يخصنا الباحث والمبدع المغربي المرموق بهذا النص الشعري اللافت بحس بصري يلتقط جزءا من تفاصيل الأمكنة المغربية في المدينة وحالاتها، ومن شعرية المكان المحكوم بأيقونة "الشهرة" نكتشف بعضا من استعارات لا تسبر أغوارها إلا عين حكيمة وهي تعيد تشكيل استعارات المكان بملح الذاكرة وتاريخها.

صورة الفنان في ناصية باليما

حسـن بحـراوي

 

على بعد حانتين من الصيف الماضي

يقبع الرجل الأحدب

ذو العين الزجاجية سنفعل بكل هذا

 

يهدي المارة

بكل طيبة

لوحات غامضة

وبدون ألوان تقريبا

بينما يُشهر هواجسه

التي صارت أقل من لاشيء

في وجه السابلة والشرطة الجوالة

من عابري الزقاق

الذي لا منفذ له.

 

ثمة على الرصيف

تتمدد لوحاته الحدباء

وقد تهرأت حوافّها

من كثرة اللمس والشبهات

مع أنه لم يرسمها بعد

سوى في خياله.

 

أما المرأة الشريدة

التي تقبع على عتبة العمارة

بنبل الأميرات

بانتظار أن يأتيها الحظ العاثر

بالسيجارة والقبلات

فقد نسيت حواجبها

في الحمام البلدي.

 

ثم هناك أيضا بالمناسبة السعيدة

حارس السيارات

الذي ورثه الزقاق

عن حرب لاندوشين

ببدلته الزرقاء

وقبعته التركية المدلاة

على رقبته مثل يد تربث

على جبين الريح

يجلس القرفصاء بدون رغبة

ثم يقف بأقل من ذلك

في انتظار خروج زبناء المرقص.

 

في الجهة المقابلة

حيث يرقد البرلمان

رقدته الأخيرة

يقف سلطان باليما

مدجّجا بالنياشين والمسغبة

تاركا لحيته تنمو بغير اتساق

ويده تلوّح للمارة

وكأنه يراهم لأول مرة

أملا في جنازة تليق 

بالرجل الذي باع قصبة الأوداية

في غفلة من مرشدي السياحة.

 

صديقي الروبيو

إليك هذه الاستغاثات

التي تبعث بها على الويب

المنظمات غير الحكومية

لفاقدي الأسنان

والمترهلين بقهوة الظهيرة

المسكوبة في الأرصفة

كن صارما من الآن فصاعدا

مع سعاة البريد الأتقياء

وأصحاب الشهادات

المعتصمين في المخيلة

إذا أردت أن تكسب الرهان.

 

أما الفنان الذي نسيناه

منذ سعال القرن الماضي

فقد التهمه السأم والرومانسية

عند ناصية باليما.