يتأمل الكاتب والشاعر المصري هنا الأسباب الفكرية لسقوط حكم الإخوان في مصر، وخروج الملايين رافضة لهم بعد عام واحد من حكمهم. ويجد أن السر كامن في فكر مؤسسها، وخريطة هذا الفكر التي تعتمد على التشدد الديني والمراهقة الفكرية والانفصال عن الزمان والمكان والعقل والآخرين، والهوس المرضي بالمرأة.

الأسباب الفكرية لسقوط الاخوان

فرانسوا باسيلي

لماذا كان فشل الاخوان في مصر بهذا الحجم الهائل؟ ما الذي أدي إلي سقوطهم ذلك السقوط المدوي؟

كان الملايين في مصر والبلاد العربية والأجنبية يشاهدون الفشل الإخواني يتجلى يوميا علي الساحة السياسية في مصر بالصوت والصورة علي شاشات الفضائيات ويعيشون آثاره في الشارع المصري الذي راح خلال عام واحد من حكم مرسي والاخوان، يتدهور بسرعة كبيرة حتي أصابه الشلل، وتجلي ذلك بشكل فاضح في طوابير السيارات تسد طرقات مصر من الاسكندرية إلي أسوان واقفة بلا حراك لغياب الوقود، وفي ملايين التلاميذ يقرأون علي لمبات الغاز ساعات كل يوم تنقطع فيها الكهرباء معبرة عن عودة مصر إلي عصر الكهوف فكريا وفعليا، بينما رأينا الهزل والتهريج والتواطؤ في مواجهة ما يهدد أمن مصر القومي من أخطار ارهابية في سيناء وتهديدات لمياه نهر النيل من أثيوبيا، لن أسرد هنا قوائم بمظاهر الفشل الهائل فقد رآه الجميع وكان هو الدافع وراء خروج أكبر تجمع بشري ثائر في التاريخ. حيث خرج نحو الثلاثين مليونا من المصريين في كافة محافظات مصر تطالب بإسقاط الرئيس مرسي ورحيل الاخوان عن السلطة حتي سقط ورحلوا. لقد عادت مصر التي أقامت أول وأبهي حضارة علي الأرض لتقدم للعالم درسا باهرا في عبقرية الثورة وعبقرية التغيير.

المظاهر العديدة الفاضحة التي رأيناها لفشل الإخوان هذا الفشل التاريخي في الأداء والسلوك والفكر هي أعراض لمرض خبيث له أسباب داخل جسد الجماعة الاخوانية، ففشل الاخوان كان محتما، لأن بذوره دفينة في طبيعة ونفسية وفكر الجماعة كجماعة وأفرادها كأفراد. لم يفشل الحكم الإخواني بسبب أخطاء هنا أو هناك، مثل أخطاء وخطايا الإعلان الدستوري الغاشم، وتحصين القرارات والإقصاء والأخونة، والقرارات المتضاربة، والتعيينات الفجة، والخطب الهزلية، ومعاداة القضاء والإعلام والمثقفين والأقباط والأقليات والشرطة والجيش، والتحالف مع الارهابيين، ودعوتهم لحضور المناسبات الوطنية العامة. والغباء المذهل في الارتجالات السياسية الداخلية والخارجية، والتي هي كلها أعراض خارجية للمرض، فالمشكلة ليست في البثور علي جسد المريض بالسرطان مها كان منظرها يدعو للجزع والرفض، ولكن المشكلة هي في المرض الخبيث الكامن داخل الجسد، فالإخوان لم يفشلوا صدفة أو تعثرا أو لظروف خارجة عن إرادتهم، الإخوان فاشلون بالضرورة، لم يكن في استطاعة الاخوان إلا أن يفشلوا، لم يكن في طبيعتهم ونفسيتهم وفكرهم إمكانات وبذور سوي إمكانات وبذور الفشل، فالشجرة لا تملك أن تطرح إلا الثمرة التي أعدتها لها ووعدتها بها البذرة، فما هي خصائص البذرة الاخوانية التي طرحت علينا كل هذا الفشل ولم تكن تملك أن تطرح سواه؟

