رجلٌ في الثلاثين
يتأمَّلُ أحلامَهُ واحداً واحداً كأصابعهِ...
وبهجسِ الغريبِ يحدِّثُ آخرَهُ
ثمَّ يحفنُ في شغفٍ طائشٍ باليدينِ وبالمقلتينِ
الذي يتقطَّرُ من ضحكاتِ الصبايا ومن أوجهِ السابلةْ
رجلٌ في الثلاثينَ يغرقُ في ذاتهِ
ها هنا في الصباحِ الربيعيِّ في صخَبِ الحافلةْ.
ليسَ لي
ليسَ لي أن أمشِّطَ أمواجَ عينيكِ
بالنظرةِ المستريبةِ والقبلةِ الغائبةْ
ليسَ لي أن أطوِّقَ مرجانَ خصركِ
في الشارعِ العامِ باللهفةِ الصاخبةْ
قلقي كائنٌ ليسَ يوصفُ
قنديلُ شمعٍ فمي
ودمي لا تروِّضهُ نسوةُ الكونِ....
مثلُ الحصانِ العنيدِ تعذِّبهُ المهرةُ السائبةْ
ليسَ لي من حلولِ الحمامِ بفتنةِ جسمكِ
أو في عروقِ الخزامِ...
سوى البسمةِ الكاذبة.
ندَمٌ أعمى
ندَمٌ أعمى هو الشعرُ
بكاءٌ دائمُ الرؤيا
ونبعٌ من فراشاتٍ ومن نارٍ تواسيني وتكويني
رذاذٌ قاحلٌ ينهلُّ كالطفولةِ البيضاءِ من ضحكةِ مزمارٍ...
ثغاءُ الرغبةِ المبحوحُ
بستانُ خرافاتٍ
هلالٌ ناحلٌ أو قاتلٌ كالخنجرِ العاشقِ في خاصرةِ الكونِ
سماءٌ من قرابينَ
حليبٌ زاجلٌ في أخمصِ القلبِ
وماءٌ ذابلٌ في بسمةِ العينينِ
أشياءٌ تجرُّ الروحَ كالخيولِ في المجرَّةِ الخضراءْ.
تكوين
من عالمِ الشعرِ تنهلاَّنِ عيناها
من عالمِ السِحرِ... من أوجاعِ معناها
طُردتُ من جنَّةِ الفردوسِ يا امرأةً
أمشي إلى سقَرِ الدنيا وإيَّاها
ولا أثوبُ ولا ألوي لأشيائي
وفتَّحتْ في يديها وردَ أهوائي
يعبُّ قطرَ دمي في يقظةِ السحَرِ
يربُّهُ.. فعليهِ شبهُ لألاءِ
ورعشةُ القلبِ في الأغصانِ والزهَرِ
تمشي تضعضعُ أحلامي وترضعُها
ودربُ عينيَّ مشبوبٌ بأضواءِ
العمرُ خلفي هواءٌ لا يُعدُّ ولا
يطفو ويرسبُ في ميزانِ إغوائي
وليسَ يبرقُ في عينيَّ مخملُها
ذاكَ الذي نجمهُ في مهجتي تاها
وكانَ صخرةَ معراجي وإسرائي
من عالمِ الشِعرِ تنهلاَّنِ عيناها
من السديمِ ومن غيمِ النعيمِ ومن
رؤى الجحيمِ ومن أبوابِ أعضائي
ومن ظلالِ الأفاعي السودِ في زمنٍ
رمادُهُ نابضٌ في ألفِ عنقاءِ
وحلمُهُ خافقٌ في ألفِ عذراءِ
لكنَّنا آهِ محرومونَ منكِ ولم
نُسقَ السعادةَ والأوهامَ أمواها
معذَّبونَ نجرُّ الروحَ في دعةٍ
محطَّمونَ على فردوسنا الخالي
وفي خرابنا العالي.. نجرُّ سدى
قلوبنا في حروبِ النارِ والماءِ
إنَّ الحياةَ التي عبَّتْ شراييني
ماءٌ ترقرقَ في نفسي فأظماها
من قبلِ تكوينكِ الأسمى وتكويني
وفاتني الوِردُ من عينيكِ والصدَرُ.
