والكفر درجات وأشدها على الاطلاق ـ في رأي ـ هو الكفر بالإنسانية والكفر بآدمية البشر، وهي أقصى وأقسى درجاته، فالذين أدمنوا اللغي في دماء الأبرياء بتأويلات فاسدة هم سائرون نحو الهدف (الدامي) سائرون بلا تردد مهما كلفهم ذلك من ثمن حتى لو كان الثمن خصماً من مستقبل شعوبهم وسمعتها، فاللذين كرسوا أموالاً وبشراً لإبادة بشر ونزع اللقب السامي منهم تحت مسميات مضلله هم قتلة مأجورين، قتلة يقتلون بشراً بغير قصاص ويقتلون بشراً منحهم الخالق نفخة من روحه ومنحهم الخالق هذه الهبة الألهية ـ هبة الحياه ـ وليس من حق إنسان مهما كان قدره أن يدعى بأن لديه تفويض بإنتزاعها منهم، هؤلاء مجرمون بكل المقاييس وستلاحقهم العدالة الإنسانية وستلاحقهم العدالة الالهية إن عاجلاً أو آجلاً، فالخالق بعلمه المسبق يعرف طريق كل إنسان في الحياه من مولده حتى مماته إن كان له عابداً أو كان له منكراً فقط أرسل مرسليه لمحاولة هدايتهم ولم يكلف أياً منهم بعقابهم أو إهانتهم أو إبادتهم، فقط أمرهم بالدعوة إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة وليس بالقتل والترويع.
وعدا الكفر بآدمية الإنسان هناك الكفر بحريته حيث يتم التعتيم بسوء نية مبيت عن المبدأ الشامخ في كل الكتب المنزلة ـ وغير المنزلة ـ المبدأ الازلي الراسخ، مبدأ الحرية: من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، المبدأ الذي بموجبه سيحاسب كل إنسان عن فعله لأنه اختار مصيره وهو بكامل إرادته، وهو جلّ جلاله وبعظم رحمته لا يفتئ يشرق شمسه على الجميع مريديه ومنكريه. وعدا الكفر بآدمية الانسان وحريته هناك الكفر بالتنوع والاختلاف، فالمشككون في القصد السامي الذي من أجله أبدع الخالق القدير هذا التنوع الإعجازي هم معتدون، معتدون على الذات الالهية في المقام الاول، فالخالق الذي رتب ونظم ويدير هذا الكون كله لم يخلق عبثاً خلية واحدة من نبات أو حيوان، ولم يخلق عبثاً ذرة واحدة من سائل أو صلب أو بخار، ولم يسمح عبثاً بوجود حرف واحد من فكر أو معتقد أو ثقافة أو حتى نغمة تخرج من وتر، نعم لم يكن عبثاً إبداع هذه اللوحة المتناغمة من المخلوقات والمعتقدات والأفكار والثقافات والحضارات والأجناس بل هي مشيئة إلهية، مشيئة الإختلاف والتنوع المثري، المثري للتفاعل الإنساني الخلاق بين كل البشر بهدف إعمار هذا الكوكب، البشر الذين هم في الأصل أخوة تظللهم الرابطة الازلية السابقة على كل الروابط وهي الرابطة الإنسانية.
وبالإضافة للكفر بالإنسانية والكفر بالحرية والكفر بالتنوع والاختلاف يضاف نوعاً آخر من أنواع الكفر وهو الكفر بالإبداع أي الكفر بنتاج العقل البشري أي محو آثار المزية الإلهية التي وهبها الله للبشر لتكون الفارق الرئيس بينهم وبين بقية المخلوقات وهي العقل، ومن ثم مواصلة تراث ملاحقة هؤلاء أصحاب البدع (المضلين) بدءا من جاليليليو وابن رشد وحتى طه حسين ونجيب محفوظ وفرج فوده مروراً بمحمد عبده وأبناء عبد الرازق والسنهوري والطهطاوي، وكل من حاول إعمال العقل بغرض إنتشال هذه البقعة المنكوبة من مستنقع التخلف والبداوة، وبالتوازي مع الكفر بآدمية الانسان وحريته يجري تمجيد ثقافة الجهل والعبودية وتسويقها بمقولات تراث غيبي وهي الثقافة اللآزمة لإستمرار نظم الاستبداد والعبودية في السيطرة على مقدرات وثروات وعقول البشر.