لابد أن نجيد توصيف الجماعة لكي نعرف عما نتحدث بالضبط، الجماعة الاخوانية هي أساسا جماعة دينية متشددة، أسسها وينجذب إليها أفراد لهم رؤية دينية متشددة وصبيانية في نفس الوقت للدين وللحياة وللعالم، ولابد من التركيز هنا علي كلمة "متشددة"، وهي في نفس الوقت منظمة باطنية ميدانية صارمة تعتمد الانضباط والسرية ونظام الخلايا ومبدأ السمع والطاعة. مع طرد كل من يخرج علي هذا النمط من أعضائها وقادتها، مع اللجوء إلي العنف وأعمال الارهاب كلما لزم لتحقيق أحلام وأطماع الجماعة. هذا التشدد الديني بطبيعته وخصائصه التي سأوضحها، ووجوده داخل إطار تنظيم الجماعة، هو البذرة التي لا تملك سوي أن تطرح ثمار الفشل والفقر والبؤس الفكري والفعلي، والتي لم تستطع مصر أن تتحمل مذاقها العفن وسمومها المميتة أكثر من عام واحد، فلفظتها من فمها وطرحتها إلي الأرض في ثورة 30 يونية الهائلة. هذه الجماعة الدينية المتشددة تحمل في جيناتها التكوينية عددا من التشوهات المادية والنفسية الكامنة في الجسد الإخواني تدفعه إلي الفشل بالضرورة.

1- المراهقة الفكرية
لن تجد في التصور الذي طرحه مؤسس الجماعة، حسن البنا، لجماعته في 1928 سوي رؤية رومانتيكية لجماعة إسلامية هي أقرب إلي ما يتصوره شاب مراهق لأحلامه ودوره في الحياة، فقد رأي أن الجماعة، حسب وصفه: "هي دعوة سلفية، وطريقة سنية، وحقيقة صوفية، وهيئة سياسية، وجماعة رياضية، ورابطة علمية ثقافية، وشركة اقتصادية، وفكرة اجتماعية". الجماعة إذن في هذا التصور هي كل شيء، وبهذا تصبح لا شيء محدد، وهذه الشمولية الرومانتيكية هي من طبيعة الفكر الشبابي المراهق غير الناضج. فالنضج يؤدي بصاحبه إلي إدراك ضرورة التخصص في حياة أصبحت مركبة متشعبة لا تحتمل هذه الرؤية الهلامية، وسنجد نفس المراهقة الفكرية في الهدف المعلن للجماعة والطريقة المتدرجة لتحقيقه، فتقول الجماعة أنها "تسعى في سبيل الإصلاح الذي تنشده إلى تكوين الفرد المسلم، فالأسرة المسلمة، فالمجتمع المسلم، فالحكومة الإسلامية، فالدولة الاسلامية، فأستاذية العالم". وهذا التعبير "أستاذية العالم" لا يصدر إلا عن شاب في طور المراهقة الفكرية، ينظر إلي العالم والحياة برومانسية شديدة غير متصلة بالواقع، ولكنها تخلب ألباب الشباب بما فيها من سمو الحلم وراياته المرفرفة بعاطفة الحماس واندفاع المراهقة، دون وجود الامكانات والموارد اللازمة لتحقيق ولو جزء صغير من هذا الحلم المراهق.