أُنوثة
أبحثُ في سريَّةٍ موغلةٍ في الحزنِ
مثلَ الناسكِ الممسوسِ بالحكمةِ والصمتِ
فلا أعثرُ في قلبي على حقيقةٍ ملساءِ
كالدُرَّةِ أو كالخزَفِ الرخيصِ
لكنِّي أرى أنوثةَ الأشياءِ في مخدعها
واضحةً جليَّةً حمراءَ مثلَ زنبقِ الهواءْ
ورغمَ ما في الكونِ من ذكورةٍ
لستُ أرى سوى نساءِ الماءْ
في سوريا
في الشمالِ المدجَّجِ بالنارِ والغضبِ المشتعلْ
ليسَ في مصرَ أو تونسَ الكبرياءْ
في الشمالِ المدجَّجِ أعني سوريا.. شمالِ الدماءْ
يسحلونَ الصغارْ
يسحلونَ ملائكةً نائمينْ
وأسمعُ تكسيرَ أضلاعهم تحتَ دبَّابةِ الظالمينْ
في الشمالِ المفخَّخِ بالانتصارِ... ونارِ القُبلْ
الدماءُ تدقُّ النوافذَ دقَّاً عنيفاً
تدقُّ الهواءَ تدقُّ العيونَ تدقُّ السماءَ
وتغتصبُ الفرَحَ المكتملْ
في الشمالِ العصيِّ على ما يخطُّ الرصاصُ
على أضلعِ الحالمينْ
والسياطُ على أوجهِ الناسِ...
ثلَّةُ شرٍّ من الخائنينْ
يقتلونَ الحياةَ بأوجِ الربيعِ وكاملِ فتنتها في الصغارْ
لا مغولٌ همو أو تتارْ
فلماذا إذنْ يزرعونَ الرصاصَ ويغتصبونَ الأمَلْ؟
الدماءُ تدقُّ النوافذَ أو شاشةَ التلفزيونِ
عبرَ قناةِ الجزيرةِ
تلكَ التي لا تُراعي الأحاسيسَ لحظةَ تصويرها للجحيمِ...
اختنقتُ بدمعي... احترقتُ بعاري
وفي الشامِ شبِّيحةٌ وزبانيةٌ غامضونْ
يحرقونَ الرجالَ على مسمعِ الكاميراتِ
ومرأى جميعِ الدُوَلْ
وشبِّيحةٌ يذبحونَ النساءَ كما يذبحونَ فراخَ الحجَلْ
وشبِّيحةٌ يطحنونَ عظامَ الضحايا التي نبتتْ في الشوارعِ
مثلَ سيوفِ القُرنفلِ...
شبِّيحةٌ دمُهم أسودُ اللونِ مثلُ العناكبِ
والعالمُ الحرُّ ينظرُ مثلَ الذي يتفرَّجُ في ساحةِ السينما
على فيلمِ رعبٍ قديمٍ قديمْ
بكلِّ حياديَّةٍ.. وبغيرِ فضولٍ وغيرِ خجلْ
وداعاً وداعاً لأرضِ الأملْ.
مفخَّخةٌ بالحجارةِ والوَرد
إلى فرجينيا وولف
(1)
أراكِ تحملينَ خلفَ خرَزِ الظهرِ هلالاً من فراشاتٍ
وباقاتٍ من الأزهارِ والخبزِ.. وتذهبينَ كالعروسِ
نحوَ النهرِ والبياضِ
يا شفَّافةَ الخطى كتقبيلِ الطيورِ بعضها لبعضها
هناكَ كنتِ تلمعينَ تحتَ سرِّ الماءِ كالزمرُّدِ المهتاجِ
في ظُفرِ ذئابِ الموتِ أو في قلبِ ماءِ الليلِ..