تلك مقدمة نهديها لأصحاب فكر عقيم متصلب مفلس لم يعد لديهم وسيلة للحوار والتفاهم إلا تلك القادمة من عصور سحيقة عصور المحارق التي ولت وتجاوزتها البشرية من قرون طويلة، تلك مقدمة نهديها لأصحاب خطوط الامداد والتموين، الإمداد بالبشر والتموين بالوقود، الإمداد بالنصوص والتموين بالتحريض على مدار الساعة، الإمداد بشخوص ابتعثوها من قبور والتموين بكتب صفراء ومنشورات كراهية هي وقود المحارق، محارق التكفير التي سيزج في أفرانها كل المخالفين في الدين والمذهب والعرق واللون والجنس والثقافة والفكر وحتى في نوع الملبس والطعام، إنها محرقة بكل المقاييس محرقة للمبادئ السامية والمنادين بها، محرقة للهرطوقيين متبنيها والداعين إليها والمؤمنين بها، محرقة نيران أفرانها أشد ضراوة من أفران هتلر التي أحرقت الاجساد وإبادت البشر أما محرقة التكفير التي تفتح أبواب أفرانها الآن على مصراعيها لتبتلع الجميع فهي أشد ضراوة فقد تم اسنخدام جميع انواع أسلحة الابادة ذبح وحرق وتفجير وخطف وتعذيب وكل الاساليب التي تم تحريم استخدامها حتى مع الحيوانات ناهيك عن أساليب الابادة الثقافية وهي الاشد وطأة، وبينما ننقر حروف كلمات هذا الطرح تنفجر شلالات دماء في كل أرجاء الكوكب على نفس الخلفية خلفية الكفر بآدمية الانسان والكفر بالآخر وإنكار حقه في الاختلاف، ففي العراق والصومال وأفغانستان وباكستان وغيرها وغيرها أصبح القتل شعيرة يومية أدمنها الناس وأدمنوا معها مشاهد بقع الدماء المتجلطة على أسفلت الشوارع والاعضاء المتناثرة على أرصفته وأصبحت أخباره كأخبار حالة الطقس أو كقهوة الصباح
مجمل القول أنه كفر بالحياه، فحياه بلا حرية ولاثقافة ولا سلام هي موات (إكلينيكي) تعيشه هذه الشعوب المقهورة، فقط هي تأكل وتفرز مخلفات وتعيش عالة على بقية الكوكب، فلا إنتاج غلة ولا إنتاج آلة ولا إنتاج فكر فقط ملوثات للماء والهواء، وعندما تهم هذه الشعوب من سباتها وتنتفض لتلحق بموكب الحضارة والمدنية يهب أعداء الحياه على قلب رجل واحد ليئدوا أي بادرة للنهوض من هذا المستنقع الازلي، يئدوا الثورة حتى يظل الناس غارقون في القات والخشخاش، يلوكون سيرة زواج الجن بالانسية والقبور والعذاب ورجسة الخراب والفريضة المنسية، يهب أعداء الحياه لفتح أبواب المحرقة لكل هرطوقي تسول له نفسه أن يدعو بالسلام والمحبه والحرية والعدل والمساواه بين البشر والخروج من هذا الأسن، يهب أعداء الحياه لفتح أبواب المحرقة لكل هرطوقي يعن له أن يرفع رأسه ويخرج على الحاكم ويهتف بسقوطه فتلك ضلالة وكل ضلالة في النار هي وصاحبها.
وقد مر عام على ثورة الشباب في مصر وقد استطاعوا تحريك مياه آسنه من عقود طويلة، اقتلعوا نظام فاسد متجذر ولكنهم تركوا أذنابه يركبون على أكتاف ثورتهم ويسرقونها في وضح النهار، سرقوها وجنوا أرباحها وبدأوا في فتح أبواب المحرقة لكل من شارك في هذه الثورة النقية سحلوهم ودهسوهم وأهانوهم وفقأوا عيونهم وانتهكوا حرمات أجسادهم ولوثوا سمعتهم واتهموهم بالعمالة ليتم في النهاية استنساخ نظام أشد استبدادا وظلما وفسادا من نظام بائد.