ستعكس هذه المراهقة الفكرية نفسها بعد ذلك في السلوك المندفع الفج الذي رأيناه من قيادات الجماعة أولا بعد دخولها مجلس الشعب المصري كأغلبية متحكمة واندفاعها في تأسيسية الدستور وكأنها تملك الكفاءات الدستورية لذلك في غير أساس من الواقع. ثم رأيناها في الأداء السياسي البدائي الفج للدكتور محمد مرسي وخلفه مكتب الإرشاد بكامله، والذي جاءت تصرفاته وقراراته وخطاباته ورؤيته أقل ليس فقط من مستوي رئيس لجمهورية ولكن أقل حتي من مستوي مدرس في مدرسة ابتدائية، الكلام عن "أستاذية العالم" إذن ليس سوي مراهقة فكرية هي في صميم طبيعة فكر الجماعة منذ تأسيسها، وفي صميم دعوتها الجاذبة لشباب مراهق يجد في رؤيتها الصبيانية الساذجة تحقيقا وهميا لأحلامه المفقودة، وذاته المهدورة، فيتعلق بها تعلق المراهق بوهم حبه الأول.

ومما يثبت المراهقة الفكرية أنك لن تجد للجماعة فكرا جادا، أو نظرية فكرية متماسكة في أي مجال من المجالات العديدة التي توهمتها لنفسها، ولم يتميز أو يبدع أو يتفوق أي اخواني في أي من هذه المجالات، فلن تجد إخوانيا مميزا في الفكر أو الأدب أو العلوم أو الآداب أو الرياضة أو الفنون أو علم الاجتماع أو الاقتصاد أو العلوم السياسية أو حتي في الفقه الاسلامي. وذلك رغم تواجد الجماعة علي مدي عدة أجيال خلال خمسة وثمانين عاما إلي اليوم. وكانت الإضاءة الأدبية الوحيدة الواعدة لديهم هي الأعمال النقدية لسيد قطب، ولكنه سرعان ما هجر الأدب وتوغل في تفسيره الخاص للقرآن بشكل مخل أوصله إلي تجهيل وتكفير المجتمع المسلم الذي لم يجده مسلما بما فيه الكفاية حسب رؤيته الاخوانية الضيقة، وهي نفس الرؤية الرومانسية المراهقة المنفصلة عن الواقع التي تأسست عليها الجماعة منذ البدء.

2- الانفصال عن الزمان:
لا يقيم الفرد الإخواني، ولا الجماعة الاخوانية، في العصر الذي يتواجدون فيه جسديا، فهم ككل متشدن - وهي كلمة قمت بنحتها لأختصر بها المتشدد دينيا - يقيمون فكريا ووجدانيا في عصر السلف الذي يتوهمون أن الإقامة فيه هي الطريق القويم إلي تمثل هذا السلف الصالح وتقفي خطاه. ويذهب بهم هذا الانفصال إلي الإيمان بضرورة العودة إلي الأصول، بما في ذلك التشبه بالسلف الصالح ليس في التحلي بالقيم الأساسية للدين والايمان فقط، ولكن أيضا في المحاولة المستحيلة للإقامة وجدانيا وفكريا وسلوكيا في عصر وزمن هذا السلف، ويا حبذا لو احتذوا بهم في كل تصرف وكل أسلوب حياة من ملبس ومأكل وعادات اجتماعية وتصرفات شخصية. وكأن ما كان يلبسه ويأكله ويفعله ويركبه السلف صالح ليس فقط لعصرهم وبيئتهم، ولكن لكل عصر وكل بيئة. هم، ومثلهم المتشدن المسيحي واليهودي، يقعون في خطأ الخلط بين القيم الدائمة للدين والتي هي قيم إنسانية عابرة للمسافات المكانية والزمنية، وبين العادات الاجتماعية والثقافية والبيئية المتغيرة التي حدث أن نشأت فيها الدعوة الأولي لهذا الدين، وهي عادات لا علاقة لها بالدين أصلا، هذا الخلط هو من طبيعة المراهقة الفكرية التي تلازم المتشدّن، أي أن المراهقة الفكرية تؤدي أيضا إلي الانفصال عن الزمن والاقامة في زمن سالف بعيد، مما يجعل صاحبه غير قادر علي مجابهة عصره بشكل فعال، فكيف له أن يحسن التعامل مع زمن لا يقيم فيه وبالتالي لا يعيه أو يفهمه أو يتكلم لغته؟

