بدعم من وزارة الثقافة الإسبانية، صدر للشاعر الإسباني خوسي رامون ريبول ديوان "اليوم ضباب" قام بترجمته الشاعر والمترجم المغربي خالد الريسوني. الديوان صدر عن مطبعة ليتوغراف بطنجة ويضم أهم الدواوين الشعرية التي أصدرها الشاعر الإسباني خوسي رامون ريبول وهي "دخان البواخر"، "المقاطع الخفية"، و"ضباب وتخوم". وتقع هذه المجموعة الشعرية المختارة في 230 صفحة، تحتوي على تصدير مهم يقدم دواعي اختيار المترجم خالد الريسوني لهذه التجربة الإبداعية الإسبانية، الى جانب تحديد سمات وملامح عامة لتجربته الشعرية.
خالد الريسوني، الشاعر والمترجم المغربي، معروف أنه شارك بفعالية في العديد من الندوات والمهرجانات والتظاهرات الثقافية في المغرب وإسبانيا على الخصوص، حيث اكتسب مراسا لافتا مكنه من الاقتراب أكثر من المشهد الأدبي في اسبانيا ومن معرفة عميقة بالتجربة الشعرية الاسبانية على الخصوص. وقد سبق للشاعر خالد الريسوني أن توج بجائزة رفائيل ألبرتي للشعر سنة 2003 والتي تمنحها مستشارية التربية والثقافة والعلوم للسفارة الإسبانية بالمغرب. كما ترجم نصوص عدد كبير من الشعراء الإسبان وشعراء من أمريكا اللاتينية الى اللغة العربية، واشترك مع الشاعر ترينو كروث في ترجمة عدد من الشعراء المغاربة والعرب الى اللغة الاسبانية.
الشاعر خوسيه رامون ريبول {ولد بقادش الإسبانية 1952} زاوج منذ مراحل شبابه الأولى بين اهتمامه بالموسيقى من جهة، والأدب من جهة أخرى. كاتب وصحفي بالإذاعة الوطنية الإسبانية، حاصل على شهادة الماستر في الفن من جامعة نيويورك في تخصص الموسيقى والأدب المقارن، يشغل مهمة المدير المسؤول لمجلة ريبيستا أطلانتيكا منذ تأسيسها سنة 1991 وهي المجلة التي أخذت على عاتقها مهمة نشر الشعر الإيبيري أمريكي والعالمي. نشر العديد من المجموعات الشعرية أهمها: "المساء في شعائره"/1978، "مصارعة الثيران"/1980، "مواعظ الهمجية"/1981، "دخان المراكب"/1984، "ضباب الهمجية"/1981، "دخان المراكب"/1984، "المقاطع الخفية"/1991، "ضباب وتخوم"/2000.. وقد توج ريبول بالعديد من الجوائز نذكر هنا، جائزة خوان كارلوس الأول في دورتها الأولى 1983، جائزة غرنيكا 1979، جائزة تيفلوس 1999..
في إحدى خاصيات شعرية خوسي رامون ريبول، يتحدث المترجم خالد الريسوني في تصديره لترجمة المختارات عن بلاغة الغموض كإحدى الخاصيات المميزة لتجربة ريبول الشعرية أو ما يسمه النقاد بالغموض التعبيري، وتكرر كلمة ضباب في القاموس الشعري لريبول بشكل متواتر الى درجة تتحول معها الى رمز أو مفتاح لعالمه الشعري ولرؤيته للعالم. يقول ريبول في المقدمة "عندما أختار عتبة للشعر يغدو لدي إحساس دوما بأن أتوغل في فضاء ضبابي حيث الأسماء والعلامات تحتك بي دون أن تبرز لي بدقة أشكالها الحقيقية، وشيئا فشيئا، أمضي متعودا على كثافة ذلك الضباب الطافي، حيث لا أتعرف ولا حتى على ذاتي" المنطقة التي يغمرها الضباب بوفرة يوجد فيها مفتاح اسم ريبول:
ليس ثمة موسيقى ولا ماء
هناك فقط إيقاع حديث الولادة
من همس اسمه
يعلن عني ما بين الضباب
ليس ثمة سماء ولا أفق
هناك فقط خط ممكن تخيله
يفصل ذاك الذي كنته
عن ذاك الذي أسميه
في هذا المساء بلا بحر
في هذا الضباب المشتهى {ص176}
أعرف أن الضباب ينشر أجنحته
ويدعوني الى المتاهة
التي رسم شكلها
مثل كتاب حياتي {ص 208}
تسمح المختارات الشعرية "اليوم ضباب" للشاعر خوسيه رامون ريبول من تكوين نظرة كلية على تجربة شعرية عميقة لا ترسو على ضفاف المعنى، بل تغور عميقا في الاستعارات، تؤسس لنصها الشعري أفق مفتوحا لإعادة الكتابة مما يجعل من نسق القصيدة، نسقا متحولا وخصبا وهو ما يجعل جماليات القراءة تزدان خصوبة، ويسرد الشاعر والمترجم خالد الريسوني العديد من الآراء النقدية، في تصديره للديوان، والتي يجمعها هذا الحس المتعلق بكنه الشعر. فبلاغة الغموض لا تتخذ عمقا في ذاتها، بل فيما تفتحه من آفاق رحبة أمام النص الشعري. لذلك يشير خوسيه لويس غارسيا مارتين الى ريبول بشاعر رمزي يطلع الى منح القصيدة شرط الموسيقى. ينطلق الشاعر ريبول من عمق في الرؤية، أو كما يقول كباييرو بونالد "القدرة الفنية الإمتاعية للنص"..
تبدو الكلمات كيانات أخلاقية
حينما تعبر النص
{...}
يبدو أنها وحيدة لكنها أكثر من وحيدة
فيها تجويف يمضي عبره العالم
نحو العوالم الأخرى {ص105}
يصر خوسيه رامون ريبول على الدخول الى متاهات القصيدة والشعر، متأبطا حسا معرفيا للكينونات. لذلك يصر الشاعر على التقاط أكثر التفاصيل والجزئيات دقة بغية تحميلها برؤى جديدة، تلهم القصيدة "الريبولية" أن تكون قصيدة بعمق بلاغة الغموض. إذ..
"من فضاء أسود خلف الكلمات
يتشكل النور ويئن الأفق" {105}.