هل أكملتِ في الصباحِ شربَ الشايِ؟
أو كتابةَ الوصيَّةَ السريَّةَ
القصيدةَ / العنقاءَ؟
هل أعددتِ كوكباً صغيراً سابحاً هناكَ في مجرَّةٍ عمياءَ
لاستقبالكِ المنظورِ والمكسورِ مثلَ شهوةِ النارنجِ والرخامِ؟
هل أحرقتِ في مدفأةِ الصقيعِ أضلاعَكِ؟
هل غزَلتِ من دفءِ شرايينكِ معطفاً يُذيبُ الثلجَ
وانتعَلتِ جمرَ الحبِّ في متاهةِ القطبِ ؟
وهل روَّضتِ أحلامكِ في نهايةِ المنامِ
أو غفرتِ للحياةِ
أو كتبتِ ذنبَها على المياهْ؟
(2)
يصرخُ الماءُ فرجينيا ما الذي تفعلين
في الصباحِ المشَبَّعِ حتى أصابعِ أقدامهِ بعبيرِ النعاسْ؟
كانَ عشبٌ حبيبٌ يُتوِّجُ حلمَكِ أو كاحليكِ
وأنتِ مفخَّخةٌ بالحجارةِ والوردِ مثلَ الهلالِ المقدَّسِ
منذورةٌ لضحى المستحيلْ
قيلَ ما قيلَ عنكِ بأنَّكِ كنتِ تمدَّينَ روحكِ
فوقَ الضبابِ الكثيفِ كحبلٍ من القلَقِ المعدنيِّ
وتحضنكِ الهاويةْ
(3)
يصرخُ الماءُ فرجينيا والسماءُ خلاسيَّةُ الجلدِ
والماءُ مشتعلٌ بتلابيبِ قلبكِ حتى الجنونْ
آهِ فرجينيا ما الذي تفعلين؟
صرختي في الليالي غبارٌ مضيءٌ على شجَرٍ واضحٍ
ودمي آخرَ النهرِ يُقعي كذئبٍ قتيلٍ
وأحلامُ جسمي وحولْ
تعرِّي كحوريَّةٍ من ذنوبِ الكتابةِ والندمِ المشتهى
ودعي الماءَ يجري إلى المنتهى
ثُمَّ غوصي إلى قاعِ عقلكِ وانتظري سمَكاً طيِّباً
في الظهيرةِ يأتي لكيْ يصطفي شمسَ عينيكِ
كالدُرَّةِ الذاويةْ
(4)
يصرخُ الماءُ بي في المنامِ
وفي يقظةِ الدمِ عندَ حدودِ الكلامِ
فيهرعُ قلبي بأوتارهِ كرياحِ السنونو
يُبلِّلها مطرُ القافيةْ
(5)
الهواءُ النظيفُ يعذِّبُ روحَكِ بالذكرياتِ
ويستنبتُ العشبُ دمعَ أصابعكِ المخمليَّةِ
فوقَ الطريقِ المؤدِّي إلى موتكِ العبثيِّ كفخِّ الطيورِ..
سماؤكِ عيناكِ
أرضُ الخطيئةِ تنبتُ مثلَ السنابلِ فوقَ خطاكِ
ويبزغُ نجمٌ وحيدٌ لبسمتكِ الصافيةْ
على صفحةِ الماءِ
أيتها المرأةُ / اللغزُ
أيتها القبلةُ الحافيةْ
(6)
تتنفَّسينَ هواءَكِ المنقوعَ مثلَ سفرجلِ الإسفنجِ
بالأوهامِ والرؤيا
فتأخذكِ الإشارةُ نحوَ حبٍّ ما.. وتخذلكِ العبارةُ
في الكتابةِ عن شتاءٍ مرَّ مثلَ البرقِ في عينيكِ
ثُمَّ طفا على أطرافِ روحكِ
مثلَ جسمكِ في البحيرةِ...