وقد تجلي الانفصال عن الزمن في مواقف الاخوان الصادمة من عدد من القضايا الاجتماعية والانسانية التي كان قد حسمها التطور الاجتماعي في مصر نفسها، خاصة في مرحلة سيطرتهم علي اللجنة التأسيسية للدستور، وفي لقاء شهير لممثل الاخوان في اللجنة مع الإعلامي وائل الإبراشي في برنامج العاشرة مساء - وهو متوفر علي اليوتيوب- قال ممثل الاخوان "وما المانع أن تتزوج البنت في سن التاسعة أو العاشرة مادامت قد بلغت؟" وكذلك في رغبتهم في رفع النص المحرِّم لختان الاناث، وغيرها من القضايا التي كشفت مدي تخلف الفكر الإخواني عن مسيرة التقدم الانساني في مجالات حقوق الإنسان والتصاقهم بمنظور بالغ الضيق لما يتوهمون أنها أوامر إلهية لم يحسنوا فهم مقاصدها لذلك جاءت رؤيتهم قاصرة عن رؤية المرجعية الاسلامية الأكبر في مصر والعالم الاسلامي ممثلة في الأزهر الشريف.

 3- الانفصال عن المكان
كما أن الإخواني المتشدّن منفصل عن الزمان، هو أيضا منفصل عن المكان، فهو لا يقيم في الواقع علي الأرض التي يمشي عليها، لكنه يقيم فكريا ووجدانيا في عالم فوق-واقعي، أو فوق-أرضي، يمت إلي عالم من الغيب الذي يبدو له أنه الحقيقة الوحيدة، عالم منسوج من عظات وتفسيرات وقصص ورؤي شيوخ ودعاة يقع المتشدن في مجالهم المغناطيسي الذي يبدو له أنه مجال السماء أو الجنة، ينفصل الإخواني عن الواقع لفرط انشغاله بالشؤون والمظاهر والتفاسير والفتاوي الدينية، ومعايشته الدائمة لأدبيات ومظهريات التدين وانجذابه لأحلام رومانسية كبيرة فارغة من المعني مثل أستاذية العالم، وهي أحلام ولغة دينية شجية السجع والوقع تدغدغ إحساس الشباب دون تقديم معني محدد أو خطة واقعية، فهي لغة وتهيؤات وأحلام تدور حول نفسها وتختلق عالما موازيا بديلا لا ينتج فيه المتشدن شيئا نافعا لنفسه أو لمجتمعه، فهو عالم من الكلام والخطابة البديلة للفعل، وتكون النتيجة أن الإخواني يقيم في عالم غير واقعي منقطع الصلة بالواقع الذي يعيشه الناس لذلك يفشل في التعامل مع الواقع ويلجأ إلي الهروب منه ورفضه وتكفيره كما فعل سيد قطب وتبعته الجماعات الاسلامية المتطرفة التي انبثقت عن الاخوان.

وقد رأينا هذا الانفصال عن الواقع جليا في سلوكيات وأقوال وأفعال الرئيس المقال محمد مرسي وقيادات الاخوان، وقد كان انفصال الاخوان عن الواقع المصري واقامتهم في عالم من توهمهم أحد أهم أسباب ثورة المصريين عليهم وإسقاطهم، فقد توهموا أن مصر صغيرة جدا، وأنها قد دانت لهم، ولم يستطيعوا قراءة واقع المصريين وطبيعتهم ومزاجهم، فقالوا وفعلوا ما صدم المصريين وكان مخالفا لكل ما هو أصيل وجميل في مصر، وكان خطاب مرسي البالغ ما يقرب من ثلاث ساعات مثالا واضحا لمدي انفصال هؤلاء عن الواقع المصري، فقد كشف أن الاخوان يقيمون في عالم بديل، من صنع خيال مختل مهزوز. لا يمت لواقع مصر الراسخ بصلة، لم يتمكن الاخوان من فهم ركائز المجتمع المصري وخصائصه الصميمة وصفاته التاريخية الحميمة وثوابته العميقة، فقاموا بمعاداة هذه الركائز والثوابت والخصائص وأهانوها؛ وحاولوا عبثا نزعها عن المصريين، ولذلك فشلوا في التواصل مع المصريين نخبة وجماهير معا، وأصبحوا أعداء للجميع. فكان سقوطهم محتوما.

