إلى الراحلِ قبلَ أوانهِ.. وليد منير
(1)
لا غيمَ في يدهِ ولا رؤيا تُعذِّبهُ
ليطلقَ طائراً من قلبهِ نحوَ السماءِ
وراءَهُ تعوي الذئابُ وتستبيحُ صدى خطاهُ
ورفَّةَ الحلمِ البريءِ...
مسافراً أبداً ووجهتُهُ السرابُ
وظلُّ فاتنةٍ تُخاتلُ حزنهُ
المزروعَ في عينيهِ كالينبوعِ والحبَقِ السخيِّ...
مُضَرَّجاً بالياسمينةِ أو بنارِ العشقِ
في أبهى صعودٍ نحوَ هاويةٍ
مُدَلاَّةٍ على صدرِ القصيدةِ...
آهِ يا ابنَ النيلِ والبُرديِّ والنخلِ المعانقِ
في الفضاءِ وفي الدماءِ خلاصَهُ ورصاصَهُ
وأنينَ تربتهِ ومثوى روحهِ في الطينِ...
كيفَ تجُرُّ من نجمٍ إلى نجمٍ دماءَكَ
والسهامُ تقدُّ قلبكَ قبلَ كعبكَ
يا ابنَ حَتشَبْسُوتَ ؟
تيَّاهٌ مقامُكَ في السماءِ..
عصيَّةٌ ريحُ الجنوبِ..
ودُرَّةٌ تهوي إلى عينيكَ
من قمَرٍ توضَّأَ بالنحيبِ عليكَ..
ها قلبي وحيدٌ بعدَ جذوتكَ النديَّةِ
مرهقٌ كعويلِ سُنبلةٍ
دمي يبكي وتحتشدُ الزلازلُ في يديَّ
كما احتشدْتَ بسكرةِ ابنِ الفارضِ المثلى
وحكمةِ شاربِ الكأسِ المقطَّرِ من عبيرِ
سعادةٍ علويَّةٍ.. سُقراطَ
يوجعُكَ التأمُّلُ في حياتكَ
أو مماتِ الأقحوانةِ وهيَ تذوي
قابَ قُبلةِ عاشقٍ من روحكَ الظمأى
وتوجعُكَ الشموسُ على مداخلِ أغنياتكَ
في مدارِ العشقِ تبصرُ روحَ موسيقاكَ
وهيَ ترفُّ في أعلى المجازِ رفيفَ قبَّرةٍ...
وتُدركُ روحَ شيخكَ في المعرَّةِ
أو مضاجعِ ميسلونَ..
كأنَّ قلبكَ كائنٌ أعمى
يجُسُّ الآخرينَ بناظريهِ وحكمةِ الصوفيِّ
يا ابنَ الشمسِ
خفَّاشٌ يهبُّ على انتباهكَ في الضحى العُلويِّ
ينهشُ ما تبَقَّى من زهوركَ
قربَ قوسِ الماءِ
أو نافورةِ الحنَّاءِ
والدمِ... قربَ قوسِ الذُلِّ والتنكيلِ والتقتيلِ
في الزمنِ اللعينْ
(2)
أُسمِّيكَ غيتارةً ترتقُ الأرضَ بالعشبِ والحُبِّ
في ذروةِ الجدبِ
أو في ربيعِ الجنادبِ
في عالمٍ من عواءِ الكلابْ
أُسمِّيكَ فيضَ هيولى يمُدُّ على فسحةِ النورِ
ظلاًّ ظليلاً وصوتاً خضيلاً
ويفتحُ في قَمَرٍ حالمٍ في جناحِ الفراشةِ
مليونَ بابٍ وبابْ
(3)
أسألُ ذرَّاتِ المطرِ الهاطلِ
عن وجهكَ مثلَ الملهوفِ يُنادمني ندَمي
أحلمُ أني أركبُ مركبةً من موجٍ وحريرٍ ورياحٍ
تحملني نحوَ كواكبَ أبعدَ من روحي عنِّي
أحلمُ أني خارجَ جسمي الآنَ
وخارجَ دائرةِ الموسيقى
أسقطُ كالنجمِ أو الخلخالِ الفضيِّ
وحيداً من قدَمِ القمَّةْ
أتبعثرُ مثلَ الضوءِ الثلجيِّ
وتأكلُني الظُلمةْ
(4)
عقربُ الموتِ كانَ أشدَّ سواداً من الفحمِ
أو من ضمائرِ من أنكروكَ
وكانَ يعضُّ تويجاتِ قلبكَ
من دونما رحمةٍ
بينما كانَ تاريخُ مأساتكَ الملحميَّةِ
يمتدُّ من قُبلةٍ مُرَّةٍ في الصعيدِ البعيدِ
إلى فسحةٍ في أقاصي بكاءِ النخيلْ
عقربُ الموتِ يصرعُ أنثى الغمامِ وراءَ ثيابكَ
يستنهضُ الشعراءَ اليتامى
ويأخذهم من تلابيبِ أنهارهم
نحوَ هاويةِ المستحيلْ
ويقولُ الذي لا أقولُ
يقولُ الذي لا تقولْ
(5)
لا غيمَ في يدهِ
كأنَّ سماءهُ من فضَّةٍ عمياءَ..
يُوجعُهُ التأمُّلُ في الحياةِ
وفي مماتِ الأقحوانةِ وهيَ تذوي
قابَ قُبلةِ عاشقٍ من روحهِ الظمأى
على قلَقِ البحارِ ينامُ كالمسكينِ
كيفَ يشاءُ مقتولاً
لنرجسهِ مقامٌ باذخٌ في الصحوِ
طفلٌ حينَ يحلمُ في الصباحِ
وحينَ يبكي فوقَ صدرِ الليلِ
تزدحمُ الحدائقُ في يديهِ
رأيتهُ ينحلُّ في نورِ التجلِّي
كاشفاً لي سرَّهُ
ومُضرَّجاً بالياسمينةِ أو بنارِ العشقِ
في أبهى صعودٍ نحوَ هاويةٍ
مُدلاَّةٍ على صدرِ القصيدة.
تشرين ثاني 2010