌ تَسعى إِلى
صفصافةٍ يابسةٍ ومُتجمِّدةٍ
لتموتَ تحتَها.

592
جالستانِ في مطرِ الرَّبيعِ،
دُميتانِ من قماشٍ بالٍ مَنسيَّتانِ،
أَقدامُهما في الماءِ.

598
يتعثَّرُ الأَعمى،
يتوقَّفُ، ثمَّ يسيرُ أَبطأَ
في اللَّيلةِ الخريفيَّةِ.

602
حلزونٌ يزحفُ ببطءٍ؛
في لحظاتٍ تاليةٍ لاَ يُمكِنني أَنْ
أَراهُ في أَيِّ مكانٍ.

611
بينما بائعُ الفشارِ
يغلقُ عربتَهُ،
يبدأُ الثَّلجُ بالسُّقوطِ.

613
بينما تُنتَفُ الإِوزَّةُ،
حلَّقتْ ريشةٌ بعنفٍ
للبحثِ عن رُقاقاتِ الثَّلجِ.

616
كرةُ الثَّلجِ الَّتي رَميتُها
وقعتْ في شبكةِ رقائقَ
وانطلقتْ بعيدًا.

618
عاليًا فوقَ السَّفينةِ
الَّتي يُبحرُ علَيْها المُهاجرونَ،

إِوزٌّ يَفترِقُ.

625
بقرةُ الغُرابِ:
على حقلِ الصَّيفِ البعيدِ
يذهبُ قطارٌ صامتٌ.

635
شاطئٌ فارغٌ:
يأْخذُ صيفًا طويلاً معهُ،
قطارٌ مغادرٌ.

638
في نَومِي في اللَّيلِ،
أَظلُّ أَطرقُ طرق أسِندانًا
استمعتُ إِليهِ خلالَ النَّهارِ.

647
تحرقُ وقتَها،
وتُوقِّتُ احتراقَها،
شمعةٌ وحيدةٌ.

658
الجبالُ العاريةُ،
تغسلُ أَنفسَها بمطرِ الرَّبيعِ
بينما حقولٌ خضراءُ تراقبُ.

667
ذلكَ الدُّوريُّ انحَنى فجرًا،
رأسهُ مَدسوسٌ تحتَ جناحَيْهِ-،
خياطةُ زرٍّ؟

669
ورقةٌ تطاردُ ريحًا
عبرَ نَهرِ الخريفِ
وتَهزُّ شجرةَ صَنوبرٍ.

673
سيلُ مطرِ الرَّبيعِ
يبحثُ في الأَعشابِ الجافَّةِ
يجدُ دميةً مفقودةً.

686
دوريٌّ مندفعٌ
يباغتُ فزَّاعةً جِلديةً
عائدًا إِلى التَّيقُّظِ.

704
الأَكمامُ الكبيرةُ للفزَّاعةِ
إِعلانٌ في الشَّمسِ:
طماطمٌ حمراءُ ضخمةٌ!

711
باحتفاليَّةٍ
طيورُ العَقْعَقِ تُشرِّحُ
جثَّةَ هرَّةٍ.

713
ظلٌّ يزحفُ
على شجرةِ بلُّوطٍ عملاقةٍ
يقفزُ من فوقِ الجدارِ.

721
بينما ينحسرُ غضبِي،
نجومُ الرَّبيعِ تنمُو ساطعةً مرَّةً أُخرى
وتعودُ الرِّيحُ.

730
منْ شجرةِ الكرزِ
إِلى سطحِ الحظيرةِ الأَحمرِ،
حلَّقتْ سحابةٌ منْ عصافيرِ الدُّوريِّ.

737
في شَمسِ الصَّيفِ،
قُربَ زُجاجةِ ويسكي فارغةٍ،
شيطانٌ نائمٌ.

738
في الشَّمسِ الحارقةِ،
لسانُ حيَّةٍ سامَّةٍ تَدفعُ
عَقبَ سيجارةٍ.

762
مطرُ الخريفِ المُتكاسلِ:
يَصفُّ الصَّبيُّ جنودَ لعبةٍ
من أَجلِ معركةٍ كبيرةٍ.

766
واقفًا في الثَّلجِ،
حصانٌ يُحوِّلُ فخذَهُ الثَّقيلةَ
ببُطءٍ إِلى اليمينِ.

774
على ساقِ سِروالي
لا يزالُ قليلٌ منْ خيوطِ الوبرِ
منذُ أَمدِ موتِ هرَّتي.

776
سماءُ الخريفِ فارغةٌ:
خيامُ السِّيركِ السَّاطعةُ ذهبتْ،
آخذةً موسيقاهُم.

782
مِن ظلامِ الصَّنوبرِ الَّذي لاَ يزالُ،
لاَ نسمةَ منْ رياحِ الخريفِ
لتُموِّجَ البُحيرةَ.

783
لاَ أَستطيعُ العثورَ علَيْها،
زهرةُ البنفسجِ الحقيقيَّةُ الأُولى تلكَ
تُرى منْ نافذتِي.

787
مساءُ الخريفِ هذا
مليءٌ بسماءٍ فارغةٍ
وطريقٍ واحدةٍ فارغةٍ.

788
حولَ جذعِ الشَّجرةِ،
كفُّ هُريرةٍ تَضربُ بسرعةٍ
فأْرًا غائبًا.

795
يُقرَعُ جرسُ الكنيسةِ:
جُرذٌ ينتصبُ على قائمتَيْهِ في ضَوءِ القَمرِ
ويُحدِّقُ في البُرجِ.

809
لماذا غابةُ الرَّبيعِ هذهِ
نَمتْ بصمتٍ شديدٍ عندما أَقبَلْتُ؟
ماذا كانَ يَحدثُ؟

(من- هايكو: هذا العالمُ الآخرُ)

 

شاعر أمريكي من أصل أفريقي (1908-1960).