4- الانفصال عن العقل:
من مزالق الإخواني، والفرد المتشدن بوجه عام، عبوديته للحرف في النص المقدس، بما يمنعه من القدرة علي التفسير العقلاني لمقاصد الدين. فالعقل المتشدن يقف مشلولا أمام المعني الظاهر الحرفي للكلمة. متصورا أن لها معني في ذاتها خارج سياق النص وخارج البيئة الثقافية التي ظهرت فيها الكلمة، رغم أنه لا يمكن فهم أي نص، ديني أو غيره، فهما سليما إلا من خلال المناخ الثقافي الاجتماعي الذي ظهر فيه، ورغم أن اللغة بشكل عام هي "حمالة أوجه"، فإننا نري المتشدن يستخدم النص المقدس كسيف يسلطه علي الناس، لكي يخضعهم لتفسيره المباشر المنغلق للقصد الديني. يتجاهل المتشدن ثراء اللغة وتعدد معاني الكلمة والعبارة. ويدعي أن النص صريح، ومن يخالفه فهو مخالف لشرع الله. ويجد المتشدن في هذا التضييق للمعني المقدس فرصة لكي يتقمص دور المعلم الواعظ المقرع المؤنب للناس. وبهذا يرفع نفسه فوقهم ويكتسب مكانة اجتماعية ما كان يمكنه اكتسابها. وذلك بمجرد حفظه للنص المقدس، وترديده له في لهجة من التقريع والزجر المتعالي للمستمعين له. فما أسهلها من وسيلة للتسلق الاجتماعي والتسلط علي الاخرين بأبسط تكلفة.

لقد رأينا تعطيل الإخواني للعقل في الكثير من مواقف وأقوال الجماعة وقياداتها، فتعليلا لسماحهم بزواج البنت في التاسعة أو العاشرة يقولون: نحن لا يمكننا أن نحرم ما حلله الله، وفي بداية كل حوار سياسي في التلفزيون يبدأ الإخواني، والسلفي أيضا، حديثه بالآيات القرآنية، وكأنه يقول لك لا تعارضني فأنا أتكلم باسم السماء.

تعطيل العقل والركون إلي النقل والتفسير الحرفي البليد للنص المقدس حسب تفاسير الأقدمين من البشر يؤدي بالإخوان والمتشدنين بشكل عام إلي هجران التفكير، والاعتماد علي السمع والطاعة، وهو منهج الاخوان في علاقاتهم داخل الجماعة. وهو منهج يخمد طاقة الإبداع في الفرد، ويحوله تدريجيا إلي إنسان شبه آلي، يسمع ويطيع وينفذ بلا تفكير. ولذلك لم يكن غريبا أو مفاجئا أن يفشل الاخوان في كل شيء، فكيف ينجح من فقد القدرة علي التفكير المستقل والخلق والإبداع؟ فمن لا يستطيع أن يبدع في تطوير وتحديث فهمه للدين لن يبدع في أي مجال آخر، ومن لا يسمح لعقله بالجموح الفكري والإستكشاف الرائد لن يبتكر أو يخترع أو يتفوق في أي مجال، وسيكون فقر الأداء وتواضع الموهبة والعجز عن الإنجاز هي النتائج الطبيعية لهذا كله، وهو ما رأيناه في الاخوان نوابا وقادة ومحافظين ورئيسا ومستشارين ووزراء في كل المجالات. 

