رسالة مصر

شرفة ليلى مراد

منتصر القفاش

 

الصدفة تجمع أشياء مستحيل تخيل إمكانية الجمع بينها. ليلى مراد كانت قاسما مشتركا بين فيلم وقصيدة شعرية. في فيلم "في شقة مصر الجديدة" لمحمد خان كانت بداية الفيلم صوت ليلى مراد، ومدرسة الموسيقى التي يعشقها طالباتها تغني معهن قلبي دليلي، ونرى السعادة وهي ترتسم على وجوه الجميع كأنها تبعث عصرا نورانيا بين جدران فصل في مدرسة راهبات، لكن بسبب هذا الغناء تم طرد أو فصل المدرسة لخروجها عن تقاليد المدرسة المتزمتة لكن حضور هذه المدرسة لم ينته بغيابها، بل ظل متغلغلا في نفوس الطالبات خاصة واحدة منهن ظلت تراسلها وتحلم بان تلتقيا مرة أخرى. وعندما سافرت إلى القاهرة أول مرة كان أهم شيء لديها البحث عنها والالتقاء بها. والفيلم مبني على البحث عن المدرسة وعلى المفارقة بين رومانسية وبراءة تلك الطالبة ـ التي صارت أيضا مدرسة موسيقى ـ وبين مجتمع القاهرة المتسارع الإيقاع والشاب الذي سكن شقة المدرسة، وواحد من سماسرة البورصة. فالآثار الضارة التي خاف منها مسؤولو المدرسة كانت دافعا خفيا للرحلة سواء على مستوى الزمان أو المكان أثرت حياة الطالبة

وفي قصيدة "شرفة ليلى مراد" لحلمي سالم، كانت المدرسة التي لا يسمح فيها بتداول مثل هذه القصائد: الهيئة المصرية العامة للكتاب. في الفيلم  كان مشهد إبلاغ المدرسة بالنقل أو بالطرد صامتا، فلم يكن المتفرجون في حاجة إلى سماع قائمة بأسباب معروفة، ويستطيع أي متفرج أن يخمنها من كثرة ما ترددت، فان هيئة الكتاب أعلنت أن المنع  أو مصادرة المتبقي من أعداد مجلة إبداع بسبب "الإساءة إلى الذات الإلهية" وبالطبع ليست الذات الإلهية هي التي يخشى عليها كما يعرف هذا الجميع، فالسبب يمثل جزءا من ممارسات وسياسات نظام لا يريد فتح باب الجدل مع الجماعات الإسلامية وممثليها في مجلس الشعب، بل ويحاول أن يظهر نفسه انه يخشى على الدين أكثر منهم.

لذلك فان أية محاولات للدفاع عن القصيدة المغضوب عليها بأنها  حمالة أوجه لن يجد آذانا صاغية من أصحاب المنع، فالقيمة الفنية آخر ما يهمهم، ولا ينشغلون بالنظر إلى القصيدة على أنها عمل فني وليس بيانا آو شعارا.  فالدفاع عن الأعمال الفنية الممنوعة بهذه الطريقة بقدر ما ثبت عدم فائدته فانه من ناحية أخرى اختزال لتلك الأعمال  لأنه ينفي إمكانية من إمكانياتها، فالمستوى المباشر الذي تعنيه الكلمات من أول وهلة مستوى من مستوياتها ولا يمكن إلغاؤه بجرة قلم، فاللغة لها ذاكرة تتجاور وتتجادل فيها معاني الكلمات. ولا أقصد هنا الإعلاء من قيمة الأعمال الفنية التي تقع في شرك المباشرة بل اقصد أن الدفاع بطريقة أنها "والله عمل فني" يؤول القصيدة بحيث يبعدها أو يبرؤها من التهم التي ألصقت وفي نفس الوقت يفرض طريقة واحدة لتلقيها، بالإضافة إلى  أن هذا الدفاع في محكمة اتخذ قضاتها حكمهم مسبقا ويرون أن أي كلام عن تبرير فني من قبيل حق يراد به باطل.  ومن المفارقات المؤسية أن حلمي سالم حاول أن يخفف من صدمة كلمة الله فاستبدل بها كلمة الرب، لكنها لم تمر أيضا من مصفاة الرقابة، ورأوا فيها أيضا أنها تعني الذات الإلهية. إن الأعمال الفنية لا تحتاج لمذكرة دفاعية لإثبات فنيتها، ولا تحتاج أيضا لتذكرة أي احد انه من حقها تناول مختلف القضايا الدينية والسياسية والجنسية، والخوض في إشكالياتها وفتح الأبواب المنوع الاقتراب منها. وإذا كان الله قضية منتهية وحسمت لدى أصحاب اليقين الوحيد  فإنها على أرضية الفن سؤالا مفتوحا يحق للمبدع أن يعيد طرحه والتأمل فيه. وعودة مرة أخرى للفيلم والقصيدة اللذين يتيحان لنا رؤية أن مع انعدام الحرية، وضيق الأفق سيجِّرم الفن بكل أشكاله، سواء كان أغنية رومانسية لليلى مراد، أو قصيدة تشير إلى الله أو الرب.  أما القصيدة التي أثارت تلك الزوبعة فإن (الكلمة) تعيد نشرها كاملة ضمن قسم الشعر في هذا العدد.