أينَ تأخذكِ الكتابةُ من دخانِ اليأسِ
وهيَ حقيقةٌ بيضاءُ نورانيَّةُ المعنى؟
وأينَ وراءَ هذا الليلِ يحملكِ الضبابُ
أو الجنونُ أو الحنينُ إلى سماءِ اللهِ؟
كيفَ تضمِّدينَ بقبلةٍ عمياءَ روحَكِ في الصباحِ؟
بنجمةٍ مشقوقةٍ كالأقحوانةِ فوقَ خصركِ
تَنهضينَ من الرمادِ وتُكملينَ روايةَ الأمواجِ...
ما أبهاكِ نائمةً
كأنَّكِ في المياهِ فراشةٌ بيضاءُ يصرعُها النعاسُ..
تأمَّلي فرجينيا ما حلَّ بالقَمرِ المريضِ
وبالرخامِ القُرمزيِّ حيالَ صمتكِ
كيفَ في الريفِ البعيدِ تفتَّحتْ أزهارُ موتكِ..
يصرخُ الماءُ الوحيدُ الآنَ
لا تُلقي بنفسكِ في سراجِ حقيقةٍ بيضاءَ
لا تُلقي بنفسكِ في السرابْ
(7)
تمشينَ هادئةً على جمرِ الصقيعِ
تمسِّدينَ هناكَ أطفالاً هلاميِّينَ.. هادئةً
وتحتشدينَ بالنورِ الخفيفِ
وتهبطينَ إلى فضاءٍ غائمٍ بالزرقةِ الخضراءِ
تنحلِّينَ في النهرِ العظيمِ كذَّرةٍ من فضَّةٍ
وتواصلينَ الحلمَ هادئةً...
وهادئةً كحبَّةِ حنطةٍ بخميرةِ الأشواقِ تندلعينَ
آهِ كأنَّ روحَكِ لم تزَلْ فينا..
كأنَّكِ لم تذوبي في خضَّمِ اللهِ..
ضلعُكِ مهدُ آلامِ النساءِ
المثقلاتِ بحبرهنَّ وعطرهنَّ وصخرهنَّ إلى القيامةْ
(8)
تمشينَ هادئةً وحالمةً بحبٍّ ما
فتخذلكِ العبارةُ في الكتابةِ عن شتاءٍ مرَّ
مثلَ البرقِ في عينيكِ
ثُمَّ طفا على أطرافِ روحكِ
مثلَ جسمكِ في البحيرةِ...
ها هنا تتوزَّعينَ إلى نساءٍ أخرياتٍ واثقاتٍ
بالجمالِ وبالحياةِ وبالصدودِ
تأمَّلي فرجينيا ما حَلَّ بالقَمرِ المريضِ
وكيفَ في الموتِ البليغِ تفتَّحتْ أزهارُ صمتكِ
كيفَ تنسلِّينَ من طُهرِ الرمادِ الآنَ
ساحرةً كعنقاءٍ وعابقةً برائحةِ الطيورِ أو البحارِ..؟
الآنَ تكتملُ الأنوثةُ فيكِ
حتى لا نرى امرأةً تعذِّبها المحبَّةُ في ثيابكِ...
بلْ حمامةْ.
كانون ثاني 2011
للدماءِ رائحةُ الياسمين
(قصيدة إلى محمد البوعزيزي)
محمد البوعزيزي مُشعلُ الثورة التونسيَّة. ومفجِّرُ تسونامي الغضب الذي ما زالَ يزحفُ نحوَ الطغاةِ بقوَّةٍ هائلة. قامَ بحرقِ نفسهِ احتجاجاً على صفعِ شرطيَّةٍ تونسيَّةٍ له أمامَ المارَّة ومصادرةِ عربتهِ الخاصَّة التي كانَ يبيعُ عليها الخضار.
ويلاحظُ القارئُ كيفَ ممدتُ خيطاً رفيعاً بينَ الشرطيَّةِ التي صفعت بوعزيزي وبينَ ليلى بن علي سيِّدةِ تونس المخلوعة.