5- الإنفصال عن الآخرين:
يقيم الإخواني في عالمه الخاص المنغلق عليه. متوهما أنه في حالة اكتفاء ذاتي لا يحتاج معه إلي أي نوع من المعرفة خارج حدود النص المقدس، الذي يظنه جامعا لكل معارف الكون. فتجد مثلا من يقول أن القرآن الكريم يحتوي كافة المعلومات والنظريات العلمية التي يقدمها ويكتشفها العلم. وتحت هذه النظرة تضمر رغبة الفرد في اكتشاف المعارف المختلفة خارج المنظومة الدينية. ولذلك تجد أن الإخواني محدود الثقافة بشكل كبير. بل تجد لديه نوعا من تقليل قيمة الثقافة والآداب والفنون واحتقارها، واعتبارها مضيعة للوقت الذي يمكن توظيفه بشكل أفضل في الصلاة، أو الاستماع إلي الفضائيات الدينية. وبهذا ينفصل الإخواني عن معارف العالم ويضيق أفقه، فنجد وزير ثقافتهم محدود الثقافة، يأتي ليحاول إلغاء دار الأوبرا ويعزل رئيستها النشطة. ويفعلون نفس الشيء مع قصور الثقافة التي يمنحونها لأتباعهم ممن لا تخرج "ثقافتهم" عن حدود المعرفة الدينية السطحية، المستمدة فقط من أقوال وكتابات حسن البنا أو سيد قطب. وليس غريبا بعد هذا أن نجد قيادتهم من الدعاة يكفرون عملاق الأدب المصري نجيب محفوظ، فيخرج شاب مأفون منهم ليطعنه بالسكين في رقبته.

كما ينفصل الإخواني عن المختلفين عنه في المذهب والدين، فهو يبدأ علاقته بهم بنظرة استعلائية يتوهم فيها أن الحق كله معه، وأن "الآخر" كافر وعلي باطل، وبالتالي لا يستحق أن يكون سوي تابعا صاغرا قد يتحملونه قليلا، وهم يلبسون رداء التسامح أو الديمقراطية، ولكن سرعان ما ينكشف احتقارهم للآخر ورغبتهم في استبعاده واستعباده. كما حدث في سلوكهم في لجنة تأسيسية الدستور، التي انتهت باقتصارها علي تيارهم وحلفائهم السلفيين. وكما حدث في خطابهم الإقصائي التحريضي ضد أصحاب الأديان والمذاهب الأخرى وعلاقتهم المتوترة مع أقباط مصر، الذين وقع أول اعتداء علي كاتدرائيتهم في التاريخ في عهد الاخوان. ومع الشيعة الذين ذبح عدد من قادتهم ودعاتهم لأول مرة في مصر في عهد الاخوان. ويؤدي هذا التعالي علي الآخرين والانفصال عنهم إلي عدم القدرة علي العمل الجماعي، وهو ما رأيناه في انفراد الجماعة بالسلطة في مصر واعتمادها علي كوادرها التي اتضح مدي فقرها وانعدام موهبتها. مما أدي إلي فشلهم الذريع في حكم مصر ثم الثورة عليهم وإسقاطهم.