(1)
أخي بوعزيزي
عندما تنـزلُ المطرقةْ
على رأسِ شعبي وشعبكَ في الساحةِ الضيِّقةْ
قُل لليلى التي صفعتْ يدُها الأفعوانيةُ الدمِ وجهَكَ أو روحَكَ المشرقةْ
اصفعي كيفَ شئتِ فأنتِ وكلُّ الجمالِ الخبيثِ ومالِ الحرامِ إلى المحرقةْ
(2)
أخي في الكفاحْ
طالعاً مثلَ قنديلِ خبزٍ من القمقمِ المتصدِّعِ ملءَ الصباحْ
من دخانِ مراراتِ أيامنا
من خساراتِ أحلامنا
ورمادِ رؤانا وآلامنا
طالعاً من دمِ الطاغيةْ
عارياً.. لابساً روحكَ الحافيةْ
حاضناً جمرةَ الهاويةْ
طازجاً مثلَ قنبلةِ الغازِ في حرمِ الجامعةْ
أخي في الدماءِ وفي القهرِ والفقرِ والغضبِ الحرِّ والنارِ والثورةِ الرائعةْ
قل لليلى التي قتلتكَ التي نهبتكَ التي صفعت يدُها الأفعوانيةُ الدمِ
وجهَكَ أو شمسَ فضَّتكَ المحرقةْ
اقتلي كيفَ شئتِ
انهبي كيفَ شئتِ
اصفعي كيفَ شئتِ
فأنتِ وكلُّ الجمالِ الخبيثِ إلى المشنقةْ
(3)
قُل لليلى وقُل لظلامِ نهارِ الطغاةِ الرهيبِ
وظلمِ الطغاةِ الذي لا يغيبُ هنا أو هناكَ عن الشعبِ
(لا بُدَّ أن يستجيبَ القدَرْ)
لحريَّةِ البشَرِ الطيِّبينَ أو البشَرِ الحالمينْ
بجرعةِ ماءٍ وكسرةِ خبزٍ وضحكِ حياةٍ وهمسِ قمَرْ
( ولا بُدَّ لليلِ أن ينجلي ولا بُدَّ للقيدِ أن ينكسرْ)
أخي في الظلامِ وفي الظلمِ والحلمِ والعدَمِ المنتصرْ
أخي في ربيعِ الحياةِ وخصبِ الدمِ المنتظَرْ
(4)
أخي إنَّ ليلَ الخفافيشِ يخنقُ سوسنةَ الروحِ أو فُلَّ قرطاجَ
يخنقُ بوحَ السنونو الذي يسكنُ الأوردةْ
فتنهارُ فوقي حدائقُ عينيكِ أيتُّها المرأةُ الواحدةْ
وتنهارُ فوقَ خطاياكِ أضلاعيَ / الأعمدةْ
الخفافيشُ تطلعُ من فجوةِ النومِ لي
والأفاعي تُسمِّمُ ماءَ الحنينِ إلى فمِ عاشقةٍ مُجهدةْ
آهِ أيتُّها المرأةُ الواحدةْ
(5)
للدماءِ وللغازِ رائحةُ الياسمينِ الصباحيِّ
ذاكَ المشبَّعِ بالماءِ ملءَ أكفِّ النساءِ على شرفاتِ الندى
قالها ثائرٌ لأخيهِ..
أبٌ لابنهِ
شاعرٌ في خضَّمِ الشموسِ
فتى لجمالِ العروسِ
وأُمٌّ لطفلتها في السريرِ
فتاةٌ تُزيِّنُ آلامها بزُمرُّدةٍ.. وتعلِّقُ أحلامها فوقَ حبلِ الخريفِ
ملاكٌ يعُدُّ العشاءَ الأخيرَ..
هنا للهواءِ وللماءِ للكبرياءِ الأنوثيِّ رائحةُ الياسمينْ
(6)
أخي بوعزيزي
عندما تنـزلُ المطرقةْ
على أُمِّ رأسي ورأسكَ في الساحةِ الضيَّقةْ
قُل لليلى التي اغتصبَتْ ياسمينَ الحياةِ المرصَّعَ بالدمِ في مقلتيكَ
وفُلَّ الصباحِ الأنيقَ على راحتينِ من الجمرِ
لن تهربي من دمي
فأمامَ ذنوبكِ ضيِّقةٌ هذهِ الأرضُ ضيِّقةٌ ضيِّقةْ
والسماواتُ مُغلقةٌ مُغلقةْ.