6- الهوس بالمرأة
لا يكاد يوجد متشدد دينيا، أي متشدن، لا يكون مهووسا بالمرأة، والاخوان والسلفيون هم أكثر هوسا بالمرأة من أي فئة أخري، ويتمثل هوسهم بالمرأة في جسدها، فهم لا يعيرون عقل المرأة أو وجدانها أو مشاعرها أي التفات حقيقي، رغم تظاهرهم بغير ذلك. فكل سلوكياتهم تفضح حقيقتهم، فأول ما طلب مرشد الجماعة من عبد الناصر في بداية ثورة 23 يوليو 52 كان أن يفرض الحجاب علي نساء مصر. ورفض عبد الناصر، وحكي القصة في احدي خطبه مما أضحك جمهور السامعين في مقطع دال متوفر علي اليوتيوب. ولكنهم نجحوا في تحجيب نساء مصر بعد رحيل ناصر والسادات. وفي لجنة تأسيس الدستور التي رأسها الاخوان بعد ثورة 25 يناير، وتكدست بهم وبحلفائهم السلفيين أرادوا رفع الحظر عن ختان البنات، كما قالوا أنه لا مانع من تزويج البنت في التاسعة أو العاشرة ما دامت قد بلغت جسديا (لاحظ أن البلوغ لديهم هو جسدي حيضي بحت، ولا يعنيهم البلوغ العقلي اللازم لكي تصبح زوجة وأما)، مما دفع ببعض الباحثين بإطلاق اسم "فقه الفراش" أو "فقه الحيض" علي رؤية الاخوان والسلفيين الضيقة والرجعية لكل ما يتعلق بالمرأة، التي يرونها أساسا كجسد وكم من اللحم، اعتبروا فيه أن شعر المرأة عورة وصوتها عورة. ورأي بعضهم أن وجهها عورة
. هذا بالإضافة إلي كم هائل من الفتاوي الشاذة التي تتناول المرأة التي يطلقها دعاة معظمهم مدعون لا دعاة، من فتوي ارضاع الكبير، إلي فتاوي تحريم جلوس المرأة علي كرسي كان قد جلس عليه رجل.

لم يكن معظم المصريين يدركون مدي هوس أتباع التشدد الديني بالمرأة عندما صوتوا لهم، فدخلوا مجلس الشعب عام 2011 ، ولكنهم اكتشفوا مدي هذا الهوس بعد ذلك من الأمثلة التي سقتها أعلاه، ومن عدد من الأقوال والسلوكيات الفاضحة، التي قام بها عدد من النواب السلفيين والدعاة والشيوخ في فضح لمواقفهم بالغة المهانة والانتهازية من المرأة. ولذلك كانت المرأة المصرية في طليعة المنتفضين ضد الاخوان وتيار التجارة الدينية بشكل عام، وخرجت المرأة المصرية، حفيدة إيزيس القوية الصلبة المناوئة للشر في الأسطورة المصرية القديمة، بقوة وكثافة في كافة مدن وقري مصر تطالب بإسقاط مرسي والاخوان، حتي سقطوا.

7- العنف الفكري والفعلي:
لا يمكن أن ينتهي المتشدن، أي المتشدد دينيا، إلا أن يلجأ إلي العنف كنهاية طبيعية لمسار تشدده المطرد، فالمتشدد يصبح مع الوقت متطرفا، والمتطرف يصبح مع الوقت إرهابيا، كان هذا هو تاريخ الاخوان كما أنه أيضا حاضرهم الذي كشف عن نفسه بعد سقوط مرسي في التحريض الصريح علي العنف من قبل قيادات اخوانية مسؤولة، كما تجلي في ممارسة الاخوان وأصحابهم من التيار السلفي للعنف ضربا وقتلا وسحلا للأبرياء في الأيام التالية لإسقاط مرسي في ميادين وشوارع القاهرة وعدة مدن مصرية أخري. وكذلك في قيام الاخوان في اعتصامهم بميدان رابعة العدوية بتقديم الأطفال تحت سن العاشرة كقرابين بشرية يرتدون ملابس مكتوب عليها "شهيد تحت الطلب" ويحملون أكفانهم علي أيديهم في مشهد بالغ القسوة والشذوذ الإنساني، الذي يدفع برجال أن يغتصبوا طفولة اولادهم، ويعرضونهم للموت في سبيل غرض سياسي لدي ابائهم بهذا الشكل الهمجي الإجرامي.

وبهذا يثبت الاخوان أن العنف هو مكون أصيل من مكونات جيناتهم الفكرية والنفسية، بل نجده في شعار جماعة الاخوان منذ تأسيسها، والذي يحمل صورة سيفين متعانقين وتحتهما كلمة "وأعدوا"، وفي شعارها الذي يقول: "الله غايتنا، والرسول قدوتنا، والقرآن دستورنا، والجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا"، فلماذا تفكر جماعة المفروض أنها دينية سلمية أن يكون لها أعداء لابد أن تعد لهم ما استطاعت من قوة لكي ترهبهم؟ لماذا تختار هذه الآية بالذات بدلا من آيات أخري كثيرة تحض علي الرحمة والمجادلة بالتي هي أحسن؟ ولماذا يكون الموت في سبيل الله هو أسمي أمانيها؟ وذلك في سنوات تأسيسها حيث لم تكن في مصر وقتها حروب ضد الإسلام، ولا كانت هناك فتوحات أو غزوات، وكانت البشرية قد وصلت إلي مرحلة يدعو فيها الناس للدين بالكلمة والموعظة الحسنة. ولكن الاخوان كانوا منذ البدء يتمنون الموت في سبيل الله في حروب لا يتوهمها سواهم، وسوي فكرهم الجانح إلي العنف الذي لا يري في الحياة سوي الحروب الدينية ضد الآخرين المختلفين، سواء من المسلمين أو من أصحاب الأديان الأخرى. ولعل من الدلائل أيضا علي هذا الجنوح غير المبرر لضرورة العنف والحرب المقدسة وتمني الموت في سبيل الله أن حسن البنا أطلق علي واحدة من بناته الست اسم "إستشهاد" وهو اسم من الغريب أن يطلقه أب علي طفلته، إلا إذا كانت فكرة الاستشهاد مسيطرة بشكل غير صحي علي فكر هذا الأب.

نزوع الجماعة للعنف كان في أساس تصميمها، فقد أسس حسن البنا "التنظيم السري" لهذا الهدف لا غيره، وإلا فما حاجة جماعة دينية إلي تنظيم سري؟ وقامت الجماعة بعدد من الاغتيالات المعروفة بالإضافة إلي محاولات فاشلة لاغتيال جمال عبد الناصر. كما قامت الجماعات المنبثقة عن الاخوان باغتيالات عديدة وأعمال قتل وحرق للسياسيين ورجال الدولة والدين والشرطة والأقباط، ولابد أن نستنتج من هذا كله أن الجماعة منذ تأسيسها هي تنظيم إرهابي في جوهره، يعتمد الإرهاب الفكري أولا للسيطرة علي المراهقين من الشباب البريء المتحمس، ثم يلجأ إلي الإرهاب الفعلي الإجرامي كلما لزم لاستمرار الجماعة في تحقيق أطماعها السياسية، طبقا لرؤيتها الصبيانية للتدين، ولدورها في المجتمع والعالم.

السقوط الأخير:
جماعة بكل هذه التشوهات الجينية الفكرية والنفسية التي تنخر في جسدها ووجدانها كالمرض الخبيث لا يمكن أن تنتج سوي الفشل الذريع في كل ما تقوم به، والعنف المريع كنهاية لمسار أهوج لرجال لم ينضجوا من أوهام المراهقة الفكرية ولم يشفوا من هوس التمكين والاستحواذ وصولا إلي هدفهم الأبله في "أستاذية العالم". ولم يشفوا من هوس العنف وحلم الخلافة وتمني الشهادة في حرب يدعون أنها دينية، وهي ليست سوى العنف الإجرامي للوصول إلي السلطة، والتربع علي كراسي الجاه والنفوذ والسلطان. جماعة بهذا الشكل لم يكن غريبا لها أن تكون منذ نشأتها في عداء مميت وممتد مع كل حاكم مصري. وانتهت بعد أن رآها الشعب المصري عارية من ورقة التوت الدينية المزيفة، التي كانت تغطي بها افتضاحها الفكري والسلوكي، إلي أن تصبح في عداء وجودي ومصيري مع هذا الشعب المحب الوسطي الجميل. ولذلك أسقط الشعب هذه الجماعة مرة أخيرة ونهائية.