مقدودةٌ من بكاءٍ خفيٍّ
خُلاسيَّةٌ مثلُ وردةِ آسٍ
رُخاميَّةٌ مثلُ بابِ السماءِ
حليبيَّةٌ كالغيومِ الصغيرةِ أو كالطفولةِ
ناصعةٌ كدماءِ القصيدةِ
واثقةٌ من أُنوثتها
من دموعي التي غَسلَتها
كما يغسلُ البحرُ شمسَ الخريفِ
رصاصيَّةُ الضَحِكِ المشتهى
وبدائيَّةُ الحبِّ والمنتهى
حينَ تلمَسُ كفَّ الترابِ
وتمسحُ صلصالَ قلبي
بلا رهبةٍ أو صقيعٍ يحفُّ خطى مائها
يركضُ النهرُ في دمها
يركضُ الشبَقُ الحرُّ
والندَمُ المرُّ
في لُجَّةِ البرقِ من رُكبتَيْ قَمرٍ أُنثويٍّ
وفي خرَزِ الظَهْرِ والشِعرِ منِّي
مُسيَّجةٌ بشظايا يقيني وظنِّي
خُلاسيَّةٌ مثلُ نهرِ البكاءِ الذي ضاعَ في جسدي
حينَ خلَّفتُ أندلسَ الروحِ في الليلِ وحدي
تذوبُ ابتسامتُها في يدي كابتسامةِ لوركا
التي يبسَتْ في مهبِّ النجومِ
على قلبِ زيتونةٍ تُتقنُ العربيَّةَ والحزنَ
منذُ ملوكِ الطوائفِ...
مائيَّةٌ في هبوبِ طيورِ الرمالِ على شفتيَّ
وموشومةٌ بالفراشاتِ في أسفلِ الظَهْرِ
تبكي بغيرِ دموعٍ
كأنَّ الدموعَ التي تتوالدُ في مقلتيها هوائيَّةٌ
كالغيومِ الفقيرةِ
أو أنَّها لا تُفسَّرُ إلاَّ بعطرِ العذابِ المقدَّسِ...
ناريَّةٌ تحملُ الشمسَ في قلبها مثلَ حبَّةِ قمحٍ
ولكنها لا تهادنُ ماءَ الرخامِ الطريِّ
الذي حَبسَتهُ الأُنوثةُ في قلبها
لا تهادنُ ما ظلَّ من ذئبها
في دمي المتنصِّلِ من دمِها
وهو يـبزغُ من سمَكٍ هائجٍ
يتقافزُ مثلَ الطيورِ الصغيرةِ في ثوبها
هيَ من ذهَبٍ وادعٍ
من رياحٍ طقوسيَّةٍ
من نهاراتِ أورَ ومن نينَوَى
من سماءِ الحنينِ إلى اللا مكانِ وعطرِ بخارى
وأمطار دلفي ورائحةِ العنفوانِ
وأمجادِ روما وممفيسَ
مقدودةٌ من بكاءٍ خفيٍّ
على ألفِ أندلسٍ ضائعةْ
هيَ ما يتساقطُ من لهفتي
في الطريقِ إلى جنَّةِ البيتِ
أيقونةٌ فوقَ صدرِ الفضاءِ
هواءٌ مُضاءٌ بأوجاعهِ
قمرٌ ليِّنٌ
شرفةُ الإثمِ
مقصلةُ الأقحوانِ
إنتباهُ القصيدةِ من حُلمِها وفظاظةِ كابوسِها
لغةٌ من حريرٍ ومن فضَّةٍ كحليبِ العنَبْ
شهوةٌ من بياضِ الذهَبْ
جسَدٌ ناصعٌ كالأهلَّةِ لكنَّهُ من رُطَبْ.
تمَّوز 2011